سماؤهم لا تحلب عسلا .. !! محمد سلطان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد سلطان
    أديب وكاتب
    • 18-01-2009
    • 4442

    سماؤهم لا تحلب عسلا .. !! محمد سلطان

    [frame="15 98"]

    " سماؤهم لا تحلب عسلاً "


    القشرة التي سلختها من لحائي لم تكن استئصالا مبنيا على اعتباط :
    ـ صدقني سيدي أبدا أبدا .. أقسم لك
    ما كنتُ شجرة اعشوشبت ـ جذورها ـ في الأرض , وامتدت حتى لامست لب اللب .. ولا كانت الفروع مطأطأة الرؤوس إذلالاً .. بل إكراما وإجلالاً , لما أثقلها النبق .
    لم تهتز الفروع يا عم البلاد تباهياً بالعطاء , بل لطرح الظلال .

    لم أكن حتى محض عود "جعضيض" .. شيطاني المنبت .. رواني ماء نجس ,أو امتصصت الحياة من موت أحدهم حينما خلفتهم حرب الشيطان جثثاً تفوح برائحة النتن ,
    لم أمتص جلوكوزي من عصارة عظامهم النخرة بعد تحللهم و رحيل شيطانهم عنهم مشيراً بكل عنجهية و تفاخر :
    "هذا عبدي ..!"

    ـ أقسم بمن أثمر فروعي وأينعها ما شربت طيلة حياتي غير ماء المطر , ولم أذق بول النوق , لكن من الجائز أن أفعلها لو جف عنا, أو إن لم يأت الشتاء هذا العام .

    أسفل البئر .. قاظت الأرواح عطشاً و تيبست العروق .. كادت أن تتلاشى من السواعد العطبة .. تحطبت عيدان الأبدان , النفر منهم لا تفرقه عن جذع شجرة محروق ..

    توقفت الإبل عن المعاشرة.. رغم اختزانها للماء , وحفاظ أسنمتها على الغذاء اللازم لبناء الهياكل الجبلية منذ شهر مضى .. أيضا لا تزال حريصة على شهوتها وقدرة الفحل منها على القيام بواجب عشرة من بنات جنسه :

    ـ إذن لم هذا الرفض ؟؟ سألت أحدهم .

    ـ الإبل بطبيعتها تخجل من البني آدم ! أجابني آخر مستلقياً على ظهره .

    تهدجت وحــدثـتـُني سراً :
    الله يلعنكم .. الحيوان يستحي منكم وأنتم لا تستحون منه !

    رمقت المنطقة الدائرة حولي .. طفت بجولة سريعة .. فعذرت النوق و الفحول ..!
    تنازلت عن مكاني لحيزبونٍ , دائما كانت تراوضني في المنام .. تركت لها الزاد و الزواد .. رحلتُ .
    ـ إلى أين يا أسمر ؟
    استوقفني سؤالها في بداية الطريق ..
    ـ سماؤكم لا تحلب عسلا .. أفـوتكم بعافية.
    أجبتها مصوبا عيناي لغيمة معلقة في نهاية السكة كقصعة فحمٍ.

    كلما وطأت قدماي بقعة من أرضهم أو خطوت خطوة , ينتابني شعور بالاشمئزاز .. للمرة الأولى تتغير رائحة عرقي ويتملكني النفور .. ولم أسمع هذه الطرقات المتكاثرة بداخلي كدمدمات المطارق ..
    أمد بالخطوات .. أفردها .. أكر .. أفر .. أركض كجحشٍ أعرجٍ حديث الفطام .. لا يصلب حيله أمام لبؤة تتقن لعبة الصيد .
    أتعثر بالطريق .. أتشقلب وحرصي على الهروب فلح بنسبةٍ لا بأس بها .. دمدمتني , رأيت الغيمة كما هي .. ثابتة لا تتحرك .. ترسل طرقعات خاطفة .. تماهت مع ضوء القمر حين أحل الليل .. استقبلتها بانشراح وابتهاج شرخ صدري كسهام طرية لا تخرم ولا تقتل .
    ساحتها نظيفة من البشر .. غيري ..!
    تحت ارسالها افترشت ظهري بالكلأ .. ساويته بالأرض بطريقة جعلتني أتمكن من التحديق فيها بارتياح ..
    كأن أطيارا لؤلؤية تخرج منها .. ترش الأرض بحبات النبق .. كسدرة معرشة في السماء .. تمنيت لو تسلقتها وسكنت أعشاشها .. أخاطب الأفراخ ويخاطبونني .. ألقمهم نبقاً وأعلمهم الطيران .. !!

    بدأت أتخلص من ملابسي .. قطعة تلو قطعة .. قشّرت لحائي .. جرّدتـُني مني .. سلخته عني هذا البني آدم الذي كرهته حد الموت ..!
    شعرت بشروخ في جوانبي .. أشياء تتحرك .. تخرج منها .. برزت .. بزغت أجنحتي .. رفرفت .. وراحت جاذبيتي تتخفف مني ..
    طرت أريد أن أصل إليه .. سمعته يناديني .. بسرعة الومض كنت أشق الأفق كي ألبي النداء ..!
    أغز بعيني هنا و هناك أبحث عنه .. يتوالى الصوت .. من أين يأتي ! لا أدري ! حبات النبق كانت تتوالد بطريقة عجيبة .. صارت تلالـاً .. حمحمتُ فوقها .. انقضضت عليها أنطحها كفحل طائر .. أكلت حد الانتفاخ وعدم القدرة على الطيران .. امتلأت حوصلتي عن آخرها .. لكن شهيتي مفتوحة .. تطلب مزيدا ..
    ـ اعطها لا تحرمها
    فعلا .. هذا ما فعلت , ثم أعود أرفرف .. أناديه : أين أنت ؟؟
    ـ خلف السدرة .. هيا .. تعال !
    يرد الصدى ثم يرد هو .. يكرر .. يأتيني من الآفاق البعيدة .. !
    أنتف ريشي .. أريد أن أتخفف أكثر .. لا داعي لأي ثقل يعطلني .. أسمع الطرقعات تتزايد كجمهورٍ يشجعني .. يصل حماسي عنان السماء.. أتشجع .. أتحمس , وكالصاروخ أنطلق ..
    تتحول الأصوات إلى غناء , وفوق أعلى مرقاة أغني وأتراقص .. أنظر تحتي فيعود اشمئزازي وحنقي عليهم .. تقل عزيمتي .. يلمحني فيهز الشجرة .. تنفرط ثمارها من جديد .. يرسل إليّ الأطيار .. تلملم ريشي .. تصنع أريكة وثيرة .. تتمرجح تحت أقدامي ..
    تسوقها شهب و نيازك .. مكللةً بتيجان مرصعة بمصابيح ليلية .. تتلمظ و تتلمع .. تغمر تلال النبق و تكيّل لي .. !
    أبص عليه .. جالساً بين الأفراخ .. يداعبها .. يحتضنهم و يلقمهم النبق .. بلا ثرثرات .
    في منتصف الطريق ظهرت الحيزبون .. مجنحة .. ريشها إبري مدبدب .. تعترض الموكب :

    ـ من أتى بكِ هنا ؟!!

    وبنظرة مارقة وجهتْ سبابتها إلى أسفل ..
    أراهم بنفس السحن , وذات الدمامة .. يخفق قلبي .. ينقبض .. كأنه بين فكي كلبٍ .. يكاد ينفرط من بعضه كحبات النبق ..!
    أشحت في وجهها بقرف :
    ـ ابتعدي عني .. ارحميني
    ـ عُد معي لن نتنازل عنك !
    ـ سماؤكم لا تحلب العسل .. أنتم مقرفون .. لا تستحون من الإبل !

    أعادت سبابتها توجهها إلى أسفل مرة أخرى : انظر ..

    لم أتحمل المنظر .. كأن الكلب ترك قلبي و مسك أمعائي .. أحسست أن حبات النبق قنبلات عنقودية تنفجر داخلي .. غثيان يلاطف حلقومي .. نظرت إلى الشجرة , صرخت : أين أنت .. ؟
    فجأة تزاحمت الآفاق بنعير الإبل التي هربت ولولا أمطارالدم والنار التي أحدثتها المصابيح لوصلت إلينا …!




    "الجعضيض" : نبات بري ينمو مع الطفيليات يقال عنه شيطاني .
    [/frame]
    صفحتي على فيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757
  • جلاديولس المنسي
    أديب وكاتب
    • 01-01-2010
    • 3432

    #2
    بدأت أتخلص من ملابسي .. قطعة تلو قطعة .. قشرت لحائي .. جردتني مني .. سلخته عني هذا البني آدم الذي كرهته حد الموت ..!
    شعرت بشروخ في جوانبي .. أشياء تتحرك .. تخرج منها .. برزت .. بزغت أجنحتي .. رفرفت .. وراحت جاذبيتي تتخفف مني ..

    وددت أن أكون أنا .....هو
    سئمت حياتهم مللت أفكارهم
    كرهت هفواتهم
    فقط أريد أن أحلق بعيداً لأسكن إحدى السحب بنقائها وصفائها... فليس لي بالأرض مكان
    رائع أستاذى الفاضل / محمد إبراهيم سلطان

    تعليق

    • محمد سلطان
      أديب وكاتب
      • 18-01-2009
      • 4442

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة جلاديولس المنسي مشاهدة المشاركة
      بدأت أتخلص من ملابسي .. قطعة تلو قطعة .. قشرت لحائي .. جردتني مني .. سلخته عني هذا البني آدم الذي كرهته حد الموت ..!
      شعرت بشروخ في جوانبي .. أشياء تتحرك .. تخرج منها .. برزت .. بزغت أجنحتي .. رفرفت .. وراحت جاذبيتي تتخفف مني ..

      وددت أن أكون أنا .....هو
      سئمت حياتهم مللت أفكارهم
      كرهت هفواتهم
      فقط أريد أن أحلق بعيداً لأسكن إحدى السحب بنقائها وصفائها... فليس لي بالأرض مكان
      رائع أستاذى الفاضل / محمد إبراهيم سلطان

      أستاذة جلاديولس الغالية

      أسعدني هذا الحضور ولا سيما أن كنتم أول المداخلين

      جميلة مشاعرك سيدتي وانفعالك مع النص

      عظيم امتناني لهذا الحضور الطيب

      حفظك الله و جعلك أهل للطيبين

      خالص تحياتي أستاذة جلاديولس
      صفحتي على فيس بوك
      https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        الزميل القثدير
        محمد ابراهيم سلطان
        نص مهول صدقني
        تعملقت فيه
        تجردت من لحائك كشجرة عتيقة تضرب جذورها في عمق الأرض
        ها هو محمد ابراهيم الذي أعرفه
        لك النجوم
        وللذهبية سترشح لعمقها وسلاستها ورمزيتها
        كل شيء بهذا النص يدل على رسوخك الذي بدأ يأتي بثماره
        أبدعت
        تحياتي بني ومحبتي
        رصدت لك
        الجواكيش / الأفضل المطارق
        حصلتي / حوصلتي
        غيثان / غثيان
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • آمنه الياسين
          أديب وكاتب
          • 25-10-2008
          • 2017

          #5
          الزميل الكريم

          ؛؛ محمد إبراهيم سلطان ؛؛

          مساء الخيرات والسعادات

          معطر بحمر الجوريات

          ومقرون بأجمل الأمنيات

          أرسله لك عبر النسمات

          \
          \
          \


          فكرة جديدة جميلة ،،، وسرد منسق وجيد

          كل سماء يا زميلي تمطر بطريقتها ...؟؟؟!!!

          إستمعت بالقراءة لولا تلك الحيزبون ،،، كرهتها ...؟؟؟!!!

          الى الأمام ؛؛ أ.محمد ؛؛ نحن بأنتظار جديدك دوماً

          \
          \
          \


          خالص تقديري

          ر
          ووو
          ح

          تعليق

          • مصطفى الصالح
            لمسة شفق
            • 08-12-2009
            • 6443

            #6
            جميلة اخي محمد

            رؤية عميقة مع شاعرية مرهفة

            ابدعت

            اشتكي اليك ( أبص) و ( تماهت مع ضوء القمر حين أحل الليل)

            تحية وتقدير
            [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

            ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
            لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

            رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

            حديث الشمس
            مصطفى الصالح[/align]

            تعليق

            • سمية البوغافرية
              أديب وكاتب
              • 26-12-2007
              • 652

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة محمد ابراهيم سلطان مشاهدة المشاركة
              [frame="15 98"]

              سماؤهم لا تحلب عسلا



              القشرة التي سلختها من لحائي لم تكن استئصالا مبنيا على اعتباط :
              ـ صدقني سيدي أبدا أبدا .. أقسم لك
              ما كنتُ شجرة اشوعشبت ـ جذورها ـ في الأرض , وامتدت حتى لامست لب اللب .. ولا كانت الفروع مطأطأة الرؤوس إذلالاً .. بل إكراما وإجلالاً , لما أثقلها النبق .
              لم تهتز الفروع يا عم البلاد تباهياً بالعطاء , بل لطرح الظلال .

              لم أكن حتى محض عود "جعضيض" .. شيطاني المنبت .. رواني ماء نجساً ,أو امتصصت الحياة من موت أحدهم حينما خلفتهم حرب الشيطان جثثاً تفوح برائحة النتن ,
              لم أمتص جلوكوزي من عصارة عظامهم النخرة بعد تحللهم و رحيل شيطانهم عنهم مشيراً بكل عنجهية و تفاخر :
              "هذا عبدي ..!"

              ـ أقسم بمن أثمر فروعي وأينعها ما شربت طيلة حياتي غير ماء المطر , ولم أذق بول النوق , لكن من الجائز أن أفعلها لو جف عنا, أو إن لم يأت الشتاء هذا العام .

              أسفل البئر .. قاظت الأرواح عطشاً و تيبست العروق .. كادت أن تتلاشى من السواعد العطبة .. تحطبت عيدان الأبدان , النفر منهم لا تفرقه عن جذع شجرة محروق ..

              توقفت الإبل عن المعاشرة.. رغم اختزانها للماء , وحفاظ أسنمتها على الغذاء اللازم لبناء الهياكل الجبلية منذ شهر مضى .. أيضا لا تزال حريصة على شهوتها وقدرة الفحل منها على القيام بواجب عشرة من بنات جنسه :

              ـ إذن لم هذا الرفض ؟؟ سألت أحدهم .

              ـ الإبل بطبيعتها تخجل من البني آدم ! أجابني آخر مستلقياً على ظهره .

              تهدجت وحدثتُني سراً :
              الله يلعنكم .. الحيوان يستحي منكم وأنتم لا تستحيون منه !

              رمقت المنطقة الدائرة حولي .. طفت بجولة سريعة .. فعذرت النوق و الفحول ..!
              تنازلت عن مكاني لحيزبونٍ , دائما كانت تراوضني في المنام .. تركت لها الزاد و الزواد .. رحلتُ .
              ـ إلى أين يا أسمر ؟
              استوقفني سؤالها في بداية الطريق ..
              ـ سماؤكم لا تحلب عسلا .. أفـوتكم بعافية.
              أجبتها مصوبا عيناي لغيمة معلقة في نهاية السكة كقصعة فحمٍ.

              كلما وطأت قدماي بقعة من أرضهم أو خطوت خطوة , ينتابني شعور بالاشمئزاز .. للمرة الأولى تتغير رائحة عرقي ويتملكني النفور .. ولم أسمع هذه الطرقات المتكاثرة بداخلي كدمدمات المطارق ..
              أمد بالخطوات .. أفردها .. أكر .. أفر .. أركض كجحشٍ أعرجٍ حديث الفطام .. لا يصلب حيله أمام لبؤة تتقن لعبة الصيد .
              أتعثر بالطريق .. أتشقلب وحرصي على الهروب فلح بنسبةٍ لا بأس بها .. دمدمتني , رأيت الغيمة كما هي .. ثابتة لا تتحرك .. ترسل طرقعات خاطفة .. تماهت مع ضوء القمر حين أحل الليل .. استقبلتها بانشراح وابتهاج شرخ صدري كسهام طرية لا تخرم ولا تقتل .
              ساحتها نظيفة من البشر .. غيري ..!
              تحت ارسالها افترشت ظهري بالكلأ .. ساويته بالأرض بطريقة جعلتني أتمكن من التحديق فيها بارتياح ..
              كأن أطيارا لؤلؤية تخرج منها .. ترش الأرض بحبات النبق .. كسدرة معرشة في السماء .. تمنيت لو تسلقتها وسكنت أعشاشها .. أخاطب الأفراخ ويخاطبونني .. ألقمهم نبق وأعلمهم الطيران .. !!

              بدأت أتخلص من ملابسي .. قطعة تلو قطعة .. قشّرت لحائي .. جرّدتـُني مني .. سلخته عني هذا البني آدم الذي كرهته حد الموت ..!
              شعرت بشروخ في جوانبي .. أشياء تتحرك .. تخرج منها .. برزت .. بزغت أجنحتي .. رفرفت .. وراحت جاذبيتي تتخفف مني ..
              طرت أريد أن أصل إليه .. سمعته يناديني .. بسرعة الومض كنت أشق الأفق كي ألبي النداء ..!
              أغز بعيني هنا و هناك أبحث عنه .. يتوالى الصوت .. من أين يأتي ! لا أدري ! حبات النبق كانت تتوالد بطريقة عجيبة .. صارت تلالـاً .. حمحمتُ فوقها .. انقضضت عليها أنطحها كفحل طائر .. أكلت حد الانتفاخ وعدم القدرة على الطيران .. امتلأت حوصلتي عن آخرها .. لكن شهيتي مفتوحة .. تطلب مزيدا ..
              ـ اعطها لا تحرمها
              فعلا .. هذا ما فعلت , ثم أعود أرفرف .. أناديه : أين أنت ؟؟
              ـ خلف السدرة .. هيا .. تعال !
              يرد الصدى ثم يرد هو .. يكرر .. يأتيني من الآفاق البعيدة .. !
              أنتف ريشي .. أريد أن أتخفف أكثر .. لا داعي لأي ثقل يعطلني .. أسمع الطرقعات تتزايد كجمهورٍ يشجعني .. يصل حماسي عنان السماء.. أتشجع .. أتحمس , وكالصاروخ أنطلق ..
              تتحول الأصوات إلى غناء , وعلى أعلى مرقاة أغني وأتراقص .. أنظر تحتي فيعود اشمئزازي وحنقي عليهم .. تقل عزيمتي .. يلمحني فيهز الشجرة .. تنفرط ثمارها من جديد .. يرسل إليّ الأطيار .. تلملم ريشي .. تصنع أريكة وثيرة .. تتمرجح تحت أقدامي ..
              تسوقها شهب و نيازك .. مكللةً بتيجان مرصعة بمصابيح ليلية .. تتلمظ و تتلمع .. تغمر تلال النبق و تكيّل لي .. !
              أبص عليه .. جالساً بين الأفراخ .. يداعبها .. يحتضنهم و يلقمهم النبق .. بلا ثرثرات .
              في منتصف الطريق ظهرت الحيزبون .. مجنحة .. ريشها إبري مدبدب .. تعترض الموكب :

              ـ من أتى بكِ هنا ؟!!

              وبنظرة مارقة وجهتْ سبابتها إلى أسفل ..
              أراهم بنفس السحن , وذات الدمامة .. يخفق قلبي .. ينقبض .. كأنه بين فكي كلبٍ .. يكاد ينفرط من بعضه كحبات النبق ..!
              أشحت في وجهها بقرف :
              ـ ابتعدي عني .. ارحميني
              ـ عُد معي لن نتنازل عنك !
              ـ سماؤكم لا تحلب العسل .. أنتم مقرفون .. لا تستحيون من الإبل !

              أعادت سبابتها توجهها إلى أسفل مرة أخرى : انظر ..

              لم أتحمل المنظر .. كأن الكلب ترك قلبي و مسك أمعائي .. أحسست أن حبات النبق قنبلات عنقودية تنفجر دخلي .. غثيان يلاطف حلقومي .. نظرت إلى الشجرة , صرخت : أين أنت .. ؟
              فجأة تزاحمت الآفاق بنعير الإبل التي هربت ولولا أمطارالدم والنار التي أحدثتها المصابيح لوصلت إلينا …!




              "الجعضيض" : نبات بري ينمو مع الطفيليات يقال عنه شيطاني .
              [/frame]
              أهنئك أستاذ ابراهيم على هذه القصة القوية التي تعنى الكثير
              مدة لم أقرأ لك عملا في مستواها
              فمزيا من الإبداع الجميل
              أصدق التحايا

              تعليق

              • نادية البريني
                أديب وكاتب
                • 20-09-2009
                • 2644

                #8
                محمّد الغالي
                نصّ مشحون بالإيحاء بلورت فيه رؤيتك لبني آدم،رؤية لا تخلو من قتامة وتشاؤم فيما أرى فقد انسلخت عنهم وحلّقت بعيدا
                :القشرة التي سلختها من لحائي لم تكن استئصالا مبنيّا على اعتباط كنت تروم خوض هذه التجربة بمعنى آخر كنت تتعمّد الانفصال عن بني جنسك والتخفف منهم فالتجربة لم تكن اعتباطيّة بل مدروسة .هي شكل من أشكال الهروب:حرصي على الهروب فلح بنسبة لا بأس بها.
                حلّقت في فضاء غير فضائك في ساحة نظيفة من البشر...غيرك.
                تحليقك مأتاه كرهك لبني آدم
                قشرت لحائي ،جرّدتني منّي-سلخته عنّي هذ االبني آدم الذي كرهته حدّ الموت.
                تخففت ونظرت من الأعالي إلى البشرفازداد حنقك عليهم.
                لم كلّ هذا الكره والحنق؟هل بإمكاننا التحرر من لحانا ،جلدنا الذي يلازمنا؟
                أنترفّع عن بني آدم إن وقفنا عند سوآتهم وشرّهم أم نساعدهم على تطهير نفوسهم ؟
                سماؤهم لا تحلب عسلا فهي عقيما لذا من الضّروريّ البحث عن الشّفاء،كيف نعالج عقمها.لا بدّ من فعل مخصب يصدر عن بني آدم أنفسهم لريّ تلك الشجرة التي لم تنحن إلاّ لتهب الحياة.
                رأيت بني آدم من عباد الشيطان وفق أفعالهم وممارساتهم لكن حاول أن تحررهم من سوئهم عوض النظر إليهم من الأعالي.
                ذكرني بطلك بصورة المثقف الذي يبقى في برجه العاجي عوض أن يغوص في عمق الموجود ليشخّص المرض ويبحث له عن علاج.
                ما أحوجنا إلى النظر في عرينا وسبر أغوار واقعنا من الداخل لا من الخارج.
                نظرة البطل سوداويّة وقاتمة لهذا العالم السّفلي لكن انغلقت على فعل تطهير وفق ما فهمت
                :فجأة تزاحمت الآفاق بنعير الإبل التي هربت ولولا أمطار الدّم والنّار التي أحدثتها المصابيح لوصلت إلينا الحيوانات كادت تفرّ من عالم البشر لولا أمطار الدّم والنّار،لهيب يجتاح الموجود ليحرق الأنصاب اليابسة ودم يطهّر الحياة ويخصبها بعالم بديل.
                غاصت بي قصّتك عميقا ابني الغالي محمّد.فيها رؤية عميقة للموجود الجاثم على صدورنا ولكننا لا نرنو إلى النجاة منه عبر الهروب بل المواجهة.
                سعدت بالقراءة لك
                أحييك على هذا النّص الذي أتعبني بقدر ما أمتعني حتى أقف عند بعض خفاياه وأرجو أن أكون قد وفّقت.
                دمت بخير أيها المبدع.

                تعليق

                • نادية البريني
                  أديب وكاتب
                  • 20-09-2009
                  • 2644

                  #9
                  المعذرة محمّد ارتكبت خطأ في مداخلتي بنسيان التاء في قولي هي عقيما بل الصواب هي عقيمة
                  تصبح على خير

                  تعليق

                  • محمد سلطان
                    أديب وكاتب
                    • 18-01-2009
                    • 4442

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                    الزميل القثدير
                    محمد ابراهيم سلطان
                    نص مهول صدقني
                    تعملقت فيه
                    تجردت من لحائك كشجرة عتيقة تضرب جذورها في عمق الأرض
                    ها هو محمد ابراهيم الذي أعرفه
                    لك النجوم
                    وللذهبية سترشح لعمقها وسلاستها ورمزيتها
                    كل شيء بهذا النص يدل على رسوخك الذي بدأ يأتي بثماره
                    أبدعت
                    تحياتي بني ومحبتي
                    رصدت لك
                    الجواكيش / الأفضل المطارق
                    حصلتي / حوصلتي
                    غيثان / غثيان
                    الغالية دائما

                    عائدة محمد نادر الاديبة الجميلة

                    أشكرك سيدتي على النجوم التي اعتلت جبيني و الذهب المفروش في المتصفح هناك

                    كانت حالة أثناء الدوام في الفجرية بعد أن بعدت فترة طويلة عن القص .. فأقسمت ألا أتركها حتى تخرج من روحي التي أزهقتها لفترة

                    أرجو أن يكون النص وصل بمفهومه , كأن الزملاء لم يفهموه ..؟؟ و رغم المحاولة المغايرة للأديبة الفاضلة نادية البريني و التي أضافت للنص رؤية أخرى غير التي قصدتها إلا أنها أسعدتني كثيرا ..

                    أشكرك عائدة كثيرا كثيرا لأنك هنا دوما بهذا التوجيه و الإرشاد .. صوبت ما أشرتم إليه وزادت سعادتي لهذا التوجيه ..

                    محبتي وتحياتي لك سيدتي الكريمة .. وطبعا قبلاتي لكل أرض العراق
                    صفحتي على فيس بوك
                    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

                    تعليق

                    • محمد سلطان
                      أديب وكاتب
                      • 18-01-2009
                      • 4442

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة آمنه الياسين مشاهدة المشاركة
                      الزميل الكريم

                      ؛؛ محمد إبراهيم سلطان ؛؛

                      مساء الخيرات والسعادات

                      معطر بحمر الجوريات

                      ومقرون بأجمل الأمنيات

                      أرسله لك عبر النسمات

                      \
                      \
                      \


                      فكرة جديدة جميلة ،،، وسرد منسق وجيد

                      كل سماء يا زميلي تمطر بطريقتها ...؟؟؟!!!

                      إستمعت بالقراءة لولا تلك الحيزبون ،،، كرهتها ...؟؟؟!!!

                      الى الأمام ؛؛ أ.محمد ؛؛ نحن بأنتظار جديدك دوماً

                      \
                      \
                      \


                      خالص تقديري

                      ر
                      ووو
                      ح
                      آمنه الغالية التي أعشق نصوصها أسعدني مرورك وتفااعلك مع الحيزبون لأنني أيضا أكرهها .. إنها الشيطان آمنه

                      محبتي
                      صفحتي على فيس بوك
                      https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

                      تعليق

                      • محمد سلطان
                        أديب وكاتب
                        • 18-01-2009
                        • 4442

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة مصطفى الصالح مشاهدة المشاركة
                        جميلة اخي محمد

                        رؤية عميقة مع شاعرية مرهفة

                        ابدعت

                        اشتكي اليك ( أبص) و ( تماهت مع ضوء القمر حين أحل الليل)

                        تحية وتقدير
                        الطيب الغالي مصطفى الصالح
                        شكرا لمرورك و لثنائك على النص
                        شكواك في محلها أستاذي و سأعود إليها
                        شكرا شكرا

                        محبتي
                        صفحتي على فيس بوك
                        https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

                        تعليق

                        • محمد سلطان
                          أديب وكاتب
                          • 18-01-2009
                          • 4442

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة سمية البوغافرية مشاهدة المشاركة
                          أهنئك أستاذ ابراهيم على هذه القصة القوية التي تعنى الكثير
                          مدة لم أقرأ لك عملا في مستواها
                          فمزيا من الإبداع الجميل
                          أصدق التحايا
                          الفاضلة الكريمة سمية البوغافرية
                          شهادة منك ستظل فوق جبين النص
                          أشكر مرور ك العطر أم صلاح الجميل
                          محبتي
                          صفحتي على فيس بوك
                          https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

                          تعليق

                          • محمد سلطان
                            أديب وكاتب
                            • 18-01-2009
                            • 4442

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة نادية البريني مشاهدة المشاركة
                            محمّد الغالي
                            نصّ مشحون بالإيحاء بلورت فيه رؤيتك لبني آدم،رؤية لا تخلو من قتامة وتشاؤم فيما أرى فقد انسلخت عنهم وحلّقت بعيدا
                            :القشرة التي سلختها من لحائي لم تكن استئصالا مبنيّا على اعتباط كنت تروم خوض هذه التجربة بمعنى آخر كنت تتعمّد الانفصال عن بني جنسك والتخفف منهم فالتجربة لم تكن اعتباطيّة بل مدروسة .هي شكل من أشكال الهروب:حرصي على الهروب فلح بنسبة لا بأس بها.
                            حلّقت في فضاء غير فضائك في ساحة نظيفة من البشر...غيرك.
                            تحليقك مأتاه كرهك لبني آدم
                            قشرت لحائي ،جرّدتني منّي-سلخته عنّي هذ االبني آدم الذي كرهته حدّ الموت.
                            تخففت ونظرت من الأعالي إلى البشرفازداد حنقك عليهم.
                            لم كلّ هذا الكره والحنق؟هل بإمكاننا التحرر من لحانا ،جلدنا الذي يلازمنا؟
                            أنترفّع عن بني آدم إن وقفنا عند سوآتهم وشرّهم أم نساعدهم على تطهير نفوسهم ؟
                            سماؤهم لا تحلب عسلا فهي عقيما لذا من الضّروريّ البحث عن الشّفاء،كيف نعالج عقمها.لا بدّ من فعل مخصب يصدر عن بني آدم أنفسهم لريّ تلك الشجرة التي لم تنحن إلاّ لتهب الحياة.
                            رأيت بني آدم من عباد الشيطان وفق أفعالهم وممارساتهم لكن حاول أن تحررهم من سوئهم عوض النظر إليهم من الأعالي.
                            ذكرني بطلك بصورة المثقف الذي يبقى في برجه العاجي عوض أن يغوص في عمق الموجود ليشخّص المرض ويبحث له عن علاج.
                            ما أحوجنا إلى النظر في عرينا وسبر أغوار واقعنا من الداخل لا من الخارج.
                            نظرة البطل سوداويّة وقاتمة لهذا العالم السّفلي لكن انغلقت على فعل تطهير وفق ما فهمت
                            :فجأة تزاحمت الآفاق بنعير الإبل التي هربت ولولا أمطار الدّم والنّار التي أحدثتها المصابيح لوصلت إلينا الحيوانات كادت تفرّ من عالم البشر لولا أمطار الدّم والنّار،لهيب يجتاح الموجود ليحرق الأنصاب اليابسة ودم يطهّر الحياة ويخصبها بعالم بديل.
                            غاصت بي قصّتك عميقا ابني الغالي محمّد.فيها رؤية عميقة للموجود الجاثم على صدورنا ولكننا لا نرنو إلى النجاة منه عبر الهروب بل المواجهة.
                            سعدت بالقراءة لك
                            أحييك على هذا النّص الذي أتعبني بقدر ما أمتعني حتى أقف عند بعض خفاياه وأرجو أن أكون قد وفّقت.
                            دمت بخير أيها المبدع.

                            العذبة الحانية و التي أشعر بطيب قلمها
                            الأديبة و المعلمة الأنيقة نادية البريني
                            والله فرحت جدا بقراءتك الرائعة و التي أضافت للنص الكثير وراحت لأبعاد أرقى مما كنت أقصد
                            لا حرمني الله منك أيتها النخلة الجوادة فتواجك يعني لي الكثير

                            محبتي أيتها الأم و المعلمة الرائعة
                            صفحتي على فيس بوك
                            https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

                            تعليق

                            • هادي زاهر
                              أديب وكاتب
                              • 30-08-2008
                              • 824

                              #15
                              اخي الكاتب العزيز مجمد ابراهيم سلطان
                              لقد كانت قصتك عبارة عن "فشة غل " قوية لي ايضا .
                              مجبتي
                              هادي زاهر
                              " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

                              تعليق

                              يعمل...
                              X