بهلول ينصح السلطان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إبراهيم كامل أحمد
    عضو أساسي
    • 23-10-2009
    • 1109

    بهلول ينصح السلطان

    بهلول ينصح السلطان


    بقلم : إبراهيم كامل أحمد


    -1-

    [align=justify]
    أحكم الليل قبضته على المدينة . . فترصعت المدينة المغرمة بالسهر بالأضواء وتزينت بالأنوار . . الناس ساهرون في البيوت والمقاهي والحانات يجمعهم التلهف على معرفة ما جد من الأخبار والتشوق إلى الإحاطة بما جرى من الأحداث.
    الأضواء المنبعثة من القلعة الجاثمة فوق الهضبة دلت على أن السلطان ورجاله ساهرون . . حراس الأبواب يتسقطون الأنباء من الداخلين والخارجين إذا سنحت الفرصة.
    في الشارع الصاعد إلى القلعة كان " مقهي البهلول " يستند على السور الشاهق للقلعة بأحجاره العملاقة . . لم يكن البهلول يمتلك المقهى . . لكن تواجده المستمر أكسب المقهي اسمه وشهرته . . وجذب الكثيرين إليه من الحرافيش ورجال السلطان العاملين في القلعة . . وكان ما يقدم من مشروبات وحلوى يجتذب الكثيرين ليتذوقوا القرفة المطعمة بالزنجبيل والحلبة الممزوجة بالحليب والقهوة المحوجة والشاي والدخان وكل الكيوف المسموح بها وحتى الممنوعة . . يستوى في ذلك الحرافيش ورجال السلطان.
    جذب عواد الحِمقى أنفاساً متلاحقة من نارجيلته فازدادت حمرة الجمرات وحمرة عينيه وخرجت كلماته مختلطة بالدخان :
    - إذا رغب السلطان عن العدل رغبت الرعية عن الطاعة . . وانفرطت الجماعة.
    زغر له " المعلم عباس أبو حجر" صاحب المقهي . . وقال برزانة بعد أن جرع ما تبقي في كوز الحلبة :
    - إذا لم يُقبل الرأى منك فالسكوت أولى بك.
    فتح البهلول عينه اليمنى وقال بإخلاص :
    الساكت عن الحق شيطان أخرس . . ولكن تذكر أن ثلاثة لا أمان لهم . . وهم السلطان والبحر والزمان.
    أطل المشاعلى " ظالم " بوجهه القاسى الملامح من النافذة المطلة على الطريق وقال بصوته المميز وبلهجة الحكام :
    ريح السلطان على قوم سموم وعلى قوم نسيم . . السلطان يطلبك يابهلول.
    سرت في جو المقهي موجات من القلق والتوتر والترقب . . تمطي البهلول وفتح عينه اليسرى وقال بتلكؤ محسوب :
    دعني أنتهى من زبدية المشبك المُمَسك أولاً . . فأنا لا أتعجل لقاء السلطان فالقرب من السلطان كالقرب من النار لا يخلو من الضرر.
    سرت همهمة تشى بالإرتياح بين الجالسين لما تضمنه كلام البهلول من تعريض بالسلطان واستهانة برسوله.

    [/align]
    -2-

    [align=justify]
    في الطريق إلى القلعة لم يتبادل بهلول الحديث مع المشاعلى ظالم كعادته دائماً . . وظلت عيناه تجوسان بين نجوم السماء . . سأله مقدم الحرس وهو يترجل باهتمام :
    - ما هى آخر الأخبار يا بهلول ؟
    نظر بهلول إلى السماء وقال بصوت حالم :
    - أبدع من رصع رداء السماء الأسود بهذه الماسات البراقة.
    غمغم مقدم الحرس بصوت حانق لم يسمعه سواه : أحمق مخبول . . ويزيد عليه في الحماقة والخبل السلطان الذى يستشيره.
    نهض السلطان . . احتضن البهلول بشوق . . أجلسه معه على أريكته . . بإشارة من يده أخلى القاعة . . لم يبق إلا خادمه الأصم الأبكم.
    تسلل الخَدَر الذى يحمله دخان نارجيلة السلطان الأزرق إلى كل من في القاعة حتى البلبل المحبوس في قفص ذهبي . . فكف عن التغريد الذى كان يتسلى به من آن لآخر . . لم يبق إلا صوت قرقرة النارجيلة ينغمه السلطان على هواه.
    انتزع صوت السلطان البهلول من التلصص على النجوم من خلال فرجات المشربية :
    ما رأيك فيما حدث اليوم ؟
    رد البهلول بسرعة حتى لا تفوته اللحظة الاخيرة في حياة شهاب تجرأ على الإقتراب من الأرض : الجوع كافر والكافر فاجر.
    نهش السلطان تفاحة حمراء . . وقال بصوت ينضح بالعجب : أي جوع؟ . . القاضى ابن النحاس أكد لي أن العوام يشترون بذهبهم حشيشاً وبفضتهم حلاوة ونصحنى بفرض ضرائب جديدة.
    قهقه البهلول بجذل :
    - أوشك أن يدفع حياته ثمناً لهذه النصيحة . . وكاد يموت من الصفع والركل لولا أن خلصه المشاعلية من أيديهم . . غشك يا مولاي . . القحط ذهب بالذهب وفض الفضة.
    تململ البهلول في مجلسه ومسح دمعه فرت من عينه وجرت على خده . . وتابع كلامه بصوت تخنقه المرارة :
    - الفقراء يشتهون الخبز ويحلمون بالرغيف . . وتغزل شاعر منهم بقصيدة طويلة في الرغيف الذى هجرهم وأطال الغياب.
    قام البهلول . . اتجه نحو الباب . . لم يستأذن السلطان في الإنصراف كعادته . . نفث السلطان الدخان وأخذ يراقب الصور والأشكال التي يتحول إليها . . وقبل أن يخرج البهلول سأله :
    - هل يدعو العوام على ؟
    رد البهلول بسؤال دون أن يلتفت إليه :
    - ماذا تظن أنت يامولاى ؟
    انتبه مقدم الحرس لخروج بهلول . . سأله وقد رسم ابتسامة متملقة على وجهه :
    - ما الجديد ياسيدي البهلول ؟
    رد البهلول وعيناه تتابعان النجوم :
    - صارت العيون من زجاج والأذان من صوان والقلوب من فولاذ.
    بعد أن ابتعد البهلول همس مقدم الحرس في أذن المشاعلى ظالم :
    - يقول الناس إن هذا البهلول المخبول ابن السلطان . . ولدته له إحدى بنات الهوى في شبابه . . ويزيدون أن السلطان شاركهم في كل شيئ حتى بنات الهوى.

    [/align]
    -3-

    [align=justify]
    مضى البهلول يرقى صاعداً جبل المقطم قاصداً الغار الذى يتعبد فيه شيخه . . بدا له أن إحدى النجوم تغمز له . . فتشجع على البوح لها بما يثقل قلبه :
    - هذا الجبل شهد الكثير من الأحداث ولكنه كخادم السلطان أصم أبكم . . آه لو نطق لقال الكثير وأغلبه محزن مبكى وأقل من القليل يسر القلب.
    دلف إلى الغار . . الشيخ جالس على حصير يحرك حبات مسبحته وهو غارق في بحر الذكر الخفى . . جلس يستمع إلى صوت حبات المسبحة . . إيقاع زمن خاص بالشيخ وبغاره . . أخرجه صوت الشيخ من الإستماع إلى صوت النجوم وهى تسافر في بحر الكون :
    - في عينيك سؤال حائر محير ؟
    قال متعلقاً بطوق النجاة الذى ألقى له في بحر الحيرة المتلاطم الأمواج :
    - هل ندعو على الحاكم الظالم ؟
    تكدر صفاء عينى الشيخ لبرهة ثم قال والهدوء يكسو كلامه : لا . . لأن ظلمه وجوره لم يصدر عنه . . وإنما صدر عن رعيته المظلومين فإنهم ما ظُلموا حتى ظلموا أنفسهم أو غيرهم . . وقد قيل : " الحاكم الجائر عدل الله في أرضه ينتقم به من خلقه ثم يصير إلى الله فإن شاء عفا عنه وإن شاء انتقم منه " وربك فعال لما يريد وهو الغفور الودود.
    سكت الشيخ وعاد إلى الغوص في بحر الذكر الخفى . . وعاد البهلول إلى التطلع إلى النجوم.
    [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة إبراهيم كامل أحمد; الساعة 26-10-2009, 00:14.
    [CENTER][IMG]http://www.almolltaqa.com/vb/picture.php?albumid=136&pictureid=807[/IMG][/CENTER]
  • إبراهيم كامل أحمد
    عضو أساسي
    • 23-10-2009
    • 1109

    #2
    نداء إلي صديقي البهلول

    [align=justify]
    صديقي البهلول

    أسألك أن تنصح السلطان أن يستمع إلي صوت الشعب وأن يهرع إلي الاستجابة إلي مطالبه العادلة قبل فوات الآوان.
    [/align]
    [CENTER][IMG]http://www.almolltaqa.com/vb/picture.php?albumid=136&pictureid=807[/IMG][/CENTER]

    تعليق

    • محمد فطومي
      رئيس ملتقى فرعي
      • 05-06-2010
      • 2433

      #3
      بهلول هذا الزّوربا الذي يستمع إليه واحد أو زمرة في البداية و أعني أصحابه و العابد ،و لست هنا أصنّف السّلطان من المصغين..و هو الخاسر.يطلب النّصيحة ليزهو و يضحك و ينكّه دخانه لا أكثر.و هو البهلوان.
      و القاضي ابن النحّاس،ذاك الخسيس الذي لا ينفكّ يتكرّر في كلّ الأزمنة،و بئس النّاصحون.
      رفّع بورقيبة في ثمن الرّغيف فانتفض الشّعب في تونس و استشهد العشرات،و لمّا خرج في خطاب شهير قال إنّ وزير البيئة غلّطني و قال بأنّ أكثر قمامة الشّعب الخبز.
      و لا يجد بهلول الحكيم المخضرم ملاذا سوى الإنصات إلى صوت الحقّ،صوت العابد المنسيّ إلاّ من جهته.

      سعدت للقراءة لك صديقي العزيز ابراهيم.عمل جدير بالقراءة و التّقدير كما عوّدتنا -حقيقة-.
      مدوّنة

      فلكُ القصّة القصيرة

      تعليق

      • إبراهيم كامل أحمد
        عضو أساسي
        • 23-10-2009
        • 1109

        #4
        ليتهم يستمعون وإلي العقل يحتكمون

        المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
        بهلول هذا الزّوربا الذي يستمع إليه واحد أو زمرة في البداية و أعني أصحابه و العابد ،و لست هنا أصنّف السّلطان من المصغين..و هو الخاسر.يطلب النّصيحة ليزهو و يضحك و ينكّه دخانه لا أكثر.و هو البهلوان.
        و القاضي ابن النحّاس،ذاك الخسيس الذي لا ينفكّ يتكرّر في كلّ الأزمنة،و بئس النّاصحون.
        رفّع بورقيبة في ثمن الرّغيف فانتفض الشّعب في تونس و استشهد العشرات،و لمّا خرج في خطاب شهير قال إنّ وزير البيئة غلّطني و قال بأنّ أكثر قمامة الشّعب الخبز.
        و لا يجد بهلول الحكيم المخضرم ملاذا سوى الإنصات إلى صوت الحقّ،صوت العابد المنسيّ إلاّ من جهته.

        سعدت للقراءة لك صديقي العزيز ابراهيم.عمل جدير بالقراءة و التّقدير كما عوّدتنا -حقيقة-.
        [align=justify]
        أخي الحبيب المبدع محمد فطومي

        تحية حب في الله

        دمت تقدم لنا كلمات الحكمة مغموسة بالحب.. شُغلت طوال عمري بآلام وآمال الشعب وتتبعت مسيرته عبر التاريخ ولقد عجبت من سلوك الحكام ومن نسيانهم أو تناسيهم لمسئوليتهم نحو الشعب إلي أن تأتي لحظة يثور فيها بركان غضب الشعب وويل للحاكم الجائر من تأجج لهيب غضب الشعب الذي صبر كثيراً علي الجور أملاً في أن يثوب الحاكم إلي الرشد فيستمع إلي صوت الشعب ويحتكم إلي العقل.. حكامنا منا فنسأل الله أن يصلح حالهم ويهديهم إلي ما فيه خير البلاد والعباد وأن يجنبهم الانسياق وراء المشيرين الكذابين وأن يجعل الله لنا لسان صدق فنقول لا لكل حاكم جائر نسي مسئوليته تجاه الشعب.. دمت بكل خير.
        [/align]
        [CENTER][IMG]http://www.almolltaqa.com/vb/picture.php?albumid=136&pictureid=807[/IMG][/CENTER]

        تعليق

        يعمل...
        X