تعس عبد الدّينار عبد الوظيفة
***
***
لم أجد شيئا يستحقّ التّنويه ، وأنا أتجوّل بين مكاتب ذات أبواب خشبية متقابلة ، كرفوف " قديمة " ، داخل مرفق ضخم وكبير ، لايُعرف ليله من نهاره لولا الإنارة الاصطناعيّة ، كأنّك داخل منطقة قطبيّة أو في أحد القيعان المحيطيّة ، في مناسبة " عُمّاليّة " ، قمت فيها بزيارة أحد الزّملاء القدامى .
لم أندم على بقيّة السّنين التي تركتها عندما قرّرت الخروج إلى التقاعد ، وأنا أرى أثر النّدوب على وجوه زملائي " الغلابة " ، يحتار المرء في أمثالهم والله ، الذين بالرّغم من توفّرهم على فرصة لتقاعد مبكّر، يرتاحون فيه من عناء الأوامر والمهمّات ، ويدّخرون بقيّة حياتهم لأنفسهم وذويهم ، وللشّباب " المغبون " العاطل عن العمل بتركهم للمناصب التي يحتكرونها ، يروّحون قليلاُ على أتفسهم التي تعاني من الكلل والملل ؛ وأيّ شيء أهم من سفر ممتع أو كتاب مفيد ، أو زوجة أو أبناء يستحقّون الاهتمام والرّعاية ؟اا ليس ثمّة شيء يمنعهم من ذلك ، سوى اللّهمّ بعض العلاوات التّافهة كالتي لها علاقة بالمداومة ، أو تلك الامتيازات التي يحرصون عليها ويخافون من تضييعها لأنّها تُحذف من أجورهم بمجرّد إحالتهم على التقاعد اا؟ ولا تساوي شيئًا ، مقارنة بالفرص الثّمينة التي ضاعت منهم بسبب الشّغل، والسّنين الطّويلة التي تركت ندوبها على نفوسهم ، وأجسادهم التي لا تعرف السَّعة أوالفُسحة ، ولا يتحرّك أصحابها إلاّ بأمر رسميّ وبأذن أسيادهم .
وفي الحديث : " نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس : الصحّة والفراغ " والغبن هو : " قلّة الحيلة والذّكاء " – كما ورد في بعض المراجع – وفي القانون هو " ضرر يلحق بالمرء " كما جاء في بعض المراجع الأخرى . فماذا تساوي الحياة دون سعادة ، وترويح و ترفيه ؟اا وهل تستحق منّا الحياة كل هذا التّعب؟اا
يشتكي أحدنا من الملل والكآبة ، وللرّتابة دور في الشّعور بالملل والكآبة، ومعظم الوظائف عادة على عادة ، و إلف ورتابة . و" الإلف والعادة يفسدان روعة الحياة " كما قال ( محمد قطب ) رحمه الله ، " فإذا مرت المواقف كل يوم كما هي دون تجديد فأنت الخاسر وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من تساوى يومه بأمسه فهو مغبون " ، فما بالك بمن كان يومه أقل من أمسه " يضيف الدكتور ابراهيم الفقي – ورحمة الله الواسعة على هذا الفذّ الفقيد. لم أندم على بقيّة السّنين التي تركتها عندما قرّرت الخروج إلى التقاعد ، وأنا أرى أثر النّدوب على وجوه زملائي " الغلابة " ، يحتار المرء في أمثالهم والله ، الذين بالرّغم من توفّرهم على فرصة لتقاعد مبكّر، يرتاحون فيه من عناء الأوامر والمهمّات ، ويدّخرون بقيّة حياتهم لأنفسهم وذويهم ، وللشّباب " المغبون " العاطل عن العمل بتركهم للمناصب التي يحتكرونها ، يروّحون قليلاُ على أتفسهم التي تعاني من الكلل والملل ؛ وأيّ شيء أهم من سفر ممتع أو كتاب مفيد ، أو زوجة أو أبناء يستحقّون الاهتمام والرّعاية ؟اا ليس ثمّة شيء يمنعهم من ذلك ، سوى اللّهمّ بعض العلاوات التّافهة كالتي لها علاقة بالمداومة ، أو تلك الامتيازات التي يحرصون عليها ويخافون من تضييعها لأنّها تُحذف من أجورهم بمجرّد إحالتهم على التقاعد اا؟ ولا تساوي شيئًا ، مقارنة بالفرص الثّمينة التي ضاعت منهم بسبب الشّغل، والسّنين الطّويلة التي تركت ندوبها على نفوسهم ، وأجسادهم التي لا تعرف السَّعة أوالفُسحة ، ولا يتحرّك أصحابها إلاّ بأمر رسميّ وبأذن أسيادهم .
وفي الحديث : " نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس : الصحّة والفراغ " والغبن هو : " قلّة الحيلة والذّكاء " – كما ورد في بعض المراجع – وفي القانون هو " ضرر يلحق بالمرء " كما جاء في بعض المراجع الأخرى . فماذا تساوي الحياة دون سعادة ، وترويح و ترفيه ؟اا وهل تستحق منّا الحياة كل هذا التّعب؟اا
إنّها عبودية قائمة الأركان والله ، فالموظّف الذي يخاف من التّقاعد بسبب تضييعه لبعض العلاوات التّافهة أو الامتيازات التي لا حق له فيها ، مريض يستحقّ العلاج. لآنّه يرى في الحياة مجرّد مال ، رغم ما للمال من أهميّة وهو " عصب الحياة " كما يقال . لكن المال وحده لا يصنع الرّبيع ولا يشري الشّباب ، ولا يُعيد عجلة الزّمن إلى الوراء . وأمّا هؤلاء " المرضى " فهم عبيد للوظائف ، كرّسوا حياتهم لخدمة غيرهم ، على حساب صحّتهم وأوقاتهم وأهاليهم . تعس عبد الدّينار عبد الوظيفة .