[frame="15 98"]
" سماؤهم لا تحلب عسلاً "
القشرة التي سلختها من لحائي لم تكن استئصالا مبنيا على اعتباط :
ـ صدقني سيدي أبدا أبدا .. أقسم لك
ما كنتُ شجرة اعشوشبت ـ جذورها ـ في الأرض , وامتدت حتى لامست لب اللب .. ولا كانت الفروع مطأطأة الرؤوس إذلالاً .. بل إكراما وإجلالاً , لما أثقلها النبق .
لم تهتز الفروع يا عم البلاد تباهياً بالعطاء , بل لطرح الظلال .
ـ صدقني سيدي أبدا أبدا .. أقسم لك
ما كنتُ شجرة اعشوشبت ـ جذورها ـ في الأرض , وامتدت حتى لامست لب اللب .. ولا كانت الفروع مطأطأة الرؤوس إذلالاً .. بل إكراما وإجلالاً , لما أثقلها النبق .
لم تهتز الفروع يا عم البلاد تباهياً بالعطاء , بل لطرح الظلال .
لم أكن حتى محض عود "جعضيض" .. شيطاني المنبت .. رواني ماء نجس ,أو امتصصت الحياة من موت أحدهم حينما خلفتهم حرب الشيطان جثثاً تفوح برائحة النتن ,
لم أمتص جلوكوزي من عصارة عظامهم النخرة بعد تحللهم و رحيل شيطانهم عنهم مشيراً بكل عنجهية و تفاخر :
"هذا عبدي ..!"
لم أمتص جلوكوزي من عصارة عظامهم النخرة بعد تحللهم و رحيل شيطانهم عنهم مشيراً بكل عنجهية و تفاخر :
"هذا عبدي ..!"
ـ أقسم بمن أثمر فروعي وأينعها ما شربت طيلة حياتي غير ماء المطر , ولم أذق بول النوق , لكن من الجائز أن أفعلها لو جف عنا, أو إن لم يأت الشتاء هذا العام .
أسفل البئر .. قاظت الأرواح عطشاً و تيبست العروق .. كادت أن تتلاشى من السواعد العطبة .. تحطبت عيدان الأبدان , النفر منهم لا تفرقه عن جذع شجرة محروق ..
توقفت الإبل عن المعاشرة.. رغم اختزانها للماء , وحفاظ أسنمتها على الغذاء اللازم لبناء الهياكل الجبلية منذ شهر مضى .. أيضا لا تزال حريصة على شهوتها وقدرة الفحل منها على القيام بواجب عشرة من بنات جنسه :
ـ إذن لم هذا الرفض ؟؟ سألت أحدهم .
ـ الإبل بطبيعتها تخجل من البني آدم ! أجابني آخر مستلقياً على ظهره .
تهدجت وحــدثـتـُني سراً :
الله يلعنكم .. الحيوان يستحي منكم وأنتم لا تستحون منه !
الله يلعنكم .. الحيوان يستحي منكم وأنتم لا تستحون منه !
رمقت المنطقة الدائرة حولي .. طفت بجولة سريعة .. فعذرت النوق و الفحول ..!
تنازلت عن مكاني لحيزبونٍ , دائما كانت تراوضني في المنام .. تركت لها الزاد و الزواد .. رحلتُ .
ـ إلى أين يا أسمر ؟
استوقفني سؤالها في بداية الطريق ..
ـ سماؤكم لا تحلب عسلا .. أفـوتكم بعافية.
أجبتها مصوبا عيناي لغيمة معلقة في نهاية السكة كقصعة فحمٍ.
تنازلت عن مكاني لحيزبونٍ , دائما كانت تراوضني في المنام .. تركت لها الزاد و الزواد .. رحلتُ .
ـ إلى أين يا أسمر ؟
استوقفني سؤالها في بداية الطريق ..
ـ سماؤكم لا تحلب عسلا .. أفـوتكم بعافية.
أجبتها مصوبا عيناي لغيمة معلقة في نهاية السكة كقصعة فحمٍ.
كلما وطأت قدماي بقعة من أرضهم أو خطوت خطوة , ينتابني شعور بالاشمئزاز .. للمرة الأولى تتغير رائحة عرقي ويتملكني النفور .. ولم أسمع هذه الطرقات المتكاثرة بداخلي كدمدمات المطارق ..
أمد بالخطوات .. أفردها .. أكر .. أفر .. أركض كجحشٍ أعرجٍ حديث الفطام .. لا يصلب حيله أمام لبؤة تتقن لعبة الصيد .
أتعثر بالطريق .. أتشقلب وحرصي على الهروب فلح بنسبةٍ لا بأس بها .. دمدمتني , رأيت الغيمة كما هي .. ثابتة لا تتحرك .. ترسل طرقعات خاطفة .. تماهت مع ضوء القمر حين أحل الليل .. استقبلتها بانشراح وابتهاج شرخ صدري كسهام طرية لا تخرم ولا تقتل .
ساحتها نظيفة من البشر .. غيري ..!
تحت ارسالها افترشت ظهري بالكلأ .. ساويته بالأرض بطريقة جعلتني أتمكن من التحديق فيها بارتياح ..
كأن أطيارا لؤلؤية تخرج منها .. ترش الأرض بحبات النبق .. كسدرة معرشة في السماء .. تمنيت لو تسلقتها وسكنت أعشاشها .. أخاطب الأفراخ ويخاطبونني .. ألقمهم نبقاً وأعلمهم الطيران .. !!
أمد بالخطوات .. أفردها .. أكر .. أفر .. أركض كجحشٍ أعرجٍ حديث الفطام .. لا يصلب حيله أمام لبؤة تتقن لعبة الصيد .
أتعثر بالطريق .. أتشقلب وحرصي على الهروب فلح بنسبةٍ لا بأس بها .. دمدمتني , رأيت الغيمة كما هي .. ثابتة لا تتحرك .. ترسل طرقعات خاطفة .. تماهت مع ضوء القمر حين أحل الليل .. استقبلتها بانشراح وابتهاج شرخ صدري كسهام طرية لا تخرم ولا تقتل .
ساحتها نظيفة من البشر .. غيري ..!
تحت ارسالها افترشت ظهري بالكلأ .. ساويته بالأرض بطريقة جعلتني أتمكن من التحديق فيها بارتياح ..
كأن أطيارا لؤلؤية تخرج منها .. ترش الأرض بحبات النبق .. كسدرة معرشة في السماء .. تمنيت لو تسلقتها وسكنت أعشاشها .. أخاطب الأفراخ ويخاطبونني .. ألقمهم نبقاً وأعلمهم الطيران .. !!
بدأت أتخلص من ملابسي .. قطعة تلو قطعة .. قشّرت لحائي .. جرّدتـُني مني .. سلخته عني هذا البني آدم الذي كرهته حد الموت ..!
شعرت بشروخ في جوانبي .. أشياء تتحرك .. تخرج منها .. برزت .. بزغت أجنحتي .. رفرفت .. وراحت جاذبيتي تتخفف مني ..
طرت أريد أن أصل إليه .. سمعته يناديني .. بسرعة الومض كنت أشق الأفق كي ألبي النداء ..!
أغز بعيني هنا و هناك أبحث عنه .. يتوالى الصوت .. من أين يأتي ! لا أدري ! حبات النبق كانت تتوالد بطريقة عجيبة .. صارت تلالـاً .. حمحمتُ فوقها .. انقضضت عليها أنطحها كفحل طائر .. أكلت حد الانتفاخ وعدم القدرة على الطيران .. امتلأت حوصلتي عن آخرها .. لكن شهيتي مفتوحة .. تطلب مزيدا ..
ـ اعطها لا تحرمها
فعلا .. هذا ما فعلت , ثم أعود أرفرف .. أناديه : أين أنت ؟؟
ـ خلف السدرة .. هيا .. تعال !
يرد الصدى ثم يرد هو .. يكرر .. يأتيني من الآفاق البعيدة .. !
أنتف ريشي .. أريد أن أتخفف أكثر .. لا داعي لأي ثقل يعطلني .. أسمع الطرقعات تتزايد كجمهورٍ يشجعني .. يصل حماسي عنان السماء.. أتشجع .. أتحمس , وكالصاروخ أنطلق ..
تتحول الأصوات إلى غناء , وفوق أعلى مرقاة أغني وأتراقص .. أنظر تحتي فيعود اشمئزازي وحنقي عليهم .. تقل عزيمتي .. يلمحني فيهز الشجرة .. تنفرط ثمارها من جديد .. يرسل إليّ الأطيار .. تلملم ريشي .. تصنع أريكة وثيرة .. تتمرجح تحت أقدامي ..
تسوقها شهب و نيازك .. مكللةً بتيجان مرصعة بمصابيح ليلية .. تتلمظ و تتلمع .. تغمر تلال النبق و تكيّل لي .. !
أبص عليه .. جالساً بين الأفراخ .. يداعبها .. يحتضنهم و يلقمهم النبق .. بلا ثرثرات .
في منتصف الطريق ظهرت الحيزبون .. مجنحة .. ريشها إبري مدبدب .. تعترض الموكب :
شعرت بشروخ في جوانبي .. أشياء تتحرك .. تخرج منها .. برزت .. بزغت أجنحتي .. رفرفت .. وراحت جاذبيتي تتخفف مني ..
طرت أريد أن أصل إليه .. سمعته يناديني .. بسرعة الومض كنت أشق الأفق كي ألبي النداء ..!
أغز بعيني هنا و هناك أبحث عنه .. يتوالى الصوت .. من أين يأتي ! لا أدري ! حبات النبق كانت تتوالد بطريقة عجيبة .. صارت تلالـاً .. حمحمتُ فوقها .. انقضضت عليها أنطحها كفحل طائر .. أكلت حد الانتفاخ وعدم القدرة على الطيران .. امتلأت حوصلتي عن آخرها .. لكن شهيتي مفتوحة .. تطلب مزيدا ..
ـ اعطها لا تحرمها
فعلا .. هذا ما فعلت , ثم أعود أرفرف .. أناديه : أين أنت ؟؟
ـ خلف السدرة .. هيا .. تعال !
يرد الصدى ثم يرد هو .. يكرر .. يأتيني من الآفاق البعيدة .. !
أنتف ريشي .. أريد أن أتخفف أكثر .. لا داعي لأي ثقل يعطلني .. أسمع الطرقعات تتزايد كجمهورٍ يشجعني .. يصل حماسي عنان السماء.. أتشجع .. أتحمس , وكالصاروخ أنطلق ..
تتحول الأصوات إلى غناء , وفوق أعلى مرقاة أغني وأتراقص .. أنظر تحتي فيعود اشمئزازي وحنقي عليهم .. تقل عزيمتي .. يلمحني فيهز الشجرة .. تنفرط ثمارها من جديد .. يرسل إليّ الأطيار .. تلملم ريشي .. تصنع أريكة وثيرة .. تتمرجح تحت أقدامي ..
تسوقها شهب و نيازك .. مكللةً بتيجان مرصعة بمصابيح ليلية .. تتلمظ و تتلمع .. تغمر تلال النبق و تكيّل لي .. !
أبص عليه .. جالساً بين الأفراخ .. يداعبها .. يحتضنهم و يلقمهم النبق .. بلا ثرثرات .
في منتصف الطريق ظهرت الحيزبون .. مجنحة .. ريشها إبري مدبدب .. تعترض الموكب :
ـ من أتى بكِ هنا ؟!!
وبنظرة مارقة وجهتْ سبابتها إلى أسفل ..
أراهم بنفس السحن , وذات الدمامة .. يخفق قلبي .. ينقبض .. كأنه بين فكي كلبٍ .. يكاد ينفرط من بعضه كحبات النبق ..!
أشحت في وجهها بقرف :
ـ ابتعدي عني .. ارحميني
ـ عُد معي لن نتنازل عنك !
ـ سماؤكم لا تحلب العسل .. أنتم مقرفون .. لا تستحون من الإبل !
أراهم بنفس السحن , وذات الدمامة .. يخفق قلبي .. ينقبض .. كأنه بين فكي كلبٍ .. يكاد ينفرط من بعضه كحبات النبق ..!
أشحت في وجهها بقرف :
ـ ابتعدي عني .. ارحميني
ـ عُد معي لن نتنازل عنك !
ـ سماؤكم لا تحلب العسل .. أنتم مقرفون .. لا تستحون من الإبل !
أعادت سبابتها توجهها إلى أسفل مرة أخرى : انظر ..
لم أتحمل المنظر .. كأن الكلب ترك قلبي و مسك أمعائي .. أحسست أن حبات النبق قنبلات عنقودية تنفجر داخلي .. غثيان يلاطف حلقومي .. نظرت إلى الشجرة , صرخت : أين أنت .. ؟
فجأة تزاحمت الآفاق بنعير الإبل التي هربت ولولا أمطارالدم والنار التي أحدثتها المصابيح لوصلت إلينا …!
فجأة تزاحمت الآفاق بنعير الإبل التي هربت ولولا أمطارالدم والنار التي أحدثتها المصابيح لوصلت إلينا …!
"الجعضيض" : نبات بري ينمو مع الطفيليات يقال عنه شيطاني .
[/frame]
تعليق