هل ننظر للكتابة الأدبية من المنظور الأدبي البلاغي أم ننظر لها من المنظورالأخلاقي والاجتماعي أم ننظر لها من الجانب الديني،وكيف تكون النظرة للمصطلحات المستعملة ليس من حيث دلالتها البلاغية وإنما من حيث مدى تقبلها أو رفضها،من خلال هذا الطرح ،سنواصل وضع سلسلة من الكتابات الأدبية تحت المجهر،والتي أثارت نقاشا بين رفضها أو تأييدها،هذا ما رأيناه في الجزء الأول،في الجزء الثاني نطرح شكلا مخلفا ،هاته المرة كتابات رغم جودتها لا تلقى إقبالا،أسئلة كثيرة حول هذا الموضوع،سنبقى دائما مع القصة،والنموذج ب "القلم المعاند" قصة عنيفة لحسين ليشوري
[gdwl]
[/gdwl]
[gdwl][/gdwl]
القلم المعاند !
الجولة الأولى:
كان إذا حز بكاتبنا "حازم" أمر فزع إلى مكتبه و كتبما يجيش في خلده من مشاعر و أحاسيس، فإن الكتابة بالنسبة إليه لا تعتبرتسلية، لا ! بل هي وسيلته التي يواسي بها نفسه، فهو من أولئك الذين يعيشونليكتبوا و ليس من الذين يكتبون ليعيشوا، أو هكذا يظن نفسه و به يريهاللناس.
دخل حجرة المكتب التي ما إن تفتح بابها حتى يغمركالهدوء، حجرة تحس فيها بالسكينة حتى ليخيل إليك أنك تلمسها أو لكأنكتستطيع اقتطاعها كتلا كتلا ! فهي حجرة لا شاسعة و لا ضيقة، وسط بين ذلك،قد كست جدرانها ألوان المعرفة فلا تكاد تجد موضعا لمزيد، و كان من عادةكاتبنا أنه يعتكف هنا كلما جن الليل و أرخى على الدنيا سدوله و خيم عليهابسكونه.
جلس هذه الليلة إلى مكتبه فهو يشعر بتدافع الخواطرفي ذهنه إلا أنه و زيادة على ذلك يشعر بضيق في صدره و تصلب في حلقه كأن بهغصة. أخذ القلم و غمسه في دواة بلورية الصنع أسطوانية الشكل تنم عما فيهامن حبر أزرق داكن و قد شعت منها أشكال من نور على لوح المكتب لما صبالمصباح أشعته عليها.
توقفت يده في أعلى الصفحة و لم يستطع الكتابة و طالمكثه، فصار ينظر مرة إلى القلم الذي يمسك به كأنه يتساءل:" ما بال القلملا يطاوعه و يكتب ما يشعر به ؟ و مرة يحول بصره صوب الدواة الموضوعة عنيمينه كأنه يستشهد ها على قلمه،
بدأ يحس إحساسا جديدا جاء يزاحم ما به من أحاسيسسابقة ملأت نفسه و يحتشد معها، إحساس ممزوج بالضجر من عناد القلم مع الغضبمن عجزه إرغام هذا القلم المعاند على الكتابة. كان هذا الشعور الجديديزداد كلما طال توقفه، و كانت هذه الحالة تزعج الكاتب حقا، ذلك أن ما هوعليه من هموم و شجون كاف، بل فيه كفاية و زيادة فلا يضيفن هذا القلم إذنهما آخر هو عنه في غنى !
و بدأت أطراف أنامله الثلاثة التي بمسك بها القلمتبيض من شدة الضغط عليه كأنه يعصره عصرا ليخرج منه العبارات التي يريدكتابتها، إلا أن القلم المعاند و كأنه استلذ هذه المعاكسة فلم يزدد إلاوجوما و لم يدر الكاتب أهذا الوجوم من شدة الخوف؟ أم تراه لعجز القلم عنالإدلاء بما يرغب صاحبه التعبير عنه ؟
و هنا تذكر الكاتب المثل الشائع القائل:"إذا أردتأن تطاع فأمر ما يستطاع" فلعل القلم لا يستطيع أداء ما يريده منه صاحبه،فهو إذن معذور، و في هذه اللحظة خف ضغط الأصابع على القلم !
و تدافعت الظنون في نفس الكاتب و يلح عليه من بينهاظن مفاده أن القلم لا يريد سوى معاكسته فقط، فيعود ليضغط تلقائيا عليهليرغمه على الطاعة. و في هذا الوقت بالذات ومضت في ذهنه فكرة سياسية، ألايقال إن من السياسة المداراة؟ بلى ! إذن لماذا لا يداريه حتى يصل إلىغرضه؟ فلربما يدرك بالتلطف و اللين ما لا يدركه بالعنف و الشدة.
و فورا خفت قبضته على القلم المعاند و غير من نظرتهإليه و صار ينظر نظرة أعطاها كل ما يتطلبه الموقف من وداعة و مسالمة كأنهيرجوه و يستعطفه حتى يجود و يسخو، و تذكر الكاتب في هذه اللحظة كيف كانهذا القلم بالذات من قبل مطواعا أينما وجهه يمتثل بلا تردد خاضعا طائعامستسلما فكان يستكتبه فيكتب و يستوقفه فيقف، فما باله هذه المرة يشاكسه فيعناد و إصرار حتى صار يداريه؟ أنسي ما كان بينهما من ألفة أضحت مودة، فلميكونا في حاجة إلى الاسترضاء و لا إلى الاستعطاف؟ أنسي كل الليالي التيقضياها معا و حدهما يتناجيان و يتسامران؟ أنسي هذا كله و قلب لصاحبه ظهرالمجن في جفوة مفاجئة ؟
و يعود الكاتب إلى خطة المداراة ينفذها بكل ماتستلزمه من حيلة و لباقة، إلا أن هذه الوسيلة لم تكن إلا لتزيد القلمعنادا و إصرارا على عدم الكتابة ! و بما أن لا طائل وراءها فالقلم معاندفعلا فلا حل إذن سوى العنف و الشدة، فليرغمنه على الكتابة قهرا و ليقسرنهعليها قسرا، أو ليذيقنه العذاب أصنافا، و انقلب ما كان بينهما قبلا منمودة و صداقة متينة، أو ما كان يخيل إليهما أنها صداقة متينة، إلى عداوةصريحة معلنة ! و بمجرد ما تيقن الكاتب أن اللين لا يجدي نفعا إستحال إلىجلاد يستنطق بالعذاب سجينه و القلم إلى السجين و الدواة إلى برميل ملئغسالة. و لم تكن هذه الحال لتستجلب العطف على السجين، القلم، بل بالعكس إنالجلاد، الكاتب، هو الذي يستحق العطف كله و الشفقة كلها، و ما كانت هذهالوضعية المزرية بالكاتب إلا لتزيد من غضبه، فقد تفطن لهزيمته أمام تعنتالقلم فغضب غضبة سرت إلى يده و أصابعه فكاد يقصمه بها لشدتها، فأمسكالجلاد بغلظة على السجين المسكين و غمسه في البرميل، الدواة، غمسة طويلةكادت تزهق روح السجين، قائلا :
-" إنك لا تريد أن تكتب ؟ حسن، فذق العذاب إذن !
و بعد برهة من الزمن أحس الجلاد أن السجين فقد أنفاسه و يكاد يختنق فأخرجه و و ضعه على أعلى الصفحة آمرا :
-"أكتب !"
فرد القلم بلسان حاله بكلمات متقطعة أرسلها و هو يسترجع أنفاسه :
-"لا....لا أكتب !"
-"أكتب ما تعرف، أكتب و قل ما عندك !"
-"لا أكتب !"
-" أكتب، قلت لك أكتب !"
-"لا و لن أكتب لأنني إن كتبت لا أجد من يقرأ، و إن وجدت من يقرأ فلا أجد من يفهمني
رننن!!! (نهاية الجولة الأولى)
الجولة الثانية :
أصر الكاتب على إرغام القلمعلى الكتابة، فغمسه مرة أخرى في الدواة، برميل الغسالة، غمسة أطول منالأولى ثم أخرجه ووضعه على أعلى الصفحة ثانية :
-" أكتب أيها القلم و لا تعاند فإنه لا طاقة لك على عذابي، فامتثل خيرا لك !
جمع القلم أنفاسه و رد بكل قوة و حدة على الكاتب المتجبر :
-"لا و لن أكتب ما دمت تعاملني كآلة صماء تفرضعليها أهواءك و تجبرها على رغباتك و لا تملك هي سوى الامتثال و الخضوع فيخنوع، أيها المتسلط الجبار !
وقعت هذه الكلمات كالصاعقة على أسماع الكاتب، أوكأنها فرقعة سوط تزيد في فزع المجلود كلما هوت على ظهره فتزيده ذعرا علىألم. فذهل الكاتب و وجم و لم يستطع أن ينبس ببنت شفة كما يقال، و نظر إلىالقلم في يده نظرة تعجب يشوبها إعجاب ! فهو يتعجب من عناد هذا القلمالضئيل الصغير الهش و تعنته، إذ كيف يجرؤ على عصيانه و مواجهته و هو بهذاالضعف؟ أوليس هو سوى أداة في يد صاحبها يحركها كيفما شاء و يكتب بها مايريد و ما عليها إلا الطاعة و الخضوع في خنوع كما قال القلم نفسه ؟ بلى ! إذن كيف يجسر على عصيانه؟ كيف؟! و يعجب لإصرار القلم على موقفه البطولي وصموده و تحمله العذاب و الهوان في صبر و تحد ليته كان يملك هو منه نصيبالما يعرفه عن نفسه ! دارت هذه الظنون كلها في ذهن الكاتب و هو ينظر إلىالقلم، و أراد في دفعة من النبل النادر فيه أن يعترف للقلم البطل، يعترفله بحريته في التعبير إن شاء كتب و إن شاء توقف، أراد أن يعترف للقلمبحريته و أراد أن يسالمه بل و حتى يصالحه لم لا ؟ ألم تكن أواصر الصداقة والوئام تجمعهما من قبل؟ أجل، فلماذا لا يتصالحان و تعود المياه إلىمجاريها و الأيام إلى سابق عهدها ؟
إنه يريد هذا و لكن ما لبث هذا الشعور النبيل طويلاحتى عاد حب التجبر يدفعه و يطارده بل يطرده من خاطر الكاتب فانتكس و راحينظر في عجرفة إلى القلم الصامد نظرة شحنها كرها و بغضا. و هكذا راحتالأهواء تتقاذف عواطف الكاتب و التفت إلى القلم قائلا:
-"أيها القلم المعاند، أراك قد نسيت من تكون؟ فماأنت إلا قلم صغير، ضعيف، لو أردت كسرك لكسرتك بسهولة فلا تستطيع الدفاع عننفسك، و استطيع استبدالك بآخر بل بآخرين، فإنني أجد غيرك في أي دكان وبثمن بخسن فلا تترفع و أنت الوضيع، و لو أردت حبسك لوضعتك في الدرج معالأدوات المهملة حتى يجف الحبر في جوفك فلا تستطيع الكتابة بعدها أبدا، وما أنت إلا آلة في يدي أديرها كيفما أشاء و أضعها حيثما أريد، و لا أريكإلا ما أرى، فاسمع و أطع خيرا لك، أم أنك تريد أن أذكرك بما كان من شأنك وما أحدثته من ويلات؟ أنسيت كم من أم ثكلت بسببك، و كم من زوجة ترملت و كممن ولد تيتم؟ أتراك نسيت كم من رفيع حط و كم من وضيع رفع، كم من بريء قتلبتوقيع منك، و كم من مجرم يتنعم بالحرية بسببك؟ أتراك نسيت هذا كله و صرتاليوم تعاند و تكابر و تمتنع عن الكتابة كأنك تتنكر لماضيك أو كأنك تشعربوخز الضمير فصرت تتجاهل ما كان منك و تتغاضى عنه و كأنه ليس من عملك ؟ أمجاءتك نفحة من النبل و الشرف فأردت أن تعود عما بدا منك؟ فهل يصلح التجاهلو النكران ما كان من شطط و طيش ؟ ما أراك إلا مغرورا قد ذهب بك غرورك كلمذهب، فتبا لك من قلم، أتترفع و أنت الوضيع؟! أما رأيت نفسك حينما تؤمربالكتابة فتمتثل و أنت منكس الرأس؟ هيا، هيا أكتب و لا تعاند فإنه ليس لكفي العناد من خير !
أطال الكاتب تقريعه القلم و توبيخه و وصفه بكل مايشينه و يحط من شأنه، ثم سكت و قد أعياه الجهد و أسأمه، فألقى "المعاند" على الورقة و أسند ظهره إلى مقعده الوثير يستجمع أوهامه عن خصمه و يصطادأفكاره عن نفسه و يرسم خطة التحايل على غريمه ليجعله ينفذ أوامره،فاهتبلها القلم فرصة سانحة فاستلقى على طوله يستلقط أنفاسه و يستعيد قواهلمواجهة جلاده و يستحضر همومه عن مصيره في الجولة الحاسمة القادمة !
-" أكتب أيها القلم و لا تعاند فإنه لا طاقة لك على عذابي، فامتثل خيرا لك !
جمع القلم أنفاسه و رد بكل قوة و حدة على الكاتب المتجبر :
-"لا و لن أكتب ما دمت تعاملني كآلة صماء تفرضعليها أهواءك و تجبرها على رغباتك و لا تملك هي سوى الامتثال و الخضوع فيخنوع، أيها المتسلط الجبار !
وقعت هذه الكلمات كالصاعقة على أسماع الكاتب، أوكأنها فرقعة سوط تزيد في فزع المجلود كلما هوت على ظهره فتزيده ذعرا علىألم. فذهل الكاتب و وجم و لم يستطع أن ينبس ببنت شفة كما يقال، و نظر إلىالقلم في يده نظرة تعجب يشوبها إعجاب ! فهو يتعجب من عناد هذا القلمالضئيل الصغير الهش و تعنته، إذ كيف يجرؤ على عصيانه و مواجهته و هو بهذاالضعف؟ أوليس هو سوى أداة في يد صاحبها يحركها كيفما شاء و يكتب بها مايريد و ما عليها إلا الطاعة و الخضوع في خنوع كما قال القلم نفسه ؟ بلى ! إذن كيف يجسر على عصيانه؟ كيف؟! و يعجب لإصرار القلم على موقفه البطولي وصموده و تحمله العذاب و الهوان في صبر و تحد ليته كان يملك هو منه نصيبالما يعرفه عن نفسه ! دارت هذه الظنون كلها في ذهن الكاتب و هو ينظر إلىالقلم، و أراد في دفعة من النبل النادر فيه أن يعترف للقلم البطل، يعترفله بحريته في التعبير إن شاء كتب و إن شاء توقف، أراد أن يعترف للقلمبحريته و أراد أن يسالمه بل و حتى يصالحه لم لا ؟ ألم تكن أواصر الصداقة والوئام تجمعهما من قبل؟ أجل، فلماذا لا يتصالحان و تعود المياه إلىمجاريها و الأيام إلى سابق عهدها ؟
إنه يريد هذا و لكن ما لبث هذا الشعور النبيل طويلاحتى عاد حب التجبر يدفعه و يطارده بل يطرده من خاطر الكاتب فانتكس و راحينظر في عجرفة إلى القلم الصامد نظرة شحنها كرها و بغضا. و هكذا راحتالأهواء تتقاذف عواطف الكاتب و التفت إلى القلم قائلا:
-"أيها القلم المعاند، أراك قد نسيت من تكون؟ فماأنت إلا قلم صغير، ضعيف، لو أردت كسرك لكسرتك بسهولة فلا تستطيع الدفاع عننفسك، و استطيع استبدالك بآخر بل بآخرين، فإنني أجد غيرك في أي دكان وبثمن بخسن فلا تترفع و أنت الوضيع، و لو أردت حبسك لوضعتك في الدرج معالأدوات المهملة حتى يجف الحبر في جوفك فلا تستطيع الكتابة بعدها أبدا، وما أنت إلا آلة في يدي أديرها كيفما أشاء و أضعها حيثما أريد، و لا أريكإلا ما أرى، فاسمع و أطع خيرا لك، أم أنك تريد أن أذكرك بما كان من شأنك وما أحدثته من ويلات؟ أنسيت كم من أم ثكلت بسببك، و كم من زوجة ترملت و كممن ولد تيتم؟ أتراك نسيت كم من رفيع حط و كم من وضيع رفع، كم من بريء قتلبتوقيع منك، و كم من مجرم يتنعم بالحرية بسببك؟ أتراك نسيت هذا كله و صرتاليوم تعاند و تكابر و تمتنع عن الكتابة كأنك تتنكر لماضيك أو كأنك تشعربوخز الضمير فصرت تتجاهل ما كان منك و تتغاضى عنه و كأنه ليس من عملك ؟ أمجاءتك نفحة من النبل و الشرف فأردت أن تعود عما بدا منك؟ فهل يصلح التجاهلو النكران ما كان من شطط و طيش ؟ ما أراك إلا مغرورا قد ذهب بك غرورك كلمذهب، فتبا لك من قلم، أتترفع و أنت الوضيع؟! أما رأيت نفسك حينما تؤمربالكتابة فتمتثل و أنت منكس الرأس؟ هيا، هيا أكتب و لا تعاند فإنه ليس لكفي العناد من خير !
أطال الكاتب تقريعه القلم و توبيخه و وصفه بكل مايشينه و يحط من شأنه، ثم سكت و قد أعياه الجهد و أسأمه، فألقى "المعاند" على الورقة و أسند ظهره إلى مقعده الوثير يستجمع أوهامه عن خصمه و يصطادأفكاره عن نفسه و يرسم خطة التحايل على غريمه ليجعله ينفذ أوامره،فاهتبلها القلم فرصة سانحة فاستلقى على طوله يستلقط أنفاسه و يستعيد قواهلمواجهة جلاده و يستحضر همومه عن مصيره في الجولة الحاسمة القادمة !
رننن! (نهاية الجولة الثانية)
الجولة الثالثة:
شعر الكاتب بارتياح لذيذ إذأخرج ما في جعبته من غيظ و بغض فما لبث أن ارتخت أعصابه و أطلقت أساريروجهه العابس، نظر بتعال و احتقار إلى القلم المستلقي أمامه في هدوء فمافتئ حتى عاودته سورة الغضب و انتابته موجة عاتية أخذت ترتفع صعدا منأعماقه و راحت تجرف هدوءه و ارتياحه ثم فاضت على ملامحه و سالت من جوارحهالصامتة الناطقة معا، أمسك القلم بغلظة و جره إلى أعلى الصفحة آمرا بحدة :
-"أكتب أيها المعاند أما سئمت عذابي ؟
نظر القلم و هو يبتسم ابتسامة عريضة زادت في إثارة الكاتب ثم قال بعدما سمع في سكون تام كلام معذبه:
-"لقد تكلمت فأطلت، و وصفت فما أوفيت، و حكمت فماأنصفت، و اتهمت فما أسعفت، و لولا عطفي عليك لما تفوهت بكلمة و لتركتك فيضلالك و طغيانك، فإنه ليحزنني أن أراك تظلم نفسك و غيرك و أنت القادر علىتجنب ذلك كله و إنني أراك قد هامت بك كبرياؤك في كل واد فصرت لا ترى إلاما تراه لك و لا ترضى إلا ما ترضاه هي، فاسمع كلمة مشفق يعز عليه أن يراكتخطئ و أنت اللبيب الأريب !
سقطت هذه الكلمات و كأنها ماء ثلج صب على نار الغضبالذي سيطر على الكاتب فأطفأها أو كأنها صفعة على قفا غافل لينتبه و يفيقفأطرق كأنه تلميذ يستمع إلى كلام أستاذه. و استأنف القلم قائلا:
-"لقد رميتني بكل نقيصة، و اتهمتني بكل جريمة و ماذنبي إلا أنني أكرهت على كتابة ما كتبت، و لا يؤخذ المكره على ما فعل عندالمقسطين يا هذا ! و أراك نسيت بل تناسيت أنني باليد التي تمسك بي، فإنكانت شريفة شرف عملي و إن كانت غير ذلك جاءت كتابتي كذلك، فلم تلصق بي كلالعيوب و ما هي إلا عيوبكم أنتم معشر الكتاب؟ أم تراك يصدق فيك قولالقائل:"رمتني بدائها و انسلت خرقاء" ؟
نظر الكاتب بحدة إلى القلم كأنه يريد معارضته فيما يزعم، إلا أن القلم لم يأبه بهذه اللفتة و واصل كلامه قائلا:
-" أما أنا فإنني أعرف شرف منزلتي و عظيم قدري،فأنا أول من خلق، و ذكرت في أول ما نزل من القرآن، و قد أقسم الخالق، عز وجل، بي و يكفيني هذا فخرا و شرفا، و تأتي أنت و قد أعمتك غطرستك فرحتتصفني بما هو لو أمعنت النظر فيه لوجدته دليلا على خطر شأني و قوة بأسي، ولكنني لا أملك لك عذرا إلا أنك قد استهوتك مطامعك فجعلت مني أداة تملقوذلة بعدما كنت أداة حق و عزة، و جعلت مني آلة حرب و دمار بعدما كنت آلةسلم و عمار، و كنت وسيلة تعليم و حكمة فصرت بك وسيلة تجهيل و تضليل، فتعسالكم من رجال اتخذوا النفاق صنعة و الكذب حرفة، قد جعلتم مني أداة تتملقونبها العظماء ابتغاء زلفى أو رجاء عطاء أو طمعا في منصب، ثبوا إلى رشدكمفأنه لا حياة مع الذلة و لا جاه مع النذالة، أما أنني أكتب مطأطئ الرأسفليس من ذلة و إنما هو التفاني في خدمة الناس !
استمع الكاتب كلام القلم فلم يدر بما يرد به عليه،فأخذ يتلعثم بكلمات جوفاء خاوية لا معنى لها فصارت تنحدر من فيه ثقيلةكأنها كريات من رصاص تتساقط على المكتب و تتناثر على الأرض.
استأنف القلم كلامه بعدما أخذ نفسا و نظر إلىالكاتب متفحصا وجهه يريد معرفة نتيجة كلامه عليه، فرأى ما كسا الوجه منكآبة الانهزام و ما دخل على نظرته من لمسة حزن كعلامة على مدى تأثره بهذاالتقريع اللاذع، و لم يعد الكاتب ينظر إلى القلم بل صار ينقل نظره منالورقة إلى السقف و منه إلى أي مكان في الغرفة متحاشيا النظر إلى القلمكأنه خجل من نفسه فلم يقو على مواجهته مباشرة كما كان يفعل من قبل.
-"لقد توعدتني، يا رفيق دربي، بأمور لهي خير لي منأن أعيش ذليلا قد هانت على الناس نفسه بعدما هانت عليه هو قبلهم، ما كانالكسر أو الحبس أو التعذيب ليفت من عزيمة الشرفاء حتى يجعلهم يرضون بالذلو الهوان، و ها أنا ذا دائما بين يديك فاصنع بي ما بدا لك، فلعلك تجد فيالتنكيل بي شفاء لما يتأجج في صرك من الغيظ !
حاول الكاتب بصدق استرضاء القلم لعله يكف عن هذاالتأنيب اللاذع و الكلام المقذع الذي أصاب منه موطن الكبر و مكمن التجبر وصار يلاحق في ثنايا قلبه كل حقد و غضب، حاول الكاتب استكتابه شيئا يكونبحق مفخرة له بين الأقران إلا أن القلم آلى على نفسه ألا يكتب هذه الليلة.
فلما استيأس الكاتب منه و علم ألا حيلة له معه، وضعه على الورقة التي بقيت على حالها بيضاء ناصعة لم يخط عليها كلمة إلا ماأحدثه القلم من آثار الحك أثناء التعذيب فقام من مكتبه و أطفأ المصباح وخرج من الحجرة يجر في خطى ثقيلة قدميه آملا أن يكون أكثر حظا في المرةالقادمة معترفا في قرار نفسه بصدق القلم و سداد رأيه، و توجه إلى غرفةالنوم لعله يستريح من عناء الأرق الذي أصابه.
و بقي القلم البطل مستلقيا على الورقة مرتاحا كأنه تخلص من عبء ثقيل كان جاثما على قلبه تعلو محياه ابتسامة الانتصار !
-"أكتب أيها المعاند أما سئمت عذابي ؟
نظر القلم و هو يبتسم ابتسامة عريضة زادت في إثارة الكاتب ثم قال بعدما سمع في سكون تام كلام معذبه:
-"لقد تكلمت فأطلت، و وصفت فما أوفيت، و حكمت فماأنصفت، و اتهمت فما أسعفت، و لولا عطفي عليك لما تفوهت بكلمة و لتركتك فيضلالك و طغيانك، فإنه ليحزنني أن أراك تظلم نفسك و غيرك و أنت القادر علىتجنب ذلك كله و إنني أراك قد هامت بك كبرياؤك في كل واد فصرت لا ترى إلاما تراه لك و لا ترضى إلا ما ترضاه هي، فاسمع كلمة مشفق يعز عليه أن يراكتخطئ و أنت اللبيب الأريب !
سقطت هذه الكلمات و كأنها ماء ثلج صب على نار الغضبالذي سيطر على الكاتب فأطفأها أو كأنها صفعة على قفا غافل لينتبه و يفيقفأطرق كأنه تلميذ يستمع إلى كلام أستاذه. و استأنف القلم قائلا:
-"لقد رميتني بكل نقيصة، و اتهمتني بكل جريمة و ماذنبي إلا أنني أكرهت على كتابة ما كتبت، و لا يؤخذ المكره على ما فعل عندالمقسطين يا هذا ! و أراك نسيت بل تناسيت أنني باليد التي تمسك بي، فإنكانت شريفة شرف عملي و إن كانت غير ذلك جاءت كتابتي كذلك، فلم تلصق بي كلالعيوب و ما هي إلا عيوبكم أنتم معشر الكتاب؟ أم تراك يصدق فيك قولالقائل:"رمتني بدائها و انسلت خرقاء" ؟
نظر الكاتب بحدة إلى القلم كأنه يريد معارضته فيما يزعم، إلا أن القلم لم يأبه بهذه اللفتة و واصل كلامه قائلا:
-" أما أنا فإنني أعرف شرف منزلتي و عظيم قدري،فأنا أول من خلق، و ذكرت في أول ما نزل من القرآن، و قد أقسم الخالق، عز وجل، بي و يكفيني هذا فخرا و شرفا، و تأتي أنت و قد أعمتك غطرستك فرحتتصفني بما هو لو أمعنت النظر فيه لوجدته دليلا على خطر شأني و قوة بأسي، ولكنني لا أملك لك عذرا إلا أنك قد استهوتك مطامعك فجعلت مني أداة تملقوذلة بعدما كنت أداة حق و عزة، و جعلت مني آلة حرب و دمار بعدما كنت آلةسلم و عمار، و كنت وسيلة تعليم و حكمة فصرت بك وسيلة تجهيل و تضليل، فتعسالكم من رجال اتخذوا النفاق صنعة و الكذب حرفة، قد جعلتم مني أداة تتملقونبها العظماء ابتغاء زلفى أو رجاء عطاء أو طمعا في منصب، ثبوا إلى رشدكمفأنه لا حياة مع الذلة و لا جاه مع النذالة، أما أنني أكتب مطأطئ الرأسفليس من ذلة و إنما هو التفاني في خدمة الناس !
استمع الكاتب كلام القلم فلم يدر بما يرد به عليه،فأخذ يتلعثم بكلمات جوفاء خاوية لا معنى لها فصارت تنحدر من فيه ثقيلةكأنها كريات من رصاص تتساقط على المكتب و تتناثر على الأرض.
استأنف القلم كلامه بعدما أخذ نفسا و نظر إلىالكاتب متفحصا وجهه يريد معرفة نتيجة كلامه عليه، فرأى ما كسا الوجه منكآبة الانهزام و ما دخل على نظرته من لمسة حزن كعلامة على مدى تأثره بهذاالتقريع اللاذع، و لم يعد الكاتب ينظر إلى القلم بل صار ينقل نظره منالورقة إلى السقف و منه إلى أي مكان في الغرفة متحاشيا النظر إلى القلمكأنه خجل من نفسه فلم يقو على مواجهته مباشرة كما كان يفعل من قبل.
-"لقد توعدتني، يا رفيق دربي، بأمور لهي خير لي منأن أعيش ذليلا قد هانت على الناس نفسه بعدما هانت عليه هو قبلهم، ما كانالكسر أو الحبس أو التعذيب ليفت من عزيمة الشرفاء حتى يجعلهم يرضون بالذلو الهوان، و ها أنا ذا دائما بين يديك فاصنع بي ما بدا لك، فلعلك تجد فيالتنكيل بي شفاء لما يتأجج في صرك من الغيظ !
حاول الكاتب بصدق استرضاء القلم لعله يكف عن هذاالتأنيب اللاذع و الكلام المقذع الذي أصاب منه موطن الكبر و مكمن التجبر وصار يلاحق في ثنايا قلبه كل حقد و غضب، حاول الكاتب استكتابه شيئا يكونبحق مفخرة له بين الأقران إلا أن القلم آلى على نفسه ألا يكتب هذه الليلة.
فلما استيأس الكاتب منه و علم ألا حيلة له معه، وضعه على الورقة التي بقيت على حالها بيضاء ناصعة لم يخط عليها كلمة إلا ماأحدثه القلم من آثار الحك أثناء التعذيب فقام من مكتبه و أطفأ المصباح وخرج من الحجرة يجر في خطى ثقيلة قدميه آملا أن يكون أكثر حظا في المرةالقادمة معترفا في قرار نفسه بصدق القلم و سداد رأيه، و توجه إلى غرفةالنوم لعله يستريح من عناء الأرق الذي أصابه.
و بقي القلم البطل مستلقيا على الورقة مرتاحا كأنه تخلص من عبء ثقيل كان جاثما على قلبه تعلو محياه ابتسامة الانتصار !
رننن!!!
( انتهت الجولة الثالثة و الأخيرة بفوز القلم بانسحاب المنافس ! )
[
" لئن أكون مُصيبا في رأيي فأُكَذَّبَ خير لي من أكون مُخطئا فأُصَدَّقَ فأصير مُصيبةً على نفسي و على غيري "
[/gdwl]" لئن أكون مُصيبا في رأيي فأُكَذَّبَ خير لي من أكون مُخطئا فأُصَدَّقَ فأصير مُصيبةً على نفسي و على غيري "
الأسئلة المطروحة للنقاش جاءت على لسان الكاتب نفسه،حين وجد عدم إقبال القراء عليها
لطالما يبذل الكاتب من الجهود ليفكر ثم ليكتب ثم ليعرض ما كتب، لكن لما يرى إعراض الناس عن كتابته يروح يتساءل : " أين الخلل ؟ "
أفي الفكرة هو أم في الكتابة أم في القاريء ؟
لعله فيهم كلهم ! و لذا يجب عليه معاودة الكَرَّة في كل مرة يخطب لبنات فكره كما يجب أن يخطب لبنات ظهره (صلبه) و قديما قيل :
"اخطب لبنتك و لا تخطب لابنك" !!!
أفي الفكرة هو أم في الكتابة أم في القاريء ؟
لعله فيهم كلهم ! و لذا يجب عليه معاودة الكَرَّة في كل مرة يخطب لبنات فكره كما يجب أن يخطب لبنات ظهره (صلبه) و قديما قيل :
"اخطب لبنتك و لا تخطب لابنك" !!!
هاته الأسئلة وغيرها نطرحها للنقاش ننتظر تفاعلكم وتجاوبكم مع الموضوع.وشكرا للجميع
تعليق