أوهام بعضها فوق بعض! د. حازم خيري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرحمن السليمان
    مستشار أدبي
    • 23-05-2007
    • 5434

    أوهام بعضها فوق بعض! د. حازم خيري

    [align=justify]
    أرسل إليَّ الصديق الدكتور حازم خيري هذه المقالة وقدم لها بالرسالة المثبتة أدناه، لذلك أنشرها هنا أيضا للاطلاع على ما جاء فيها من طرح.
    [/align]

    رسالة الدكتور حازم خيري:

    مُرفق بحث مُهم بعنوان أوهام بعضها فوق بعض، وهو يأتي في إطار جهودنا لتأسيس مدرسة أنسنية في الفكر العربي.
    البحث يُناقش دواعي القول بإخفاقنا في التعاطي مع فكرة القومية العربية وذلك في ضوء رؤيتنا المقترحة للفكر الأنسني.
    برجاء قراءة البحث ونشره إن أمكن. يقع البحث في (27) صفحة، لصعوبة إختصاره.
    دُمتم بخير. حازم خيري




    أوهام بعضها فوق بعض!



    حازم خيري


    "عندما خرقةُ تستر الخريطة
    لا يكاد العار يكفـــــي
    لكل هذه الدول العاريــة!"
    قاسم حداد

    شهدت أحداث الهوس الكروي الأخيرة، في مصر والجزائر، مُطالبة إعلامي مصري مُخضرم، على شاشة تليفزيون الدولة، باعتبار فريق كرة القدم في جمهورية مصر العربية، وبصورة رسمية، رمزاً للوحدة الوطنية والكبرياء الوطني! تذرع الاعلامي الكبير في دعوته (المُنافية للمنطق) بذرائع شتى، منها انتصارات الفريق، ونجاحه في تأجيج المشاعر الوطنية على نحو غير مسبوق، والتفاف الجماهير حوله! ومنها أيضاً تكريم أعضاء الفريق، وبعضهم أسطوري!

    الناس في مصر يُشبِهون الهزيمة الكروية بهزيمة 1967، والناس في الجزائر يُشبِهون الفوز الكروي باستقلال 1962! أوهام أورثت شعوبنا الهوس!

    من هنا تأتي أهمية هذه المقالة، وفيها أحاول لفت الانتباه إلى خطورة الاخفاق المُستدام في التعاطي مع "القومية"، لأنه ـ برأيي ـ يظل مسئولاً عن رواج مثل هذه الأوهام! ولسوف أفسر هذا الاخفاق في ضوء فكرنا الأنسني(1)!

    القوميات، وكما يُنبئنا الواقع، تختلف فيما بينها وفقاً للأفكار السياسية والتقاليد التي تتضمنها، وللذكريات والآمال التي تستحضرها، ولموقفها إزاء جيرانها وإزاء المجتمع الدولي، ولدرجة تركيزها على نفسها ودعاواها في التفرد! بيد أن الخطورة ـ وبحسب هانز كوهن ـ تكمن في أن القومية، شأنها شأن كل المشاعر الجماعية التاريخية، عُرضة لأن يُستولى عليها وأن يُساء استخدامها من جانب باعة الأوهام(2)! وهذا على الأرجح عين ما يحدث في ربوعنا الحائرة!
    لنتذكر مثلاً الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وهو يُصرح بعد شهور من هزيمة 1967 بقوله(3): "إننا نسعى إلى صرف اهتمام الشباب ـ يقصد الشباب المصري ـ إلى الحماسة، والتعصب للكرة، وسماع أغاني أم كلثوم"!

    ولننظر أيضاً إلى المصريين الذين ذهبوا مؤخراً إلى السودان لمؤازرة فريق كرة القدم، في تصفيات كأس العالم، سنجد بينهم أبرز رموز النخبة المصرية الحاكمة! إلى هنا ولا مشكلة..ما يُوجع القلب حقاً هو كم الطائرات الخاصة التى خُصصت لبعض أثريائهم، في وقت تُجاهد مستشفيات السرطان والفشل الكلوي في بلادي أوضاعاً مُهينة! ذهبوا لايهام مواطنيهم أن حُلماً وطنياً يُوشك أن يتحقق!

    على أية حال، لنبدأ تحليلنا لتعاطي الثقافة العربية مع فكرة القومية..

    ما المقصود بـ "القومية"؟

    القومية من أهم المشاعر الجماعية التاريخية التي تربط الإنسان بالجماعات وتجعله يحبها ويفتخر بها ويعمل من أجلها ويضحي في سبيلها. وما أعنيه بالقومية هنا هو حب الأمة ـ جماعة من البشر ـ، والشعور بارتباط باطني نحوها..

    المشكلة أن للأمة تعريفات كثيرة، يحاول كل منها استخلاص فكرة الأمة إما من أحاسيس الناس أو من ظواهر بيولوجية أو سياسية أو من التاريخ الاجتماعي(4). بيد أن تعريفاً بعينه لا يتسيد الحياة، وهي المُختبر العلمي الحقيقي!

    في محاضرة بنادي المعلمين ببغداد عام 1928، أورد ساطع الحصري ما اعتبره عوامل بعينها، تربط الأفراد بعضهم ببعض، وتؤلف منهم أمة واحدة(5):

    1. الاعتقاد بوحدة الأصل والشعور بالقرابة، والنشوء عليهما، سواء أكان ذلك موافقاً للحقيقة أم مخالفاً لها! فالأمم من وجهة نظر الحصري أشبه بالأنهر العظيمة! وكل نهر من الأنهر تجري فيه مياه من منابع ومصادر وروافد مختلفة. والأنهر الكبيرة تكون كثيرة المنابع وعديدة الروافد بوجه عام، وإذا بحثنا عن منبع نهر من الأنهر، فإنما نفعل ذلك بالنسبة إلى ما هو الغالب والأساسي، ولا نعني بذلك أن جميع مياه النهر تأتي من منبع واحد فعلاً!

    2. اللغة والتاريخ، هما ـ بحسب الحصري ـ العاملان الأصليان اللذان يؤثران أشد التأثير في تكوين الأمة! فاللغة هي أهم الروابط المعنوية التي تربط الفرد البشري بغيره من الناس. لأنها أولاً، واسطة التفاهم بين الأفراد، ثم هي فضلاً عن ذلك، وعاء التفكير. وأخيراً، هي واسطة لنقل الأفكار والمكتسبات من الآباء إلى الأبناء، ومن الأجداد إلى الأحفاد! صفوة القول إن وحدة اللغة تُوجد نوعاً من الوحدة في التفكير وفي الشعور، وتربط الأفراد بسلسلة طويلة ومعقدة من الروابط الفكرية والعاطفية.

    3. أما التاريخ، فهو بمثابة شعور الأمة وذاكرتها. فكل أمة من الأمم إنما تشعر بذاتها وتُكون شخصيتها بواسطة تاريخها الخاص. وليس المقصود التاريخ المدون في الكتب، بل التاريخ الحي في النفوس، الشائع في الأذهان، المُستولي على التقاليد! إن وحدة التاريخ تُولد تقارباً في العواطف والنزعات، إنها تؤدي إلى تماثل في ذكريات المفاخر السالفة وفي ذكريات المصائب الماضية، وإلى تشابه في أماني النهوض وآمال المستقبل..

    4. من العوامل الأخرى التي ذكرها الحصري على أنها تؤثر في تكوين الأمم وتميز بعضها عن بعض، عامل الدين! فهو تارة ينضم إلى تأثير اللغة والتاريخ فيقويهما، وتارة يُضعفهما! الدين يُولد نوعاً من الوحدة في شعور الأفراد الذين ينتمون إليه، ويثير في نفوسهم بعض العواطف والنزعات الخاصة التى تُؤثر في أعمالهم تأثيراً شديداً! وطبقاً للحصري، تظل الرابطة الدينية وحدها غير كافية لتكوين الأمة، وهو رأي قاسٍ بعض الشيء!

    5. طبقاُ للحصري، لا يتغلب عامل آخر على تأثير عاملي اللغة والتاريخ، في تكوين الأمة، سوى عامل الاتصال الجغرافي، لأن فقدان الاتصال الجغرافي قد يؤدي إلى بقاء أجزاء الأمة الواحدة منفصلاً بعضها عن بعض، رغم اتحادها في اللغة والتاريخ. زد على ذلك، أنه قد يؤدي ـ بمرور الزمن ـ إلى تباعد وتباين في اللغة والتاريخ أيضاً. وهذه النتيجة التي تظهر من التجارب الحياتية، دفعت بعض المفكرين للحديث عن نظرية "مشيئة التعاشر ورغبة الاتحاد"، فقالوا إن أهم العوامل التي تلعب دوراً حاسماً في تكوين الأمة، هو مشيئة الجماعات في البقاء متحدين، وفي تكوين أمة متحدة، تتمتع بشخصية واستقلال! وهو ما لا يُقره الحصري!

    قارئي الكريم، ثمة علاقة وطيدة بين مفهوم القومية ـ المُشار إليه تواً ـ ومفهومي الوطنية والدولة! الوطنية هي ارتباط الفرد بقطعة من الأرض تُعرف باسم الوطن، وبالتالي فمفهومها لا يختلف كثيراً عن مفهوم القومية! لأنه كما أن حب الوطن يتضمن، بطبيعته، حب المواطنين الذين ينتمون إلى ذلك الوطن، كذلك حب الأمة يتضمن، بطبيعته أيضاً، حب الأرض التي تعيش عليها تلك الأمة!

    لهذا السبب يتقارب مفهوم الوطنية من مفهوم القومية تقارباً كبيراً، غير اننا إذا أردنا أن نُحيط علماً بماهية هذين المفهومين ـ الوطنية والقومية ـ إحاطة تامة، يجب علينا أن نلاحظ علاقة كل منهما بمفهوم ثالث مُهم، هو مفهوم الدولة.

    الدولة في أكثر تعريفاتها شيوعاً هي(6): "جماعة من البشر، يقيمون بصفة دائمة في أرض معينة، وتُسيطر عليهم هيئة منظمة، استقر الناس على تسميتها الحكومة". مفهوم الدولة، وكما نرى، يرتبط بمفهوم الوطن من جهة وبمفهوم الأمة من جهة أخرى، فيكون بذلك خط واصل بين هذين المفهومين. بيد أن هذا الارتباط لا يكون على نمط واحد في كل الدول والأمم وفي جميع أدوار التاريخ، بل إنه يلبس أشكالاً متنوعة! والحصري يُلخص لنا، على نحو وافٍ، أهم هذه الأشكال:

    1. إن الأمة قد تؤلف دولة واحدة مستقلة، وهنا تنطبق الوطنية على القومية تمام الانطباق، ولا تختلف مطالبها عن مطالب القومية اختلافاً فعلياً.

    2. غير أن الأمة قد تؤلف دولاً عديدة، كل واحدة مُستقلة بنفسها. وهنا تُوجد كل دولة من هذه الدول وطنية خاصة بها، تسعى إلى تقويتها بكل قواها، بينما تكتفي القومية ـ في مثل هذه الحالات ـ ببناء فكرة وطن معنوي مثالي أوسع وأعظم وأعلى من الأوطان القائمة، تصبو نفوس القوميين في هذه الأوطان إلى تحقيقه واخراجه من عالم الفكر والتمني إلى عالم الواقع.

    3. قد تكون الأمة محرومة من دولة خاصة بها، وتابعة لدولة أجنبية عنها. وهنا يحدث نزاع وخصام بين الوطنية التى تفرضها الدولة الحاكمة وبين القومية التى يشعر بها أفراد الأمة المحكومة! القومية في هذه الحالة ترمي إلى تكوين وطنية جديدة خاصة أضيق نطاقاً من الوطنية القائمة العامة.

    4. ولكن الأمة قد تكون محرومة من الاستقلال، وفي الوقت نفسه مُجزأة وموزعة بين عدة دول أجنبية عنها. القومية في تلك الأمة المُجزأة ستعارض ذلك معارضة شديدة، وتحمل جميع أفراد الأمة في جميع الدول الأجنبية عنها على مقاومة الوضع القائم. وتدعو من جهة للاستقلال عن جميع الدول الحاكمة، ومن جهة أخرى لتكوين دولة قومية جديدة، تجمع شتات الأمة المُجزأة تحت لواء واحد، على أرض وطن قومي واحد.

    القومية إذن، قارئي الكريم، تنطبق على الوطنية تارة، وتختلف عنها تارة أخرى، وتأثيرها ينضم إلى تأثير الوطنية أحياناً، ويخالف ذلك التأثير أحياناً أخرى. بيد أن القومية أصبحت ـ وعلى نحو ما سنرى في بقية هذه المقالة ـ من أهم العوامل التي تؤثر في تطور الدول، منذ أوائل القرن الـ 19 وحتى الآن!

    نشوء فكرة القومية في الحضارة الغربية:

    تُحدد الثورة الفرنسية التي وقعت في سنة 1789 نقطة تحول في التاريخ الغربي. في أول الأمر، بدا أن النهضة الجديدة والأكثر عمقاً التي كانت أمنية أوروبا كلها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، قد أخذت طريقها إلى التحقق في فرنسا. وايقظ الاتصال بأفكار الثورة الفرنسية الحياة السياسية والفكر السياسي من غفلاته في القارة الأوروبية، وعلى الخصوص في ألمانيا وإيطاليا. فحب الحرية، واستهداف تكوين أمة واحدة غير منقسمة، والشوق إلى تضامن قومي جديد وروح قومية جديدة، وفكرة دولة تضرب جذورها في الرضاء الشعبي وحماسته وتسندها المشاركة الايجابية للناس ـ مفاهيم برزت كلها مع الثورة(7).

    غير أن التطورات اللاحقة أماطت اللثام عن وجهين من تأثير الثورة الفرنسية على العالم الغربي! فقد قوت الديمقراطية في البلاد التي كانت توجد بها أفكار مستقرة من قديم عن الحرية، وحكومة ذاتية محدودة القوة. كانت الحال كذلك في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وسويسرا، وعلى العموم في كل تلك البلاد الأوروبية الصغيرة التى تبعت النموذج الانجليزي للقومية، سكانديناوة وهولندة.

    في الدول الأخرى، أثارت الثورة الفرنسية قومية عسكرية! وقد ضرب الجيش الفرنسي المثل على ذلك. إذ وضع الجنرال "بونابرت" قائداً للأمة في سنة 1799. وتتابعت الدساتير على الورق وقدمت النظم النيابية المحدودة السلطة واجهة ديمقراطية. وهكذا لم ينم لدى الفرنسيين احترام الدساتير والأجهزة البرلمانية الذى يميز البريطانيين والأمريكان. وورثت القومية في فرنسا وفي القارة على العموم روح الحكم المطلق بما فيها من خوف من الحكومة الذاتية واتجاه نحو المركزية. الفرنسيون، ورغم اطاحتهم بالملكية في 1789، جعلهم ماضيهم أقل أهلية لاستبدالهم بها حكومة مستقرة وحرية تحت سلطان القانون! لم يصل الفرنسيون إلى هدف الحرية المستقرة واحترام القانون إلا بعد 120 عاماً!

    جاوز نابليون الأول الملكية كثيراً في المركزية وفي مطامحه! لقد فرض ميراث فكرة الامبراطورية الرومانية على القومية الفرنسية! وحاول مؤتمر فينا عام 1815، في نهاية الحروب النابليونية، أن يُعيد أوروبا إلى ما قبل القومية!

    وبالفعل، مرت أوروبا بفترة سلم دولي أكثر من أربعين عاماً حتى استعمل نابليون الثالث وأوتوفون بيسمارك وسيلة القومية العسكرية في خدمة آمالهما في القوة. فلم يكن ثمة أثر لسباقات التسلح أو المركزية أو التقدم في الوسائل الفنية الحربية. وكان هذا السلم، على أية حال، منبعثاً من الرضا والاكتفاء الذاتي المبني على استيفاء الحالة القائمة. ومع ذلك فإن شعور الرهبة الغامض بعض الشيء نحو الملكيات صاحبة الحق المقدس، بدأ يفقد بريقه خلال الحروب النابليونية. رغم أنه ظل باقياً بعد ذلك بين الطبقات الألمانية العليا والمتوسطة، وربما بين الفلاحين الروس حتى بداية القرن العشرين. وساعد بيسمارك في ألمانيا والكونت كافور في إيطاليا على إضعاف مبدأ شرعية الملكية بهدمهما الملكيات القديمة بشكل مهين!

    ووراء الواجهة الأرستقراطية للحياة، بدأت الثورة الديمقراطية والاجتماعية التي عبرت عنها أفكار الثورة الفرنسية سنة 1789 تنتشر في سنة 1815 في بطء، ولكن في عمق، بدرجات مختلفة في أوساط المفكرين أولاُ، ثم الجماهير..

    وفي نهاية فبراير 1848 اندلعت الثورة مرة أخرى في فرنسا، وأقيمت الجمهورية الثانية. وفي هذه المرة أثرت الحوادث في وسط أوروربا كله بسرعة لم تكن متوقعة. وحملت الثورة المُجددة إلى كل مكان الميراث المزدوج لسنة 1789 ـ التحررية والقومية. وأثبتت القومية مرة أخرى، كما فعلت من قبل نصف قرن، أنها أقوى من التحررية، فوضعت الأخيرة ـ طول مدة بقائها في أوروبا ـ نفسها في خدمة القومية العسكرية. وفي فرنسا ذاتها بهرت أفكار نابليون الأغلبية الساحقة من الشعب. وانتهت الجمهورية الثانية إلى ديكتاتورية عسكرية!

    كان المفكرون في أنحاء أوروبا الوسطى أقل شجاعة في سبيل التحررية. ومن ثم هزمت المطامح المتنازعة للقوميات المختلفة فيما بين 1848ـ1849 الأمل في التحررية وفي السلم الدولي، ومكنت للملكيات المحافظة شبه المطلقة أن تتابع الحياة. على أن هذه القومية المتأججة استمرت في الانتشار في أوروبا الوسطى بعد 1918 عام سقوط الملكيات. وبعد أقل من عشرين عاماً من نهاية الحرب العالمية الأولى، عمت الديكتاتوريات المستبدة أوروبا الجنوبية والوسطى. وانتصرت الفاشية في كل مكان تقريباً بوصفها نوعاً من القومية المُركزة على نفسها بشكل مُبالغ فيه! على انه، حتى حيث لم تحل الفاشية محل النظم الديمقراطية، فقد حطم الديمقراطية تصرف الحكومات على أنها ممثلة لجماعة الجنس المُفضل أو لجماعة دينية أو لطبقة من أجل الاضرار بالغير وتحقيره.

    صفوة القول إن الثورة الفرنسية، بتأججها وتجددها، تقف وراء نشوء وشيوع فكرة القومية بين أبناء الحضارة الغربية! ففرنسا هي قلب أوروبا، وثورتها المُلهمة لم تلبث أن تجاوزتها إلى بقية أوروبا، ومنها إلى العالم، على نحو مُدهش!

    التعاطي مع فكرة القومية في الثقافة العربية:

    كان من الطبيعي، في ظل نشوء وشيوع فكرة القومية، في شتى أنحاء العالم، ان تتزعزع وتتخلخل اركان الكثير من الدول القائمة، وان تتغير وتتطور اوضاع معظم الدول، وفق مقتضيات فكرة القومية ومطالب مبدأ القوميات..

    كان من الطبيعي أن تتفكك اوصال الدول المؤلفة من أمم متعددة، وكان من الطبيعي أيضاً ـ بعكس ذلك ـ ان تتحد اوصال الدول التى تنتسب إلى أمة واحدة! وعليه، ظهرت على المسرح العالمي بعض الدول الجديدة، وزالت من المسرح بعض الدول القديمة! السلطنة العثمانية مثلاً أخذت تتفكك شيئاً فشيئاً.

    وللسلطنة العثمانية ارتباط كبير بحديثنا عن وفود فكرة القومية إلى ثقافتنا العربية! ففي أوئل القرن التاسع عشر، عندما بدأت فكرة القومية تلعب دوراً مهماً في السياسة الأوروبية، كانت البلاد العربية داخلة في حوزة السلطنة العثمانية منذ قرون عديدة، وذلك باستثناء المغرب الأقصى من جهة، وحضرموت مع قلب الجزيرة العربية من جهة أخرى! وكانت البلاد العربية هادئة وخاضعة هدوء الولايات التركية وخضوعها! غير أنه حدث فيها، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، حادثان خطيران، زعزعا الأوضاع القائمة في السلطنة العثمانية زعزعة شديدة، هما: ثورة الوهابيين في نجد وثورة محمد على باشا في مصر.

    كانت الثورة الوهابية حركة دينية في الدرجة الأولى، ولهذ لم تؤثر في نشوء فكرة القومية العربية تأثيراً يُذكر. وأما ثورة محمد علي، فهي أيضاً لم تستمد قوتها من نزعة قومية، ولهذا السبب لم تُؤثر في نشوء فكرة القومية العربية تأثيراً مباشراً، ولكنها خدمت القومية العربية خدمة كبيرة، ولو بصورة غير مباشرة. لأنها اوجدت دولة عصرية ـ نسبياً ـ قائمة في بلاد عربية، وأفسحت بذلك ميداناً واسعاً لقيام حراك فكري وأدبي عربي. أما نشوء فكرة القومية العربية، بمعناها التام، فقد بدأ في البلاد العربية التي كانت باقية تحت الحكم العثماني المباشر، كسوريا والعراق، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

    كانت الدولة العثمانية تُعامل المسلمين من العرب معاملة تختلف كثيراً عن معاملتها للمسيحيين منهم. ولهذا السبب كان ارتباط العرب بالدولة العثمانية يختلف باختلاف أديانهم اختلافاً بارزاً! وللسبب نفسه نجد أن التفكير في القومية العربية بدأ عند العرب المسيحيين قبل أن يبدأ عند المسلمين منهم. كما أن الكتاب والشعراء الذين سبقوا غيرهم في الدعوة إليها كانوا من العرب المسيحيين(8).

    وساعد على ذلك أنهم ـ أعني العرب المسيحيين ـ كانوا أكثر تفاعلاً مع الحضارة الغربية. لأن اعتقاداتهم الدينية وأحوالهم الاجتماعية ما كانت تُقيم بينهم وبين الغربيين حواجز معنوية، تُعرقل التواصل الثقافي. ولذلك كان تأثير فكرة القومية في هؤلاء أشد وأسرع من تأثيرها في إخوانهم من العرب المسلمين..

    بيد أن فكرة القومية العربية لم تلبث أن شملت جميع العرب ـ من مسلمين ومسيحيين ـ، وصارت تُوجههم وجهة واحدة! والتالي عرض لأهم التيارات الرئيسية التى تنازعت، ولا تزال تتنازع، ثقافتنا العربية، إزاء فكرة القومية:

    التيار اللاقومى ـ الإسلامي:
    يرفض أنصار هذا التيار فكرة القومية, الوافدة من الغرب, باعتبارها افتئاتا على الأخوة الإسلامية وتهديداً لوحدة المجتمع الإسلامي. ويُعد المُفكر الراحل "سيد قطب" أبرز أنصاره وأكثرهم تأثيراً، فمؤلفه الشهير "معالم في الطريق" يُكرس رفض القومية المعاصرة ويستبدل العقيدة بها. وتنبع رؤية قطب من إدراكه للمعطيات التاريخية والمعاصرة، على نحو خاص، التالي أبرز ملامحه:
    1. عقيدية الحضارة :
    يعتبر قطب انصهار الأجناس المختلفة في بوتقة العقيدة الإسلامية مُحدداً مُهماً لازدهار الحضارة الإسلامية في الماضي، حيث ضم المجتمع الإسلامي أجناساً شتى كالعرب والفرس والأتراك، مما أتاح للحضارة الإسلامية الاستفادة من مميزات كل جنس، خاصة وأن الإسلام ألف بين هذه الأجناس المختلفة ونظر إليها على قدم المساواة، وهو ما لم يتوافر لحضارة أخرى. وبذلك ينفي قطب عروبة تلك الحضارة, ويؤكد عقيديتهاوهويتها الإسلامية، ويعبر عن ذلك بقوله(9):
    "اجتمع في المجتمع الإسلامي المتفوق: العربي والفارسي والشامي والمصري والمغربيوالتركيوالصيني والهندي والروماني والإغريقي والإندونيسي والأفريقي..إلى آخر الأقوام والأجناس. وتجمعت خصائصهم كلها لتعمل متمازجة متعاونة متناسقة في بناء المجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامية. ولم تكن يوما قومية إنما كانت دائما عقيدية..لقد اجتمعوا كلهم على قدم المساواة وبآصرة الحب، وبشعورالتطلع إلي وجهة واحدة. فبذلوا جميعهم أقصى غاياتهم، وأبرزوا أعمق خصائص أجناسهم، وصبوا خلاصة تجاربهم الشخصية والقومية والتاريخية في بناء هذا المجتمع الواحد الذي ينتسبون إليه جميعا على قدم المساواة، وتجمع فيه بينهم آصرة تتعلق بربهم الواحد، وتبرز فيها إنسانيتهم وحدها بلا عائق، وهذا ما لم يجتمع قط لأي تجمع آخر على مدار التاريخ".

    2. جاهلية العالم :
    على خلاف رؤيته للماضي الإسلامي الزاهر، يرى قطب العالم المعاصر رافلاً في جاهليته، تلك الجاهلية التي تُمثل القومية بمفهومها المعاصر أحد ملامحها. ولا تحول التيسيرات المادية المعاصرة دون قناعة قطب بجاهلية عالم اليوم لاعتدائه على أخص خصائص الألوهية وهى الحاكمية. فنراه يساوي بين جاهلية ما قبل الإسلام وجاهلية اليوم ممثلة في ادعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بعيداً عن منهج الله وافتئاتاً على سلطانه. ويذهب قطب إلى أبعد من ذلك بتأكيده على إفلاس فكرة القومية وعدم قدرتها على الاستمرار في أداء الدور المنوط بها باعتبارها أحد مظاهر الحضارة الغربية المشرفة على الزوال، لنفاذ رصيدها من القيم، ويعبر عن ذلك بقوله(10):
    "إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية لا تخفف منها شيئا هذه التيسيرات المادية الهائلة، وهذا الإبداع المادي..هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية..وهى الحاكمية..إنها تسند الحاكمية إلي البشر، فتجعل بعضهم لبعضاً أرباباً، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم، والشرائع والقوانين، والأنظمة والأوضاع، بمعزل عن منهج الله للحياة، وفيما لم يأذن به الله..فينشأ عن هذا الاعتداء على سلطان الله اعتداء على عباده".
    وقوله(11):
    "لقد أدت النهضة العلمية دورها، هذا الدور الذي بدأت مطالعه مع عصر النهضة في القرن السادس عشر، ولم تعد تملك رصيدا جديدا..كذلك أدت الوطنية والقومية التي برزت في تلك الفترة، والتجمعات الإقليمية عامة دورها خلال هذه القرون، ولم تعد تملك هي الأخرى رصيداً جديداً".

    3. عقيدية القومية:
    بينماينكر قطب القومية بمفهومها الغربي المعاصر، فإنه يتبنى مفهوماً مغايراً، فجنسية المسلم عقيدته ووطنه دار الإسلام وحاكمه الله ودستوره القرآن. وينبع هذا المفهوم المغاير من قناعات قطب الخاصة بعقيدية الحضارة الإسلامية وجاهلية العالم المعاصر، وإيمانه بأن عصبية العشيرة والقبيلة والقوم والجنس واللون والأرض عصبية صغيرة متخلفة، عصبية جاهلية عرفتها البشرية في فترات انحطاطها الروحي. فضلاً عن تمييزه بين دارين، إحداهما دار الإسلام، تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة، فتهيمن عليها شريعة الله، وتُقام فيها حدوده، ويتولى المسلمون بعضهم بعضاً. والأخرى دار الحرب، تلك التي تحكم علاقة المسلم بها المهادنة على عهد أمان أو القتال. ويعبر قطب عن ذلك بقوله(12):
    "إن عصبية العشيرة والقبيلة والقوم والجنس واللون والأرض عصبية صغيرة متخلفة..عصبية جاهلية عرفتها البشرية في فترات انحطاطها الروحي، وسماها الرسول(ص) منتنة بهذا الوصف الذي يفوح منه التقزز والاشمئزاز..وكل أرض تحارب المسلم في عقيدته، وتصده عن دينه، وتعطل عمل شريعته، فهي دار حرب ولو كان فيها أهله وعشيرته وقومه وماله وتجارته..وكل أرض تقوم فيها عقيدته وتعمل فيها شريعته، فهي دار إسلام ولو لم يكن له فيها أهل ولا عشيرة، ولا قوم ولا تجارة..والأمة التي يكون من الرعيل الأول فيها أبو بكر العربي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وإخوانهم الكرام. والتي تتوالى أجيالها على هذا النسق الرائع..الجنسية فيها هي العقيدة، والوطن فيها هو دار الإسلام، والحاكم فيها هو الله، والدستور فيها القرآن".

    وهكذا يرفض سيد قطب القومية العربية صراحة، ويقرر بوضوح أنه كان في استطاعة الرسول(ص)، وهوفي الذؤابة من بني هاشم أعلى قريش نسباً، أن يثيرها قومية عربية تستهدف تجميع قبائل العرب التيأكلتها الثارات ومزقتها النزاعات، وتوجيهها وجهة قومية لاستخلاص أرضها المغتصبة من الإمبراطوريات المستعمرة (الرومان في الشمال, والفرس في الجنوب)، وإعلاء راية العروبة، وإنشاء وحدة قومية في كل الأرجاء العربية. لأنه لو فعل ذلك لاستجابت له العرب قاطبة، بدلاً من أن يعاني وصحبه أعواماً في اتجاه معارض لأهواء أصحاب السلطان. ولكنه لم يفعل، وهو ما يفسره قطب بتوجيه الله له أن يصدع بلا إله إلا الله، وأن يحتمل هو والقلة التي تستجيب له كل هذا العناء، حتى لاتخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي إلى يد طاغوت عربي، فالطاغوت كله طاغوت، والبشر لا يكونون عبيداً إلا لله وحده، فلا حاكمية إلا لله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد، لأن السلطان كله لله، ولأن الجنسية التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة، التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية الله(13).


    التيار اللاقومى– الوطني:
    يُعد التيار اللاقومى ـ الوطني أحد التيارات الرئيسية التي تتنازع الثقافة العربية إزاء فكرة القومية العربية. ويُثمن أنصار هذا التيار الوطنية على حساب القومية العربية، ويرونها أكثر مواءمة للعالم العربي، لتحبيذها نزوع الدول العربية لتعزيز خصوصيتها وإعلاء مصالحها الخاصة، انطلاقاً من دوافع أهمها(14):

    1. ضعف الدول العربية :
    فقد روى عبد الرحمن عزام، أول أمين عام لجامعة الدول العربية، في إحدى المجلات حديثاً جرى بينه وبين السياسي المصري سعد زغلول، في أوائل عهد الوفد المصري. فعندما أراد عزام أن يتكلم عن الوحدة العربية، قاطعه سعد زغلول بسؤاله: "إذا جمعت صفراً إلى صفر، فصفر، ماذا تكون النتيجة؟". ولا زال سؤال سعد زغلول يجول في صدور أنصار الوطنية في ربوعنا. فطبقاً لهم، يُقوض ضعف الدول العربية دعاوى القومية العربية، ويُفرغها من مضمونها.

    2 . إقليمية الأدب العربي :
    أنشأ بعض الأدباء المصريين من أساتذة الجامعة المصرية في عصرها الأول نظرية في الأدب العربي وتاريخه، تقول باختلافه من إقليم إلى إقليم، فضلاً عن مناداتها بضرورة بقائه إقليميا (وطنيا)، يساير خصائص كل إقليم من الأقاليم العربية. وترجع بدايات نظرية إقليمية الأدب العربي إلى المحاضرات التي ألقاها أحمد ضيف في الجامعة المصرية، ونشرها بعنوان "مقدمة في بلاغة العرب"، وقال فيها إن الآداب العربية ليست لها صفة واحدة، بل هي آداب مختلفة. ويستند أنصار الوطنية إلى مقولات نظرية إقليمية الأدب لتعضيد رؤيتهم القائلة بتعدد الأوطان في العالم العربي، وانتفاء دعاوى القومية العربية..

    3 . مصالح النخب الحاكمة:
    تعد حماية المصالح الشخصية للنخب الحاكمة في عالمنا العربي، أحد أهم دوافع الوطنية. ففي كل دولة عربية، طائفة من الحكام والساسة وغيرهم، ترتبط منافعهم بالأوضاع السياسية القائمة، فينزعون إلى المحافظة على كيان الدولة، ولا يرضون بزوال ذلك الكيان بدعوى المصلحة الوطنية. ويساعدهم على ذلك امتلاك كل دولة لمعالم، مشهودة وملموسة، وسلطات فعلية تظهر وتثبت وجودها في شتى المناسبات، يراها كل فرد من أفرادها منذ نعومة أظفاره، ويألفها، ويرتبط بها نفسياً، ويشعر من جرائها بأنه يختلف عن غيره من منتسبي الدول الأخرى.

    التيار القومي ـ اللاديني:

    يُجسد هذا التيار رغبة واضحة من جانب أنصاره في إعلاء قيم القومية العربية، باعتبارها تفوق ما عداها في أهميتها. ويُعد الراحل جمال عبد الناصر أحد أبرز رموزه، ولا تزال أصداء خُطبه وتصرحاته الشهيرة تتردد حتى اليوم في ربوعنا، رغم اخفاقه المُلفت في وضع أقواله موضع التطبيق! ويمكن التمييز بين ثلاث مراحل لتطور الوعي القومي العربي عند عبد الناصر:

    1. مرحلة إرهاصات الوعي القومي العربي:
    اقترن الميلاد الشهير لقضية فلسطين بتسلل طلائع الوعي القومي العربي إلى تفكير جمال عبد الناصر، حيث احتلت فلسطين مكاناً خاصاً وبارزاً في هذا الفكر! وبتطور القضية الفلسطينية, توالت إرهاصات هذا الوعي لدى عبد الناصر، سواء أثناء دراسته في كلية أركان الحرب أو إبان انخراطه في القتال على أرض فلسطين! عبد الناصر نفسه هو الذى أخبرنا بهذه الأمور، وذلك بقوله(15):
    "إن طلائع الوعي العربي بدأت تتسلل إلى تفكيري وأنا طالب في المدرسة الثانوية أخرج مع زملائي في إضراب عام في الثاني من شهر ديسمبر من كل سنة احتجاجا على وعد بلفور الذي منحته بريطانيا لليهود ومنحتهم به وطنا قوميا في فلسطين اغتصبته ظلما من أصحابه الشرعيين..ثم بدأ نوع من الفهم يخالج تفكيري حول هذا الموضوع لما بدأت ادرس وأنا طالب في كلية أركان الحرب حملة فلسطين ومشاكل البحر المتوسط بالتفصيل..ولما بدأت أزمة فلسطين، كنت مقتنعا في أعماقي بأن القتال في فلسطين ليس قتالا في أرض غريبة، وهو ليس انسياقا وراء عاطفة، وإنما واجب يُحتمه الدفاع عن النفس".
    2. مرحلة ميلاد الوعي القومي العربي:

    شهدت هذه المرحلة تبلور الوعي القومي العربي في فكر عبد الناصر، حيث أدرك بوضوح المحيط الخارجي لمصر، وتجلى ذلك في حديثه عن الدوائر الثلاث(العربية, والأفريقية, والإسلامية)، وتأكيده على الدائرة العربية ووصفه لها بأنها أهم الدوائر وأكثرها ارتباطاً بمصر. ولطالما أرجع الرجل تغلغل الفكر القومي في شخصيته إلى إدراكه للتاريخ العربي المشترك والديانة الإسلامية التي تدين بها الأغلبية في العالم العربي، مختزلاً بذلك دور الإسلام في كونه أحد روافد القومية العربية، وهو ما يخالف مقولات أنصار التيار اللاقومى ـ الإسلامي الذين ينادون بعقيدية القومية. ويؤرخ ناصر للحظات ميلاد وعيه العربي بقوله(16):

    "..أيمكن أن نتجاهل أن هناك دائرة عربية تحيط بنا، وأن هذه الدائرة منا ونحن منها، امتزج تاريخنا بتاريخها، وارتبطت مصالحنا بمصالحها..حقيقة وفعلا وليس مجرد كلام؟..أيمكن أن نتجاهل أن هناك قارة أفريقية، شاء لنا القدر أن نكون فيها، وشاء أيضا أن يكون فيها اليوم، صراع مُروع حول مستقبلها، وهو صراع سوف تكون آثاره لنا أو علينا، سواء أردنا أو لم نُرد؟..أيمكن أن نتجاهل أن هناك عالما إسلامياً تجمعنا وإياه روابط لا تقربها العقيدة الدينية فحسب، و إنما تشدها حقائق التاريخ كذلك؟".
    وقوله(17):
    "..ما من شك في أن الدائرة العربية هي أهم هذه الدوائر وأوثقها ارتباطا بنا، فلقد امتزجت معنا بالتاريخ وعانينا معها نفس المحن، وعشنا نفس الأزمات، وحين وقعنا تحت سنابك خيل الغزاة كانوا معنا تحت نفس السنابك. وامتزجت هذه الدائرة معنا أيضا بالدين، فنقلت مراكز الإشعاع الديني، في حدود عواصمها، من مكة إلى الكوفة، ثم إلي القاهرة".

    3. مرحلة نضج الوعي القومي العربي:
    في حين اتسمت المراحل السابقة على هذه المرحلة بالحماسة المُفرطة، اتسمت هذه المرحلة بقدر نسبي من العقلانية، حيث بدأ الحديث عن أهداف النضال العربي(الحرية، والاشتراكية، والوحدة)، وبُذلت بعض الجهود لبلورة مضمون واضح لتلك الأهداف. وهو ما أكده عبد الناصر في الميثاق، الذي قدمه إلى المؤتمر الوطني للقوى الشعبية يوم 21مايو 1962، حين قال(18):
    "إن عهودا طويلة من العذاب والأمل بلورت في نهاية المطاف أهداف النضال العربي ظاهرة واضحة، صادقة في تعبيرها عن الضمير الوطني للأمة (العربية). ولقد أصبحت الحرية الآن، تعنى حرية الوطن، وحرية المواطن وأصبحت الاشتراكية وسيلة وغاية، هي الكفاية، والعدل. وأصبح طريق الوحدة هو الدعوة الجماهيرية لعودة الأمر الطبيعي لأمة واحدة مزقها أعداؤها ضد إرادتها وضد مصالحها، والعمل السلمي من أجل تقريب يوم هذه الوحدة، ثم الإجماع على قبولها، تتويجاً للدعوة والعمل معا".

    التيار القومي ـ الإسلامي:
    نجح أنصار هذا التيار نسبياً في توظيف الرابطتين القومية والدينية، حتى لا تجور إحداهما على الأخرى. على خلاف أنصار التيارين السابقين، إذ آثر أنصار كل تيار إحدى الرابطتين دون الأخرى. ويعد عبد الرحمن الكواكبى أحد أبرز أنصار التيار القومي ـ الإسلامي، فقد أخذ على عاتقه مهمة التبشير بالقومية كإحدى سمات الأمم المتحضرة، بالإضافة إلى تأكيده على العروبة كضرورة لحماية الحياة الدينية للمسلمين في أنحاء العالم. وهو ما يعكس إيمانه بقناعتين:

    1. اقتران الولاء القومي بالتحضر:
    تُعد هذه القناعة مدخلاً للفكر القومي عند الكواكبى، فهو يرى في القومية رابطة مميزة لتلك الأمم المتحضرة، تعمل على ترسيخها في نفوس أبنائها بشتى الوسائل والطرق، وبخاصة من خلال تعميم الوعي التاريخي لديهم، ليتسنى لهم إدراكها على نحو جلي. وتجاوز الكواكبى ذلك إلى تأكيده على انحلال رابطة القومية العربية كأحد الأسباب المباشرة لمحنة الأمة الإسلامية، بقوله(19):
    "أظن أن السبب الأعظم لمحنتنا هو انحلال الرابطة الدينية..وقد زاد على ذلك فقدنا الرابطة الجنسية أيضا، فان المسلمين في غير جزيرة العرب لفيف أخلاط دخلاء، وبقايا أقوام شتى لا تجمعهم جامعة غير التوجه إلى هذه الكعبة المعظمة".
    وقوله(20):
    "إذا دققنا النظر في حالة الأمم الحية المعاصرة، وهى ليس عندها ما عندنا من الوسائل الشريفة للاجتماعات ولاسترعاء السمع والاستلفات بوسائل شتى..نجد اعتناؤها غاية الاعتناء بتعميم معرفة تواريخها الملية، المفصلة المدمجة بالعلل والأسباب، تمكيناً لحب الجنسية".

    2. ارتباط الولائين العربي والإسلامي:
    تعكس هذه القناعة اعتقاداً راسخاً لدى الكواكبى بعدم وجود تعارض بين الولائين العربي والإسلامي، فهما صنوان لا يفترقان. فلا استقامة للرابطة الإسلامية من دون الرابطة العربية، نظراً لامتلاك العرب لخصائص وخصال متفردة تؤهلهم دون غيرهم لحفظ الحياة الدينية الإسلامية، رغم امتلاك غيرهم لخصائص ومزايا تجعل لكل منهم مقاماً مهماً في حياة المسلمين. وهو ما يعبر عنه الكواكبى ـ على لسان جمعية أم القرى ـ، بقوله(21):
    "إن الجمعية بعد البحث الدقيق والنظر العميق في أحوال وخصال جميع الأقوام المسلمين الموجودين، وخصائص مواقعهم والظروف المحيطة بهم، واستعداداتهم، وجدت أن لجزيرة العرب ولأهلها بالنظر إلى السياسة الدينية مجموعة خصائص وخصال لم تتوفر في غيرهم. بناء عليه رأت الجمعية أن حفظ الحياة متعينة عليهم لا يقوم فيها مقامهم غيرهم مطلقا، وأن انتظار ذلك من غيرهم عبث محض..على أن لبقية الأقوام أيضا خصائص ومزايا تجعل لكل منهم مقاما مهما في بعض وظائف الجامعة الإسلامية، مثل أن معاناة حفظ الحياة السياسية ولا سيما الخارجية متعينة على الترك العثمانيين. ومراقبة حفظ الحياة المدنية التنظيمية يليق بها أن تُناط بالمصريين. والقيام بمهام الحياة الجندية يناسب ان يتكفل بها الأفغان وتركستان..يمينا ومراكش وامارات أفريقيا شمالا. وتدبير حفظ الحياة العلمية والاقتصادية خير من يتولاها أهل إيران وأواسط آسيا والهند وما يليها".
    والآن، أما وقد انتهيت من عرضٍ، أراه كافياً، لأهم التيارات الرئيسية (بما فيها التيار السائد على أرض الواقع، وهو التيار اللاقومى– الوطني)، تلك التى تنازعت، ولا تزال تتنازع، ثقافتنا العربية، إزاء فكرة القومية، أراني مُطالباً على نحو ما وعدت في صدر هذه المقالة، بتفسير الاخفاق المُستدام لهذه التيارات في التعاطي مع "القومية"، وكذا بيان تداعياته الخطيرة، في ضوء فكرنا الأنسني!..

    تفسير أنسني لاخفاق التعاطي مع فكرة القومية:

    القومية فكرة غربية وافدة، لا جدال في ذلك، تُشاركنا شعوب العالم المُختلفة في الأخذ بها، بيد أننا كعرب نظل الأمة الأكثر طنطنة بها، وعجزاً عن التعايش معها، ناهيك عن تثمينها! فلا يكاد ـ وياللاستفزاز ـ إجتماع عربي يتم، إلا وتصحبه طنطنة آلية بـ"العروبة"، وترديد للكليشيهات المُتعارف عليها في الأوساط الفكرية! وليس لقارئي الكريم أن يُسيء بي الظن، فيستشف من كلماتي اني أحد دراويش "العروبة"! وليصبر حتى نهاية المقالة، ليعلم ما أريد قوله!..

    المُدقق في التيارات الرئيسية، المذكورة سلفاً، والتى تنازعت، ولا تزال تتنازع، ثقافتنا العربية، إزاء فكرة القومية، والساعي للتعرف على دواعي القول باخفاقها في التعاطي مع فكرة القومية العربية، يجد أن دواعي القول بالاخفاق تختلف باختلاف موقف أنصار كل تيار إزاء فكرة القومية العربية! فأنصار التيار اللاقومي ـ الاسلامي، برفضهم القاطع للقومية العربية وقولهم بعقيدية القومية، ينأون بأنفسهم عن الواقع المُعاش، ويُثيرون مخاوف الأقليات الدينية، علاوة على اتخاذهم من تاريخنا المُظلم مرجعية، يسعون لمُحاكاتها! حقاً كانت الدولة الاسلامية قوية وفاتحة ومنتصرة، لكن الإنسان المُسلم كان دوماً فاقداً لحرية العقل والقلب، كان ـ ولا يزال ـ خائفاً وعاجزاً عن تعهد ثقافته، لا ديانته، بالنقد والتطوير! فما جدوى قوة وكبرياء الدولة، حين يتنازل أبناؤها عن حرية عقولهم وقلوبهم(22)!

    ولا يكاد أنصار التيار القومي ـ الإسلامي، يرقون إلى نظرائهم من أنصار التيار اللاقومي ـ الإسلامي، رغم مآخذنا عليهم، فاخفاقهم أمر وأضل سبيلاً! إنهم يزعمون امتلاك العرب لخصائص وخصال متفردة، تؤهلهم دون غيرهم لحفظ الحياة الدينية الإسلامية، ويرون الخلاص معقود بألويتهم! وهو قول لا تعليق لنا عليه!

    أما أنصار التيار القومي ـ اللاديني، فهم الأكثر صخباً في ربوعنا الطيبة، إنهم ينادون ليل نهار بوحدة الأمة العربية، وإقامة الدولة العربية الواحدة، من المحيط إلى الخليج! وقد يكون هؤلاء هم فعلاً الأكثر فهماً وتأثراً بفكرة القومية التي نشأت وشاعت بفضل الثورة الفرنسية، غير أن المُشكلة هي أنهم يؤيدون، أو على الأقل لا يمانعون، في التضحية بالتحررية، لصالح القومية العربية!..



    يبدو ذلك واضحاً في تمجيدهم لأحد أبرز رموزهم، وهو عبد الناصر، رغم سطوه المؤلم على القومية، وإساءة توظيفه لها داخلياً وخارجياً! على نحو كانت بلادي المغبونة الأكثر تضرراً منه! أوهمنا أن القومية والتحررية لا يجتمعان!


    لم يبق إذن سوى التيار اللاقومي ـ الوطني، وهو يستمد أهميته وخطورته من كونه التيار السائد عملياً والمُهيمن على أرض الواقع! أنصار هذا التيار يتمتعون ببعض الخصوصية، إذ ينقسمون على الأرجح إلى فئتين: الأولى تُناصر الوطنية، عن قناعة فكرية وعاطفية، ومن هؤلاء على سبيل المثال السياسي المصري سعد زغلول، وأحمد ضيف، صاحب "نظرية إقليمية الأدب العربي"!

    وأراني أتفهم كثيراً، دوافع زغلول وضيف في انتصارهما للوطنية على حساب القومية العربية! فالدولة في مصر، تضرب بجذورها في أعماق التاريخ!

    الفئة الثانية من أنصار التيار اللاقومي ـ الوطني، والتى تتمثل في النخب العربية الحاكمة، يظل إخفاقها في التعاطي مع فكرة القومية العربية هو الأجدر بالدراسة والتحليل، لكون هذه النخب هي الأخطر والأكثر تأثيراً في مجريات الأحداث، منذ رحيل الآخر الغربي/العالمي(23)، عن عالمنا العربي! كذلك، يظل تفهم السر وراء التعاطي المُستفز لهذه النخب مع القومية والوطنية، مرهوناً بالتعرف على ملابسات بروزها ـ أعني النخب ـ، وتسيدها لربوعنا الحائرة!
    برحيل الآخر الغربي/العالمي عن عالمنا العربي، بعد استعمار دام لعقود طويلة، توقع الكثيرون أن تأخذ ربوعنا طريقها الطبيعى نحو التطور! لكن، يبدو أن ثأراً قديماً ظلت نيرانه تتأجج فى قلب الآخر الغربي/العالمي، ويبدو كذلك أن مخاوفاً قديمة ظلت تؤرق الآخر نفسه! أما الثأر فدافعه الغزو العربي للغرب، ذلك الذى أجج الآخر العربي يوماً نيرانه وسماه فتحاً مُبيناً! فى حين أنه لم يكن سوى توسع مألوف من دولة فتية ناهضة! خطيئة الآخر العربي أن غلفه برقائق دينية!

    أما المخاوف المستعرة فى صدر الآخر الغربي/العالمي فمصدرها الخشية من نهوض دولة فتية فى ربوعنا العربية، تُعيد إخراج بلاده من التاريخ(24)!

    مزاعم غربية لا تخلو من وجاهة! يُجيد الآخر الغربي/العالمي توظيفها لتبرير سياسته اللاإنسانية تجاه عالمنا العربي، ويحظى بفضلها بدعم واضح من الذات الغربية، رغم صيحات الادانة التى تُطلقها تلك الذات بين الحين والآخر على استحياء، احتجاجاً على نهج الآخر الغربي/العالمى تجاه ربوعنا الطيبة..

    الآخر الغربي/العالمي أعد الشرك، وهو إبقاء الجماهير العربية فى إغتراب ثقافي، تُحرم بموجبه من الحق فى نقد ثقافتها وتطويرها! الآخر الغربي/العالمي إذن فى مأزق، لأن إضطلاعه المباشر بدفع الذات العربية نحو الشرك، غير مأمون العواقب، فالذات العربية، على سذاجتها، لابد وأن تتنبه إلى ما يُراد بها!

    لم تلبث العبقرية الغربية الآثمة أن وجدت الحل السحري(25)! آخر عربي/محلى، ينتمى لنفس ثقافة الذات العربية، يتولى مهمة دفعها نحو الشرك، دون أن تتنبه له الذات، وكيف تفعل؟! وهو يشاركها الملامح الجسدية، ويشاركها عاداتها وتقاليدها، وأفراحها وأتراحها، والأهم من ذلك يشاركها عقيدتها الدينية!

    بالفعل نجحت الخدعة، على سذاجتها، وساعد على نجاحها أمور عديدة، منها أن الآخر العربي كان موجوداً إبان قوة الدولة العربية، إذ كانت الدولة قوية بينما كان الانسان العربي مُغترباً، وهو ما ساعد بالتأكيد على تعميق إنهيارها!

    وهكذا، ارتبط بروز نسخ الآخر العربي وتسيدها لربوعنا الحائرة، برغبة الآخر الغربي/العالمي في خلق آخر عربي/محلى، يُشارك الذات العربية البائسة الملامح الجسدية، ويشاركها كذلك عاداتها وتقاليدها، وأفراحها وأتراحها، والأهم من ذلك يشاركها عقيدتها الدينية! آخر عربي/محلي يُديم تخلف الذات، عبر تكريس إغترابها ثقافياً، أي تكريس تخليها عن حقها فى نقد ثقافتها وتطويرها!

    ولتعلم قارئي الكريم، أن التواطؤ الذى تقول رؤيتنا بتوافره بين نُسخ الآخرية العربية/المحلية، وبين الآخريتين العالمية والاقليمية، لا يكون بالحتمية صريحاًً، فغالباً ما يكون ضمنياً، يقتضيه التوافق الآخري، لا الصفقة الصريحة!

    فترة خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تظل برأيي الأكثر تعبيراً عن مُساندة الآخرية العالمية، الغربية وغير الغربية، لمبدأ الاستقلال السلبي لدولنا العربية، وللآخرية العربية/ المحلية، فخلالها أرسيت دعائم تلك المساندة، وإليها ترجع أهم الأحداث التي لاتزال آثارها تتفاعل في عالمنا، حتى يومنا هذا(26)!

    من هنا، يصير منطقياً إختيارنا لأحد أهم النماذج الرائدة للنخب العربية الحاكمة، وهو نموذج النخبة المصرية الحاكمة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتى شكلت حجر الزاوية في هيكل الآخر المصري آنذاك، لايضاح دواعي قول فكرنا الأنسني، باخفاقها في التعاطي مع القومية العربية والوطنية!

    وهو اختيار يُعضده اتخاذ هذه النخبة ذائعة الصيت، من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رمزاً أسطورياً لها، إضافة إلى ريادة النخبة نفسها في تعميق آخرية بقية النخب العربية الحاكمة ـ قليلة الخبرة آنذاك ـ، وكذا تعليمها كيفية التغلغل في الذات، ليختلط عليها الأمر، فتنشد خلاصها في جلادها وتموت دونه!

    على أية حال، أشرت عند تعريف مفهوم القومية لارتباطه الوثيق بمفهومي الوطنية والدولة، وذكرت أيضاً أن الأمة الواحدة، تتوزع أحياناً على عدد من الدول (أعني عدداً من الوطنيات)، وهذا عين ما يحدث لأمتنا العربية الحائرة!

    فقد قامت في عالمنا العربي، بعد انتهاء التواجد العسكري المُباشر للآخر الغربي، دول عربية عديدة مُستقلة، تتسيدها نُخب عربية حاكمة، يعنينا منها الآن النخبة المصرية الحاكمة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي! إذ عمدت هذه النخبة، على نحو حماسي مُبهر، إلى جمع الأمة العربية، في دولة قومية واحدة!

    كان واضحاً جداً، على نحو ما يُحدثنا التاريخ، أن طموح أبناء النخبة المصرية الحاكمة، يذهب إلى أن تكون الدولة العربية المنشودة، تحت سيطرتهم، المُباشرة أو غير المُباشرة، على نحو ما تؤكد تجربة الوحدة مع سوريا(27)! وهو أمر يمكن تفهمه في ظل حداثة عهد معظم الدول العربية آنذاك بالاستقلال، ومن ثم افتقادها لخبرات، تصورت النخبة المصرية ـ على ما يبدو ـ إمتلاكها لها!..

    المهم، كان مُتوقعاً أن تُقدم النخبة المصرية تجربتها مع الانسان المصري، كنموذج لما ينبغي أن تكون عليه علاقة حكومة الدولة العربية المنشودة بأبنائها! وكان مُتوقعاً أيضاً أن تجتهد النخبة نفسها في بناء الإنسان المصري، ليصبح نموذجاً لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان، خاصة العربي، في الدولة المُبشر بها!

    المُحير أن هذا لم يحدث للأسف الشديد، والأكثر إثارة للحيرة هو تمادي النخبة المصرية الحاكمة في استهانتها وإضعافها للإنسان المصري، في وقت لم تتوقف أبواقها الدعائية عن التبشير بالخلاص العربي الموعود، على يد النخبة الحاكمة ورمزها الأسطوري! ولسوف أقدم تفسيراً لهذا التناقض المُستفز..

    أغلب الظن أن النخبة المصرية الحاكمة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتى آلت إليها مقاليد الأمور في مصر، عقب الإنقلاب العسكري في 23 يولية 1952، والذي يحلو للنخب المصرية المُتعاقبة أن تُطلق عليه ثورة 23 يوليو ـ أقول أغلب الظن أن النخبة المصرية الحاكمة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وعت على نحو مُلهم الميراث المُزدوج للثورة الفرنسية، وأعني به القومية والتحررية! غير أنها، وإن كانت قبلت بالقومية المنشودة والوطنية القائمة، لم تقبل بالتحررية، وآثرت مناهضتها! أغراها بذلك السلوك أمور، منها:
    أولاً: وجود مناخ عالمي وإقليمي مواتي لمناهضة التحررية في الدول العربية المُستقلة، فقد أرادت الآخرية العالمية، خاصة الغربية، لهذه الدول أن يكون إستقلالها سلبياً، بمعنى أن تُحاكي النخب العربية الحاكمة ـ بوصفها حجر الزاوية في هيكل الآخرية المحلية ـ المُستعمر الغربي، في تكريسه لتخلف أبناء هذه الدول، عبر حرمانهم من حقهم المشروع في نقد وتطوير طريقة حياتهم الشاملة!

    ثانياً: وجود ميراث عربي، يُجيز ويُبرر مناهضة التحررية، على نحو يصعب توافره في غير الثقافة العربية، فتاريخنا ظلمات بعضها فوق بعض(28)!

    ثالثاً: وجود إنسان عربي مُغترب ثقافياً، ومؤهل ـ على نحو مُغرٍ ـ لأن يجد في التحسن النسبي لأوضاعه المعيشية ـ إن هو حدث ـ عوضاً عن حرية عقله وقلبه! إنسان عربي مُؤهل لأن يقتات الأوهام ـ الإنتصارات الكروية/ الخطب والتصريحات العنترية/ المديح المُضلل من الآخرية العالمية/ التخويف من الأقليات غير العربية/ المُزايدة على الدين والخصوصية الثقافية..إلخ ـ.

    رابعاً: وجود سوابق أوروبية في السطو على القومية، وتحويلها لأوهام، تعيش عليها الشعوب، وتُضحي في سبيلها بالتحررية! ولنتذكر في هذا السياق أنه، وبعد أقل من عشرين عاماً من نهاية الحرب العالمية الأولى، عمت الديكتاتوريات المُستبدة أوروبا الجنوبية والوسطى، وانتصرت الفاشية في كل مكان تقريباً!..

    خامساً: وجود مناخ مُعادٍ لدولة إسرائيل الوليدة ـ آنذاك ـ، يُغري بتوظيفه في الترويج للقومية العربية، وفي تبرير مناهضة التحررية! وكلنا يذكر الشعار الذى رفعته النخبة المصرية في حروبها: "لا صوت يعلو على صوت المعركة"!

    قارئي الكريم، أظن أن التناقضات المُحيرة في تعاطي النخبة المصرية الحاكمة مع فكرة القومية العربية المنشودة ومع الوطنية القائمة، باتت مُبررة ومفهومة إلى حد يُعتد به! ولك أن تطبق النهج التحليلي نفسه على كافة النخب العربية المختلفة والمتعاقبة، منذ رحيل الأوروبيين، لتختبر بنفسك كفاءة نهجنا!

    بوقوع أحداث الحادى عشر من سبتمبر، لم تنج النخب العربية الحاكمة، باعتبارها حجر الزاوية فى هيكل الآخر العربي من ثورة الغضب الأمريكي، وشهد النهج الأمريكي تجاه النخب العربية تحولات راديكالية، على الأقل نظريا!

    غير أن مُمارسات سجن أبو غريب الوحشية، وخطاب أوباما الأخير فى القاهرة، أثبتا أن الولايات المتحدة، بوصفها زعيمة العالم الغربي، لم تكن جادة حين أعلنت على لسان رئيسها السابق جورج بوش، فى أعقاب هجمات 11 سبتمبر، أن اطاحتها بالنخبة الصدامية، إنما ترمى لمساعدة دول العالم العربي على التخلص من نسخ الآخر العربي، وكذا مساعدتها على استبدال استقلالها الحقيقي باستقلالها السلبي، عبر جعل العراق نموذجاُ لما ينبغي أن تكون عليه الدولة العربية فى المستقبل! إذ بات واضحاً أن الاطاحة بالنخبة الصدامية لم تأت إلا لاستعادة الهيبة الأمريكية، والبحث عن بديل عراقي أكثر انصياعاً وأقل تمرداً!

    قارئي الكريم، على غير عادتي، أختم هذه المقالة، وأظنها طالت كثيراً، بسؤالٍ مُهم، أود لو تُجيبني عليه: كيف يمكن ألا تشقى أمة العرب بالقومية؟

    الهوامش:
    ــــــــــ
    (1) المقصود بالفكر الأنسني هنا رؤيتي المقترحة له، وفيها لا تعني الأنسنية سوى أن يُحقق الإنسان، أي إنسان، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الجنسية..إلخ، أكبر قدر ممكن من التطابق بين أقواله وأفعاله، شريطة انطواء تلك الأقوال والأفعال على تثمين لقول الأنسنية بالإنسان كأعلى قيمة في الوجود، وهدفها الماثل في التمحيص النقدي للأشياء بما هي نتاج للعمل البشري وللطاقات البشرية، تحسباً لسوء القراءة وسوء التأويل البشريين للماضي الجمعي كما للحاضر الجمعي. وكذا شريطة وقوعها في إطار الخصائص العامة للأنسنية والتى تتمثل فيما يلي: 1ـ معيار التقويم هو الإنسان. 2ـ الإشادة بالعقل ورد التطور إلى ثورته الدائمة. 3ـ تثمين الطبيعة والتعاطي المتحضر معها. 4ـ القول بأن التقدم إنما يتم بالإنسان نفسه. 5ـ تأكيد النزعة الحسية الجمالية.
    (2) هانز كوهن، ترجمة عبد الرحمن صدقي، عصر القومية، (القاهرة: الإدارة العامة للثقافة بوزارة التعليم العالي، بالتعاون مع المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، سلسلة الألف كتاب، 1964)، ص 26ـ32.
    (3) نقلاً عن: مالكوم كير، ترجمة عبد الرءوف أحمد عمرو، عبد الناصر والحرب العربية الباردة 1958ـ1970، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة تاريخ المصريين، رقم 96، سنة 1997)، ص 16. وللمزيد راجع شهادة المعلق الكروي المصري الشهير محمد لطيف: محمد لطيف، الكورة حياتي، (الاسكندرية: دار المروة للتجارة والتغليف، بدون تاريخ)، ص 111ـ 120.
    (4) للاطلاع على تعريفات مختلفة لمفهوم الأمة، راجع: ييلينا مودرجينسكايا، ترجمة رفعت السعيد، مسألة الأمة، (القاهرة: مكتب يوليو للترجمة والنشر والتوزيع، 1966).
    (5) أبو خلدون ساطع الحصري، أبحاث مُختارة في القومية العربية ـ الجزء الأول، (بيروت: دار القدس للطباعة والنشر والتوزيع، 1974)، ص37ـ56.
    (6) بطرس بطرس غالي ومحمود خيري عيسى، المدخل إلى علم السياسة، (القاهرة: دار وهدان للطباعة والنشر، 1979)، ص 153.
    (7) استقى الكاتب معلوماته عن نشوء فكرة القومية في الحضارة الغربية من المرجع التالي: هانز كوهن، م. س. ذ، ص 14ـ45.
    (8) للمزيد راجع: جورج أنطونيوس، ترجمة ناصر الدين الأسد وإحسان عباس، يقظة العرب ـ تاريخ حركة العرب القومية، (بيروت: دار العلم للملايين، 1987). أبو خلدون ساطع الحصري، محاضرات في نشوء الفكرة القومية، (بيروت: دار العلم للملايين، 1956)، ص 173ـ 259.
    (9) سيد قطب, معالم في الطريق، (القاهرة: بدون ناشر, 1968), ص 52- 53.
    (10) المرجع السابق, ص 8.
    (11) المرجع السابق, ص 4.
    (12) المرجع السابق, ص 145-146.
    (13) المرجع السابق, ص ص 23-24.
    (14) أبو خلدون ساطع الحصرى، أبحاث مختارة في القومية العربية ـ الجزء الثاني، (بيروت: دار القدس للطباعة والنشر والتوزيع، 1974)، ص 223ـ 256.
    (15) جمال عبد الناصر ، فلسفة الثورة، (القاهرة: مطابع وزارة الإرشاد القومي، 1956)، ص 96ـ97.
    (16) المرجع السابق، ص 91-92.
    (17) المرجع السابق، ص 94-95.
    (18) جمال عبد الناصر، الميثاق، (القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر، 1962)، ص 12ـ13.
    (19) عبد الرحمن الكواكبى، أم القرى، (حلب: المطبعة العصرية ، 1959)، ص 38ـ 39.
    (20) المرجع السابق، ص 62ـ63.
    (21) المرجع السابق، ص 217ـ 218.
    (22) حول ظاهرة الإغتراب الثقافي للذات العربية راجع: حازم خيري، الاغتراب الثقافي للذات العربية، (القاهرة: دار العالم الثالث، 2006).
    (23) في تثمينها لقدر الإنسان في الزود بشرف عن حرية عقله وقلبه، تذهب رؤيتي المُقترحة للفكر الأنسني إلى القول بأن تطور التاريخ الإنساني إنما يُعد نتاجاً لصراع طويل ومرير بين إنسان (ذات) لا يملك سوى حرية عقله وقلبه التي وهبه الخالق إياها، ليستعين بها على ترويض الحياة، وبين (آخر) يُصر على الاستئثار بالحرية، ليتسنى له العبث بمقدرات رفاق الحياة! فـ (الآخر)، في رؤيتي المُقترحة للفكر الأنسني، عادة ما يعمد إلى آليات بعينها لتكريس تنازل أخيه (الذات) عن حقه في نقد وتطوير ثقافته، أي طريقة حياته الشاملة، ليظل هذا الأخ المسكين (الذات) تابعاً ذليلاً طيلة مقامه في ضيافة الحياة، يستهلك فقط ما يجود عليه به عقل (الآخر)، حتى أنه بمرور الزمن، يفقد هذا التابع الذليل تماماً قدرته على النقد والتطوير ويُصبح مسخاً عاجزاً، لا يملك سوى الانتظار!
    (24) راجع: صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب، صدام الحضارات ـ إعادة صنع النظام العالمي، (القاهرة: سطور، 1998)، ص 338 – 339.
    (25) راجع للكاتب: محنة شعوبنا إدراكها الساذج للآخر، مقالة منشورة على شبكة الانترنت. تهافت الآخر، كتاب مهم منشور أيضاً على شبكة الانترنت.
    (26) لمزيد من المعلومات عن تلك الفترة راجع: فواز جرجس، النظام الإقليمي العربي والقوى الكبرى، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997).
    (27) حول إخفاق تجربة الوحدة بين مصر وسوريا والعراق راجع: محاضر محادثات الوحدة بين مصر ـ سورية ـ العراق 1963، (بيروت: دار المسيرة للصحافة والطباعة والنشر، الجزأين الأول والثاني، 1978).
    (28) راجع: حسين مؤنس، ظلمات بعضها فوق بعض، (القاهرة؛ الإسكندرية: دار ومطابع المستقبل، 1986).
    عبدالرحمن السليمان
    الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    www.atinternational.org
  • حامد السحلي
    عضو أساسي
    • 17-11-2009
    • 544

    #2
    شكرا أستاذي الكريم

    كنت على وشك إدراج المقالة في أحد مواضيع الهوية ولكنني اكتشفت نشرك لها هنا فاكتفيت بنشر رابطها

    تعليق

    • د. م. عبد الحميد مظهر
      ملّاح
      • 11-10-2008
      • 2318

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحمن السليمان مشاهدة المشاركة
      [align=justify]
      أرسل إليَّ الصديق الدكتور حازم خيري هذه المقالة وقدم لها بالرسالة المثبتة أدناه، لذلك أنشرها هنا أيضا للاطلاع على ما جاء فيها من طرح.
      [/align]
      رسالة الدكتور حازم خيري:

      مُرفق بحث مُهم بعنوان أوهام بعضها فوق بعض، وهو يأتي في إطار جهودنا لتأسيس مدرسة أنسنية في الفكر العربي.
      البحث يُناقش دواعي القول بإخفاقنا في التعاطي مع فكرة القومية العربية وذلك في ضوء رؤيتنا المقترحة للفكر الأنسني.
      برجاء قراءة البحث ونشره إن أمكن. يقع البحث في (27) صفحة، لصعوبة إختصاره.
      دُمتم بخير. حازم خيري

      أخى و عزيزى الفاصل د. د. عبد الرحمن السليمان

      تحية طيبة

      كنت أود ان تدعو د. حازم للملتقى ليعرض مقالته و يحدد محاور للنقاش ، فالملتقى هو للحوار الفكري و الثقافى، وعادة فى مثل هذه الملتقيات لا تفضيل المقالات المنقولة إلا إذا استعملت و أشير إليها كمصدر للتوثيق.

      المقال طويل و كان من الأفضل تقسيمه ، فكما تعلم المقال الطويل لا يشجع على القراءة فى زمن الوجبات السريعة.

      و تحياتى
      التعديل الأخير تم بواسطة د. م. عبد الحميد مظهر; الساعة 08-12-2009, 16:57.

      تعليق

      • د. م. عبد الحميد مظهر
        ملّاح
        • 11-10-2008
        • 2318

        #4
        الهوية: محاولة أولية للتبسيط و لكنها غير مخلة

        [align=right]
        الكثير مما يدور و يتم تناقله فى الحياة الفكرية والثقافية يحتاج تأمل و تدبر و تفكر ومراجعة. و أحيانا يمكن للإنسان ان يراجع الكثير من الأفكار و المفاهيم عندمايضمها معا ويضعها فى تصور بسيط كخطوة أولى قبل إدخال بعض التعقيدات الفكرية والثقافية على التصور البسيط...فالتصورات أيضا تحتاج مراجعات. و لنطبق هذا على كلمة "الهوية".

        منذ فجر التاريخ و الناس تعيش على هذه الأرض و تؤمن بإله للكون.... الحياة على الأرض و الإيمان بإله صاحب الناس فى تنقلاتهم هجراتهم وحروبهم و تبادلهم التجارى و التزواج وغيرها من التفاعلات بين بنى الإنسان للإستقرار على هذه الأرض.

        هناك بلاد على سطح الأرض يعيش عليها سكان ، و هناك ارتباط بين الأرض ومن يعيش عليها. هذا الشعور بالإرتباط لسكان هذه الأرض... ارتباط من توطن على الأرض مع غيرهم من السكان و مع جيرانهم من البلاد المجاورة...هو شعور موجود ويمكن التأكد منه من عينات متعددة تمثل مختلف فئات الناس فى بلد من البلدان. يمكننا التأكد من وجود هذا الشعور الجمعى الذى يخص كل منطقة جغرافية و سكانها من الأساطير و الأمثال الشعبية والأدب و الفلكلور و مما يكتبه أهل البلد. و أيضا من السؤال المباشر لعينات من السكان ، ومن سلوك السكان فى وقت الأزمات والحروب و التطوع فى الجيوش وغيرها. ومن هنا يبدو للناظر ان هناك وحدة ما تربط السكان بأرضهم و لهذ الوحدة صفات وملامح تميز هذا البلد عن غيره. يعنى هناك اتفاق على الارتباط بالأرض و بين السكان و البلاد المجاورة.

        غالبية السكان تكتفى بماها برب للكون وبهذا الشعور بال‘نتماء للأرض و العلاقات مع الجيران ، ولا تبحث كثيراً حوله ولا تتكلم عنه و لا تُنّظر له و لا تدخل فى جدال حول التعاريف و المصطلحات التى تحاول تحديد صفات و خواص و ملامح الارتباط الذى يجمع الأرض و السكان مع تغيرات الزمن ، فقد تركت هذا لأصحاب الفكر و السياسة.

        و بمرور الوقت و تغير الظروف من حروب وهجرات و تبادل تجارى و تزاوج و أختلاط أعراق وأجناس ظهرت و نمت عدة كلمات ابتكرها اصحاب الفكر و الساسية (بمعزل عن الغالبية الصامتة و غير المؤثرة لإنشغالها بأمور معيشتها اليومية ) فتم تداول كلمات مثل::

        قبلية عشائرية قومية وطنية جنسية قطرية.........

        ثقافة ، حضارة ، مدنية
        ديمقراطية ارستقراطية ثيوقراطية كاليجورية ديكتاتورية بيروقراطية
        اقطاع برجوازية رأسمالية اشتراكية شيوعية........
        أيديولوجيا ليبرالية برجماتية .........
        أصولية اسلاموية اسلامية ارهابية........
        عولمة حداثة عالمانية ما بعد حداثة عولمة....
        ............إلخ
        و أنشغل اصحاب الفكر بهذه المصطلحات و اختلفوا فى التأصيل و مضمون المفاهيم ووضع التعاريف ، وكتبوا الكتب والمقالات ، و سجلت الأشرطة للخطب و لمحاضرات ، وتتابع النقل و التكرار من المثقفين و أصحاب الشهادات و القراء أصحاب الإهتمام بهذه الموضوعات. أما الأغلبية فهى صامته ، مؤمنه و مشغولة بتسيير حياتها ولكنها...نائمة..لاهية..مشغولة عن أمور السياسة و وضع القوانين والتتشريعات التى تسير بمقتضاها ، وغير مبالية بالفكر و التأصيل وهى أيضا غير مؤثرة فى الغالب الأعم

        و كما انشغل أصحاب الفكر بالمصطلحات و الألفظ و المفاهيم السابقة ، إنشغلوا بكلمة...لفظ مصطلح...مفهوم..." الهوية"

        حاول كل مفكر ان يعبر عن هذا الشعور الجمعى عند غالبية الناس بالأرتباط بالأرض و السكان و الجيران ، و يميز هذا الوعى بالشعور و اختلافه من منطقة جغرافية إلى أخرى و يعلله بوجود شىء ما يميز شعب عن أخر ، و استعملت كلمة " هوية" للتمييز فكل شسعب يعيش فى أرض ما ، له "هوية" تميزه عن الشعوب التى تسكن أرض أخرى.

        و أختلف اصحاب الفكر حول معنى " الهوية" و ارتباطه ببعض المصطلحات التى ذكرت أعلاه. و انشغل الساسة و أصحاب المصالح الخاصة و ربما أصحاب بعض المدارس الفكرية.. انشغلوا بالتعبئة....تعبئة المتعلمين و اصحاب الاهتمام بالقراءة و الأغلبية الصامته للإنتصار لها و التجمع حولها ضد أصحاب المصالح الآخرى (مصالح سياسية أو قبلية أو قطرية أو أو فكرية أو غيرها)

        و بالرغم من الاختلاف وتعدد وجهات النظر عند أصحاب الفكر و الثقافة حول الأفكار و المصطلحات والتعاريف والمفاهيم ، إلا ان إيمان الأغلبية بوجود إله و شعور الناس بالإنتماء للأرض ليس حوله إختلاف ، ولذلك يمكن للساسة و أصحاب المصالح الخاصة أو أصحاب الأفكار حول "الهوية" وغيرها.. الاستفادة من التوحد خلف أيمان الناس بالله و الشعور بالإنتماء للأرض للتعبئة مع أو ضد الأخر ( وكمثال: راجعى ما حدث قبل و بعد مبارة مصر و الجزائر)

        و ستظل إختلافات أصحاب الفكر قائمة ، و ستظل الشعوب تؤمن بإله و تشعر بخصوصيها و لكنها ستظل دائما تحت تأثير من يستفيد من شعورها الجمعى و إيمانها بالله لتعبئتها لمصلحة من المصالح. فارتباط الناس بأرضهم ووطنهم من أكبر المشاعر التى يمكن استغلالها لتعبئة السكان.

        و تحيتى
        [/align]
        التعديل الأخير تم بواسطة د. م. عبد الحميد مظهر; الساعة 08-12-2009, 17:05.

        تعليق

        • د. م. عبد الحميد مظهر
          ملّاح
          • 11-10-2008
          • 2318

          #5
          [align=center]مدخل علمى لكلمة الهوية[/align]

          فى العلم يجب أولاً تحديد المشكلة المطلوب بحثها بشكل غير مرسل ، و لتوضيح هذا تطبيقاً على كلمة "الهوية" سوف أستعمل لغة الرياضيات فى تحديد المشكلة قبل البحث عن حلول لها. ولنبدأ من الواقع..

          الواقع: هناك شعور عند البعض بأن هناك شىء ما يميزهم...( خواص ، صفات...ملامح...سمات..إلخ) أطلقوا عليه كلمة "هوية"

          و نتيجة لعدم الوضوح العلمى لهذا الشعور حدث إختلاف ، ولتوضيح ذلك دعنا نفترض الآتى..

          1) هناك شىء اسمه " هوية" يمكن التعبير عنه بمتجه Vector أو متعدد الأبعاد Tensor من المفاهيم الأولية المتفق عليها بين المفكرين( غير محددة بعد) ، و لنرمز لهذا المتجه أو متعدد الأبعاد بالرمز "س"

          ومن الأشياء المتفق عليها ان "س" مرتبط بالأرض أو الموقع الجغرافى ، لذلك فالموقع الجغرافى من الثوابت لتعريف "س" ( الموقع الجغرافى فى لمصر مثلا و هى ما كتب عنها د. جمال حمدان " شخصية مصر" و هى معروفة الحدود شمالاً و جنوبا و شرقا و غرباً)

          المسألة: نحن نبحث عن الشىء الذى لا يتغير Invariant أو يتغير ببطىء ، ل "س" لسكان بقعة جغرافية محددة بإختلاف المفكرين و تتابع العصور و تعدد التأثيرات من حروب و غزوات و تجارة و هجرات و أختلاط أعراق و غيرها مما يحدث على الأرض فى الواقع العملى

          و الأسئلة الآتية تدور حول هذا ال.."س":

          1) هل هذا الشىء موجود فعلاً؟ بلغة الرياضيات( Exists ( existence

          2) فى حالة وجوده هل هو و حيد ؟ بلغة الرياضيات Unique

          3) هل هو لا يتغير ؟ بلغة الرياضيات Invariant

          4) أم هل هو يتغير ببطىء؟

          5) كيف ..؟

          فى الحقيقة فى زمننا الحالى نحتاج إلى ...."ثقافة ثالثة" تساعدنا على ما حل ما تسببت به الثقافة الأولى من إنتشار مفاهيم "مطاطة" بل "هلامية"
          التعديل الأخير تم بواسطة د. م. عبد الحميد مظهر; الساعة 08-12-2009, 17:20.

          تعليق

          • عبدالرحمن السليمان
            مستشار أدبي
            • 23-05-2007
            • 5434

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة د. م. عبد الحميد مظهر مشاهدة المشاركة
            أخى و عزيزى الفاصل د. د. عبد الرحمن السليمان

            تحية طيبة

            كنت أود ان تدعو د. حازم للملتقى ليعرض مقالته و يحدد محاور للنقاش ، فالملتقى هو للحوار الفكري و الثقافى، وعادة فى مثل هذه الملتقيات لا تفضيل المقالات المنقولة إلا إذا استعملت و أشير إليها كمصدر للتوثيق.

            المقال طويل و كان من الأفضل تقسيمه ، فكما تعلم المقال الطويل لا يشجع على القراءة فى زمن الوجبات السريعة.

            و تحياتى
            [align=justify]أخي الفاضل د. عبدالحميد،

            أجمل تحية،

            أرسل الدكتور حازم هذه المقالة إليَّ لنشرها في موقع الجمعية، وقد فعلت. ولما قرأتها شعرت بقيمتها ورأيت أنها تتقاطع مع طرح الأستاذ فائز البرازي وردود الدكتور حكيم عباس عليه، فنشرتها ههنا ودعوت الدكتور حازم خيري إلى الملتقى وعسى أن يشرفنا بوجوده قريبا إن شاء الله علما أنه كثير المشاغل. وقد أرسلت للدكتور حازم خيري هذا الرابط عله يطلع عليه قريبا.

            إذن لم يكن نشري لهذه المقالة هنا مجرد نقل عادي بل لأسباب عديدة.

            وتحية طيبة عطرة.
            [/align]
            عبدالرحمن السليمان
            الجمعية الدولية لمترجمي العربية
            www.atinternational.org

            تعليق

            • د. م. عبد الحميد مظهر
              ملّاح
              • 11-10-2008
              • 2318

              #7
              [align=right]
              أخى الكريم والأستاذ الفاضل د. د. عبد الرحمن

              تحية طيبة وكمان سلام

              كتب د. حازم عن القومية وذكر أوهام مرتبطة بكلمة القومية و صنفها إلى عدة تيارات

              00- التيار اللاقومى ـ الإسلامي
              00- التيار اللاقومى– الوطني
              00- التيار القومي ـ اللاديني
              00- التيار القومي ـ الإسلامي

              و قال شيئأ ما عن فكر أسماه.... الفكر الأنسني....و لا أعرف علاقة هذا الفكر بالفكر الأوربى الذى يطلق عليه Humanism

              و لكن لو انتشر هذا الفكر..الفكر الأنساني...كما انتشرت التيارات التى أشار إليها فى العالم العربى، و تعددت طرق فهمه وتحليله والكتابة حوله و توظيفه ، آلا يمكن إذن أن تزداد الأوهام و تصبح عندنا تيارات مثل....

              0- التيار الأنسني ـ الإسلامي
              0- التيار الأنسني – الوطني
              0- التيار الأنسني – القومى
              0- التيار الأنسني ـ اللاديني
              0-التيار الأنسني ـ العلمى

              و السؤال إلى أصحاب الفكر هو::....

              لماذا لا ننسى كل هذا الكلام ،ونراجع إيماننا بالله وفهمنا للإسلام كدين يربط الإيمان بالعمل والدنيا بالآخرة و الأرض بالسماء ، و نُحسن طرق التواصل بين المفكرين ، و نعمل على إعادة اللغة العربية إلى وضعها اللائق بها ، ولا ينعزل أصحاب الفكر عن التأثير على الحياة ، ومن ثم نتعامل مباشرة بالعلم مع واقعنا بعقول جديدة ، و نتعاون كفريق يكمل بعضنا البعض لحل مشاكلنا.

              بلا نقل أفكار و نظريات و فلسفات مترجمة من هنا وهناك، ولا تجميع وتلخيص كتب و تحليل آراء و إعادة تصنيف و صياغات لا فائدة من ورائها.


              و هلا وغلا
              [/align]
              التعديل الأخير تم بواسطة د. م. عبد الحميد مظهر; الساعة 08-12-2009, 23:56.

              تعليق

              • حكيم عباس
                أديب وكاتب
                • 23-07-2009
                • 1040

                #8
                [align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=right]
                تحية للجميع

                أودّ الإشارة إلى أنّني اطلعت على المقالة كاملة و على مقالات أخرى حول نفس الموضوع للدكتور حازم خيري ، أنا معكم هنا أتابع و أعرب عن رغبتي في المشاركة بمداخلة حول الموضوع ، لكنّني بدأت مداخلة أخرى حول موضوع "رأي في الهوية " للأستاذ الفاضل فائز البرازي في مكان آخر ، حال انتهائي من مداخلتي هناك سأبدأ هنا فورا و دون تأخير.

                تحيّاتي و تقديري مع الشكر الجزيل للدكتور عبدالحميد على همّته و نشاطه و تنظيمه للحوار و متابعته.

                حكيم
                [/align][/cell][/table1][/align]
                التعديل الأخير تم بواسطة حكيم عباس; الساعة 09-12-2009, 17:40.

                تعليق

                • حامد السحلي
                  عضو أساسي
                  • 17-11-2009
                  • 544

                  #9
                  السلام عليكم

                  من الأمور التي فاتت الدكتور حازم خيري في تصنيفه ما أستطيع أن أسميه وفق أسلوبه التيار اللاقومي الوطني الإسلامي
                  ولم يكن اعتبار الدكتور حازم هذا التيار جزءا من التيار الإسلامي تجاهلا حسب تصوري ولكن بسبب كونه مصري أولا وبسبب أن هذا التيار لا يلغي فكرة القومية الإسلامية ولكنه يحيدها تماما في واقعه وتصوراته المستقبلية ولم يبق في العالم الإسلامي اليوم تيارات إسلامية شمولية أو تظن نفسها شمولية باستثناء تنظيم الإخوان في مصر الذي يعتبر نفسه مركز التنظيمات الأخرى والسلفية الجهادية وربما التحرير، بخلاف ذلك جميع التيارات نحت منذ سبعينات القرن العشرين منحى وطنيا بحتا ولم تعد الإسلامية الشمولية تؤثر في أي قرار أو حتى توجه مستقبلي.. ففي حين كان إخوان سورية يعادون الحكومة البعثية كانوا يتلقون دعما من النظام العراقي البعثي أيضا نفس الأمر معكوسا اليوم فالحكومة السورية تحتضن حماس ولكنها تعادي الإخوان السوري الذي لم يعد له وجود حقيقي تقريبا
                  ومن هنا أرى أن المقالة تفتقد إلى تصنيف حقيقي للواقع العملي للتيارات القائمة اليوم وتكتفي بتصنيف المبادئ الفكرية النظرية التي تقع في إطار الآمال أكثر منها الواقع رغم كونها ما تزال تلهب الجماهير أحيانا لكنها فقدت تماما القدرة على إحداث أي توجه بعيد المدى
                  أنا قرأت عدة مقالات في الفكر الأنسني الذي يطرحه الدكتور حازم خيري ولا أستطيع القول إني أفهمه تماما وأراه أحيانا ينحو منحى التيار المماثل الغربي المستقل تماما عن أي عقيدة والذي يطرح عقيدة إنسانية شبيهة بالعلمانية أو مرحلة متقدمة منها وتارة أراه يقترب من اللاعنفيين "الإسلاميين" أمثال جودت سعيد وخالص جلبي ولكنه يبقى بعيدا تماما عن محاولة التأصيل لطرحه إسلاميا كما يفعل هؤلاء بل يكتفي بطرحه بقالب المفاهيم الإنسانية الإسلامية وهناك تيار مماثل ما زال يحبو في الخليج يسمونه الليبروإسلامي
                  جميع هذه التيارات تستند إلى طرح يخلط بين المفاهيم البسيطة للإسلام والطروحات الإنسانية والتحررية الغربية التي باتت شائعة ومعروفة للجميع دون محاولة الخوض في تأصيل لأسسها من خلال الإسلام ولذا يتفقون على وصف التاريخ الإسلامي بأنه ظلمات بعضها فوق بعض على الصعيد التحرري أو بالنسبة لقيمتهم العليا أي الإنسان ولا يمكننا القول إن هذا افتراء عار تماما عن الصحة ولكنه بالمقابل تسطيح شديد للأمور وقراءة للتاريخ بمنظور ومفاهيم عصرنا الحالي
                  وللحديث بقية..

                  تعليق

                  • حامد السحلي
                    عضو أساسي
                    • 17-11-2009
                    • 544

                    #10
                    في الحقيقة أنا بت أرى أن هذا البحث أقصد حول الهوية والانتماء من الأمور التي لا يمكن الوصول بها لتأصيل مقنع فهي مرتبطة بمصالح ووضع قائم وعواطف الجموع
                    في تصوري أن نهضة إسلامية لا يمكنها تحطيم القوميات فهي ليست شرا بكل عناصرها رغم أنها تحمل عناصر مرفوضة كما أنها مطية محتملة للجاهلية وأنا أرى أننا نقف منها تماما كموقف الرسول "ص" من مسألة الحجر
                    ولكنني أرى شيئا من الأمل يلوح في الأفق وستطوي العصبيات الطائفية والإقليمية مفهوم القومية قبل أن يضطر تيار إسلامي حقيقي أن يتعامل معه مباشرة

                    تعليق

                    • حكيم عباس
                      أديب وكاتب
                      • 23-07-2009
                      • 1040

                      #11
                      [align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=right]
                      الدكتور الفاضل عبدالرحمن السليمان
                      الأفاضل المحترمين
                      تحية طيّبة

                      أتقدّم أولا بالشكر الجزيل للدكتور السليمان على نشر مقالة الدكتور حازم خيري هنا على صفحات ملتقى الحوار الفكري و ما سيكون لهذه المقالة من أهمية و تداعيات لطرق جانب مهم من الفلسفة المعاصرة خاصة على الساحة الفكرية و الثقافية العربية و التي لم تُبحث من قبل بزخم و مباشرة ، أملا أن يتبع ذلك تشريفنا بحضور الكاتب نفسه على هذا الصفحات .
                      و أتقدّم ثانيا بالشكر الجزيل للدكتور السليمان الذي سبقني و أكرمني بمبادرة تفوّق بها عليّ بنبله و منعني حتى من شكره ، فعبثا حاولت ايجاد وسيلة فعجزت ، فلم أرَ بدّا من استغلال فرصة مداخلتي على موضوعه هنا لأعبّر له عن عظيم امتناني و بالغ سروري به صديقا و أخا عزيزا.


                      في بداية مداخلتي حول مقالة الدكتور حازم خيري ، و من باب الأمانة الفكرية و الإنصاف ، أودّ التنويه إلى أنّني شخصيّا لا أعتقد أن هذه المقالة تمثّل فكر ومنهجية كاتبها بشكل حق و صحيح ، للكاتب عشرات المقالات و مجموعة من المؤلّفات اطّلعت على الكثير منها و أستطيع القول فعلا ، هذه المقالة تظلم الكاتب و لا تعكس منهجيّته و لعلّها كُتبت على عجل أو لم تنقح ، لذلك لن أقوم بالتّطرق لصلب الفكر الذي يشغل المساحة الأساسية في فلسفة الكاتب و هي "الأنسنية" و "الآخرية" و عليه سأمتنع عن التحليل الموسّع لما جاء في هذه المقالة تحديدا.
                      فقط سأكتفي بسرد بعض الملاحظات على الأفكار الرئيسية لعلّ و عسى ، و بمساعدة الدكتور السليمان يشرفنا الدكتور حازم أو يخصّنا بمواد أخرى أكثر دقة و أكثر تمثيلا لفكره و منهجه.


                      عند قراءة المقالة ، في النّهاية تظلّ في ذهنك فكرة واحدة عالقة و سائدة على غيرها من الأفكار و العناصر و هي أن المقالة تهدف و بشكل مباشر إلى إظهار و إثبات عجز جميع التيارات و الحركات السياسية و الفكرية و الدينية في الشرق العربي ، بل في الشرق العربي و المسلم تارخيا ، حاضرا و ماضي، بما في ذلك الدولة الإسلامية الأولى ، لا أقول أن هذا الهدف غير مشروع بل ما أقصده ، يجب أن يتأتّى من خلال منهجيّة رفيعة في التّحليل و التسلسل الفكري المجرّد و الحر و صولا إلى النّتائج ، عندها نصوغ هذه النّتائج أفكارا و استنتاجات قد تتطابق أو لا تتطابق مع ما افترضناه ، عندها فقط نحكم بصحّة أو عدم صحّة الافتراض ، حتى لو كان افتراضنا الذهني الشخصي نحن و ليس أحد سوانا. لا يمكن وضع الهدف مسبقا ، نصب عين الباحث ، ثم تفصيل الأحداث و التاريخ و تفسيره فقط فيما يتوافق مع الفكرة المعدّة مسبقا !
                      ليس أكثر خطورة في الفلسفة أو عند المشتغلين بالفكر من أن يُفصّل و يهندس نتائج مسبقة ، يحدّدها ثم يقوم بنبش التاريخ ليتثب ما هندسه ... هذا المقال من هذا النوع ، لكنّني أعرف الكاتب الدكتور حازم خيري ليس أبدا من هذا النوع ، و ذلك من خلال إطلاعي على كمّ كبير من انتاجه الفكري .. و هنا بيت القصيد في مداخلتي.

                      لنرى بعض الملاحظات دون أن نغوص في تحليلها و الرّد المفصّل عليها:
                      1. ضبابية تاريخ نشوء القومية و مفهومها - معالجة سريعة ، رُبطت ارتجالا بالثورة الفرنسية ، و نحن نعلم عظيم تأثير الثورة الأمريكية و الفرنسية على تبلور الفكر القومي كحركة سياسية ، لكن الشعور القومي ظهر في الحركة الرومانسية الألمانية و هناك فرق كبير ، هذا يحمل تفصيلا مهمّا لفهم هذه الظاهرة .

                      2. و رود تعريف بسيط للدولة ، سطحي ، لا يأخذ به و لا يقبله من يتبع منهجية فلسفية في تناول القضايا الفكرية.

                      3. الوطنية و القومية : معالجة سطحية بل خطرة و ملتبسة ، إن أوّل من نظر في هذا المفهوم جوزيبي ماتسيني ، متحدّثا عن القومية الايطالية ، عنده الوطنية تكاد يكون الشعور بالإنتماء للأرض التي تحتضن القومية . لا يوجد بشكل عام تناقض بين ما هو قومي و ما هو وطني ، متى يظهر التّناقض؟؟ عندما تُمزّق القومية في أقاليم و أقطار مختلفة فتظهر قوى من مصلحتها الإبقاء على هذا التّمزق ، بدلا من أن تطلق على نفسها مسمى حقيقي يعكس حقيقتها و هو الإقليمية أو القطريّة ، تأخذ هذ التسمية "الوطنية" بمعنى الأنتماء لجزء من الوطن لا للوطن كلّه ، عندها يظهر التّناقض . الكاتب أظهر التناقض هنا و كأنّه أحد عيوب التيار القومي بهدف اسقاطه من القائمة المعدّة مسبقا في المقالة و التي تشمل مختلف الحركات الفكرية و السياسية كما سنرى.


                      4. الصورة الغريبة التي قدّمت عن وسط و جنوب أوروربا ، تكاد تكون مغالطة تاريخية واضحة ، فالفاشية كحركة قومية مركّزة ، لم تحل محل الديمقراطية كما يقول الكاتب من باب الطعن في النزعة القومية و قصورها ، لم تعرف هذه الدول في جنوب و وسط أوروبا قبل الفاشية سوى الاقطاع و الأسر الحاكمة و النبلاء المستبدين ، شعوب هذه الدّول أكثر المتأثرين بالثورة الفرنسية و مبادئها التّحررية ، بالذات التحررّ من الامبراطوريات المجاورة التي انهكتهم على مدار قرون ، سواء الإمراطورية النمساوية أو العثمانية، لذلك كانت ردّة الفعل عنيفة ، أخذت طابع النقاء العرقي البيولوجي ، هذه تفاصيل مهمّة لا يغفلها مفكر يحلّل كي يصل بشكل مجرّد لنتائج حرّة لا موجّهة.

                      5. الربط العجيب بين تفكك الدولة العثمانية و القوميّة العربية و حالة الحراك في الولايات العربية الخاضعة لها . قد يصحّ القول أن تبلور الحركات القومية في أوروبا جلب للدولة العثمانية المتاعب في جانبها الأوروبي (وسط و جنوب أوروبا) ، لكن حين قامت ثورة محمد علي في مصر كانت تركيا تغرق في فسادها الإداري و متاعبها و بدأت تظهر في العالم ضعيفة و واهنة ، محمد علي عمّق هذا الوضع و لم يحدثه ، من جانب آخر ، لا علاقة لمحمد علي في مصر بالقومية العربية فهو ليس عربيا أصلا ، و لا علاقة له بالعقلية الإقليمية الحديثة (بمعنى الوطنية المصرية) ، بالضّبط كما لم يكن علاقة للمماليك البرجية بالنزعة الإقليمية المصرية حين قاتلوا الدولة العثماتنية و لم يتمكن العثمانيون من تجاوز مدينة حلب في شمال سوريا حتى عام 1517 ، علما بأن القسطنطينية ، أي عاصمتهم فتحت قبل ذلك بمائة عام ، لماذا ؟ فهل هذا بتأثير القومية العربية ؟ أم بتأثير الإقليمية المصرية المقيتة ؟ لا هذا و لا ذاك ، فحلب و ما بعدها جنوبا حتى سيناء ليست أراضي مصرية ، و المماليك ليسوا مصريين و لا عربا. هذه ظاهرة يجب دراستها و إعطائها حقّها لا أن نقفز عنها فقط لأنها كانت تقود العالم الإسلامي ، مقر الخلافة العباسية الفخري و المعنوي ، لأن ذلك لا يوافق أفكارنا !!!

                      6. ما تأثير الحركة الوهابية على الدولة العثمانية؟؟ دمّرها ابراهيم باشا خلال فترة وجيزة

                      7. ضبابية و عدم وضوح في تحديد تاريخ و أسباب نشوء الفكر القومي العربي .

                      8. طفولية معالجة ما سميّ بـ "التيار الإسلامي اللاقومي" و ربطه بالسيد قطب و كأنه اختراعه ، دون التعريج على حقيقة تاريخية أن المسلمين و من ضمنهم العرب لم يفكروا بالنّزعة القومية ، فالقومية لم تكن موجودة أصلا عند العرب بالتّحديد . ظاهرة الشعوبية في التاريخ العربي لم تكن عند المسلمين العرب على أقل تقدير .

                      تسميّة "اللاقومي" فيها كثير من المغالطة و ضياع الدّقة و المنهجيّة التي يتحلى بها المفكر عادة. اللاقومي يعني ضدّ القومي و ربّما يعاديه ، بينما الحال عند التيار الإسلامي ليس كذلك ، هو عربي لكنّه يسعى لأن يقيم مجتمعه أو كيانه السياسي الإجتماعي ليس على العروبة و العرب ، بل على كل مسلم بغض النّظر عن انتماءه العرقي، أي إعادة استنساخ الدولة الإسلامية القديمة ، و هذا يختلف عن ما توحيه تسمية :اللاقومي" . هذا التّوجّه أقدم و أكبر و أعرق من سيّد قطب ، هنا كان لا بدّ من النزاهة و الإنصاف حتى لو كان يخالف قناعاتنا ، و رؤية الأمور في نصابها الحقيقي لا كما يحلو لنا كي نصل لما رسمناه و هندسناه من أفكار ..

                      9. إعطاء التيار الوطني ( وضحت أنّه "إقليمي" ، أو "قطري" في حالة القومية العربية و ليس بإمكانه أن يكون "وطني" و لا يجب أن تنطلي على أي مفكر دقيق المصطلحات ، هذه التسمية المزوّرة ، لأنّها مخالفة للحقيقة التاريخية و مخالفة لواقع الحال على الأرض ، حتى لو كان هذا ضدّ قناعاتنا) اللاقومي حجما أكبر من حجمه و يقصد به الأنظمة الحاكمة ، لا يذكر حقيقة ساطعة و هي أن هذه الأنظمة وصلت الحكم و حافظت عليه و استبدت به و ازدهرت على أساس تسويق للقضايا العربية ، تسعى لحلم حلّ القضايا العربية الكبرى و تحقيق حلم الوحدة ، أي أنها اقتاتت و تقتات على العاطفة القومية عند الجماهير ، رغم أن أفعالها و توجهاتها و انتماءاتها عكس ذلك تماما. هذا ما يعترف به الكاتب نفسه بشكل غير مباشر هنا في هذا الاقتباس :" فلا يكاد ـ وياللاستفزاز ـ إجتماع عربي يتم، إلا وتصحبه طنطنة آلية بـ"العروبة"، وترديد للكليشيهات المُتعارف عليها ....."
                      نعم هم لا يردّدون كليشيهات كما يحاول الكاتب أن يصوّر لنا ، و فاته كمفكّر أنّهم يقتاتون على هذه الشعارات ، فهو تيّار طفيلي مزوّر يتلاعب بعواطف الجماهير و يتطفّل على شعورها القومي و الدّيني ، و يدمّر كليهما بشكل مبرمج و منهجي سرّا و أحيانا قليلة علنا.

                      10. التيار القومي اللاديني ، مرّة أخرى يقع المقال في إطلاق التسميات الإرتجالية بهدف تسليط الضوء على الجانب الذي يعتقده سلبيا أو محرجا . نقول هنا ما قلناه في البند الثامن حول التيّار "الإسلامي اللاقومي". فالاديني مثل اللاقومي .. معالجات صحفية سطحية ليس لها من منهجيّة المفكّر نصيبا.
                      في هذا المجال يمكن الاعتراض على معالجة المقال للتيار القومي على أنّه كلّ متجانس ، وهذا منافي للواقع ، فكيف عالج الكاتب الناصرية من نفس منظور معالجته للبعث دون أن يسميه و شملهما مع غيرهما من التّيارات تحت إطار واحد "قومي لاديني"؟!

                      11. التّحدّث عن تيار قومي إسلامي و نحن لا نرى وجودا لمثل هذا في التاريخ المعاصر بعد عبدالرحمن الكواكبي.

                      12. غرابة هذه الجملة من كاتب يدعو للأنسنية و التي يمكن أن يُقال عنها نفس الشيء و أقتبس : "القومية فكرة غربية وافدة ، لا جدال في ذلك، تُشاركنا شعوب العالم المُختلفة في الأخذ بها، بيد أننا كعرب نظل الأمة الأكثرطنطنة بها، وعجزاً عن التعايش معها، ناهيك عن تثمينها!"
                      فإذا كان عيب القومية كونها غربية وافدة فيجب تبرير وضع "الأنسنية" التي ينادي بها الكاتب أصلا من هذا الجانب أيضا.

                      13. أيعقل صدور هذا القول من مفكّر أنسني ، له منهجيّة شديدة الالتزام بمنهجيّة البحث و موضوعية التفكير ، و أقتبس : "فأنصار التيار اللاقومي ـ الاسلامي، برفضهم القاطع للقومية العربية وقولهم بعقيديةالقومية، ينأون بأنفسهم عن الواقع المُعاش، ويُثيرون مخاوف الأقليات الدينية، علاوةعلى اتخاذهم من تاريخنا المُظلم مرجعية، يسعون لمُحاكاتها!"
                      هل كلّ تاريخنا حقّا مظلم؟؟ ألا نحتاج لموضوعية هنا و بعض التّجرد و النزاهة و إعطاء الأمور الفكرية جلالتها البعيدة عن أعمال الترويج و البروباغندا و خدمة الأفكار المعدّة مسبقا و التي تمّت هندستها؟؟

                      14. في نفس سياق النقطة السابقة تأتي هذه الملاحظة و أقتبس : " حقاً كانت الدولة الاسلامية قوية وفاتحة ومنتصرة، لكن الإنسان المُسلم كان دوماً فاقداً لحرية العقل والقلب"
                      هل هذا كان فعلا واقع الإنسان المسلم عبر التاريخ؟؟ لا اعتراض عندي لو كان هذا هو الواقع ، لا أدافع عن أي مُثل ثابتة يمنع الإقتراب منها ، بل عن النزاهة الفكرية و حريّة المفكر الكامن سرّها بمنهجيّته و موضوعيّته.

                      15. ننظر لهذا الاقتباس : "... ذلك واضحاً في تمجيدهم لأحد أبرز رموزهم، وهو عبد الناصر، رغم سطوه المؤلم على القومية، وإساءة توظيفه لها داخلياً وخارجياً! على نحو كانت بلادي المغبونة الأكثر تضرراً منه! أوهمنا أن القومية والتحررية لا يجتمعان!

                      هل نخوض تحليلا فكريّا مع مفكّر ينادي بالتأسيس لفكر إنساني يقول عنه أنّه الأعظم و الأنسب لحلّ مشاكل عالمنا العربي ، أم أنّا أمام مقال سياسي حزبي دعائي في جريدة يومية صفراء.
                      هنا أربع قضايا كبرى حلّها الكاتب ارتجاا بجملة تحريضية عاطفية لا تليق بمفكر :
                      * اعتبر الحركات القوية العربية كلّها كلّ واحد متجانس و عبد الناصر أحد هذه العناصر المتجانسة ، هذه مغالطة تاريخية و فكرية لا يقع بها حتى من أتقنوا البروباغندا السياسية.
                      * التيار القومي هو تيّار لا ديني ، نوهت لذلك سابقا ، هذا يخرج عن دائرة العفوية و السهو و يدخل الإجحاف الفكري.
                      * مصر أشدّ من غُبنَ و ظُلم من عبدالنّاصر!! هذا كلام لا يمكنني توقعه كنتيجة لباحث و مفكر غير حزبي و غير منحاز و لديه القليل من الموضوعية.. نستطيع كلّنا قول ما نشاء ، لكنّ المفكّر و الفيلسوف و المثقف الحقيقي لا يحق له ، بل لا يستطيع ، غير قادر. عليه أن يحلّل و يصل لنتائج عقلية فكرية و موضوعية على ضوئها يصدر أحكامه ، على الأقل ... على الأقل عبدالناصر لم يغبن الفلاح المصري (وهم غالبية الشعب المصري) أكثر مما كان عليه من غبن و ظلم.
                      * القومية و التّحرّرية لا يجتمعان و هكذا بشطحة هجوم على القومية من أجل الوصول لفكرة معدّة مسبقا أسقط المقال دورالقومية الريادي الإنساني القوي القيادي في إسقاط الإقطاعية و الاستبداد ، هذا أقل ما يمكن أن يقال إزاء هذه الجملة المرعبة .

                      16. سطحية تحليل سياسة الغرب تجاه الشرق قديما و حديثا ، تأمل هذا الاقتباس : "ثأراً قديماً ظلت نيرانه تتأجج فى قلب الآخر الغربي/العالمي،-------- المخاوف المستعرة فى صدر الآخر الغربي/العالمي فمصدرها الخشية من نهوض دولة فتية فىربوعنا العربية، تُعيد إخراج بلاده من التاريخ"
                      فقط أريد أن أنبّه لجملة "تُعيد إخراج بلاده (أي الغرب) من التاريخ ". فعل "تُعيد" المستخدم في أول الجملة يوحي بأن مثل هذا حدث مرة ، و ها هو الخوف يسيطر على الغرب كي لا يُعاد. السؤال : متى حصل هذا أول مرة؟ أليس في عهد الدولة الإسلامية الاولى ؟
                      بلا ، هو كذلك ، لكن الكاتب يقول عن هذا الدولة و عن مواطنيها ما أوردته في النقطة 13 و 14 ، و فحواهما أن تاريخنا كان مظلما و المواطن فاقد لحريّة العقل و القلب ، فكيف يستوي هذا مع ذاك؟؟!!

                      17. الخطورة في عرض سياسة الغرب تجاه الشرق تأخذ منحنى صعب على التّصديق ، فهذه السياسة كانت لا إسانية !!!!! كما يقول الكاتب ،كلّ جرائم الاستعمار و ملايين الملايين من الشهداء و الفقر و الجوع و الأوبئة و التأخر و الجهل و ما نحن فيه بسبب تلك السياسة الغاشمة ، نقول عنها في النّهاية أنها كانت سياسة لا إنسانية؟؟!!! أمر جدير بالوقوف طويلا.

                      18. الآخر الغربي وضع الآخر العربي في سدّة الحكم كي يمنع العربي من الاستفاقة؟؟؟!!!! وهكذا نلغي التاريخ المحلي نهائيا و ثوراته و حركته الجماهيرية و حروبه و ضحاياه و شهداءه ، فتصبح كلّها ديكور للمسرحية!! هنا ما هو أكبر من مبالغات نظرية التآمر ، هنا تسفيه لكل تاريخ الشرق العربي الحديث و المعاصر.

                      19. لنتأمّل هذا الاقتباس : " الثورة المصرية و فترة عبد الناصر هي الآخر العربي الذي سانده الآخر الغربي: فترة خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تظل برأيي الأكثر تعبيراً عن مُساندة الآخرية العالمية، الغربية وغير الغربية، لمبدأ الاستقلال السلبي لدولنا العربية، وللآخرية العربية/ المحلية، فخلالها أرسيت دعائم تلك المساندة، وإليها ترجع أهم الأحداث التي لاتزال آثارها تتفاعل في عالمنا،حتى يومنا هذا(26)!
                      لا تعليق .. لأنّني فعلا أخجل من مناقشة مفكر يطرح مثل هذا الطرح الارتجالي دون إسناد و تحليل دقيق... قد يصحّ ما يقوله و قد لا يصح ، ليس هنا اعتراضي ، اعتراضي أن مفكرا مثل الكاتب الذي يطمح لتحقيق فكر الانسنة في عالمنا العربي ، من لبّ النشاط الفلسفي الإنساني ، فمن المتوقّع أن يكون ذو منهجية على مستوى هذه الفلسفة لا أن يرّد لي مقاطع من صحف حزبيّة موجهة أثناء حملاتها الدّعائية و البروباغندا السياسية..

                      20. لننظر لهذا الاقتباس الأخير : " مصر في فترة عبد الناصر تأثرت و فهمت القومية و التحررية من الثورة الفرنسية ، سعت للقومية و حاربت التّحررية ، و محاربتها للتحررية لسببين : دعم و إرادة الآخر العالمي و سبب آخر محلي " أنظروا لهذا السبب الآخر المحلي : وجود ميراث عربي، يُجيز ويُبرر مناهضة التحررية ، على نحو يصعب توافره في غيرالثقافة العربية ، فتاريخنا ظلمات بعضها فوق بعض".

                      أكتفي بهذا الانتحار للكاتب المتركّز في جملته الأخيرة ، لكن كلّي أمل أن يصحّ توقعي ، و ما أوردته في بداية مقالي ، و أعيده هنا ، مقالة تظلم الكاتب و لا تمثّله على حقيقته .

                      تا ريخنا فيه من الظّلمات الكثير ، مثلنا في ذلك مثل باقي شعوب و أمم الأرض جمعاء ، لكنّه لم يكن بأي شكل من الأشكال فقط ظلمات بعضها فوق بعض مثلنا مثل باقي الأمم أيضا ...

                      حكيم
                      [/align][/cell][/table1][/align]
                      التعديل الأخير تم بواسطة حكيم عباس; الساعة 14-12-2009, 18:24.

                      تعليق

                      • عبدالرحمن السليمان
                        مستشار أدبي
                        • 23-05-2007
                        • 5434

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة حكيم عباس مشاهدة المشاركة
                        [align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=right]
                        الدكتور الفاضل عبدالرحمن السليمان
                        ا
                        و أتقدّم ثانيا بالشكر الجزيل للدكتور السليمان الذي سبقني و أكرمني بمبادرة تفوّق بها عليّ بنبله و منعني حتى من شكره ، فعبثا حاولت ايجاد وسيلة فعجزت ، فلم أرَ بدّا من استغلال فرصة مداخلتي على موضوعه هنا لأعبّر له عن عظيم امتناني و بالغ سروري به صديقا و أخا عزيزا.

                        [/align][/cell][/table1][/align]
                        [align=justify]

                        أخي العزيز الدكتور حكيم عباس،

                        السلام عليكم.

                        ألف شكر لحضرتك الكريمة على هذا الكلام الطيب. وسعادتي كبيرة جدا بعودتك الغانمة وحضورك المتوهج، وقبل كل شيء بهذا الشعور الأخوي الطيب المتبادل. وهذا بريدي الإلكتروني (abied.alsulaiman@lessius.eu) ويسرني ويسعدني أن أستقبل عليه رسائلك الكريمة.

                        أستاذنا الكريم الدكتور حازم خيري يعاني الساعة من ألم شديد في عينه لا يسمح له بالجلوس كثيرا أمام الشاشة ــ شافاه الله وعافاه. ويعتذر كثيرا عن عدم المشاركة في النقاش الدائر حاليا لأسباب صحية بحتة. وبحوزتي مقالات كثيرة لحضرته وكذلك كتاب جديد بعنوان (تهافت الآخر) أتاحه الدكتور حازم لجميع القراء. ويمكن نشر المقالات والكتاب في الملتقى في زاوية مخصوصة بذلك، أو جمع المقالات في كتاب وتحميلها في مكتبة الملتقى. المادة بحوزتي وقد سمح لنا الدكتور حازم بالتصرف بها فيما يخدم الشأن الثقافي العام، فأشيروا عليَّ بشأنها من فضلكم.


                        وتحية طيبة عطرة.
                        عبدالرحمن.
                        [/align]
                        عبدالرحمن السليمان
                        الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                        www.atinternational.org

                        تعليق

                        • د. وسام البكري
                          أديب وكاتب
                          • 21-03-2008
                          • 2866

                          #13
                          أستاذيّ الفاضلين د. عبد الرحمن السليمان و د. حكيم عباس
                          حواركما النبيل هذا يُسعدنا جميعاً، والصالون الأدبي مستعد لمنح د. حازم خيري عضوية الشرف، ليكون له موضع مخصص لنشر مقالاته وأبحاثه فيه.
                          ولكما وله فائق التقدير والاحترام.
                          د. وسام البكري

                          تعليق

                          • حكيم عباس
                            أديب وكاتب
                            • 23-07-2009
                            • 1040

                            #14
                            [align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=right]

                            الدكتور الفاضل عبدالرحمن السليمان
                            الدكتور الفاضل وسام البكري

                            تحيّاتي الطيّبة و الأخوية

                            أشكركما جزيل الشكر على هذا التّجاوب و الحماس و الشعور الصادق بالمسئولية تجاه التّنوع و التوسّع الثقافي ، لذلك أنا معكما و بجانبكما و سندا لكما بكلّ ما أستطيع ، و أرحّب بنشر المادة التي بحوزة الدكتور السليمان في ركن مخصّص ، و ربّما يمكننا تأسيس لحوار مفتوح حول هذه المادة ، و أنا واثق أن الدكتور السليمان سيهتمّ جدا بدعوة الدكتور حازم بعد شفاءه بإذن الله.

                            أخي الدكتور عبدالرحمن السليمان أشكرك ثانية على طيبتك و نبل مشاعرك ، لقد غمرتني بما فاق توقّعي .. أشكرك على تزويدي ببريدك الالكتروني ، و ثق أنه بأيدي أمينة ، كما أنّه سيكون وسيلة للتّعاون المثمر .

                            تحياتي
                            حكيم
                            [/align][/cell][/table1][/align]
                            التعديل الأخير تم بواسطة حكيم عباس; الساعة 22-12-2009, 01:30.

                            تعليق

                            يعمل...
                            X