الحلـــم الأخيــــــــــــــر
مشى مجهداً إلى المخيم الذي يُقيم فيه مع الآلاف مثله..مستسلماً لقدره ..جلس على أرضٍ نحاسيةٍ ..تكسو وجهه ذرات تراب تائهة..جسده هزيل ..غائر ..هواءٌ جاف ٌفاترٌ يخنقه ..عيناه المتعبتان تريان الغبار والموت..قصته لم تُحكَ..وجهه يبدو كالحزن المنسي ..جسمه محروق من شمس الفقر النائي .. يعلم أن وجودَه لا يهم أحداً..كان تفكيره محصوراً بها ..بطفلته..التي كانت تترامى على راحتيه كماء ونور.. ترقد الآن كرزمةٍ يسهل كسرها..صدرها الواهن يعلو بألم وشفتاها الصغيرتان ترتعشان بشدة.
عليه أن يعرضها على الطبيب
(تحتاج إلى مستشفى ..بأقصى سرعة..لا نملك إمدادات)
..(انتظر قراراً من لجنة حقوق الإنسان)..
(أعطها شيئاً مؤقتاً الآن).
ذهب إلى خيمته..يمسح بلورات العرق التي تتسابق على سحنته السمراء..جرحه المفتوح غائر في ملح التشرد والضياع.
انتظر كثيراً..كثيراً جداً..جاءت مندوبة ..طلبت رؤيتها ..أخذتها ..وبعد دقائق ..أعادتها مع ابتسامة مصطنعة ..وخرجت.
اعتقد أنها أعطتها دواء..تراءى له أنها تتنفس بسهولة..ربما غدا ًسوف تفتح عينيها.
تربّص به الخوف والقلق مجدداً على ابنته ..فقد كان وجودها يحوي حزنه وقهره..فهي من تصنع الفرح له.
إذا ما انشق الصبح في اليوم التالي وأعلن عن وصوله ..أيقظته رطوبة الأرض ..راح يحدق حول نفسه ..حرك يديه ورجليه المتصلبة ..حمل جسد ابنته ليدفئه..لم يعد صدرها يعلو كما كان..
قدمت اللجنة أسفها العميق ..كان الهدوء يعمُّ المكان ..حيث افترشت الأرض حُلُمَه الأخير.
قصة للأديبة : مها راجح
بعنوان : الحلم الأخير
الرابط : http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=34643
مشى مجهداً إلى المخيم الذي يُقيم فيه مع الآلاف مثله..مستسلماً لقدره ..جلس على أرضٍ نحاسيةٍ ..تكسو وجهه ذرات تراب تائهة..جسده هزيل ..غائر ..هواءٌ جاف ٌفاترٌ يخنقه ..عيناه المتعبتان تريان الغبار والموت..
أعجبني هنا هذا التقسيم المدهش :
فبالبداية قمتِ بوصف حالته منفرداً ثم حالة الآلاف المتواجدة معه ـ مثله ـ ثم وصف مشبع لفسيولوجيته على حده ثم وصف المكان و فيى الناية امتزاج الجميع فى وصف وحد رائع و رهيب .. كان تقسيماً رائعاً مها فيه فنية و حرفية عالية في الكتابة
كما كان..
تلاهث في الأنفاس شعرتها هنا .. أنفاس حادة و زفير مسموع .. هنا لعبة الكاتب و جودة قلمه .. يدفعك بقوة ناحية الهدف المنشود من القصة بدهشة و غرابة دون تحكم لأعصابك و انفعالاتك ,, فلو نظرنا لتصعيد الحدث و إحكام الحبكة سنراها عنيفة و قوية كادت أن تشج رأس من تعاطف و أشفق على البطل ((ما انشق الصبح ,, أيقظته رطوبة الأرض .. ..راح يحدق .. حول نفسه .. حرك يديه .. ورجليه .. المتصلبة .. حمل جسد ابنته ليدفئه .. ..لم يعد صدرها يعلو .. كما كان ,, هنا يصح التقديم و التأخير جائزاً كانما نقول : كما كان لم يعد صدرها يعلو أو تبقيه الكاتبة على شاكلته . المهم أننا بصدد جمال لغوي و ترتيب نقسي اجتهدت فيه الكاتبة بل و تفوقت على نفسها ..
النهاية هنا من أعنف نهايات القص و أقواها .. سريعة مكثفة .. موجزة .. تصاعدت بقوة و شراسة قلم ثار في لحظة .. و هذا تأكد بجملة القفلة :
أعجبني هنا هذا التقسيم المدهش :
فبالبداية قمتِ بوصف حالته منفرداً ثم حالة الآلاف المتواجدة معه ـ مثله ـ ثم وصف مشبع لفسيولوجيته على حده ثم وصف المكان و فيى الناية امتزاج الجميع فى وصف وحد رائع و رهيب .. كان تقسيماً رائعاً مها فيه فنية و حرفية عالية في الكتابة
ترقد الآن كرزمةٍ يسهل كسرها..صدرها الواهن يعلو بألم وشفتاها الصغيرتان ترتعشان بشدة.
عليه أن يعرضها على الطبيب
(تحتاج إلى مستشفى ..بأقصى سرعة..لا نملك إمدادات)
..(انتظر قراراً من لجنة حقوق الإنسان)..
(أعطها شيئاً مؤقتاً الآن).
ها أيضا تركيب سلس للمفردات علت للصورة وضوح و زهاء و بينت كم المعاناة و الآلام التى تسكننا حينما نتعاطف مع بطل القصة . نعم التعاطف و الإشفاق هنا كان بالإكراه علينا .. حيث الموقف المؤسف و حالة الضياع التى يعيشها كل منا غير منفصلين عن بعضنا فكلنا في نفس بؤرة المخيم و النكبة .. عليه أن يعرضها على الطبيب
(تحتاج إلى مستشفى ..بأقصى سرعة..لا نملك إمدادات)
..(انتظر قراراً من لجنة حقوق الإنسان)..
(أعطها شيئاً مؤقتاً الآن).
ذهب إلى خيمته..يمسح بلورات العرق التي تتسابق على سحنته السمراء..جرحه المفتوح غائر في ملح التشرد والضياع.
انتظر كثيراً..كثيراً جداً..جاءت مندوبة ..طلبت رؤيتها ..أخذتها ..وبعد دقائق ..أعادتها مع ابتسامة مصطنعة ..وخرجت.
اعتقد أنها أعطتها دواء..تراءى له أنها تتنفس بسهولة..ربما غدا ًسوف تفتح عينيها.
استعادة الحالة الأولى لنفس المشهد لكن يتدرج نحو الهدف الريئسي الذى بدأ من أجله القلم و راح يضفر الوجع بالموت و الأمل الذى ينتظر مرور مندوب أو مفوض يزرع فينا الأمل ثم يتركه و يرحل .. ربما سيعطيه دواء ((اعتقد أنها أعطتها دواء)) ..أو ((ربما غدا ًسوف تفتح عينيها.)) الله مها ,, رائعة تلك اللفتة .. أحببتها كثيراً تجزم بأن هذا الأمل المنشود و الحلم أصبح معلقاً على التسويف الغدي و ربما ستتفتح عيناه .. هل الدواء هو ماء الحياة الذى سيعيدها و يحي الحلم الميت .. رمز جميل و استخدام قوى كان أجمل ما في القصة .. تركيب حلو و ممتع و شيق للقارئ لكن مغبط للنفس يجعلها من الممكن أن ثتور في لحظة ,, هل هو عمل ثورى تحريضي ؟ يستثير المشاعر و يحرك قوالب نائمة .. هنا الكاتبة نجحت في أسر القارئ كما أسرت نفسها داخل مخيم الحالة فاستفزت منا الدمعة و تجعلتها تتلاعب و تترقرق على الوجنات دون قصد .. فأحياناً يبكي الكاتب هو نفسه أثناء السطور نتيجة المعايشة فيترك القلم كي يلعب هو مع السطور و ينكحها فيكون الثكاثر الفني ولادة رائعة دون قيد الكاتب أو فرض تقريراته بالعمل .. أى أن العمل يخرج منقحاً بذاته ..انتظر كثيراً..كثيراً جداً..جاءت مندوبة ..طلبت رؤيتها ..أخذتها ..وبعد دقائق ..أعادتها مع ابتسامة مصطنعة ..وخرجت.
اعتقد أنها أعطتها دواء..تراءى له أنها تتنفس بسهولة..ربما غدا ًسوف تفتح عينيها.
تربّص به الخوف والقلق مجدداً على ابنته ..فقد كان وجودها يحوي حزنه وقهره..فهي من تصنع الفرح له.
مازالت الحالة في يد الكاتبة و رأسها .. لم تتركها بل ازداد الألم و بدأ في تفاقمه .. هنا التركيب الفني واضح و صريح حيمنا يذهب للطفلة يراقبها يتمنى أن يتحقق حلمه فهي بالنسبة له الحلم و الفرحة .. سطٌر صغيرٌ دخل قرب نهاية القصة كان لابد عنه ؟؟ لا أعتقد أن وجوده هنا كلن ضرورياً لكن جاء كي يزيد من حبكة القصة و يصعد أحداثها بقوة .. إذن يأتي االرد القاطع بأنه فرض نفسه على الكاتب و كان لابد عنه (معايشة لنفس الحالة) .. كان مشهد جميل و هادئ جدد الأمل في القارئ و حدفه سريعاً إلى القفلة المقاربة من النهاية الآتية :إذا ما انشق الصبح في اليوم التالي وأعلن عن وصوله ..أيقظته رطوبة الأرض ..راح يحدق حول نفسه ..حرك يديه ورجليه المتصلبة ..حمل جسد ابنته ليدفئه..لم يعد صدرها يعلو كما كان..
كما كان..
تلاهث في الأنفاس شعرتها هنا .. أنفاس حادة و زفير مسموع .. هنا لعبة الكاتب و جودة قلمه .. يدفعك بقوة ناحية الهدف المنشود من القصة بدهشة و غرابة دون تحكم لأعصابك و انفعالاتك ,, فلو نظرنا لتصعيد الحدث و إحكام الحبكة سنراها عنيفة و قوية كادت أن تشج رأس من تعاطف و أشفق على البطل ((ما انشق الصبح ,, أيقظته رطوبة الأرض .. ..راح يحدق .. حول نفسه .. حرك يديه .. ورجليه .. المتصلبة .. حمل جسد ابنته ليدفئه .. ..لم يعد صدرها يعلو .. كما كان ,, هنا يصح التقديم و التأخير جائزاً كانما نقول : كما كان لم يعد صدرها يعلو أو تبقيه الكاتبة على شاكلته . المهم أننا بصدد جمال لغوي و ترتيب نقسي اجتهدت فيه الكاتبة بل و تفوقت على نفسها ..
النهاية هنا من أعنف نهايات القص و أقواها .. سريعة مكثفة .. موجزة .. تصاعدت بقوة و شراسة قلم ثار في لحظة .. و هذا تأكد بجملة القفلة :
قدمت اللجنة أسفها العميق ..كان الهدوء يعمُّ المكان ..حيث افترشت الأرض حُلُمَه الأخير.
ضياع الحلم و خيبة أمل و فشل من المندوبة ؛ فالدواء لم يصلح .. رما انتهت صلاحيته كالعادة أو كان دواء زائف .. فقط كان لإرضاء الأب و غرس بذرة الأمل .. كما هو العهد دائما مع اللجنة .. اللجنة .. اللجنة .. اللجنة .. كلم أصبحت خنيقة تثير الإشمئزاز كلما سمعتها و بالتأكيد سيزداد الاشمئزاز حينما عندما أجد الأرض تفترش بأحلامنا .. ((افترشت الأرض حلمه الأخير))
صورة قادرة جداً . جسدت الصورة بإصرار على انتزاع الدمعة و الشفقة من قلب القارئ .؛ فهنا الحلم مات و ضاع الأمل الذى جرى وراءه القارئ مع الكاتب و كنت أنتظره .. لكن سريعاً و كالعادة تدفن أحلامنا و يواريها الثرى ..
تعليق