العصـور الوسطـى الجديـدة
العصور الوسطى الجديدة
تقليص
X
-
العصور الوسطى الجديدة
العصـور الوسطـى الجديـدة
د. أحمد الليثي
رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
ATI
www.atinternational.org
تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
*****
فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
-
-
يقرأ المرء عن عالمنا هذا في العصور الوسطى، وكيف بلغ العرب بعلومهم عنان السماء، في الوقت الذي كان فيه الغربيون في غيهم يعمهون، وفي الجهالة يسبحون ويغوصون، وما أن ينهضوا من كبوة جهل حتى يسقطوا في حفرة تفسخ، فيضطرب موجهم ويتلاطم، وتتكدس فوق رؤوسهم الظلمات بعد أن امتلأت قلوبهم وأرواحهم بأدران الحماقة بما كسبت أيديهم، وقصرت عقولهم. ولم يكن يبدو في الأفق مخرج لقرون طويلة؛ ذلك أن الجهل الضاربة جذوره في أعماق التاريخ والنفس كان قد ترسخ في تلك المجتمعات على جميع المستويات علمياً وفكرياً وأخلاقياً ودينياً ... إلخ. وتبدت مظاهر ذلك الغي والعيّ في صور كثيرة لا تخطؤها العين. ولم تعد هناك فضيلة تذكر، ولا حرمة تراعى، ولا ناه عن منكر، ولا آمر بمعروف، ولا علم يدرس، ولا متعلم يطلب الدرس. ظلمات بعضها فوق بعض. واستمر هذا إلى أن قيض الله للغرب أن يتحول في تاريخ الإنسانية من النقيض إلى النقيض وخاصة في مجال العلوم التجريبية بعد انفصال الدولة عن الكنيسة.
وكنتُ كلما قرأت عن العصور الوسطى في كتابات الغربيين أكاد لا أصدق أن الحياة في أي مكان من أرض الله يمكن أن تصل إلى مثل ذلك الحضيض. ولكنها الحقيقة. ولا يجد الغربيون في العصور الحديثة حرجاً من الحديث عن قرونهم الغابرة وما كان يدور فيها من أمور تشيب لهولها الولدان. وفي الحقيقة أولئك الوالدان كانت عظامهم تتكسر حين كانوا يستخدمونهم في تنظيف مداخن البيوت. فقد كانوا يأتون بالأطفال من صغار البنية ويُسْقِطونهم من أعلى المدخنة لينظفوا المداخن بأجسادهم بينما هم في طريقم إلى حتفهم، فيصطدمون بالأرض بعد أن يكون السخام قد ملأ رئاهم، وأعمى عيونهم، وتوقفوا عن التنفس، بل وربما اختنقوا قبل أن تمس أجسادهم الأرض. وهؤلاء هم المحظوظون منهم. أما غير المحظوظين فكانوا ينجون من الموت اختناقاً داخل المدخنة، ليسقطوا على الأرض من ارتفاع 8 أو 10 أمتار فتتكسر عظامهم، وتنسلخ عنهم جلودهم، ويكون الموت ساعتها أحب إليهم من الحياة. ولو أن الجهل شخص يتكلم لقال إنه يستحي من أولئك الأقوام.
ويفخر الغربيون بتلك النقلة التي انتقلوها علمياً وفكرياً، بل وأخلاقياً بغض النظر عن نظرتنا نحن المسلمين إلى ما يعد رقياً في الأخلاق والدين أو تدنياً فيهما؛ فمعايير الفكر الغربي مختلفة، وليس هذا مجال الحديث عنها. ومبعث الفخر أنهم يقارنون بين ما كانوا عليه، وما أصبحوا عليه. فالفرق بين الحالين كما يقال في الإنجليزية هو كالفرق بين الجبن والطباشير، أي بين السماء والأرض.
وكما أسلفتُ، كانت تحيرني أمور كثيرة لا يجد عقلي لها تفسيراً سوى أن الجهل ضرب على وجوه القوم فأعمى عيونهم، وطبع على قلوبهم، وختم على آذانهم. ولا يوجد تفسير آخر لكثير من تلك الممارسات البغيضة التي اشتهرت عن العصور الوسطى في الغرب، وانتشرت فيها انتشار النار في الهشيم. ومع هذا ظل الأمر يؤرقني من الناحية الفكرية؛ لأنه لم يعدم أي عصر من وجود عقول تميِّز، وعيون تبصر، وقلوب تعي. واستقر في روعي أخيراً أن السبب في انعدام تأثير تلك العقول والعيون والقلوب التي يُظَن بها "خيراً" أنها لم تكن بالصفات التي ذكرتها حقاً، بل لم يتعد الأمر أن يكون قشراً جميلاً لقلب نخره السوس، أو غطاءً ذهبياً لقطعة من معدن خسيس. وشرح هذا يطول.
ودافعي لهذه المقدمة، وهذا الموضوع هو أننا في العالم العربي لسنا بعيدين أو مختلفين في أوضاعنا عما كان يدور في العصور الوسطى في الغرب. صحيح هناك بعض الاختلافات ولكنها تابعة للفروق الزمنية والمكانية لا غير. أما نتيجة الممارسات فواحدة. فنحن في عالمنا العربي -على المستوى الفكري- نتجه بسرعة الصاروخ إلى قلب عصور وسطى جديدة هي أشد وحلاً وظلاماً من قرينتها في غابر الزمان. وما يحدث حولنا الآن إنما هو مقدمات وإرهاصات، وستأتي الكوارث الحقة، والفتن الأشد في المستقبل القريب.
من الناحية العقدية الدينية انقسم المسلمون إلى فرق وشيع وطوائف وجماعات وطرق أغلبها ما أنزل الله بها من سلطان. ونحن نحكم بذلك لأننا لا نزال -والحمد لله- نرى بعض الطريق، ولم تندثر بعد كلمة الله وسنة رسوله بالكلية. وبين ظهرانينا متعالمون يحللون ما حرم الله، ويحرمون ما أحله، وينصرون الظالم ويباركونه، ويخذلون المظلوم ويعينون على إذلاله أكثر وأكثر. وطغت المصالح الشخصية على كل شيء حتى أصبح الدين تجارة لا تبور لمن يدفع أكثر، مالاً أو سلطاناً أو شهوة.
من الناحية الفكرية طغت علينا الذاتية، والمصلحة الفردية، وأصبحت الغاية هي الدنيا. وروَّج أدعياء الفكر أفكاراً بدا منها أن مفاتِح المغاليق إنما هي بأيديهم دون سواهم، وتعالَوْا بأنفسهم فاحتقروا من دونهم، ورسخوا الجهل في نفوس الجهلاء لينظروا إليهم على أنهم هامات عالية يكون دون الارتقاء إليها خرط القتاد؛ فأشاعوا في الناس فكراً ضالاً، وعقائد هي أقرب للمسخ منها إلى أي شيء آخر، وضللوا عقولهم بدعاوى خبيثة في ثياب قشيبة كحرية الفكر، والسباحة في أغوار العقل، والتحليق في فضاء الكون، وكسر قيود الفكر المحدود للوصول إلى اللامحدود الباقي الأبدي السرمدي، وكأن ذاك العقل الذي يقودهم ليس قاصراً ولا محدوداً. أرادوا أن يجعلوا من العقل إلهاً ونسوا انطلاقتهم من حضيض المادة. وانخدع بهم كثيرون، ولم تطل أعمار الحمقى ليروا في حياتهم عاقبة أمر قادتهم وحُداتِهم. فسارتر نفسه يطلب حضور قسيس وهو على فراش الموت لأنه لم يرض أن يخدع نفسه، وقد أوشكت روحه أن تبلغ الحلقوم. وأمثال هذا كثيرون في عالمنا العربي الإسلامي، ولا أذكر أحداً بالاسم حتى لا أفتح المجال للعاهات الفكرية ليُلَبسوا على الناس أفكارهم أكثر وأكثر.
من الناحية الأدبية نجد كتاباً وشعراء، وجوقة مصفقين. ومن الكتاب والشعراء عظماء، ولكنهم قلة، ولا تخدعهم تلك الجوقة التي عقدت عصابتها على رأسها، وشدت مِأزرها لتصفق لهؤلاء حتى يقال إن ذائقتها تقدِّر الدُّر، وتميِّز الدسم.
وهذه الجوقة نفسها تصفق لأفرادها أيضاً متوهمة أن التصفيق يرفع الدرجات، ويفتح الأبواب المغلقة، بل ولا أكون مبالغاً إن قلت باعتقادها أن التصفيق يوسع مداركها، ويجعل من أفرادها علماء ومفكرين وكتاب وشعراء من كل لون. وكلما زاد التصفيق زاد تصديقها للوهم الذي نسجته بأيديها. ومن هنا نجد أَرْبَاعَ كُتَّابٍ يكتبون فيما لا يفهمون، ويحللون ما يستعصي على عقولهم إدراك كنهه، ويفسرون ما استُغلِق عليهم هم أنفسهم فهمه فيأتون بعجائب وغرائب، ويرون في أنفسهم أنهم أهل استحقاق للفضل. فهم يقفزون قبل أن يتعلموا الحبو، ويريدون أكل الثريد قبل سنين من فطامهم.
وهذه الفئة الأخيرة هي أخطر الفرق، وهي مطيتنا -شئنا أم أبينا- إلى غياهب العصور الوسطى؛ فهم الكثرة الكاثرة، يعلو صوتهم فلا يعلو عليه شيء، ويزيغ عقلهم فلا تقف له على حد، كلما سقط واحد منهم في هوة انفلت منها لينفض في وجهك غبارها، وامتدت إليه الأيادي الممسوخة لتنتشله من وحل دُونِيٍّ لتضعه في وحل فَوْقِيٍّ، وكأن مكان الوحل يغير طبيعته.
نقرأ لهؤلاء سخفاً وعتهاً وبلاهةً، ونجد منهم ضحالة في الفكر، وجهالة في اللغة، وضآلة في المنطق، وسقطاً في التحليل، وقبل أن نفيق من صدمتنا نجد أفراد الجوقة -التي يزداد عدد أفرادها كل ثانية- يصفقون، ويهللون، ويباركون، ويمدحون، ويثنون، ويتحزبون، ويطبلون، ويرقصون كأنهم في طريقهم إلى عكا ليفتحوها، أو بيت المقدس ليحرروه. وتراهم يجادلون المعترض عليهم ويجالدون عن خطئهم، ويبرورن بما لا مسوغ له، ويتخطون رقاب اللغة، ويلوون عنق الفكر. ولا يملك العاقل معهم إلا أن يجر أذياله، ويحمل متاعه، ويرتحل عن دارهم، ليعتصم في صومعته والألم يعتصره، وقد فقد الأمل في الإصلاح؛ ذلك أن جدال الجاهل من المعضلات، وأصحاب العقل -في زمننا هذا- لا صبر لهم، ولا رغبة عندهم في محاورة تلك الجوقة.
ويعني استمرار هذا الوضع الوصول -لا محالة- إلى مرحلة هي حلقة مفرغة، ندور فيها جميعاً، ولا نصل إلى نهايتها، بل في كل مرة نعود من حيث أتينا. ولأنها حلقة كبيرة يسقط البعض منا في طريقه قبل أن يصل إلى النقطة نفسها التي بدأ منها، فلا يدرك على امتداد عمره أنه قد أسهم في اعوجاج بوصلتها، وأنه تسنم ظهر بعير فيها. أما تلك الجوقة الْمُنْبَتَّة فهي في الأصل في غيبوبة من العقل، وتفاهة في العلم، فلا فرق عندها إن لم تقطع أرضاً أو لم تُبْقِ ظهراً. وإن كان الغرب قد شَقِي في عصوره الوسطى لغياب مشعل النور، فنحن نهيل التراب على ما تبقَّى من مشاعلنا في زمننا الحاضر لنعانق بكل شوق ولهفة عصوراً مؤلمة عبرنا فوهتها، وها نحن نقترب من مركز الخطر فيها، ولن تكون هناك عيون تبكينا، أو يد تنتشلنا وقد اقتربنا من نهاية الزمان.د. أحمد الليثي
رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
ATI
www.atinternational.org
تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
*****
فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.
-
-
1-ولا يملك العاقل معهم إلا أن يجر أذياله، ويحمل متاعه، ويرتحل عن دارهم، ليعتصم في صومعته والألم يعتصره، وقد فقد الأمل في الإصلاح؛ ذلك أن جدال الجاهل من المعضلات، وأصحاب العقل -في زمننا هذا- لا صبر لهم، ولا رغبة عندهم في محاورة تلك الجوقة.
وكأنك أستاذنا الفاضل- وعذرًا- تزرع اليأس هاهنا بدلًا من الأمل
فكيف يكون الإصلاح إذًا، وكيف يكون تبيان الحق من الباطل، وكيف يكون الدعوة للرجوع لرؤية الحق ونصوعه ؟!
ومن سيوضح الحقيقة للبسطاء المخدوعين بهم وبآرائهم إن كان صاحب العقل سيرتحل ويعتصم في صومعته، وإن كان صاحب الحجة سيعتصره الألم ويفقد الأمل بالإصلاح فكيف سيكون حال و موقف البقية من الناس العاديين؟
2-سؤال آخر لو تكرمت، في المقطع الخامس/
ونحن نحكم بذلك لأننا لا نزال -والحمد لله- نرى بعض الطريق، ....
نحكم:ما تشكيلها هنا وهل هي مبنية للمجهول.
وشكرًا جزيلًا لكم.أراها الآن قادمة خيول النصر تصهل في ضياء الفجرللأزمان تختصرُوواحات الإباء تفيء عند ظلالها الأقمار تنهمرُوأقسم إنها الأحرار تنتصرُسيكتب مجدها ألقا نجوم الدهر والقدرُبلى؛ فالله لايغفو ..يجيب دعاء مضطرٍ بجوف الليلللمظلوم، والمضنىفيشرق في الدجى سَحَرُ-رزان-
تعليق
-
-
المشاركة الأصلية بواسطة د/ أحمد الليثي مشاهدة المشاركةمن الناحية الفكرية طغت علينا الذاتية، والمصلحة الفردية، وأصبحت الغاية هي الدنيا. وروَّج أدعياء الفكر أفكاراً بدا منها أن مفاتِح المغاليق إنما هي بأيديهم دون سواهم، وتعالَوْا بأنفسهم فاحتقروا من دونهم، ورسخوا الجهل في نفوس الجهلاء لينظروا إليهم على أنهم هامات عالية يكون دون الارتقاء إليها خرط القتاد؛ فأشاعوا في الناس فكراً ضالاً، وعقائد هي أقرب للمسخ منها إلى أي شيء آخر، وضللوا عقولهم بدعاوى خبيثة في ثياب قشيبة كحرية الفكر، والسباحة في أغوار العقل، والتحليق في فضاء الكون، وكسر قيود الفكر المحدود للوصول إلى اللامحدود الباقي الأبدي السرمدي، وكأن ذاك العقل الذي يقودهم ليس قاصراً ولا محدوداً. أرادوا أن يجعلوا من العقل إلهاً ونسوا انطلاقتهم من حضيض المادة. وانخدع بهم كثيرون، ولم تطل أعمار الحمقى ليروا في حياتهم عاقبة أمر قادتهم وحُداتِهم. فسارتر نفسه يطلب حضور قسيس وهو على فراش الموت لأنه لم يرض أن يخدع نفسه، وقد أوشكت روحه أن تبلغ الحلقوم. وأمثال هذا كثيرون في عالمنا العربي الإسلامي، ولا أذكر أحداً بالاسم حتى لا أفتح المجال للعاهات الفكرية ليُلَبسوا على الناس أفكارهم أكثر وأكثر.
.
هنا وضعت يدك على بعض الجراح
قرأت مقالتك في موقع الوطن
وكنت أريد نقلها
والحمد لله وجدتك هنا تشارك بها
الكلام الصادق من القلب إلى العقل
وهذا كلام صدق
ونحن فعلا
....... نقترب من مركز الخطر فيها، ولن تكون هناك عيون تبكينا، أو يد تنتشلنا وقد اقتربنا من نهاية الزمان
تعليق
-
-
الأستاذ الفاضل/ د/ أحمد الليثي
مقال جدير بالتأمل و الوقوف على كل جزئية به إسترعى إنتباهي هذه الفقرة
[gdwl]ومن هنا نجد أَرْبَاعَ كُتَّابٍ يكتبون فيما لا يفهمون، ويحللون ما يستعصي على عقولهم إدراك كنهه، ويفسرون ما استُغلِق عليهم هم أنفسهم فهمه فيأتون بعجائب وغرائب، ويرون في أنفسهم أنهم أهل استحقاق للفضل. فهم يقفزون قبل أن يتعلموا الحبو، ويريدون أكل الثريد قبل سنين من فطامهم.[/gdwl]
إن كثرة الغث في ربوع الأدب الآن هو عملية منهجية تتكرر و تزداد توغلا في كل الكتابات المعاصرة سواء في طريقة العرض أو في الأسلوب المستخدم
لماذا لم تقترن فقرتك تلك بمثال حي على ذلك ؟
تحياتي لكمالقربُ من ذاتِ الجمالِ حياتيبالعقل لا بالعين ذًقْ كلماتـي
تعليق
-
-
المشاركة الأصلية بواسطة رزان محمد مشاهدة المشاركةوكأنك أستاذنا الفاضل- وعذرًا- تزرع اليأس هاهنا بدلًا من الأمل
فكيف يكون الإصلاح إذًا، وكيف يكون تبيان الحق من الباطل، وكيف يكون الدعوة للرجوع لرؤية الحق ونصوعه ؟!
ومن سيوضح الحقيقة للبسطاء المخدوعين بهم وبآرائهم إن كان صاحب العقل سيرتحل ويعتصم في صومعته، وإن كان صاحب الحجة سيعتصره الألم ويفقد الأمل بالإصلاح فكيف سيكون حال و موقف البقية من الناس العاديين؟
شكر الله مرورك وتعليقك.
سيأتي زمان يحدث فيه هذا، وقد بدأت إرهاصاته بالفعل. وسرعان ما ستعتزل البقية الباقية، أو تموت، ويرفع العلم بموت العلماء، ثم تقوم الساعة على شرار الخلق. وهذا كله ثابت بالنقل.
ولكن ما نحتاج إلى إدراكه هو أن ذاك الزمان المشار إليه لم يعد بعيداً، ونحن أقرب ما نكون إلى قلبه؛ ذلك أننا دخلنا بالفعل ذاك الزمان ونزداد إيغالاً فيه يوماً بعد يوم.
انظري على سبيل المثال إلى موقعنا هنا تجدين كتاب شعر وقصة ومقالة ... إلخ في مختلف المجالات، وهم مثال لشرائح عالمنا العربي المختلفة، وستجدين من لا يحسنون الهجاء يظنون أنفسهم من كبار الكتاب، ومن لا يحسنون الفكر يعتقدون أنهم خبراء، ومن يكتبون سطراً أو سطرين في سخف بادٍ يتلقون التصفيق وكأنهم مشاعل على الطريق. فالجوقة مكتملة، ونارها لا تخمد لأن حطبها لا ينفد. وحين يتناول ناقد عملاً ما بالنقد البناء يلقى ما لا يرضيه، ويتهم بالانحياز، أو بعداء شخصي للكاتب، أو بعدم الفهم، أو غير ذلك مما هو منتشر على الإنترنت. فلدينا منظمومة فكرية حمقاء متكاملة تتجه بسرعة فلكية في الاتجاه الخاطئ وتحسب أنها على صواب، ويعتقدون في أنفسهم أنهم مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.
دمت سالمــة.د. أحمد الليثي
رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
ATI
www.atinternational.org
تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
*****
فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.
تعليق
-
-
أخي الكريم الدكتور أحمد الليثي .
تحياتي وتقديري لكتاباتك الواقعية .
عصر الانحطاط الأدبي قادم إلينا بأيدينا نصنع خطوطه وملامحه.
والهوة بين الازدهار الإبداعي في التأليف والكتابة في شتى المجالات وبين مانحن عليه في واقعنا المعاصر تزداد ابتعادا , ويدور الفلك ليعصف
أدب الانحطاط بكل روعة التراث الذي غاب في غياهب التصفيق لكل رديء
يرتفع وكل جيد نادر يداس ولا يلتفت إليه أحد .
صدقت أخي فيما وصفت به عالم الإبداع الأدبي من فوضى عارمة لأقلام
تعتلي خشية المسرح بلا هوية أو موهبة أو دراسة , وتجد من يثني علي
رداءتها في اللغة وأصولها وقواعدها وبيانها الراقي .
وإذا وجدت كلمة نقد , تنقلب إلى صقور مهاجمة للنصح والتوجيه بالسب
والجدل العقيم . فلا يجد صاحب المبدأ في الحفاظ على اللغة الفصحى وقيم الإبداع المنهجية إلا أن يفلت من بين هذا الوحل إلى راحة عقله وذوقه .
تعليق
-
-
المشاركة الأصلية بواسطة محمد برجيس مشاهدة المشاركةالأستاذ الفاضل/ د/ أحمد الليثي
مقال جدير بالتأمل و الوقوف على كل جزئية به إسترعى إنتباهي هذه الفقرة
[gdwl]ومن هنا نجد أَرْبَاعَ كُتَّابٍ يكتبون فيما لا يفهمون، ويحللون ما يستعصي على عقولهم إدراك كنهه، ويفسرون ما استُغلِق عليهم هم أنفسهم فهمه فيأتون بعجائب وغرائب، ويرون في أنفسهم أنهم أهل استحقاق للفضل. فهم يقفزون قبل أن يتعلموا الحبو، ويريدون أكل الثريد قبل سنين من فطامهم.[/gdwl]
إن كثرة الغث في ربوع الأدب الآن هو عملية منهجية تتكرر و تزداد توغلا في كل الكتابات المعاصرة سواء في طريقة العرض أو في الأسلوب المستخدم
لماذا لم تقترن فقرتك تلك بمثال حي على ذلك ؟
تحياتي لكم
شكر الله مرورك وتعليقك.
وكثرة الغث تجعل الاختيار من بين الأمثلة صعباً؛ ذلك أن المعلقين في الغالب إنما ينظرون في الفروع ويتركون الأصول، وهذا أبرز الأسباب في تجول كل نقاش عن القصد منه. كذلك قد يعتقد البعض أنه مقصود بذاته فنتحول إلى ساحة قتال وسباب، وليس إلى ساحة نقاش.
ولكن المثال العام هو من نراه ممن لا حظ لهم من العلم الشرعي نجدهم يتحدثون في الدين ويفسرون ويطغعنون في العلماء؛ ومن لا يفهمون في اللغة يتحدثون برأيهم وكأنهم سيبويه زمانهم؛ ومن كتبوا كلمتين في أي شيء وصفقت لهم الجوقة المعروفة صفاتها فاعتقدوا أنهم أدباء من الطراز الأول؛ ومن قرأوا كتاباً في الفكر فظنوا أنفسهم مفكرين عمالقة، ومن يظنون أنفسهم فوق كل نقد، وكل منتقد.
وكما أشرتَ ، فما أكثرهم في عالمنا.
دمت سالمــاً.د. أحمد الليثي
رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
ATI
www.atinternational.org
تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
*****
فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.
تعليق
-
-
المشاركة الأصلية بواسطة اسماعيل الناطور مشاهدة المشاركةالأخ الدكتور أحمد
هنا وضعت يدك على بعض الجراح
قرأت مقالتك في موقع الوطن
وكنت أريد نقلها
والحمد لله وجدتك هنا تشارك بها
الكلام الصادق من القلب إلى العقل
وهذا كلام صدق
ونحن فعلا
....... نقترب من مركز الخطر فيها، ولن تكون هناك عيون تبكينا، أو يد تنتشلنا وقد اقتربنا من نهاية الزمان
شكر الله مرورك وتعليقك، وأعتذر كثيراً عن التاخر في الرد.
وكنت أعتزم جمع مادية علمية تكون أرضية تطبيقية لهذا المقال، ولكني عدلت عن نشرها؛ لأن "إبداعات" أرباع الكتاب منتشرة انتشار النار في الهشيم، لا يكاد المرء يُيَمِّم وجهه شطر اليمين حتى تصعقه مقالة، وشطر اليسار حتى يفزعه نص ما. فلا مهرب. ونحن بالفعل على متن صاروخ ينطلق بسرعة الضوء نحو عصور أشد إظلاماً على مختلف المستويات، وخاصة الفكرية.
في الساعات المبكرة من هذا الصباح كنت أقلب في بعض أوراقي، ومنها كتاب قديم اسمه "لغة الجرائد" وهو عبارة عن مجموع المقالات التي نشرت تباعاً في مجلة الضياء التي أسسها الشيخ إبراهيم اليازجي، ونشر الكتاب سنة 1847م في طبعته الأولى، وهي الطبعة التي لدي. وجاء في صفحة 120 من هذا الكتاب الذي يتناول الأخطاء المنتشرة في اللغة بالتصويب، وإصلاح الخلل فيها، يقول المؤلف إنه قد انكشف للكُتاب "أن البلاغة سر من أسرار اللفظ قائم بحسن انتقاء الكلمات وإلباس كل معنى الثوبَ الذي يشف عنه ويمثله بكل تفاصيله ودقائقه. ولكن من العجب أنه لا يزال في جنب أولئك فريق من الكتاب لم ينتقلوا عن موقفهم، ولم يزيلوا ما عرفوا به من الغثاثة واللحن ..." إلى أن يقول "وقد فات هذا القائل وأمثاله أن اللفظ صورة المعنى، وأن (الحقائق المعنوية) إذا لم يسعها ما يمثلها من القوالب اللفظية لم تخرج عن مخيلة القارئ إلى منطقه، بل كانت تلك القوالب أصح وضعاً وأتم إحكاماً جاءت صور المعاني أوضح أشكالاً وأنصع ألوانا، وبهذا تتفاضل طبقات الكتاب حتى نجد كلام بعضهم اشبه بالألغاز والرقى، وترى كلام غيره يمثل لك المعاني تمثيلاً حتى كأنما يعرضها عليك أشباحاً محسوسة. وما ننكر ن هذه المنزلة الأخيرة لا يبلغها إلا أفراد من أقطاب البلاغة في كل عصر. ونحن لا نطمع أن نراها في كثير من كتابنا الحاليين فضلاً عن أمثال الطبقة المذكورة. لكن لا أقل من أن يعبروا عن كل معنى باللفظ الموضوع له".
فإذا صدق كلامه عنه في وقته، فما بالنا بكتاب اليوم الذين لم يقرأ أغلبهم في اللغة كتاباً، وإن قرأوا لم يفهموا الكلام على وجهه الصحيح، وإن فهموا بعضاً ظنوا أنفسهم خبراء، وطرحهم فوق النقد، وإن أخذت بيدهم لتعينهم عضوا يدك وكأنك أردت بهم شراً. وما أكثرهم في عالمنا.
دمت في طاعة الله.د. أحمد الليثي
رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
ATI
www.atinternational.org
تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
*****
فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.
تعليق
-
-
المشاركة الأصلية بواسطة محمد فهمي يوسف مشاهدة المشاركةأخي الكريم الدكتور أحمد الليثي .
تحياتي وتقديري لكتاباتك الواقعية .
عصر الانحطاط الأدبي قادم إلينا بأيدينا نصنع خطوطه وملامحه.
والهوة بين الازدهار الإبداعي في التأليف والكتابة في شتى المجالات وبين مانحن عليه في واقعنا المعاصر تزداد ابتعادا , ويدور الفلك ليعصف
أدب الانحطاط بكل روعة التراث الذي غاب في غياهب التصفيق لكل رديء
يرتفع وكل جيد نادر يداس ولا يلتفت إليه أحد .
صدقت أخي فيما وصفت به عالم الإبداع الأدبي من فوضى عارمة لأقلام
تعتلي خشية المسرح بلا هوية أو موهبة أو دراسة , وتجد من يثني علي
رداءتها في اللغة وأصولها وقواعدها وبيانها الراقي .
وإذا وجدت كلمة نقد , تنقلب إلى صقور مهاجمة للنصح والتوجيه بالسب
والجدل العقيم . فلا يجد صاحب المبدأ في الحفاظ على اللغة الفصحى وقيم الإبداع المنهجية إلا أن يفلت من بين هذا الوحل إلى راحة عقله وذوقه .
شكر الله مرورك وتعليقك.
لا أجد رداً أبلغ من كلامك أنت في هذا المقام وهو:
" ... أقلام تعتلي خشية المسرح بلا هوية أو موهبة أو دراسة، وتجد من يثني علي رداءتها في اللغة وأصولها وقواعدها وبيانها الراقي . وإذا وجدت كلمة نقد، تنقلب إلى صقور مهاجمة للنصح والتوجيه بالسب والجدل العقيم. فلا يجد صاحب المبدأ في الحفاظ على اللغة الفصحى وقيم الإبداع المنهجية إلا أن يفلت من بين هذا الوحل إلى راحة عقله وذوقه".
ولهؤلاء جميعاً يقول المرء سلامًا عملاً بكتاب الله عز وجل.
دمت في طاعة الله.د. أحمد الليثي
رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
ATI
www.atinternational.org
تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
*****
فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.
تعليق
-
ما الذي يحدث
تقليص
الأعضاء المتواجدون الآن 64198. الأعضاء 5 والزوار 64193.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 409,257, 10-12-2024 الساعة 06:12.
Powered by vBulletin® Version 6.0.7
Copyright © 2025 MH Sub I, LLC dba vBulletin. All rights reserved.
Copyright © 2025 MH Sub I, LLC dba vBulletin. All rights reserved.
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش-1. هذه الصفحة أنشئت 10:44.
يعمل...
X
😀
😂
🥰
😘
🤢
😎
😞
😡
👍
👎
☕
تعليق