محمد يوسف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د. حسين علي محمد
    عضو أساسي
    • 14-10-2007
    • 867

    محمد يوسف

    احتفالية للشاعر الراحل محمد يوسف
    ..............................

    بعد غد يقيم اتحاد الكتاب احتفالية للشاعر الراحل محمد يوسف. بمناسبة مرور ست سنوات علي وفاته.. تلقي خلالها شهادات لعدد من المبدعين والنقاد وأصدقاء الشاعر الراحل.
    يدير الاحتفالية هالة فهمي. ويتحدث فيها د. حسن فتح الباب وخيري شلبي وسيد حجاب وأبوالعلا السلاموني وسعد هجرس ود. مصطفي عبدالغني وفؤاد حجازي وكابتن غزالي وأحمد محمد يوسف.. وغيرهم.
    ..............................................
    *المساء ـ في 11/1/2010م.
  • د. حسين علي محمد
    عضو أساسي
    • 14-10-2007
    • 867

    #2
    محمد يوسف والعزف علي كمنجة التوت

    بقلم : فاروق شوشة
    .................

    في الذكري الثانية لرحيله‏(18‏ نوفمبر‏2003)‏ يصدر له هذا الكتاب الجديد الذي كان يود أن يطول به الأجل ليراه‏,‏ ولم يشأ أن يسميه مجموعة شعرية‏,‏ وهو الذي أصدر خلال مسيرته الشعرية والأدبية عشرة دواوين هي‏:‏ قراءة صامتة في كراسة الدم‏(1970),‏ عزف منفرد أمام مدخل الحديقة‏,‏ الحفر بالضوء علي أشجار حديقة الدر‏,‏ صلصلة‏,‏ تغريبة الفرفور‏..‏ بيعة للضوء والماء‏,‏ ذاكرة للرأس المقطوع‏,‏ داليا‏,‏ شجرة الرؤيا‏,‏ أناهيد‏,‏ إغراءات الفراشة الإلكترونية‏,‏ ومسرحية شعرية بعنوان‏:‏ محاكمة زرقاء اليمامة‏.‏ لكنه أطلق علي كتابه هذا اسم نصوص‏,‏ لأنه بالفعل يضم مجموعة من الكتابات الشعرية والنثرية المتباينة‏,‏
    التي تتراوح مابين جمرة الشعر المحتدمة‏,‏ والمقالة النثرية المدببة‏,‏ والخاطرة الوجدانية اللافحة‏.‏ لذا فإن المدي العريق الذي تتداخل فيه امتدادات محمد يوسف الإبداعية تصطخب فيه هواجسه وطموحاته وانكساراته وسخريته اللاذعة وحسه الحداثي وثقافته الإلكترونية‏,‏ صانعة رؤية قائمة محبطة‏,‏ هي رؤية الشاعر الذي توقف في محطات الدنيا‏,‏ وتأمل طويلا في أحوال الناس وتقلبات من كان يظنهم أصدقاء‏,‏ وإذا بالحياة تتكشف أمام عينيه عن سيرك كبير‏,‏ وغابة‏,‏ وليس إلا جناح الحزن والكآبة‏,‏ أما الحزن فهو شمس الكتابة‏:‏
    ويخطو إلي السيرك‏,‏
    والسيرك أقنعة‏,‏ وجنون وغابة
    صاحبي‏:‏ بيننا الحزن مشترك
    ملجأ من جناح الكآبة
    صاحبي‏:‏ أبهذا النشيد الوريد
    هو الحزن‏..‏
    شمس الكتابة‏!‏
    لاتندهش كثيرا إذا رأيت بعض صفحات هذه النصوص تمتليء بحشد من الأسماء الرموز‏,‏ بكل ماتحمله من ظلال ودلالات‏:‏ والت ويتمان وجون شتاينبك وآرثر ميللر‏,‏ ومارتن لوثر كنج ونعوم تشومسكي‏,‏ وتوفلر في مقابل فوكوياما وهنتنجتون وبيل جيتس‏,‏ وهنري كيسنجر في مقابل جورباتشوف‏,‏ وروزفلت في مواجهة ستالين أو رأيته ساخرا ناقما علي ثقافة الكاجوال ودالاس ومادونا وشوارزينجر وماكدونا لدز وديزني لاند وعلب الليل‏,‏ مترحما علي ملحمة جلجامش وأشعار رامبو‏.‏ فسرعان ماتكتشف أنك في حضرة مبدع عاري الأعصاب‏,‏ حياته معلقة بطلقة غيظ أو إحباط أو هزيمة‏.‏ وكأن هذا الكتاب إرهاص قدري بأن دائرة العمر قد أحكمت‏,‏ واقترب وقت إرخاء الستار‏.‏
    لكن الشاعر الذي يجرفة إبداع متشبث بالحياة ـ رغم أنفه ـ يراوحه غض الأسماء التي مازالت تشكل ضوءا يثقب ظلمة الليل‏,‏ ونورا ـ ولو ضئيلا ـ في العتمة الطاغية وتشده هذه الأسماء إلي نجاوي نازفة وهو يتكيء إليها بديلا عن الجدار الذي يوشك أن ينقض‏:‏ نجيب محفوظ وأحمد مستجير‏(‏ رائد الهندسة الوراثية الذي يؤاخي بين الأضداد‏:‏ اليوجينيا والشعر‏,‏ الهندسة الوراثية وذاكرة الشجرة‏),‏ وأحمد زويل‏,‏ والمتنبي‏,‏ ويوسف‏.‏ يقول محمد يوسف في قصيدته الفيشاوي‏:‏
    المقهي إيقاع أخضر
    يدخل في إيقاع أخضر
    حتي يبلغ أندلس الأوجاع
    الشاي له ذاكرة النعناع
    النعناع له ذاكرة الناي
    ‏................................‏
    في طرف المقهي رجل إسباني‏:‏
    غرناطة‏,‏ قصر الحمراء
    وأبوعبدالله علي طرف المقهي الآخر
    وأنا صعلوك أتجول في ذاكرة النعناع
    وأسعي بين الوقتين‏:‏
    التجسيدي برسم الحزن
    التجريدي بسمت الرؤيا
    الرجل الإسباني يحدق في ذاكرة النعناع
    ‏.....................................‏
    الإيقاع رفيف‏,‏ عشب‏,‏ ورصيف
    وأنا أتدلي من ذاكرة النعناع
    صاحبتي‏,‏ سيدة الوقتين
    ترسم موجتها
    لتزين بهجتها بحنين النعناع
    لأندلس الأوجاع
    الساعة‏,‏ منتصف الناي
    والشاي‏..‏
    يرحل من ذاكرة النعناع‏!‏
    لكأنما أراد الشاعر أن يكتب سيرته الذاتية بالشعر‏,‏ سيرته في منفي الغربة الطويلة‏,‏ بعيدا عن الوطن‏,‏ وعن الجذور والتخوم الأولي‏,‏ مد البحر يتقاذفه‏,‏ وأعباء الحياة تقتات دمه وأعصابه‏,‏ والجسد يخونه بلا توقف‏.‏ وهو يحاول أن يستبق النهاية الراصدة لخطواته بكتابات منهمرة‏,‏ يحمل هم متابعة نشرها من بعده ابنه الإعلامي أحمد حريصا علي تراث أبيه وأستاذه‏,‏ وواعيا بقيمة هذه الكتابات التي تكمل ملامح الرحلة الإبداعية لمحمد يوسف وقسماتها المتميزة‏,‏ من بينها‏:‏ كاف بيضاء لوردة الحواس‏(‏ ديوان شعر‏),‏ عولمة الكبسولة الإلكترونية ـ الإبداع ومزاحمة الآخر‏,‏ اليونسكو والبوصلة الخضراء‏,‏ العصافير تعبر مضيق العنكبوت‏(‏ شعر‏),‏ جحا في بيت العنكبوت الإلكتروني‏(‏ مسرحية‏).‏
    ويرحل الشاعر وهو ـ كما قال عن نفسه ـ مشغول بقضية الصراع بين ذكاء الكائن البشري الفطري‏,‏ وذكاء الكائن الإلكتروني الاصطناعي في القرية البيو إلكترونية التي تحكمها قوانين هيمنة العولمة وتفريغ الإنسانية من جذورها وتجويف العلاقات الإنسانية‏,‏ وتطل علينا روحه الشاعرة ـ بعد عامين من رحيله ـ من خلال هذه النصوص المتوهجة بالشعر والسخرية والحكمة والتاريخ والفجيعة في كتابه الجديد البديع كمنجة التوت الصادر عن مركز الحضارة العربية‏.‏
    .....................................
    *الأهرام ـ في 13/11/2005م

    تعليق

    • د. حسين علي محمد
      عضو أساسي
      • 14-10-2007
      • 867

      #3
      مقالة مبكرة عن محمد يوسف:
      ..........................................

      الأدب غير الرسمي في وادي النيل شاعر من الأقاليم1

      بقلم: محمود حنفي كساب
      .....................

      الواقعة التاريخية في حد ذاتها لا تعدو أن تكون فاصلاً بين ما كان قبلها وما كان بعدها، والمسار الذي يرتضيه أي شعب من الشعوب لابد أن يتوقف اختياره على حدوث واقعة تاريخية، وقد كانت مصر قبل 23 يوليو 1952 ترزخ تحت نير أجيال من التخلف بفعل الحكم الأوليجارشي لأسرة محمد علي والاحتلال البريطاني البغيض إلى جانب كتل الجهل والفقر والمرض.. وحين حدثت واقعة تحرك الضباط الأحرار للسيطرة على مقاليد الحكم في مصر، ترتب على ذلك أن دالت كل القوى التي تتحكم في شعبنا، وابتلعت القوى الأخرى رغباتها.. والنظرة الموضوعية لثورة 23 يوليو تبين لنا أنها واقعة تاريخية أجري عليها العديد من التجارب، أنضجها كان تحرك عرابي بجيشه لمحاولة إدخال مصر في زمرة الدول المتحضرة... وحدوث ثورة 23 يوليو واقعة تاريخية مركبة، وتسميتها بالمركبة يفسر نتائجها الخطيرة في تغيير الخريطة الاجتماعية لشعبنا وبالتالي الخريطة الثقافية.‏
      في 23 يوليو 1952 تحركت القوات المسلحة للشعب المصري بقيادة تنظيم الضباط الأحرار، والرجوع إلى الأوراق التاريخية للثورة يبين لنا أن متوسط أعمار هؤلاء الضباط لم يكن يتجاوز الخامسة والثلاثين، أي أنهم جميعاً كانوا في مرحلة الشباب، ومعنى ذلك أن الشباب المصري استطاع لأول مرة في تاريخ مصر أن يستولي على السلطة لتحقيق شباب أمة بأكملها مع مراعاة ما تعنيه كلمة شباب!‏
      وتغلبت ثورة 23 يوليو 1952 على كل الصعاب التي اعترضت مسيرتها حتى التحول الاشتراكي بقرارات يوليو 1961 التي تعني في حد ذاتها واقعة تاريخية لها مداولها العميق، ولكنها تستند ـ أساساً ـ إلى طموح واقعة ثورة 23 يوليو.. ولقد ترتب على هذه الواقعة أن استطاع الشعب المصري التحول من شعب متخلف إلى شعب يطمح في أن يكون له ـ على مستوى العالم ـ دور يلعبه، ووفرت ثورة 23 يوليو ممكنات تحقيق هذه الغاية، أهمها كان منح المواطن المصري حق تلقي العلم بالمجان، وكان أن تمكنت أعداد هائلة من أبناء الشعب أن تنعتق من أسار الجهل. والدارس المدقق الذي يشتغل بالتاريخ الأدبي لاشك سيلاحظ مدى ما استطاعت ثورة 23 يوليو إضافته إلى الحركة الثقافية المصرية بفعل هذه الأعداد الهائلة من المتعلمين الذين خرج منهم أعداداً هائلة من المثقفين الذين انبثق عنهم أعداداً هائلة من الأدباء.‏
      ولقد كانت القاهرة ـ إلى عهد قريب جداً ـ تشكل مركز الثقل في الحركة الأدبية المصرية ـ فهي بملايينها الخمسة تحتكر لنفسها كل منشآت النشر القادرة على إيصال الكلمة إلى أكبر عدد من القراء، أضف إلى ذلك استحواذها على محطات البث الإذاعي والتلفزيوني، ومنابع التمثيل المسرحي والسينمائي.‏
      وترتب على منح حق التعليم المجاني أن استطاعت أعداد غفيرة أن تعايش الثقافة ومن ثم تفجرت لديها ملكة التعبير الفني، وكانت حركة الأدباء الشبان، ولقد كانت القاهرة تحتكر أيضاً جميع حركات النشر التي كانت بأيدي جيل الرواد وأتباعهم من الجيل الأوسط وبعض طلائع الجيل الثالث، وفي خضم المعركة التي أثارها الأدباء الشبان كانت هناك حركة أدبية جنينية تحاول أن تجد لها مكانا في أروقة ميدان المعركة، هذه الحركة هي حركة أدباء الأقاليم.. والدارس المهتم بالتاريخ الأدبي المصري لن يغفل بأية حال من الأحوال حركة الأدب في الأقاليم باعتبارها مصدراً هاماً من المصادر التي يعتمد عليها في دراسة شاملة عن الأدب المصري بعد ثورة 23 يوليو 1952.. إن فرسان هذه الحركة هم الذين ـ بلا مغالاة ـ سيشكلون ملامح الأدب المصري في السبعينيات، ذلك أنهم الذين يمارسون التغيير في مواقعه الأصلية، فهم يعايشون تلقي الكهرباء من السد العالي في أسوان، واستصلاح الأراضي البور في الصحراء، وبناء المصانع والمدارس والمستشفيات في أقاليم الجمهورية، لذا فحركتهم "تشرع سيف الدهشة" في وجه عالم القاهرة المتعنت اللاهث وراء الموضات الأدبية الوافدة من الخارج!‏
      ومن أنضج الحركات الأدبية في الأقاليم حركتا المنصورة والمحلة الكبرى.. ففي المنصورة أنشأ الأدباء ـ احتجاجاً على أوزرار القاهرة وتعنتها ـ داراً للنشر، وانساب هذه الدار مؤلفات شبان مازالوا بعد على الطريق الأخضر للمعاناة الفنية، ولكنهم غامروا، ومغامراتهم شيء رائع، وكلماتهم مثيرة، وعوالمهم تجتذب بصدقها اهتمام الكثيرين.. وانتبهوا لهذه الأسماء: فؤاد حجازي، إبراهيم رضوان، زكي عمر، عبد الفتاح الجمل، زكريا باهي، وجيه عبد الهادي، محمد يوسف، منسوب شريف، محمد رضوان، شوقي عبد الكريم، محمد المسيري، محمد حسبو الغندور، محمود عباس، المغاوري عيد، حسين موافي، عادل حجازي، سالم عبد الوهاب وأحمد حسن وغيرهم كثيرون.. أغلبهم شبان صغار، ومغامراتهم في دروب الإبداع الأدبي ما تزال تحتاج إلى أسلحة ماضية أهمها الثقافة الأصولية بعيداً عن المتاح على صفحات الجرائد والمجلات والأثير، لكن مغامراتهم جديرة بالدراسة الموضوعية بعيداً عما يسمى بالناقد القاهري المسلح بممكنات النشر السهل في القاهرة والبلدان العربية.. إن مغامراتهم تحتاج إلى دارس يعيش في نفس المغامرات، دارس يعاني مما يعانون..‏
      والمنصورة مدينة تاريخية، وما أن تواجهك محطتها الحديدية العتيقة، حتى تحس بأنك في حضن معبد تاريخي أصيل.. فهنا استطاع الشعب المصري أن يحقق انتصاراً حربياً هائلاً على الصليبيين، وأسر ملك الفرنسيين في دار ابن لقمان وفداه أتباعه، من هنا نجد الشعب في هذه المدينة له سمة مميزة.. إنهم يفخرون بأنهم أسروا لويس ملك الفرنسيين وما يترتب على هذه الواقعة من اعتزاز ومباهاة!‏
      ومحمد يوسف شاعر جديد في الثلاثين من عمره يعمل في تدريس اللغة الإنجليزية، وفاز بجائزة الشعر في مؤتمر الأدباء الشبان الذي عقد في ديسمبر 1969 في مدينة الزقازيق، كما فاز بالجائزة الأولى في مسابقة الثقافة الجماهيرية، ونشرت له مجلات روز اليوسف والجمهورية والعمال والمساء وسنابل العديد من القصائد، وديوانه الذي أصدره في المنصورة تحت عنوان "قراءة صامتة من كراسة الدم" يؤكد طموحه من أجل الاستحواذ على عالم خاص به يمده بالكثير من أدوات تكوين رؤاه للعالم، وهو يقول في تعقيبه في نهاية الديوان: "الشعر ولادة عسيرة.. مكابدة حارقة.. الشعر ثورة وتفجير وصيغة لإعادة تركيب العلاقات الإنسانية.. الشعر ضرورة حياتية.. والشاعر هو الوسيط بين طرفين (الأنا) و(الخارج)، ودوره الذي ينبغي أن يقوم به هو كسر رتابة العلاقات المتراكمة المترسبة في أعماق الإنسان العادي وإعادة صياغتها، وتشكيك، وتفجير ينبوع الالتقاء بين (الداخل) و(الخارج) بحيث تتخلق الحياة عن طريق الوسيط الشعري خلقاً جديداً بعد إعادة تركيب علاقاتها من خلال الرؤية الشعرية..‏
      إن دور الشاعر هنا هو الاحتجاج على تكدس (الرتابة) وكسر علاقة (الوتيرة الواحدة) وليس التصديق عليها.. إن الشاعر دائماً هو (القطب الموجب) أو ينبغي أن يكون هكذا وإلا فقد دوره إذا أصبح (قطباً سالباً).."، ويلاحظ القارئ من العبارات السابقة أن الشاعر لا يترك متلقي شعره وحيداً، وإنما يتدخل في تجربة التلقي عند القارئ، ويفرض عليه وجهة نظره من خلال إفهامه أن "الشعر ثورة وتفجير وصيغة لإعادة تركيب العلاقات الإنسانية"، ونحن كمتلقين لشعره نؤكد له إيماننا بهذا المفهوم، فنحن ـ الذين يتذوقون مثل هذا الشعر على الأقل ـ نعتقد أن "عالما بلا شعر هو عالم بلا عدالة بلا حرية بلا ضمير" ومن ثم فالشعر بالنسبة لنا "ضرورة حياتية"، ونؤمن أيضاً "بأن دور الشاعر هنا هو الاحتجاج على تكديس (الرتابة) وكسر علاقة 0الوتيرة الواحدة) وليس التصديق عليها"..‏
      وكنت أود ألا يكشف لنا الشاعر عن معتنقه الشعري بهذه السهولة، خاصة أنه سيكشف لنا أن تعقيبه هذا لم يتحقق في العديد من القصائد التي ضمها الديوان، ومن ثم ينطبق عليه المثل العربي: "على نفسها جنت براقش".. ولا أريد للكلمات السابقة أن تعني أنني أترصد الأخطاء، وإنما ما أود التصريح به هو أن شاعرنا أمامه الكثير لكي تتأكد رؤاه الشعرية، ويتضح عالمه، ومن ثم فالمسارعة بتوضيح المعتنق الشعري قبل التكوين الذي لابد وأن يسبقه الكثير من المعاناة من أجل صياغة رؤيا شاملة للعالم ـ هي في الواقع مصادرة على المطلوب من أمثاله، وبالتالي كنت أود ألا يتسرع شاعرنا، كان عليه أن يكبت ملكة النثر لديه، ويملأ صفحة التعقيب شعراً، ويترك لنا مهمة توضيح معتنقه الشعري إن كان له معتنق!‏
      ففي قصيدة "هبط نسر البرق في شدوان" يحاول الشاعر ـ برغم طموحه ـ أن يُشعر دراميا عن شدوان.. ويعلم القارئ أن شدوان هذه جزيرة صغيرة في خليج السويس شن عليها المعتدون الإسرائيليون هجوماً وحشياً لمحاولة احتلالها، وكسر شوكة المقاومة لدى الجندي المصري، ولكنه أي الجندي المصري أثبت بما لا يدع مجالا ًللشك انه حين يواجه العدو، وتتاح له فرصة مقاتلته يحقق المعجزات، ولم يستطع المعتدون الإسرائيليون احتلال الجزيرة أمام صمود الجندي المصري، وانسحبوا يجرون أذيال الخيبة والعار، ويلتقط الشاعر ـ عرب محاولة درامية ـ الواقعة، ولكنه يسقط صريع التقريرية، ومحاولة بناء الصور بتكلف زائد..‏
      أيتها الجزيرة الصغيرة‏
      وجهك كان مصحفا‏
      عليه اقسم الجنود في الظهيرة‏
      أن يحرسوارايتك المنيعة‏
      وللوهلة الأولى يتبين لنا أن الشاعر بإدارته الحوار بين الصوت المنفرد والجوقة يريد خلق دراما شعرية محدودة عن طريق استغلال عناد الجنود وقتالهم للعدو ومعنى صمودهم في شدوان، ولكن القسم لم يستطع أن يرتفع إلى مستوى الدراما التي أرادها الشاعر، وإنما استطاعت التقريرية أن تجذبه ناحيتها مما أضر بالصورة الشعرية التي أراد شحننا بها، فترد الجوقة:‏
      شدوان بندقية‏
      تحرس أرض مصر‏
      وتحرس القضية‏
      بالموت أو النصر..‏
      وحقا استطاعت شدوان أن تثبت أن الجندي المصري استطاع كسر العدوان، فماذا أضاف الشاعر؟!.. لا شيء وإنما نظم ما نقلته وكالات الأنباء والصحف والإذاعات شعرا، ومن ثم لا يرتفع ما أورده إلى مستوى الشعر، وهو القائل في تعقيبه: "الشعر ثورة وتفجير وصيغة لإعادة تركيب العلاقات الإنسانية".. ثم يستمر في التقريرية التي ولد الشعر الحديث احتجاجاً عليها، فيقول على لسان الجوقة:‏
      الشمس في شدوان‏
      تحارب الجرذان‏
      تحارب الصواعق المحلقة‏
      وتسبك الإنسان..‏
      وفي "بكائية" تنحرف التقريرية قليلاً ليظهر صوت حقيقي متخلص من عبء الأنباء فيقول:‏
      في شهقة التلاحم الليلي‏
      يضيء وجهه كأنه نبي‏
      ـ تعرفه؟‏
      ـ أعرفه، قلبته حين افترقنا منذ عام ودعته حين اقتسمنا الكعكة الخضراء ودعته ذات مساء‏
      ثم أتى يزورني في السترة الصفراء‏
      وندبة على جبينه كأنها وسام‏
      ويثور سؤال: أليس مطلوباً من الشاعر أن يهتف لإنجازات أبطال أمته؟ وتكون الإجابة: إن الشاعر هو ضمير العالم، وقبل أن يكون ضميراً للعالم فهو ضمير أمته، وليس معنى أن يهتف الشاعر لإنجازات أمته أن يبتعد عن منطقة الشعر الذي هو قبل كل شيء نبوءة وثورة كما يقول شاعرنا، وتذكرني قصيدته الثانية وهي من الديوان نفسه والمعنونة بـ "قراءة صامتة من كراسة الدم" بالمقطوعة النثرية التي كتبها كامل حتة عن شهداء الصبحة، والتي كانت توزع علينا في الخمسينات ونحن في المرحلة الابتدائية، فقد شن العدو الإسرائيلي هجوما غادرا على أحد مواقعنا في سيناء يسمى (الصبحة) واستشهد من جنودنا عدد كبير.. وحقق كامل حتة في مرثيته النثرية مستوى فنيا ممتازا يقترب كثيرا من مكابدات الشعر في سبيل شحن القارئ بعديد من الصور تضمن انحيازه لموقف الكاتب.. أما محمد يوسف في "قراءة صامتة من كراسة الدم" فلم يبذل من نفسه سوى أقل القليل مما يعد تحصيل حاصل، وبدت قصيدته كوصف كتبه صحفي تحت التمرين تحتوي على بعض الإيقاعات الشعرية.. يقول:‏
      مات حسام‏
      أثناء القصف ولم تمهله الأيام‏
      وكلنا نعلم أن العدو الإسرائيلي قد شن في 8 إبريل 1970 هجوماً غادراً بالطائرات على مدرسة بحر البقر، وقتل بقنابله عشرات التلاميذ الصغار الأبرياء، وكان من الممكن للشاعر أن يشكل بهذه الجريمة مرثية تصل إلى وجدان القارئ، تجعله يزداد نقمة على المعتدين، ولكنه ـ وكما أسلفت ـ لم يخرج عن دائرة وسائل الإعلام ونقلها للحدث وآثاره السطحية، ومن ثم بدد شاعرنا منجما غنيا كان بوسعه لو استمسك بما أورده في تعقيبه أن يقدم لنا رؤيا جديدة، وليت شاعرنا بدأ قصيدته بهذه السطور، وتخلى عن مقدماتها، أعتقد انه كان سيحقق مستوى آخر في التعبير.. يقول:‏
      في مطر الضياء، وانهمار شمسنا‏
      والزمن الكائن في شرنقة المشيئة‏
      والبذرة الخبيثة‏
      في رحم التكوين والبشارة البطيئة..‏
      ثم هو في قصيدته "مسح درامي لليوم الثامن من إبريل 1970" وهو يهديها إلى أطفال مدرسة (شهداء 8 إبريل) الذين استشهدوا، والذين لا يزالون في ضمير الغيب ـ برغم قوله عنها "إنها محاولة شعرية تستهدف تجميع جزئيات غير موصولة وربطها بخيط الرؤية الشعرية لتشكل في النهاية إيقاعاً واحداً وإن كان ينبع في البدء من تنويعات مجزأة" ـ يستمر في تبني ما شحنته به أجهزة الإعلام التي غطت حادثة مدرسة بحر البقر فيقول تحت عنوان "من كراسة شهود الإثبات":‏
      لم يعطنا مهلة‏
      ولم يقل بأننا سوف نموت جملة‏
      لكنه باغتنا،‏
      متعلقاً من ساحة البراءة‏
      محملا بالمطر الأسود،‏
      والإساءة‏
      .. ... ..‏
      فأنزل العقوبة‏
      بنا لكي يجف قلبها الحزين في لزوجة الرطوبة‏
      وتعقم الأشجار، والحقول‏
      والوتار‏
      ويعقم النهار‏
      وتستمر القصيدة في تداعيات الصور المباشرة، ومن ثم تفتقد رؤيتها الخاصة، وتفقد مبرر وجودها كشاهد ونبوءة.. ونتأكد من أن الشاعر يريد تأكيد عالمه الشعري بأساس تبني مكابدات شعبه ولكنه في تبنيه هذا يتجاوز الشعر، ويصبح ما يبدعه شيئاً بين الشعر والنثر والخطابة ومن ثم يتوه في منطقة الإبداع، فالشعر شيء غير هذا وذاك، وأروع ما في القصيدة الحديثة ـ التي ظهرت عندما تمرد الشعراء على الوزن والقافية والرثاء والهجاء والمدح ـ تلك الخصوصية التي تتميز بها، وحين يختار الشاعر وسيلته فلابد أن يخلص لها وذلك عن طريق دراسة واستيعاب تجاربها، ولكن شاعرنا وقع في منزلق التسرع، وإفراغ شحنته الانفعالية في قصائد لا تمت إلى الشعر الحديث بصلة، وإنما هي أقرب إلى الشعر التقليدي برؤاه الفجة المباشرة!‏
      "إن دور الشاعر هنا هو الاحتجاج على تكديس (الرتابة) وكسر علاقة (الوتيرة الواحدة) وليس التصديق عليها". فهل استطاع الشاعر تحقيق ما يدعى أنه يؤمن به؟.. نفس قصيدته "معزوفة حب في الغربة" يتحدث عن حبيبته التي حاول نسيانها، ويعلم القارئ أن عاطفة الحب من أهم أغراض الشعر تقليديا كان أم حديثا، ولكن الشاعر الحديث يعالج الحب من خلال مأساة عالم بأسره، عالم يحتج عليه، ويريد هدمه وبناء عالم آخر يسمح للمحبين باللقاء والتفاعل بدون مصارعة التقاليد والموانع والأشواك، وشاعرنا ـ إذا تأملنا عنوان القصيدة ـ يود أن يجسد لنا لوعة المحب الذي تطارده عيون حبيبته ولا يستطيع الفكاك من ذكراها، ولكن محاولته تتضاءل أمام لوعته وبالتالي فهو يجدها في كل ركن يتجه إليه.. وهي رؤيا تقليدية أشبعناها عرضا على جماهير متلقي الشعر، ومن ثم ساهم شاعرنا في تكديس الرتابة وتوطيد علاقة الوتيرة الواحدة فيقول:‏
      لكن أحلم أنني ـ هنا ـ‏
      أغسل وجهي المتعب‏
      في صوتك القادم‏
      عبر الدموع حينما أشد من نتيجة الحائط‏
      زنبقة يابسة أشم من نقائها‏
      ذكرى اللقاء..‏
      .. .. ..‏
      حاولت أن أنساك إذ أطرقت‏
      لكنني أخفقت‏
      غفوت برهة، حلمت أنني‏
      أضاف حينما احترقت..‏
      ولكن شاعرنا يتقدم حثيثاً نحو الشعر.. نفس قصيدته "من دفتر الصمود والمقاومة في مدينة فلسطينية محتلة".. يتجاوز التقريرية في أحد مقاطع القصيدة، ويقدم لنا حلم مقاوم، ورقة هذا المقطع تغفر له بداية القصيدة الساذجة القصيرة النفس..‏
      فيقول:‏
      في منتصف الليل يزايلني الرعب‏
      فلا أتشنج‏
      اشتعل كفحمة برق، أتوهج‏
      أحلم يا (راشيل) بوجهك عبر صحاري العالم‏
      أنتشر رماداً ـ في منتصف الليل ـ ـ‏
      وأسقط بعد النوبة‏
      كسرة حزن رطبة‏
      ويغني لسميح القاسم الشاعر العربي المقيم في الأرض المحتلة، ويصوره كطائر يوقظ النيام فيقول:‏
      طار (سميح)‏
      فوق مدينتنا عبر الريح‏
      حط (سميح)‏
      فوق مدينتنا، ألقى أبياتاً شعرية‏
      صار (سميح)‏
      فوق حناجرنا..‏
      تحت زجاج نوافذنا، في صرخات ضمائرنا‏
      أغنية...‏
      وفي قصيدته "من سفر الجرح الواحد" ـ وهي في رأيي من أنضج قصائد الديوان ـ يعبر شاعرنا عن افتقاد المشاركة بيننا في المحنة والحزان، وعدم إحساسنا بغربة الآخرين، وعدم استطاعتنا التواصل مع الآخرين.. وانغماسنا في فرديتنا، وغوصنا فرادى في الأيام الحجرية التي تسمح فينا البراءة والصدق، وتحولنا إلى أشباح نتنكر لبعضنا البعض.. وهذه القصيدة ـ في رأيي ـ هي المعبر الحقيقي عن شاعرنا، ومن يريد معرفته لابد وأن يقرأ هذه القصيدة بإمعان، ففيها تتضح ـ بصدق ـ هوية الشاعر.. فهو هنا حزين، ومعذب بآلام الآخرين، ويريد لكل من حوله البراءة والحب والتواصل، ولكنه لا يرى شيئاً من هذا أو ذاك.. ويبكي، وينشج، فيقول:‏
      لو أنا نقتسم الغربة في الوطن الواحد، والجرح الواحد‏
      والحزن الواحد‏
      لو أنا نقتسم الذكرى، والهجرة في المنحنيات الزمنية‏
      لو أنا نقتسم الخبز الجيري، ونقتسم الأيام الحجرية‏
      .. .. ..‏
      ينهمر المطر الأسود في قريتنا،‏
      نطفو مذعورين من الرجفة فوق السطح‏
      يتخطفنا طير الألفة‏
      يحملنا عبر المطر الأسود،‏
      .. .. ..‏
      لكنا في غمرة رجفتنا بالرأس ننوء‏
      ونبوء‏
      بالهمس الموبوء‏
      نبكي إذ نمسخ وجه براءتنا‏
      بالهمس‏
      والقاموس الشعري للشاعر مايزال في مرحلة التكوين وأطياف قواميس شعراء آخرين تلوح في شعره مثل قاموس محمد عفيقي مطر الأمر الذي يصمه بالكسل اللغوي، فمن أهم مميزات الشاعر الحديث ابتداع قاموس شعري متفرد.. ولكن يبقى لمحمد يوسف فضل المغامرة بإصدار ديوانه الأول، وهو ـ في رأيي ـ يؤكد إصراره على أن يكون شاعرا...‏
      وأتمنى أن يكون ديوانه الثاني متحرراً من التقريرية، موغلاً في الشعر، مؤكداً قاموسه الشعري المتفرد، أيباً من رحلة الإيمان بأن طين مصر قادر على إثراء العالم بفنان له وجهة نظر ورؤية إنسانية متكاملة.‏
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
      1 ـ عذابات ورثة ابن لقمان ـ مجموعة شعرية لمحمد يوسف ـ القاهرة 1972.‏
      .....................
      ‏*مجلة الموقف الأدبي، العدد الثاني حزيران 1972م السنة الثانية.

      تعليق

      • د. حسين علي محمد
        عضو أساسي
        • 14-10-2007
        • 867

        #4
        بكائية إلى محمد يوسف

        شعر: حسين علي محمد


        ،،،
        ،،،
        في يونيو السابعِ والستينْ
        كانتْ أياماً قاسيةً صمّاءْ
        فيها غابتْ أحلامُ الفقراءْ
        فيها انهزم الحبُّ، وغامَتْ أنغامُ الشُّعراءْ
        فيها ماتَ الطُّهْرُ ..
        وضلَّتْ أقوالُ الحكماءْ!
        فوقفْتَ ـ بريشتك الخضراءْ
        تكتبُ فوقَ الجدرانِ السوداءِْ ..
        شهادتك المُبصرةَ البيضاءْ
        عنْ فجرٍ يأتي، وضياءْ
        من رحمِ الظلماءْ
        ...
        كنتَ وحيداً تمضي منتصِراً ..
        مع شجر الدرِّ إلى المستقبلْْ
        .. كنت وحيداً يا يوسفْ ..
        تشْدو للأجملِ والأبقى والأفضلْ
        لا يُفزعُكَ طنينُ ذباب الصَّحْراءْ
        تبْصرُ خلْفَ البقراتِ العجفاءِ عطاءْ
        تصنعُ ذاكرةً للرأسِ المقطوعِ ..
        وتشْدو في استعْلاءْ ..
        ـ في كوخِ الأُجراءْ ـ
        وترينا كيف يضوعُ النورُ .. بكلِّ سماءْ
        طُهْراً ونَقاءْ
        ترْجو أن تكتبَ في غدنا القادمِ ..
        نصا يجترُحُ الحلُمَ .. صباح مساءْ
        تستكملُ فيه شهادتكَ البيضاءْ
        لا يُسْكتُكَ الدَّاءْ

        الرياض 22/12/2003م

        تعليق

        • د. حسين علي محمد
          عضو أساسي
          • 14-10-2007
          • 867

          #5
          سوناتا السرطان

          شعر: محـــمد يوســــــف

          أنا من برج الثـّورِ
          ولكنّ السَّرطان استعجلني
          عاجلني
          منجلهُ خُطّافٌ
          يخطفُ
          يقطفُ
          كان الجسد الهشُّ قطافاً
          للمنجل
          والمنجلُ كالعجلةِ
          والعجلةُ جُبلتْ
          من شرّانيةِ شيطانٍ
          يعرف كيف يراوغ ُ
          والجسَدُ عبيطُ
          محكومٌ بالميراثْ

          ـ إرث الجيناتْ
          ـ إرث البلهارسيا
          ـ الفشل الكلويّ
          ـ دوالي المريء

          الكبد المتفتّت من فرط القرح
          الجسَدُ عبيطٌ حدَّ الرومانسيّةِ
          لا يعرفُ إلا الشعرْ
          و " المرْبدَ "
          والشعراءَ مجاذيبَ الخرقةِ
          ودراويشَ الحضرةِ
          ومجانين الخضرةِ
          والمنجلُ يقطفُ / يحصدُ / ويحشُّ
          هل المنجل حشّاشٌ
          يسهر في " الغُرزةِ " ؟
          حتى يأتيني معتلَّ الأولِ ؟
          معتلَّ الآخر ؟
          لا يفهم في النحو ولا في الصّرفِ
          ولا في الإعراب
          الفاعلُ عند المنجل منصوبٌ
          والمفعولُ به مرفوعٌ
          والشاعر مقموعٌ
          منقوعٌ في القهرْ
          وأنا أتوكأ على أندلسٍ ضاعْ
          من قرْنٍ ..؟
          لا .. !
          من قرنينْ ؟

          ـ ثلاثة ؟

          أربعة قرون .. بل خمسة ..؟!
          حتى القرْنِ الأمريكيّ
          المنجل يعرفُ أنّ مزاجي اعتلَّ
          وجسدي اختلَّ
          مُذْ دخل القرْنُ الأمريكيُّ
          وانفرط العُمْرُ
          كرمّانةِ جَمْرٍ
          حضرَ الملكُ الضلّيلُ
          يخففُ عنيّ
          قال : اجرع سُمَّك / كأسك
          واقطع رأسكْ
          بيديك
          فلا أمر اليوم
          ولا خمر
          بل جمْرٌ ينفرطُ
          فيهوي الجسدُ
          يطيح السرطانُ بـ
          " برج الثور "
          والثور كجسدي
          أعمى وعبيطٌ
          والسَّرطانُ ومنجلهُ
          منفردان
          وأنا الآخر منفردٌ :

          ـ عزفْي منفردٌ
          ـ نزْفي منفردٌ


          * * * * *

          سبحانَ الله :

          ـ المشُهدُ يتكرّرُ

          برج الثور هشيمُ
          قبضُ الريح
          " وبرج السَّرطانِ "
          شراينه شيطانٍ
          أعمى ولئيمٌ
          ورجيمٌ

          ـ والجسدُ سلالة أندلسٍ

          ومجاريحْ
          دوريشٌ / وعبيطٌ
          ويتيمْ

          تعليق

          • د. حسين علي محمد
            عضو أساسي
            • 14-10-2007
            • 867

            #6
            ملتقى الثلاثاء يستحضر روح محمد يوسف

            بقلم: منى كريم
            ............

            استحضر ملتقى الثلاثاء الثقافي روح الشاعر المصري الراحل محمد يوسف الذي كان قد ساهم في رفد الساحة الثقافية والإعلامية بكل مايملك، ولفترة طويلة كان آخرها انضمامه للملتقى كعضوفعال وخصب أعطى كثيرا من خبرته وحميميته للأعضاء الشباب حتى توفي في العام 2003.
            وشهدت قاعة الملتقى في فندق سويس بل بلازا مداخلات عدة من أصدقاء الشاعر الراحل المتفاعلين مع رؤاه ، وممن تقاطعت حياتهم مع مشواره الإبداعي في أمسية أدارها ابن الشاعر والمذيع بقناة النيل الثقافية أحمد يوسف.
            وقدم أعضاء الملتقى قراءات ونصوصا شعرية استعادوا من خلالها روح محمد يوسف الشاعر الحالم الذي كان يؤمن بالتغيير، ولم تخل القراءات من تأثر واضح بفقدان الشاعر وإن وصل الفارق الزمني لرحيله إلى 5 سنوات.
            الزميل الكاتب الصحافي محمود حربي قال إن الراحل كان «شهيدا مجانيا عاش الحياة بعقلية وروح الزاهد، كنت التقيه في كل يوم جمعة نصلي ثم نتمشى بالقرب من المركز العلمي على شاطئ الخليج في شمس الشتاء وكنت أستمع إليه والكلمات تفيض بمخزون الحكمة وتجارب الحياة».
            واستعرض حربي مواقفه مع محمد يوسف الذي حثه على إصدار كتابه الوحيد « حوارات على حافة الحلم»، وعن ثقته المفرطة في الآخرين، ودعمه للأصدقاء وخصوصا الشباب الذين كانوا يتحلقون قرب روحه البيضاء.
            وقدم عضو الملتقى وصديق الراحل الشاعر نادي حافظ قراءة في شعر يوسف بعنوان « غوايات النص والتباسات المنصوص»، اعتبرت أن قضية الشاعر الأساسية كانت تكمن في صراع السلطة بتجلياتها ومعطياتها.
            واستدعى الزميل جمال بخيت صورة الراحل بالقول : « نتذكرك في لحظات الرحيل حينما كانت الصداقة مشوارا طويلا نقطعه بحب».
            وأشار بخيت إلى أنه استعان بخبرة الشاعر محمد يوسف حينما أراد نشر أول ديوان له، موجها الشكر إلى روحه المرفرفة في أرجاء المكان.
            الشاعرالمصري مختار عيسى كان قد أعد ملفا كاملا عن الشاعر بعد رحيله ونشره في مصر عبر مجلة « مرايا الثقافية» واعتبر أن « وفاة محمد يوسف لم تكن مجانية فالحب الذي تركه في قلوب محبيه كان ثمنا لما امتلكه من صفات انسانية.
            وذكر أن للشاعر الراحل مواقف سياسية واضحة في مصر وفي الكويت مخلصا لما يؤمن مبينا أن الملف الذي أعده في مجلة «مرايا» كان الفقيد قد رعاه شخصيا، بمشاركة الشعراء والكتاب دخيل الخليفة ونادي حافظ صالح النبهان وعباس منصور. ثم قرأ نصا شعريا استعاد الحميمية التي كانت تربطه بالشاعر الراحل.
            وبروحه الصادقة قرأ القاص كريم الهزاع نصا التقط فيه كثيرا من تفاصيل العلاقة مع محمد يوسف، وقال أنه يرثي الرجل الذي كان هاجسه الأول الوعي الجمعي ومعاناة الإنسان وقد لفت إلى دوره أيضا في نشأة ملتقى الثلاثاء والسؤال عن الأصدقاء بشكل مستمر.
            أما مفاجأة الملتقى فكانت كلمات «أناهيد» وهي أصغر أبناء الشاعر والحاصلة على المركز الأول في الكويت على مستوى المدارس الثانوية في الكتابة الإبداعية.
            واستذكرت أناهيد دور والدها الذي علمها أن الأدب هو السبيل لتمثل معاني الحياة وتناولت في الوقت نفسه دور والدتها التي حافظت على ترسيخ المعاني التي عاش من أجلها الراحل. ثم قرأت أناهيد قصيدة مهداة إلى والدها.
            واستشهد الروائي إسماعيل فهد إسماعيل برأي الشاعر السوري نزيه أبوعفش في ديوان محمد يوسف « الفراشة الألكترونية» الذي أرسل إليه حينما كان يقوم بالتحكيم لدار «المدى»، واعتبره شاعرا متفردا في أسلوبه ودربه الفني.
            ثم تحدث اسماعيل عن حماس الراحل في العمل الثقافي ومساعدة الآخرين وخصوصا الشباب.
            ولم يترك أعضاء الملتقى المناسبة من دون أن يتركوا شيئا من حزنهم في يوم اعتبروه تكريما متأخرا لـ» البلبل الأندلسي» كما يحلو لبعض زملائه تسميته.. وتناول الزملاء محمد النبهان وآدم يوسف وسعيد المحاميد أفكاره وموهبته، وأثره الإنساني، والإضافة التي قدمها إلى اللغة الشعرية، من خلال لغته الجديدة.
            مدير تحرير مجلة الكويت علي العدواني تحدث عن البساطة في شخصية محمد يوسف وتواضعه الجم، وقال إن المجلة تفكر في عمل ملف يضم مجموعة المقالات التي نشرها الشاعر الراحل بعنوان « الطغاة في التاريخ».
            في ختام الأمسية كشف الإعلامي أحمد يوسف ابن الشاعر الراحل عن إطلاق موقع على الانترنت لمحبي الشاعر والعمل على جمع كل ما خطه قلمه وكذلك رسائله إلى أصدقائه لإعدادها للنشر ، وناشد كل من لديه مخطوط خاص بمحمد يوسف أن يقدمه لضمه إلى مجموعة أوراقه.
            ...................................
            *أوان ـ في 29/11/2008م.

            تعليق

            • د. حسين علي محمد
              عضو أساسي
              • 14-10-2007
              • 867

              #7
              في الذكرى الخامسة لرحيله
              الشاعر محمد يوسف يحاور نفسه:

              الشعر شجرتي.. وأندلس يتمي

              .................
              في الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر الكبير محمد يوسف عثرنا على هذه المقابلة التي كان قد أجراها مع نفسه بين أوراقه التي تركها وراءه
              • .....؟
              ــ الشعر شجرة مغروسة في دمي.
              هو اندلس يتمي، واشارتي وشارتي الخضراء في غابة «الكبسولة» الالكترونية، وهو كلمتي «العلنية» لا «السرية» حين اجاور واحاور الكائنات: الفراشات، الطيور، الاشجار، الازهار، الانهار، البحار، و«الحيوانات» التي «لا تؤذي» التوازن الحيوي في «الكون» الذي يعاني من العدوانية والتشظي.
              ومن ثم فان رؤيتي الشعرية ترتكز على ثلاثية:
              الحلم
              الحرية
              الحب
              والحرية هي جذر هذه الثلاثية، ولذا فانني اراهن على «يوتوبيا» انسانية لن تتحقق.
              انها تراودني في «الحلم» احيانا على حافة الجنون، واحيانا اخرى على حافة اليوتوبيا.
              • هل هناك حاجة للشعر في عصر العولمة، و«النعجة دوللي» والربوت الذكي، والفضاء الالكتروني المفتوح على «حماقات» «ديكتاتورية» التفوق التكنولوجي در «كهان» العولمة؟
              ــ الشعر هو الشعر في كل زمان ومكان.
              على رقعة الشطرنج الجيو-سياسية والجيو -ايديولوجية كان الشعر هو طائر الثلاثية التي اشرت اليها.
              وفي عصرنا الذي نعيش فيه شدة وطأة القبضة «الجيو-عولمية» فان الشعر – في رأيي – له «وجود حيوي»..!
              على الشاعر ان يعزف عزفا منفردا على «كمنجة» يتمه الخضراء برغم انه يفقد كل يوم «اندلسا» جديدا..
              هذا الفقد او الفقدان هو «النار» التي تصهر «جوهر» الشعر فـ«يتواشج» ما هو ذاتي بما هو «جماعي» او «جمعي»!
              حين تفقد وطنا كان على شكل حلم ثم اصبح على هيئة كابوس.. فان الشعر يعيد اليك الوطن ومعه الحلم المفقود.
              على الضفة الاخرى.. فان الشعر يملك «الوصفة السحرية» لانقاذ «أمنا الارض» من صبغة الاحادية التنميطية التي يفرضها عليك فخ العولمة..! وبذلك تنجو «كينونتك» و«كيانيتك» وشخصيتك وهويتك وخصوصيتك..!
              وهذا هو اليتم الكامل الذي يغويك على كتابة القصيدة.
              هو معجزة العصفور الذي ينقــــر بـ«غنائه» فضاء فرديا يفضي الى فضاءات وتجليات و"تشظيات" ايضا..!
              • (.......)؟
              ـــ الغربة التي اعانيها هي غربة «الزمكان المتشظي».. وهي غربة اشعر في تضاريس جغرافيتها الغليظة القلب.. انني «لافرد» ولا «مواطن».. انا بين بين..!
              أنا الكائن المعلق في فضاء «الزمكان: المتشظي»..!
              والشعر هو «الكائن الشجرة» الذي ينتفض داخلي فـيلم شظايا كينونتي المعلقة..!
              ليس هذا طرحا تشاؤميا بقدر ما هو وصف وتوصيف لـ حالتي.. وحالي و.. مقامي (بفتح وضم الميم) في غابة بشرية تجمع بين نقيضين:
              ــ شفافية اليوتوبيا المستحيلة.
              ــ وكثافة طروحات الديناصورات والخراتيت التي تحتكر «حماقة القوة».
              هل تنتصر شفافية اليوتوبيا المستحيلة التحقق إلى كثافة ديناصورات العصر الجوراسي، وخراتيت الفضاء الالكتروني؟
              أشك في ذلك.
              • في ضوء هذا الطرح الذي يعتبر بوصلة لـرؤيتك الشعرية.. هل نحن، ساكني القرية التكنولوجية، بحاجة الى الرومانسية؟
              ـــ الجواب نعم.
              • لكن أي رومانسية؟! هل هي رومانسية القرن التاسع عشر التي تمحورت حول البعد الذاتي الوجوديّ للفرد ام هي رومانسية القرن العشرين التي ادانت االثورة الصناعية بسبب اعلاء شأن الآلة وتقزيم الكيان الانساني؟
              ـــ في يقيني.. اننا نحتاج الى رومانسية تراعي:
              أنسنة «كائنات الكبسولة الالكترونية» من ادوات واجهزة ذكية وروبوتات ذكية كذلك.
              والسؤال: كيف يضفي هذا البعد الانساني على هذه الكائنات الذكية التي صنعناها ثم تركناها على «حل شعرها» لكي نتحول أمامها ومعها الى «رهائن» ضعيفة الارادة؟!
              الجواب: بان نطهرها من «ثلاثية»:
              - البورنوغرافية (الاباحية).
              - العدوانية.
              - الدموية.
              أي «نستأصل» كل «الشهوات» التي تدفع «كهّان» التكنولوجيا الذكية او التكنولوجيا الحيوية الى صناعات ألعاب بيو - الكترونية تفسد حياتنا وأمزجتنا.
              • كيف؟
              ــ بالامتناع عن التعامل مع «كائناتهم» الذكية الشرسة والعدوانية التي تخلع ورقة التوت عن سوءاتها.
              ولن يتأتى ذلك الا بالتمكين لوردة الرومانسية التي يفوح عطرها في عصر العولمة.
              • ........؟
              ــ أوافق ان اكتب نصاً شعرياً مع روبوت ذكي..؟!
              لم لا..؟!
              ستكون تجربة في غاية الاثارة.
              فـ/ قصيدتي أو أبياتي ستكون من لحم ودم.. بينما ستكون أبياته «افرازات» من رقائق السيليكون المحشوة بـ/ مفردات الذكاء الاصطناعي والمخيلة الاصطناعية.
              • ........؟
              ــ الخيال العلمي ينبغي ان يكون جزءا لا يتجزأ من مخيلة الشاعر.. بل يجب أن يتصاهر الخيال الشعري وينصهر مع الخيال العلمي..!
              لقد حاولت ذلك في ديواني الاخير «اغواءات الفراشة الإلكترونية» (الصادر عن دار المدى / دمشق)، ولونت الصورة الشعرية المتدفقة من خصوبة الخيال الشعري بـ/ دفقات من الخيال العلمي.
              فإذا أضفت الى ذلك المرتكزات المعرفية والعرفانية وتجليات رموز المتصوفة وكنوز المأثورات الشعبية وشجرة المستودع الجيني (نسبة الى الجينات).. فإن مغامرة «اغواءات الفراشة الالكترونية» تعتبر اضافة نوعية الى رؤيتي ورحلتي وتجربتي الشعرية.
              • ......؟
              ــ بذرة الدراما هي الشعر.
              والشعر من دون دراما يفقد خاصيته الجوهرية: جدلية التحاور مع الكون والكائنات.
              ومعظم قصائدي مبطنة بـ/ البعد الدرامي.
              وهي تتسم بــ/
              ــ العنصر الحواري.
              ــ التكثيف الدرامي.
              ــ التحاور مع الذات والتحاور مع الآخر.
              ــ الرمز المفتوح على الاختلاف وتعددية الدلالات.
              وكما ذكرت.. فإن الخيال العلمي يبسط جناحيه على كثير من الصور الشعرية في قصائدي الاخيرة..
              كما أنني أحلم ان اكتب مسرحية شعرية عن استنساخ آينشتاين ومارلين مونرو.
              وأحلم ايضا أن أكتب مسرحية عن المتنبي.. ومسرحية عن عبدالناصر.
              ....................................
              *القبس ـ في 19/11/2008م.

              تعليق

              يعمل...
              X