رقصة الدموع (قصة قصيرة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دريسي مولاي عبد الرحمان
    أديب وكاتب
    • 23-08-2008
    • 1049

    رقصة الدموع (قصة قصيرة)

    " أليس من العار على هذا الممثل في رواية من الخيال,في حلم من الألم,يكره روحه على تلبس همه فتحتدم,ويشجب منه المحيا بأجمعه؟"

    شكسبير (مسرحية هاملت)


    في زمن سطو رأسمال السيطرة كآلهة منتصبة على مشارف الحياة بأسرها . في زمن تعدد الوسائط والمقالب بشتى أنواعها . نبست قديستي من أقاصي المرتفعات الشامخة .تعلو وجهها سيماء من الهيبة والوقار المحترمين . نثرت حكمتها كبذور في أرضي المقفرة بعدما حرثت بمحاريثها الشعورية أعماقي فأدمتها لفصول متتالية . مع مرور الزمن أثمرت حقولي قمحا وذرة وشعيرا . في وسطها ظهرت شقيقة نعمان متوحدة مطلقا مع الهدوء التام . حركتها نسماتي مرارا لمجرد هبة نسمة صباحية . اقتربت منها أداعب أوراقها الحمراء فظهرت في مركزها نقطة سوداء حالكة كظلمة الليل . كقطرة ندى توشك على الانسياب الصباحي . أعلم أن سرها يظهر في مطلق الليل وأن الزهرة نفسها ترتعش لوقع البلل .روحانية قلبي تشعرني برمزيتها التي ترهقني وبإشاراتها التي تخبرني . دنوت منها أشم أريجها فشعرت بدوار في رأسي وكأنه زوبعة متخمة بالأفكار الجميلة والأحلام التي لا تعرف حدودا والمفاجئات المخفية في أعماق اللاشعور . حملتني بسرعة دون إنذار على متن أطياف إلى أماكن أخرى لم أعرفها قط في حياتي .

    في زمن هيمنة السرعة الافتراضية . ظهرت هده القديسة على كل المستويات . في كل أمكنتي ,في كل أزمنتي وأنا الذي أومن بزمن لا موضوعي يكسر حلقة الرتابة والقدرية .برزت من بين ثنايا الزحام .اقتحمت غمار اختراق الضجيج والصخب العالي .انتشرت ذبذباتها المتوغلة إلى أوصالي فسكنت هناك في الداخل حيث اختلطت علي الأمور في إيضاحها وجلاء صورتها كما الشمس في لحظة الإشراق من افلاق الصباح .اندست ببراعة في طوابير من الانتظار الطويل لتقف أمامي كلحظة نزقة كأنها حقيقة مطلقة. متيقن أنا أن الحقيقة المطلقة مجرد فكرة وهل أستطيع أن أصيرها كينونة تتحرك أمامي ,تتنفس, ترتعش بالبرد, تنتشي عندما تنتفض دماؤها لتتعرى ؟ أم أنني قد أجعلها أيقونة أتعبد بها في زمن الإلحاد واللاتدين. صراحة تماهى فكري مع اطلاقيتها الجمالية العذبة فارتقى جنوني إلى مراتب الصحو الخلاقة. سألتها يوما :

    -هل تودين أن أكون مجنونك؟

    ردت بمكر فاضح :

    -كن مجنون نفسك في حقولي الفسيحة,آنذاك يمكن لجنوني أن يرتقي صحبة هلوستك لنلج السماء ونحلق بعيدا .

    رسمت في محيطي الهادئ بصمات من حضور ثقلي .أعجزتني بتوجسها المتواري من خلال أبواب توصد وأخرى تشرع على مصراعيها. تسمرت لأول وهلة مكاني . وقفت أمام هيبتها كنصب تذكاري نحت من أوهام الصورة الجميلة الحالمة. شلال دافق يفيض بكل أشكال الانسياب الناضح بالشهوة والاتقاد. خرير مشاعرها الملحن بإيقاعات الزمن المشرق الحر, بدأ يخط على وقع خطوي مسارا إبداعيا من رقصات بديعة.


    في زمن مضطرم بالعربدة الارتجالية, ظهرت بصوتها الجهوري تتمايد على متن أخيلة جامحة قادمة من الماضي السحيق .اقتربت مني فبسطت يدي لتنزل على أرض حقولي . لمساتها صفعتني بتياراتها الداخلية المرتفعة التوتر .هويت لأثرها في حواف أجراف من التيه. أنا بدوري عهدت دروبه التي هي أقرب إلى الاختيار المضطرب المختلط بمشاعر من الاختلال وفقدان التوازن .صرخت في وجهها بشكل صاعق. أغلقت أذنيها فجأة بسبابتيها وانسلت يداها لتغمض عينيها.اتئذ برزت لي عين ثالثة في جبهتها العريضة انبعثت منها شرارة الومض والتشظي .انكسرت أشلاء قلبي مبثوثة في تهويمات الأعماق السحيقة تحت وطأة الصراخ الداخلي .

    - من تكونين أيتها الغريبة ؟ أخالك من سلالة الشياطين ...


    صمتت ولم تعرني أي اهتمام يذكر. نسمات ريح ربيعية تهب من محيطن ا.المنظر يشي برومانسية مميزة عابقة بروائح مختلطة. تعرت من ثيابها فخيل لي أنها ترمي بأفاعي رقطاء تتراقص في الهواء. افترشت الأرض لوقع صدمة المشهد مبهوتا فاغرا فاهي وهو يتأوه همهمات من اللامعنى . حبوت على ركبتي وعيني تتفاديان أية لعنة قادمة من وجهتها . مددت يدي لأنتزع قطعة من ثوبها ومررتها على ضفاف أنفي .آنذاك شممت روائح العطور المختلطة بعبق شهوة نادرة . تحركت صوبي وتراجعت أنا مفزوعا من قطة برية قادمة من براري التوحش تروم التهامي بين فكي فخديها وتبتلعني بطريقة الأفاعي المعششة في المستنقعات الاستوائية. قالت بنبرة وحي نزل لتوه من أعالي مجاري صدرها المرمري :

    - لما ستراني أرقص سأروقك أكثر . تيقن أن باستطاعتي أن أرسم كلمات بجسدي.

    انثنت وتلوت فالتفت. تقدمت بحركات مختلطة بتعبير ذوقي جميل. خطوات إلى الأمام ثم إلى الوراء.دارت حول نفسها دورات متتالية أقرب إلى رقصة الدراويش. شعرت بدوار يحلق في فضائي فصرخت بأعلى صوتي :

    - توقفي جميلتي...يكفي أني أدور في حلقة مفرغة. كفاني دورانا .كفى.. كفى... كفى...

    استمرت في رقصتها وكأنها ركبت الريح. رددت كلمات أقرب إلى حقيقة تلاشت ملامحها مع الدوران الرهيب. صمت مريب. وحشية بربرية اكتسحتني حينما أصبحت بهذا الفضح الذي يغمرني بتعرية قاسية خدشت حياء طبقات حياتي .نبست بكلمات غريبة قائلة :

    - الدوران في مداراتي ارتحال عبر الزمن. سفر عبر أطياف المدى البعيد.هياج في الأعماق الدفينة اختلط مع دوي الطلقات الداخلية التي تغتالني فترحمني حينما تسكنني لحظات العربدة.

    مدت يدها نحوي تطلب مني أن أقوم لأراقصها وأنا الذي لم أعهد سوى الجلوس ولم أستشعر يوما جمالية الحركة ولا رمزية الدوران. قلت لها :

    - عذرا جميلتي فلن أقدر على مسايرة رقصاتك. ولن أقوى على مكابدة عناء الدوار ولا استشعار الهياج الداخلي.

    - إذن لا تود السفر معي عبر رحلة الجسد؟

    - حين ترقصين حبيبتي تحت نزيف الكلمات وعبر أحلامك الطويلة, أسافر معك في سرابها السديمي الممتد في فيافي التيه المستطالة. تغطي سماءه غربان الظلام ووطاويط الليل المفزعة.أخال الأفاق كالحة السمات معتمة,لكن ريثما تحلين في أعالي فظاءاتها تتورد مستنيرة بوميضك فتزهو بضيائك. ترسمين ملامح ذاكرتينا المنسية وتخطين بأصابعك تخوم الأحلام الطفولية.كل هدا وأنا قابع في مكاني أما أن تحركت تلاشت الصورة بأكملها .

    همدت عاصفتها على اثر كلماتي التي أحسست وقعها على محياها. كشرت عن أسنانها وكأنها تود عضي .صوبت نظراتها نحوي دون أن يرف لها جفن. مازالت عارية حتى اللحظة.أتلصص من حين لآخر لألتقط صورة من هذا الزخم الذي لا ينضب, فأفشل بقوة ملاحقتها لحركاتي فأطأطئ رأسي مذعورا.أمسكت بذقني رافعة وجهي نحو الأعلى قائلة :

    - بالصدفة كانت كلماتك حافزا للرقص .إيقاعا يستفز على الدوران في احتفال اللغة بعرسها. لحنتها على نغمات البلاغة وترنمت على مقاماتها المصاغة من فكرك. من عرق جسدك المتصبب الذي ارتشفته وكأنه خمرة معتقة في أحشائك.انتشيت بلذة أنخابك وأنا أحتسي رفقة مرارة الأيام الألم والضياع. وعندما أصل إلى مرحلة الثمالة بطهرانيتها وصحوها أواري كل أوهامي في توابيت محنطة وأمضي في دهاليز الأنفاق المدلهمة فتغيب عن أنظاري وتتلاشى من بين أحضاني.أجلس على عتبات قواميسك أتصفح متونها حرفا حرفا. كلمة كلمة.اسما اسما فأكون لغة أنقشها على جسدي وشما وعلى ذاكرة روحي بصمات .

    أنهت كلماتها ومدت نحوي يدها الآسرة...لملمت حيرتي وأطبقت يدي على فرعها ,فتسلق جسدي مع جذعها وهو يراقص هيبتها بكبرياء...وابتسامة ممزوجة بدموع الفرح والدهشة....

    دريسي مولاي عبد الرحمان
    المغرب...
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    ادريسي مولاي عبد الرحمن
    حقيقة لاأدري لم أخذني نصك إلى عالم الحرية والجري وراء سلطان جلالها
    تذكرت نصي (( عاشقون)) وتراقصت سطوره أمامي!!
    ولاأقصد التشبيه طبعا !!
    أحب نصوصك لأنها تغرقني بلجة عوالم شاسعة وتبحر بي إلى مرافيء كثيرة
    أتدري ادريسي
    أحسك تبحر بعيدا لتكتشف عوالمك التي تغرقك أحيانا في بحور أنت نفسك تجهلها لتخرج الحروف صورا تتراقص بين مخيلتي
    أيكون الغوص في عالم النفس صعبا هكذا دوما!؟
    أشعر بهذا الآن
    نص غائر بعمق البحور يبحث عن الحقيقة المجردة في عوالم باتت الضبابية سمتها.
    ولأقل لك معلومة أحب أن أقرأ لك لأني أتعلم منك الكثير.. أشكرك
    رائع أنت دوما زميلي ومبهر
    تحياتي لك ومودتي من بغداد الحبيبة
    سأترك خلفي نجوم خمسة لك
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • دريسي مولاي عبد الرحمان
      أديب وكاتب
      • 23-08-2008
      • 1049

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
      الزميل القدير
      ادريسي مولاي عبد الرحمن
      حقيقة لاأدري لم أخذني نصك إلى عالم الحرية والجري وراء سلطان جلالها
      تذكرت نصي (( عاشقون)) وتراقصت سطوره أمامي!!
      ولاأقصد التشبيه طبعا !!
      أحب نصوصك لأنها تغرقني بلجة عوالم شاسعة وتبحر بي إلى مرافيء كثيرة
      أتدري ادريسي
      أحسك تبحر بعيدا لتكتشف عوالمك التي تغرقك أحيانا في بحور أنت نفسك تجهلها لتخرج الحروف صورا تتراقص بين مخيلتي
      أيكون الغوص في عالم النفس صعبا هكذا دوما!؟
      أشعر بهذا الآن
      نص غائر بعمق البحور يبحث عن الحقيقة المجردة في عوالم باتت الضبابية سمتها.
      ولأقل لك معلومة أحب أن أقرأ لك لأني أتعلم منك الكثير.. أشكرك
      رائع أنت دوما زميلي ومبهر
      تحياتي لك ومودتي من بغداد الحبيبة
      سأترك خلفي نجوم خمسة لك
      عائدة...الزميلة القديرة..سررت لأنك مررت من هنا...ونثرت عبق عطر كلماتك من خلال مداخلتك العميقة...وحاولت سبر أغوار النفس السحيقة...فكنت حقا...وكما أعرفك دقيقة ترومين البحث عن الحقيقة...
      هي رقصة دامعة...من دموع راشفة...هي دموعي...
      كلماتك هنا سيدتي الفاضلة...أربكتني بشكل غريب...أحسست من خلالها وحشتي الراقصة...وكأنها في حدود العبودية...بطريقتي شئت ان ارقص رقصات بدائية...فكانت بهذه الغرائبية....
      صديقتي لا يسعني سوى أن أشكرك جزيل الشكر...واعلمي ايضا أنني عاشق نصوصك لأنها تحمل مشروعا متكامل المعالم...
      فدمت بهية كما عهدتك...
      كوني بألف خير

      تعليق

      • دريسي مولاي عبد الرحمان
        أديب وكاتب
        • 23-08-2008
        • 1049

        #4
        الأستاذ العزيز ربيع عبد الرحمان...تحية خالصة.
        رفعت هذا النص لأرى رأيك فيه ارتباطا بما ورد في مداخلتك على نصي معشوقتي السماوية...وهذا الرفع طبعا ليس جزافيا...لأنني أريد مناقشتك فيه شخصيا لأستجلي بعض الأمور في ذهني وربما في اختياراتي الابداعية...
        محبتي العميقة.

        تعليق

        • ميساء عباس
          رئيس ملتقى القصة
          • 21-09-2009
          • 4186

          #5
          رسمت في محيطي الهادئ بصمات من حضور ثقلي .أعجزتني بتوجسها المتواري من خلال أبواب توصد وأخرى تشرع على مصراعيها. تسمرت لأول وهلة مكاني . وقفت أمام هيبتها كنصب تذكاري

          استمرت في رقصتها وكأنها ركبت الريح. رددت كلمات أقرب إلى حقيقة تلاشت ملامحها مع الدوران الرهيب. صمت مريب. وحشية بربرية

          وعندما أصل إلى مرحلة الثمالة بطهرانيتها وصحوها أواري كل أوهامي في توابيت محنطة وأمضي في دهاليز الأنفاق المدلهمة فتغيب عن أنظاري وتتلاشى من بين أحضاني.أجلس على عتبات قواميسك أتصفح متونها حرفا حرفا. كلمة كلمة.اسما اسما
          وشما وعلى ذاكرة روحي بصمات .

          الفنان العزيز ادريسي
          تحية لك بعبق هذا الخيال الضوئي
          قصتك راقصة على وتر الروح ادريسي
          تعزف على ألمنا بمهارة
          ننتحل القصة معك لنشعر بقدر من الحرية وربما السعادة
          لنخرج من كهف الضيق علنا نكسر تابوتا أسودا يلتصق بأعيننا
          كم من الأسر؟
          كم من الحزن ؟
          كم من الفقدان والبحث عن الهوية والسعادة
          وكم كثيرة ادريسي ..حاصرتك حتى طافت روحك بكل هذا الخيال
          تحيتي أيها المبدع لك في كل زمان
          وكنت ..معك ..في السماء أطرد الغربان
          رقصة الدموع الرائعة التي ذكرتني برقصتك الحزينة مع الربيع الرائع يوم عيد ميلاده
          تحياتي العميقة

          ميساء العباس
          مخالب النور .. بصوتي .. محبتي
          https://www.youtube.com/watch?v=5AbW...ature=youtu.be

          تعليق

          • ربيع عقب الباب
            مستشار أدبي
            طائر النورس
            • 29-07-2008
            • 25792

            #6
            أليس من العار على هذا الممثل في رواية من الخيال,في حلم من الألم,يكره روحه على تلبس همه فتحتدم,ويشحب منه المحيا بأجمعه؟"

            شكسبير (مسرحية هاملت)

            أحببت أيضا أن أبدأ مداخلتى بعبارة شكسبير ذاتها ، لأنها تعتبر عضد و متن ومرجع كل القصة ، و لو أنها فى أول الأمر ، أدارت رأسى ، و قلت فورا دريسى دخل زقاقا آخر ، و عالما
            مغلقا ، يجد فيه متسعا للأرق الشتائى ، فيسدد فى صولته سهما ، فى قلب أوديب ( هاملت ) أو يفقأ عين اليكترا أو أوريست على حد سواء .. و فى كل الحالات سوف نرى عملا مختلفا ، اعتمادا على عشقه الأبيد بالمثيلوجيا اليونانية ، و عالم ايسخيلوس و يوربيدس .. و لكن الأمر كان غير ذلك .. كان صراعا أمامى و محاولة فاشلة للتوحد ، العصى من ناحيتها ، و قدرتها الغرائبية على التشكل ، و التورية ، و الرقص إلى أقصى حدود الرقص ، حد الانهاك ، فى المقابل لم يكن الجنون كاملا من ناحيته ، بل الخوف ، و التردد بين الكر و الفر ، القرب حد الالتحام ، و البعد حد الكره ، أو لنقل التساؤل ، و التأمل !!
            أعجبنى فى حوار مع أديب جميل ، أن المستحدث الآن ، أو الجديد فى الاتصال ، أصبح كثيرا و عميقا و متشعبا للحد الذى قد نستغنى فيه عن الواقع .. أعجبتنى المقولة ، لكنها مضللة .. و داعية إلى شتات أكثر وقعا ، و ربما أكثر تشظيا و بعدا عن واقع الناس ، و الاغتراف من الوهم ، و الحقيقة المسجلة التى قد لا تكون الحقيقة .. و سيان .. فأنت متيقن أن الحقيقة المطلقة مجرد فكرة .. و ها أنت تبحث أو تمعن فيها لكى تجعل منها كينونة تتحرك و ترقص أمامك .. و ها أنت تفعل .. بل و تخلع عنها ثيابها ، و تجسدها معنى و فعلا ، و ما الكلام إلا ردود أفعال ، فى الماضى و الحاضر و اللاحق .. المستشرف من الأيام .. و أين نجد الفعل .. أيكون مغتالا دائما ، و العالم يموج بالأحداث .. و ما الكلام أيضا إلا منقولات .. و كما سبق حالة تسبق الفعل أو تقع فى أعقابه !!
            لن أجادل الفكرة ، ليس لأنها أعجبتنى بالفعل ، كقصة ، تدب فيها الدماء ، و لكن لأنه حديث سبق طحنه فى طواحين الهواء زمنا طويلا ، عند أكثر الجماعات سفسطائية ، و على مدار التاريخ ، المنطوق ، و المفعول به .. حتى فى أزمنة ما بعد الديانات ، لتتوقف الفلسفة و تتراجع ، و لا يبقى إلا نتاجات تراثية ، غير قابلة للولادة !!

            للحديث بقية .. معك دريسى
            sigpic

            تعليق

            • العربي الثابت
              أديب وكاتب
              • 19-09-2009
              • 815

              #7
              أستاذي العزيز دريسي مولاي عبد الرحمان
              أسعدني كثيراأن أجدك هنا هذا المساء وأن أحتسي قهوتي على ترانيم هذا النص البديع ...بالمطلق لا يمكنني أن أخوض في تعليق ما حوله،لأن ذلك يتطلب قراءة النص مرات كثيرة قبل مساءلته، غير أن ذلك لا يمنعني كقاريء عادي من قراءك من أن أبارك لك صنعتك هذه،فلغتك نسمة
              في ليل صيف لاهب،تنساب رطبة عليلة لتعبر فجاج الروح ...
              ما أعجبني في كتاباتك هي هذه القدرة العجيبة والرائعة في جعل الموضوع ينسجم مع لغته ويألق بها..كمافي رائعتك {معشوقتي السماوية}.
              بوركت...مولاي ودام حبرك وهاجا..

              العربي الثابت
              - المغرب -
              اذا كان العبور الزاميا ....
              فمن الاجمل ان تعبر باسما....

              تعليق

              • مها راجح
                حرف عميق من فم الصمت
                • 22-10-2008
                • 10970

                #8
                دمت لنا نبضا يسكب النور والجمال على الفكر
                المها كانت هنا
                تحية وتقدير استاذي المبدع دريسي
                رحمك الله يا أمي الغالية

                تعليق

                • دريسي مولاي عبد الرحمان
                  أديب وكاتب
                  • 23-08-2008
                  • 1049

                  #9
                  مقاربة نقدية للمبدع اياد نصار لنصي رقصة الدموع...


                  نص مشحون بالمشاعر والصور المتعددة التي تقارب الواقع حينا والخيال اللامحدود بغرائبية موغلة في الغموض والتكثيف للمشاعر حتى انه ليحتاج القاريء الى جهد فكري زائد ليبقى في الثيمة الاصلية للموضوع. ورغم ان الموقف ينطوي على رسم حالات الرغبة العاطفية في شبوبها وتمردها بين جمالية الروح وثورة الجسد، الا أن الراوي يدخلنا في هلوسات مجنونة تعكس الصدمة والانبهار العاطفي الذي لم يدع لقوانين المنطق والواقع مجالا. وفي حين يبرع الراوي في جنونه اللفظي بالانتقال العنيف بين التشبيهات المجزؤة وتوظيف تهويمات ذهنية في عوالم السحر والجنون والصور الغريبة الموحشة التي لا تعرف الا اقصى حالات التعبير في تطرفها والمليئة بالمتضادات التي تجتمع في تنويعات صورية وذهنية متتالية في بانوراما من الصور الغرائبية، الا انه مصاب بالذهول الذي استولى على كل جزء من كيانه مما رفع درجة التوتر النفسي المضطرب الذي يفقده التركيز ويصيبه بالاحساس بعدم القدرة على اتخاذ موقف سوى ان يبقى مشدوها بالمفارقة: فمن جهة هناك جنون واضطراب ومشاعر مختلطة متناقضة تعبر عن نفسها بالرقص على الكلمات الذي يقوم به الراوي في رقص يكاد يكون مثل رقص الشعوب البدائية في عفويته ولكنه في قمة الانفعال والغرائبية والانتقال المتطرف بين الصور، في حين يقف على الجانب الاخر من المفارقة تلك المرأة الغامضة الفاتنة التي تجيد رقص الجسد المجنون للتعبير عن حالات الحب والرغبات التي لا يحدها خيال. وهكذا ينتقل الصراع النفسي بين عوالم اللغة في ثورتها ومدى قدرتها ان تكون التعبير عن احاسيسنا في حالات الاضطراب والعشق المجنون، وبين عوالم الفن الاخرى ومدى قدرتها ان تكون هي التعبير الاصدق عن هذه الحالات. النص يمثل العلاقة المتوترة وضياع الانسان وحيرته في ان يجد المكافيء الحقيقي الذي يستطيع ان يعكس حالات الرغبات الشعورية واللاشعورية بكل تفاصيلها من بين مستويات التعبير بالكلمة والصورة والموسيقى والرقص والريشة في التعبير عن ذاته بكل صدق.

                  ويعكس استخدام المتناقضات والمتضادات اللغوية بافراط هذا الصراع الداخلي في اعماق الانسان بين ان يكون صادقا مع ذاته وبين ان يكون ضحية ارادية للصورة النمطية الهادئة المقموعة في العلاقات الانسانية. فتكاد كل مفردة تجد نقيضها في النص. كما يعكس الافراط في رسم الصور الذهنية المليئة بالغموض عدم قدرة الانسان ان يحقق الاشباع لثورة الجسد وجمال الروح وابداع الفكر دون معاناة طويلة وصراعات بين قيود الواقع وشطحات الخيال.

                  يقترب النص من مفهوم المدرسة الرمزية وبالذات من تجربة بودلير الشعرية التي لا تجد ضيرا ان تقدم الجانب الجمالي في صور وتشبيهات روحية تستلهم التعبير عن جوانب البشاعة في التجربة الانسانية وبالتالي تقدم نماذج غريبة منفرة للاحتفال بالروعة والرهبة، بينما تقدم صورا لذيذة ممتعة من الانسجام لتعبر عن الشر. فقد تغيرت العلاقات الدلالية وانقلبت في جهد واضح للخروج عن المألوف الذي اصبح مملا.
                  يعيد النص تشكيل المعاني والدلالات المألوفة للمفردات اللغوية ويوظف الصور المستقرة في جوانب اخرى، فهناك الهة السيطرة وهناك القديسة التي تصبح ملكة الرقص بالجسد في الدلالة على التعبير عن ثورة الجانب الحسي، وهناك شقيقة النعمان الحمراء التي تحولت الى رمز للتعبير عن التوحد والاحساس بالاغتراب في محيط مقفر، وهناك القطة البرية كرمز للمرأة المتوحشة في التعبير عن عاطفتها...الخ من كثير من هذه الرموز. وفي النهاية هناك صور حالات الطبيعة في تقلباتها واجوائها المختلفة بين اقصى الصقيع والنار والتي تم توظيفها بشكل مكثف ضمن مفهوم تجربة بودلير.

                  تعليق

                  • دريسي مولاي عبد الرحمان
                    أديب وكاتب
                    • 23-08-2008
                    • 1049

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة ميساء عباس مشاهدة المشاركة
                    رسمت في محيطي الهادئ بصمات من حضور ثقلي .أعجزتني بتوجسها المتواري من خلال أبواب توصد وأخرى تشرع على مصراعيها. تسمرت لأول وهلة مكاني . وقفت أمام هيبتها كنصب تذكاري

                    استمرت في رقصتها وكأنها ركبت الريح. رددت كلمات أقرب إلى حقيقة تلاشت ملامحها مع الدوران الرهيب. صمت مريب. وحشية بربرية

                    وعندما أصل إلى مرحلة الثمالة بطهرانيتها وصحوها أواري كل أوهامي في توابيت محنطة وأمضي في دهاليز الأنفاق المدلهمة فتغيب عن أنظاري وتتلاشى من بين أحضاني.أجلس على عتبات قواميسك أتصفح متونها حرفا حرفا. كلمة كلمة.اسما اسما
                    وشما وعلى ذاكرة روحي بصمات .

                    الفنان العزيز ادريسي
                    تحية لك بعبق هذا الخيال الضوئي
                    قصتك راقصة على وتر الروح ادريسي
                    تعزف على ألمنا بمهارة
                    ننتحل القصة معك لنشعر بقدر من الحرية وربما السعادة
                    لنخرج من كهف الضيق علنا نكسر تابوتا أسودا يلتصق بأعيننا
                    كم من الأسر؟
                    كم من الحزن ؟
                    كم من الفقدان والبحث عن الهوية والسعادة
                    وكم كثيرة ادريسي ..حاصرتك حتى طافت روحك بكل هذا الخيال
                    تحيتي أيها المبدع لك في كل زمان
                    وكنت ..معك ..في السماء أطرد الغربان
                    رقصة الدموع الرائعة التي ذكرتني برقصتك الحزينة مع الربيع الرائع يوم عيد ميلاده
                    تحياتي العميقة


                    ميساء العباس
                    الرائعة ميساء العباس...مساء الخير...
                    كان لحضورك هنا طعم خاص عنوانه الاختيار... واختيار أنامل متجذرة في قعر الاختلاف.
                    وجدت سيدتي المعاني هنا بتأويلك للاستعارات ولتحليقك فوق سماء أنت تعرفين جيدا أنها تعج بالنعيق والزعيق...
                    رحالة أنت سيدتي المحترمة لانك لا ترضخين لأي وطن كيفما كان سوى وطن اللغة والمجاز...بطبيعة الحال لأنك شاعرة مميزة.
                    الحزن وطني افترشته على قارعة الطريق...وتحته نثرت أوراق مهماتي الفاشلة...
                    وكم أحب الرقص...لأنني عاشق لتعبيريته ورمزيته...وما دمت قد حددت نوع الرقصة هنا...فأنها تلك لألكسيس زوربا في رائعة كزانتزاكيس بترجمة الكبير ع الرحمان بدوي...
                    رقصة كلنت حدا فاصلا بين الانغماس النظري المتوحد وبين الانطلاق الجموح للخبرة الانسانية البسيطة...
                    تحياتي لك ميساء العزيزة...لا تنسي أن تحضري معنا من حين لأخر لنزورك...

                    تعليق

                    • دريسي مولاي عبد الرحمان
                      أديب وكاتب
                      • 23-08-2008
                      • 1049

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
                      أليس من العار على هذا الممثل في رواية من الخيال,في حلم من الألم,يكره روحه على تلبس همه فتحتدم,ويشحب منه المحيا بأجمعه؟"

                      شكسبير (مسرحية هاملت)

                      أحببت أيضا أن أبدأ مداخلتى بعبارة شكسبير ذاتها ، لأنها تعتبر عضد و متن ومرجع كل القصة ، و لو أنها فى أول الأمر ، أدارت رأسى ، و قلت فورا دريسى دخل زقاقا آخر ، و عالما
                      مغلقا ، يجد فيه متسعا للأرق الشتائى ، فيسدد فى صولته سهما ، فى قلب أوديب ( هاملت ) أو يفقأ عين اليكترا أو أوريست على حد سواء .. و فى كل الحالات سوف نرى عملا مختلفا ، اعتمادا على عشقه الأبيد بالمثيلوجيا اليونانية ، و عالم ايسخيلوس و يوربيدس .. و لكن الأمر كان غير ذلك .. كان صراعا أمامى و محاولة فاشلة للتوحد ، العصى من ناحيتها ، و قدرتها الغرائبية على التشكل ، و التورية ، و الرقص إلى أقصى حدود الرقص ، حد الانهاك ، فى المقابل لم يكن الجنون كاملا من ناحيته ، بل الخوف ، و التردد بين الكر و الفر ، القرب حد الالتحام ، و البعد حد الكره ، أو لنقل التساؤل ، و التأمل !!
                      أعجبنى فى حوار مع أديب جميل ، أن المستحدث الآن ، أو الجديد فى الاتصال ، أصبح كثيرا و عميقا و متشعبا للحد الذى قد نستغنى فيه عن الواقع .. أعجبتنى المقولة ، لكنها مضللة .. و داعية إلى شتات أكثر وقعا ، و ربما أكثر تشظيا و بعدا عن واقع الناس ، و الاغتراف من الوهم ، و الحقيقة المسجلة التى قد لا تكون الحقيقة .. و سيان .. فأنت متيقن أن الحقيقة المطلقة مجرد فكرة .. و ها أنت تبحث أو تمعن فيها لكى تجعل منها كينونة تتحرك و ترقص أمامك .. و ها أنت تفعل .. بل و تخلع عنها ثيابها ، و تجسدها معنى و فعلا ، و ما الكلام إلا ردود أفعال ، فى الماضى و الحاضر و اللاحق .. المستشرف من الأيام .. و أين نجد الفعل .. أيكون مغتالا دائما ، و العالم يموج بالأحداث .. و ما الكلام أيضا إلا منقولات .. و كما سبق حالة تسبق الفعل أو تقع فى أعقابه !!
                      لن أجادل الفكرة ، ليس لأنها أعجبتنى بالفعل ، كقصة ، تدب فيها الدماء ، و لكن لأنه حديث سبق طحنه فى طواحين الهواء زمنا طويلا ، عند أكثر الجماعات سفسطائية ، و على مدار التاريخ ، المنطوق ، و المفعول به .. حتى فى أزمنة ما بعد الديانات ، لتتوقف الفلسفة و تتراجع ، و لا يبقى إلا نتاجات تراثية ، غير قابلة للولادة !!

                      للحديث بقية .. معك دريسى
                      الأستاذ القدير ربيع ع الرحمان...مساء الخير.
                      سأبدأ من الأخير لأنك أستاذي خرجت بموقف ليس صحيحا بتاتا...الا وهو أن الفلسفة ماتت...فما بالك بكل مدارس فلسفة الاختلاف والتأويل والتفكيك والعدمية وارادة القوة..ولنفرض جدلا موتها لصنمية منطقها وطبيعة هويتها القضوية واللغوية...لتصبح ميتافيزيقا حاولت مدارس تجاوزها لتصبح تجاوزا للموجود الذي ننغمس فيه وانفتاحا على الوجود بمعناه القيمي...
                      حكم القيمة هنا لا اساس له من الصحة لأن هناك من يعطي تجربته ونشاطه كنموذج يتعدى الاقتداء...
                      الأسطورة اليونانية ستخلد ما دمنا نعود اليها لنغرف القيمة والمعنى بعيدا عن الانغماس اليومي في شقه الفكري الذي يعيد انتاج أزمته فما بالك بالابداعي عندما يرصدها بشكل فني ليطرح سؤال الوظيفة من جديد...
                      وحتى هذا التراث نستنطقه ونعيد تشكيله على هوانا لنشكل منه قصة او رواية...هل فعلنا هذا كان أمينا لنقل جراحاته والامه وضحاياه...وهل نستحضر البعد الأعمق فيه حتى ونحن نقرأ مجلداته...نحتاج اذن الى عناء كبير...وسفر لا يستقر على حال...
                      كنت دوما أرغب في تأزيم النص ليصبح متعة ما لدى القارئ...لكن يبدو أن تموقع مكان القراءة خاطئ...
                      دوما للحديث رفقتك بقية أستاذي العزيز.
                      أوردت هنا مقاربة نقدية مخالفة رصدت جوانب مغايرة...
                      محبتي.

                      تعليق

                      • دريسي مولاي عبد الرحمان
                        أديب وكاتب
                        • 23-08-2008
                        • 1049

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة العربي الثابت مشاهدة المشاركة
                        أستاذي العزيز دريسي مولاي عبد الرحمان
                        أسعدني كثيراأن أجدك هنا هذا المساء وأن أحتسي قهوتي على ترانيم هذا النص البديع ...بالمطلق لا يمكنني أن أخوض في تعليق ما حوله،لأن ذلك يتطلب قراءة النص مرات كثيرة قبل مساءلته، غير أن ذلك لا يمنعني كقاريء عادي من قراءك من أن أبارك لك صنعتك هذه،فلغتك نسمة
                        في ليل صيف لاهب،تنساب رطبة عليلة لتعبر فجاج الروح ...
                        ما أعجبني في كتاباتك هي هذه القدرة العجيبة والرائعة في جعل الموضوع ينسجم مع لغته ويألق بها..كمافي رائعتك {معشوقتي السماوية}.
                        بوركت...مولاي ودام حبرك وهاجا..

                        العربي الثابت
                        - المغرب -
                        الزميل القدير العربي الثابت...
                        أشكرك على هذا المرور المفضي الى عوالم الرقص بكل تعابيره...
                        سياط اللغة ترقصني بعنفوانها رغما عني...
                        ذي متعة لا توصف لا يعرفها سوى من رفع قامته نحو الأعالي...
                        محبتي الأكيدة.

                        تعليق

                        • دريسي مولاي عبد الرحمان
                          أديب وكاتب
                          • 23-08-2008
                          • 1049

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة مها راجح مشاهدة المشاركة
                          دمت لنا نبضا يسكب النور والجمال على الفكر
                          المها كانت هنا
                          تحية وتقدير استاذي المبدع دريسي
                          كنت هنا سيدتي وستبقين أبدا في سبل الذاكرة القرائية تبصمين حضورك بعذوبة أجهل سرها...
                          دمت مها المتذوقة الجميلة لكل صنوف الحرف...
                          تقديري.

                          تعليق

                          • دريسي مولاي عبد الرحمان
                            أديب وكاتب
                            • 23-08-2008
                            • 1049

                            #14
                            عدت الى هذا النص عندما اكتشفت مؤخرا أن امرأتي من الباخيات ويجب أن تكون كذلك...فتذكرت دموعي التي تشبه دموع الاله باخوس...

                            تعليق

                            • أحمد ضحية
                              أديب وكاتب
                              • 10-05-2010
                              • 121

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة دريسي مولاي عبد الرحمان مشاهدة المشاركة
                              " أليس من العار على هذا الممثل في رواية من الخيال,في حلم من الألم,يكره روحه على تلبس همه فتحتدم,ويشجب منه المحيا بأجمعه؟"

                              شكسبير (مسرحية هاملت)


                              في زمن سطو رأسمال السيطرة كآلهة منتصبة على مشارف الحياة بأسرها . في زمن تعدد الوسائط والمقالب بشتى أنواعها . نبست قديستي من أقاصي المرتفعات الشامخة .تعلو وجهها سيماء من الهيبة والوقار المحترمين . نثرت حكمتها كبذور في أرضي المقفرة بعدما حرثت بمحاريثها الشعورية أعماقي فأدمتها لفصول متتالية . مع مرور الزمن أثمرت حقولي قمحا وذرة وشعيرا . في وسطها ظهرت شقيقة نعمان متوحدة مطلقا مع الهدوء التام . حركتها نسماتي مرارا لمجرد هبة نسمة صباحية . اقتربت منها أداعب أوراقها الحمراء فظهرت في مركزها نقطة سوداء حالكة كظلمة الليل . كقطرة ندى توشك على الانسياب الصباحي . أعلم أن سرها يظهر في مطلق الليل وأن الزهرة نفسها ترتعش لوقع البلل .روحانية قلبي تشعرني برمزيتها التي ترهقني وبإشاراتها التي تخبرني . دنوت منها أشم أريجها فشعرت بدوار في رأسي وكأنه زوبعة متخمة بالأفكار الجميلة والأحلام التي لا تعرف حدودا والمفاجئات المخفية في أعماق اللاشعور . حملتني بسرعة دون إنذار على متن أطياف إلى أماكن أخرى لم أعرفها قط في حياتي .

                              في زمن هيمنة السرعة الافتراضية . ظهرت هده القديسة على كل المستويات . في كل أمكنتي ,في كل أزمنتي وأنا الذي أومن بزمن لا موضوعي يكسر حلقة الرتابة والقدرية .برزت من بين ثنايا الزحام .اقتحمت غمار اختراق الضجيج والصخب العالي .انتشرت ذبذباتها المتوغلة إلى أوصالي فسكنت هناك في الداخل حيث اختلطت علي الأمور في إيضاحها وجلاء صورتها كما الشمس في لحظة الإشراق من افلاق الصباح .اندست ببراعة في طوابير من الانتظار الطويل لتقف أمامي كلحظة نزقة كأنها حقيقة مطلقة. متيقن أنا أن الحقيقة المطلقة مجرد فكرة وهل أستطيع أن أصيرها كينونة تتحرك أمامي ,تتنفس, ترتعش بالبرد, تنتشي عندما تنتفض دماؤها لتتعرى ؟ أم أنني قد أجعلها أيقونة أتعبد بها في زمن الإلحاد واللاتدين. صراحة تماهى فكري مع اطلاقيتها الجمالية العذبة فارتقى جنوني إلى مراتب الصحو الخلاقة. سألتها يوما :

                              -هل تودين أن أكون مجنونك؟

                              ردت بمكر فاضح :

                              -كن مجنون نفسك في حقولي الفسيحة,آنذاك يمكن لجنوني أن يرتقي صحبة هلوستك لنلج السماء ونحلق بعيدا .

                              رسمت في محيطي الهادئ بصمات من حضور ثقلي .أعجزتني بتوجسها المتواري من خلال أبواب توصد وأخرى تشرع على مصراعيها. تسمرت لأول وهلة مكاني . وقفت أمام هيبتها كنصب تذكاري نحت من أوهام الصورة الجميلة الحالمة. شلال دافق يفيض بكل أشكال الانسياب الناضح بالشهوة والاتقاد. خرير مشاعرها الملحن بإيقاعات الزمن المشرق الحر, بدأ يخط على وقع خطوي مسارا إبداعيا من رقصات بديعة.


                              في زمن مضطرم بالعربدة الارتجالية, ظهرت بصوتها الجهوري تتمايد على متن أخيلة جامحة قادمة من الماضي السحيق .اقتربت مني فبسطت يدي لتنزل على أرض حقولي . لمساتها صفعتني بتياراتها الداخلية المرتفعة التوتر .هويت لأثرها في حواف أجراف من التيه. أنا بدوري عهدت دروبه التي هي أقرب إلى الاختيار المضطرب المختلط بمشاعر من الاختلال وفقدان التوازن .صرخت في وجهها بشكل صاعق. أغلقت أذنيها فجأة بسبابتيها وانسلت يداها لتغمض عينيها.اتئذ برزت لي عين ثالثة في جبهتها العريضة انبعثت منها شرارة الومض والتشظي .انكسرت أشلاء قلبي مبثوثة في تهويمات الأعماق السحيقة تحت وطأة الصراخ الداخلي .

                              - من تكونين أيتها الغريبة ؟ أخالك من سلالة الشياطين ...


                              صمتت ولم تعرني أي اهتمام يذكر. نسمات ريح ربيعية تهب من محيطن ا.المنظر يشي برومانسية مميزة عابقة بروائح مختلطة. تعرت من ثيابها فخيل لي أنها ترمي بأفاعي رقطاء تتراقص في الهواء. افترشت الأرض لوقع صدمة المشهد مبهوتا فاغرا فاهي وهو يتأوه همهمات من اللامعنى . حبوت على ركبتي وعيني تتفاديان أية لعنة قادمة من وجهتها . مددت يدي لأنتزع قطعة من ثوبها ومررتها على ضفاف أنفي .آنذاك شممت روائح العطور المختلطة بعبق شهوة نادرة . تحركت صوبي وتراجعت أنا مفزوعا من قطة برية قادمة من براري التوحش تروم التهامي بين فكي فخديها وتبتلعني بطريقة الأفاعي المعششة في المستنقعات الاستوائية. قالت بنبرة وحي نزل لتوه من أعالي مجاري صدرها المرمري :

                              - لما ستراني أرقص سأروقك أكثر . تيقن أن باستطاعتي أن أرسم كلمات بجسدي.

                              انثنت وتلوت فالتفت. تقدمت بحركات مختلطة بتعبير ذوقي جميل. خطوات إلى الأمام ثم إلى الوراء.دارت حول نفسها دورات متتالية أقرب إلى رقصة الدراويش. شعرت بدوار يحلق في فضائي فصرخت بأعلى صوتي :

                              - توقفي جميلتي...يكفي أني أدور في حلقة مفرغة. كفاني دورانا .كفى.. كفى... كفى...

                              استمرت في رقصتها وكأنها ركبت الريح. رددت كلمات أقرب إلى حقيقة تلاشت ملامحها مع الدوران الرهيب. صمت مريب. وحشية بربرية اكتسحتني حينما أصبحت بهذا الفضح الذي يغمرني بتعرية قاسية خدشت حياء طبقات حياتي .نبست بكلمات غريبة قائلة :

                              - الدوران في مداراتي ارتحال عبر الزمن. سفر عبر أطياف المدى البعيد.هياج في الأعماق الدفينة اختلط مع دوي الطلقات الداخلية التي تغتالني فترحمني حينما تسكنني لحظات العربدة.

                              مدت يدها نحوي تطلب مني أن أقوم لأراقصها وأنا الذي لم أعهد سوى الجلوس ولم أستشعر يوما جمالية الحركة ولا رمزية الدوران. قلت لها :

                              - عذرا جميلتي فلن أقدر على مسايرة رقصاتك. ولن أقوى على مكابدة عناء الدوار ولا استشعار الهياج الداخلي.

                              - إذن لا تود السفر معي عبر رحلة الجسد؟

                              - حين ترقصين حبيبتي تحت نزيف الكلمات وعبر أحلامك الطويلة, أسافر معك في سرابها السديمي الممتد في فيافي التيه المستطالة. تغطي سماءه غربان الظلام ووطاويط الليل المفزعة.أخال الأفاق كالحة السمات معتمة,لكن ريثما تحلين في أعالي فظاءاتها تتورد مستنيرة بوميضك فتزهو بضيائك. ترسمين ملامح ذاكرتينا المنسية وتخطين بأصابعك تخوم الأحلام الطفولية.كل هدا وأنا قابع في مكاني أما أن تحركت تلاشت الصورة بأكملها .

                              همدت عاصفتها على اثر كلماتي التي أحسست وقعها على محياها. كشرت عن أسنانها وكأنها تود عضي .صوبت نظراتها نحوي دون أن يرف لها جفن. مازالت عارية حتى اللحظة.أتلصص من حين لآخر لألتقط صورة من هذا الزخم الذي لا ينضب, فأفشل بقوة ملاحقتها لحركاتي فأطأطئ رأسي مذعورا.أمسكت بذقني رافعة وجهي نحو الأعلى قائلة :

                              - بالصدفة كانت كلماتك حافزا للرقص .إيقاعا يستفز على الدوران في احتفال اللغة بعرسها. لحنتها على نغمات البلاغة وترنمت على مقاماتها المصاغة من فكرك. من عرق جسدك المتصبب الذي ارتشفته وكأنه خمرة معتقة في أحشائك.انتشيت بلذة أنخابك وأنا أحتسي رفقة مرارة الأيام الألم والضياع. وعندما أصل إلى مرحلة الثمالة بطهرانيتها وصحوها أواري كل أوهامي في توابيت محنطة وأمضي في دهاليز الأنفاق المدلهمة فتغيب عن أنظاري وتتلاشى من بين أحضاني.أجلس على عتبات قواميسك أتصفح متونها حرفا حرفا. كلمة كلمة.اسما اسما فأكون لغة أنقشها على جسدي وشما وعلى ذاكرة روحي بصمات .

                              أنهت كلماتها ومدت نحوي يدها الآسرة...لملمت حيرتي وأطبقت يدي على فرعها ,فتسلق جسدي مع جذعها وهو يراقص هيبتها بكبرياء...وابتسامة ممزوجة بدموع الفرح والدهشة....

                              دريسي مولاي عبد الرحمان
                              المغرب...
                              صديقي الجميل دريسي .. أسمح لي ب"الأنس" .. لا شيء غير الأنس !.. فقد وجدت نفسي في هذا النص الراقي .. خلال الآيديولوجي - أو أعذرني .."..
                              صدقني أنه نص مجنون جدا ! .. خاصة توطئته لنفسه ب"هاملت" وكما تعلم - كسوداني - أحب كل ما هو إنجليزي - لكنك لست محافظا مثلهم - أحبهم لإرتباطهم بذاكرة أبي الشقية ! ومع ذلك تبدل الزمان فسيطر الرأسمال - بالأحرى مكارثية أميركا - ما هو أخطر في هذا النص هو الرأسمال المعنوي الذي يجنح في عوالمه محاولا "تجنيحه" - النص - بمعنى محاولة عقد جناحيه, أي تقييد هيمنته .. ومع ذلك تطور وسائل البث المباشر وآثارها العميقة على هذا الكون الحزين !!لا تسمح بخروج قديسات إلا في مثل هذا النص الجميل .. نعم ها هي تخرج من تلافيف الأسئلة ومن بين ركام التحولات , فترقص على دموعها !!..
                              يا صديقي القريب ..
                              ليس هناك ثمة حقيقة مطلقة - صدقني - سوى حقيقة واحدة .. بالطبع ليس بإمكاننا الجزم بها !ومع ذلك يتوجب علينا الإيمان بها !.. ومن نحن ؟!!!!!!
                              أنها مفارقة أن تعلن قديسة الراوي عن نفسها في هذا الزمان الضنك الذي لا تقوى الكلمات - فيه -عن وصف الذي بالقلب أغمد نصله الناري وأورث الراوي النواح - إحالة لشاعر سوداني شاب مغمور لا أذكر من إسمه سوى سيف الدين, وبالطبع رسم الإسم خطير جدا ! . مع قناعتي أنه مغمور لأنه الأشعر - وهذا ليس من عالم قصتك في شيء إلا لماما! .. فما أعنيه من مفارقة أن هذا زمان يزعجه الحديث عن قديسين - الأمر ينطبق على كل الأديان المعروفة وغير المعروفة - خاصة عندما يتعلق الأمر بالتضاد مع الإيمان بالقدر ! .. فيما يجنح تجاه تداخل الأزمنة الثقافية!!!!وفقا للجابري ! لكن الراوي يتزامن وهذه التداخلات - كجميعنا .. شئنا أم أبينا - فهذا زمان كله ورم على قول شاعر العراق الجميل - عراق صدام- عبد الزاق عبد الواحد: وإن يسوءك زمان بذي ورم باد (*) فهذا زمان كله ورم ..
                              يبدو أن الراوي عاني الأمرين - منها! - هذه التي اصطفته بلمساتها القادمة من أزقة التاريخ .. ثق تماما انها ليست من سلالة الشياطين .. فهي كالحزن : كائن يمشي على قدمين .. على قول شاعرنا السوداني الشاب- وهو شاعر مسكون بالعرفان - الجميل الصادق الرضي ..ولكن هذه القطة التي برزت فجأة لتحيلنا لمدلولاتها كرمز للسوء صدقني ستعكر مزاجك ككاتب للنص بعيدا عن رغبات الراوي الذي صنعته ..ومع ذلك يظل هناك شيء مهم - وخطير تقترحه هذه القصة - : الصوتين المستقلين في السرد : صوت الراوي وصوتها .. أنه مقترح مبدع حقا يا صديقي فلماذا لا تطور هذا المقترح تنظيرا وتطبيقا فيما يخص الإضافة لتقنية السرد وهو يرد بصوت المذكر .. ثم لا يتحدث المذكر نيابة عن المؤنث ..
                              يا صديقي المبدع انت جدير بتطوير هذه التقنية - تنظيرا , وتقعيدا - ..وكما قلت لك في مستهل هذا التعليق على نصك المجنون .. نحن نتونس , فما أجمل الأنس بعيدا عن التحنط والتخشب في مقاعدنا لنناقش الأشياء كيما تبدو في التحليل النهائي على قول شاعرنا الفيتوري :
                              صدقني يا ياقوت العرش.. أن الموتي ليسو همو هاتيك الموتى ..
                              وأن الجاهل من ظن الأشيا هي الأشياء ..
                              [mark=#FFFFCC]
                              الحزن لا يتخير الدمع ثيابا
                              كي يسمى في القواميس بكاء ..
                              الصادق الرضي
                              [/mark]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X