بعد مرور ما ينهاز قرناً من الزمن على ظهور كتاب "الإنسان، ذلك المجهول" لكاتبه (المُنَوبل) الطبيب الفرنسي اللامع/البئيس (آليكسيس كاريل)، نعيد التدقيق في أنموذج هذا الإنسان المعاصر فلا نجد ما يدفعنا للقول بأنه لا يزال مجهولاً كما وقف عند عتباته عقل (كاريل) حائراً. نعيد النظر بكل ما تتيحه اللحظة من جرأة، خاصة و نحن نعيش اليوم في زمن (الفاست) و المكننة التي يعرفها الإنتاج الاستهلاكي الضخم على كل مستويات الاقتصاد الدولي، حيث باتت الشركات العملاقة تنتج نفس الحلوى بنفس الطريقة و على نفس التقنية و بالمذاق نفسه سواء كان الذي سيأكلها طفلاً في ضواحي (كالكوتا) أو كهلاً في مصلحات (ماديسن أفنيو). هي نفس المكننة و العقلنة بغض النظر عن اتساع الفوارق المجتماعتية و اختلاف الأذواق الثقافية. الكل يأكل نفس الطبق و يؤدي نفس الثمن و يسمع نفس عبارات الترحاب و نفس عبارات التوديع الممكننة في مختبرات الدعاية في ماديسون أفنيو ترددها عن غير قصد و لا وعي تلك العاملة البائسة تزين ملامحها الشاحبة ابتسامة صفراء تخفي، ولو للحظة، علامات الشؤم و قد انحنى ضهرها إثر ساعات تضل واقفة خلف (الكاشيير)، ذلك الغول الذي لا يعرف الراحة ثانية على مدار الأقمار، سواء في (كالكوتا) أو في (ماديسن أفنيو).
إنه عصر التشابه المطلق.
بما أن هذا المئال هو من صنع البشر، فلا غرابة إذا طال وباء التشابه المطلق الإنسانَ نفسَه. أليس الإنسان منتوج ثقافي يجسد حركة التطور المجتمعاتي طبق حركتي المد و الجزر على حد سواء؟ لذا، لم أعد أصدِّق أن الإنسان مجهولٌ كما روجت للفكرة عبقريات تاريخية يشهد لها بالكفاءة (و الحماقة على حد سواء: أليكسيس كاريل نموذجاً).
الإنسان أراه مفضوحا في كل حركاته وسكناته. خذ مثالاً على ذلك:
تراه حين يقوم بالغلطة المتعارف عليها دوليا أنها غلطة (اسأل طفل كالكوتا سيجيبك على أنها غلطة تماما لو سألت كهل ماديسن أفنيو - دائما طبق مبدأ التشابه المطلق). و بالرغم من ذلك، إلا أنه سيجد لغلطته من التبريرات من الدلائل الوهمية و شبه الوهمية ما يكفي لإقناع سكان الإيسكيمو بشراء قطع الجليد (الممكننة بنفس الطريقة المشار إليها أعلاه). و في حالة ما كان غيره من ارتكب نفس الغلطة بنفس الطريقة و بنفس المذاق...لتمكن من هدمها حتى و لو كانت على قدر لا بأس به من المعقول. فالغلطة حتى و إن كانت هي نفسها صورة طبق الأصل حسب التماثل المحوري لما نسميه "التشابه المطلق"، إلا أن التدقيق في ردود فعل الإنسان، ذلك المعلوم، تجعلنا نعتقد، أن المشكلة ليست بالضرورة في الغلطة: قد يتفق البشر في كونها غلطة، لكن الاختلاف - كل الاختلاف - يبقى وارداً عندما يتعلق الأمر بمرتكب الغلطة. و الكل يلتقون عند عتبة التبريرات ليشق كل منهم طريقا و إن بدا معاكساً، لكنه الأسلوب نفسه، و المنطلق نفسه، و المغزى ذاته ينبع من نفس المصدر: تلك الأنا المعلومة.
أمن أجل ذلك، قال القدماء حكمتهم النابعة من معرفتهم بخبايا الإنسان: رحم الله من عرف قدر نفسه؟
إذن، الإنسان ليس بذلك المجهول المطلق، بل هو معلوم و واضح في حركاته و سكناته حد...الغباء.
م.ش.
إنه عصر التشابه المطلق.
بما أن هذا المئال هو من صنع البشر، فلا غرابة إذا طال وباء التشابه المطلق الإنسانَ نفسَه. أليس الإنسان منتوج ثقافي يجسد حركة التطور المجتمعاتي طبق حركتي المد و الجزر على حد سواء؟ لذا، لم أعد أصدِّق أن الإنسان مجهولٌ كما روجت للفكرة عبقريات تاريخية يشهد لها بالكفاءة (و الحماقة على حد سواء: أليكسيس كاريل نموذجاً).
الإنسان أراه مفضوحا في كل حركاته وسكناته. خذ مثالاً على ذلك:
تراه حين يقوم بالغلطة المتعارف عليها دوليا أنها غلطة (اسأل طفل كالكوتا سيجيبك على أنها غلطة تماما لو سألت كهل ماديسن أفنيو - دائما طبق مبدأ التشابه المطلق). و بالرغم من ذلك، إلا أنه سيجد لغلطته من التبريرات من الدلائل الوهمية و شبه الوهمية ما يكفي لإقناع سكان الإيسكيمو بشراء قطع الجليد (الممكننة بنفس الطريقة المشار إليها أعلاه). و في حالة ما كان غيره من ارتكب نفس الغلطة بنفس الطريقة و بنفس المذاق...لتمكن من هدمها حتى و لو كانت على قدر لا بأس به من المعقول. فالغلطة حتى و إن كانت هي نفسها صورة طبق الأصل حسب التماثل المحوري لما نسميه "التشابه المطلق"، إلا أن التدقيق في ردود فعل الإنسان، ذلك المعلوم، تجعلنا نعتقد، أن المشكلة ليست بالضرورة في الغلطة: قد يتفق البشر في كونها غلطة، لكن الاختلاف - كل الاختلاف - يبقى وارداً عندما يتعلق الأمر بمرتكب الغلطة. و الكل يلتقون عند عتبة التبريرات ليشق كل منهم طريقا و إن بدا معاكساً، لكنه الأسلوب نفسه، و المنطلق نفسه، و المغزى ذاته ينبع من نفس المصدر: تلك الأنا المعلومة.
أمن أجل ذلك، قال القدماء حكمتهم النابعة من معرفتهم بخبايا الإنسان: رحم الله من عرف قدر نفسه؟
إذن، الإنسان ليس بذلك المجهول المطلق، بل هو معلوم و واضح في حركاته و سكناته حد...الغباء.
م.ش.