متمرد فى زمن الصيصان
عبرت معلمة الاجتماعية باب الفصل ، تحمل عصا طويلة ، بشت فى وجوه أطفالها .
انتبه الجميع ، اعتدلوا على مقاعدهم ، رانين إليها ، فى تبجيل و احترام ، وربما خوف ، وهم أكثر شوقا ؛ فاليوم
أولى حصص الجغرافيا ، وبلدان الوطن العربى كان درسها الأول !
علقت حقيبة يدها ، على مسند الكرسى ، التقطت أنفاسها ، نشرت عصاها السحرية ؛ فإذا هى خريطة كبيرة ، وجميلة ، تزينها ألوان رائقة !
لوحت المعلمة لأطول طفل فى الفرقة ، لتعليق الخريطة على السبورة .
راح كل طفل يلتقط البيانات ، قراءتها . فجأة اعتدل " محمود " واقفا ، و بعصبية لوح طالبا الإذن بالكلام .
هشت المعلمة مرحبة ، علا صوت محمود : أنا معترض على تعليق هذه الخريطة !!".
أصابت الدهشة المعلمة و الأطفال ، بنيرة لا تخلو من استهانة :" لماذا أنت معترض ياسيد محمود ؟!".
فى تماسك أجاب :" هذه الخريطة تحمل خطأ جسيما ".
اتسعت مساحة الدهشة ، أصبح من الصعب على الأطفال ، تفهم ما يحدث .
:" هذه خريطة عالمية ، ألا تر كم هى جميلة ، وملونة .. إنها هدية من اليونيسيف يافتى ".
اهتز " محمود " ، ارتعش صوته قليلا ، عاد يمعن النظر قى الخريطة ، يكذب ما توصل إليه ، لكنه لم يجد ضالته ؛ ابتلع ريقه ، هتف :" هذه الخريطة وضعت اسم إسرائيل ، و أغفلت فلسطين .. انظرى يا مس جيدا ".
ازداد الأمر غموضا ، عادت المعلمة بحيرة :" وماذا نفعل ، وقد جاءتنا هكذا ، وندرسها هكذا ؟!".
صرخ محمود :" لا .. لا .. .. نصحح الخطأ أولا .. نصححه يامس ".
هاج الأطفال ، ساد هرج و مرج .
طرقت بكفها ، أعادت للفصل هدوءه :" لنبدأ درسنا ".
أوقفها ، اعترض سبيلها :" ليس قبل تصحيح الخطأ ".
هنا أسكتته بحدة و بقسوة :" ثانية .. اجلس .. اغلق فمك نهائيا ".
مهزوما احمر وجهه ، بكى ، أخفى وجهه بين ذراعيه ، و الدهشة تلف الفرقة .
شعرت بألم ، لم تعتد ذلك ، لم تمارس قهرا على طفل ، اقتربت منه ، تشاكسه :" هيا أرنا فلاحتك ، وحدد لنا موقع نهر الليطانى ".
تحول إلى نمر ، بسرعة كان يمسك قلما عريضا ، كأنه أعده سابقا ، انقض على الخريطة ، رسم علامة ( × ) على إسرائيل ، كتب فوقها بخط كبير ( فلسطين ) ، حلق عاليا ، غير عابىء بأى شىء ؛ فلتضربه كما شاءت ، المهم أنه صحح الخطأ الجسيم ، أعاد الحق إلى أهله .
حين حط على مقعده ، كان جسده ، يرتجف بشدة ، حدق فى وجه المعلمة ، وكم كانت دهشته كبيرة ، حين طالع بسمة
كأنها القمر ، تملأ وجهها ، وتحلق حولها فراشات مجنحة !!
أوراق قديمة من حياة طفل ( 1 )
عبرت معلمة الاجتماعية باب الفصل ، تحمل عصا طويلة ، بشت فى وجوه أطفالها .
انتبه الجميع ، اعتدلوا على مقاعدهم ، رانين إليها ، فى تبجيل و احترام ، وربما خوف ، وهم أكثر شوقا ؛ فاليوم
أولى حصص الجغرافيا ، وبلدان الوطن العربى كان درسها الأول !
علقت حقيبة يدها ، على مسند الكرسى ، التقطت أنفاسها ، نشرت عصاها السحرية ؛ فإذا هى خريطة كبيرة ، وجميلة ، تزينها ألوان رائقة !
لوحت المعلمة لأطول طفل فى الفرقة ، لتعليق الخريطة على السبورة .
راح كل طفل يلتقط البيانات ، قراءتها . فجأة اعتدل " محمود " واقفا ، و بعصبية لوح طالبا الإذن بالكلام .
هشت المعلمة مرحبة ، علا صوت محمود : أنا معترض على تعليق هذه الخريطة !!".
أصابت الدهشة المعلمة و الأطفال ، بنيرة لا تخلو من استهانة :" لماذا أنت معترض ياسيد محمود ؟!".
فى تماسك أجاب :" هذه الخريطة تحمل خطأ جسيما ".
اتسعت مساحة الدهشة ، أصبح من الصعب على الأطفال ، تفهم ما يحدث .
:" هذه خريطة عالمية ، ألا تر كم هى جميلة ، وملونة .. إنها هدية من اليونيسيف يافتى ".
اهتز " محمود " ، ارتعش صوته قليلا ، عاد يمعن النظر قى الخريطة ، يكذب ما توصل إليه ، لكنه لم يجد ضالته ؛ ابتلع ريقه ، هتف :" هذه الخريطة وضعت اسم إسرائيل ، و أغفلت فلسطين .. انظرى يا مس جيدا ".
ازداد الأمر غموضا ، عادت المعلمة بحيرة :" وماذا نفعل ، وقد جاءتنا هكذا ، وندرسها هكذا ؟!".
صرخ محمود :" لا .. لا .. .. نصحح الخطأ أولا .. نصححه يامس ".
هاج الأطفال ، ساد هرج و مرج .
طرقت بكفها ، أعادت للفصل هدوءه :" لنبدأ درسنا ".
أوقفها ، اعترض سبيلها :" ليس قبل تصحيح الخطأ ".
هنا أسكتته بحدة و بقسوة :" ثانية .. اجلس .. اغلق فمك نهائيا ".
مهزوما احمر وجهه ، بكى ، أخفى وجهه بين ذراعيه ، و الدهشة تلف الفرقة .
شعرت بألم ، لم تعتد ذلك ، لم تمارس قهرا على طفل ، اقتربت منه ، تشاكسه :" هيا أرنا فلاحتك ، وحدد لنا موقع نهر الليطانى ".
تحول إلى نمر ، بسرعة كان يمسك قلما عريضا ، كأنه أعده سابقا ، انقض على الخريطة ، رسم علامة ( × ) على إسرائيل ، كتب فوقها بخط كبير ( فلسطين ) ، حلق عاليا ، غير عابىء بأى شىء ؛ فلتضربه كما شاءت ، المهم أنه صحح الخطأ الجسيم ، أعاد الحق إلى أهله .
حين حط على مقعده ، كان جسده ، يرتجف بشدة ، حدق فى وجه المعلمة ، وكم كانت دهشته كبيرة ، حين طالع بسمة
كأنها القمر ، تملأ وجهها ، وتحلق حولها فراشات مجنحة !!
أوراق قديمة من حياة طفل ( 1 )
تعليق