نينا والذّئاب البشريّة ( 2 )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصباح فوزي رشيد
    يكتب
    • 08-06-2015
    • 1272

    نينا والذّئاب البشريّة ( 2 )

    أكذب إن قلت لها إنّني أبحث عن إقامة علاقة جادّة معها ، ورغم ذلك أريدها حاضرة أمامي بكل رغبة وشوق ، ليس هو ذاك الحب الذي عشته ، ولكنه نوع من الفضول يدفعني لمعرفة المزيد عن هذه الفتاة التي أعجبتني كثيرا ، وأنا لست خبيرا في الجمال .
    ركبت رأسي : " لن أبرح المكان حتّى تأتي " . وبقيت متشنّجا ، لكن ثابتا على نفس المبدأ، أعدُّ الدّقائق والثواني والأعشار ... وفي الأخير هاهي قادمة ولاح خيالها من بعيد ؛ جاءت تهرول كأنها فازت في سباق ، وحاولت كتم أنفاسها المتسارعة وقد أحكمت قبضتها على حقيبة اليد حتّى لا تُفلت منها ، خوفا عليها وعلى ما فيها من أسرار ربما . عندها أدركت أن أختها هي من أخبرتْها على مضض ، ولم تكن ترغب في حضورها ، وقعدت على مضد - كما يُقال - لمّا عرفت أنها ستأتي لا محالة ، وأنها في طريقها إلينا . فلم تجد أفضل من أن تحجز مكانة لها و لو في الخلف ، فالفرصة قد لا تتكرّر . ولا مجال للإيثار. منعرجات الطريق تطوّق سلسلة الجبال كالعقد في رقبة نينا ، في أدنى الأرض مطعم " لاكارافيلا " الشّهير ، كالجوهرة المفقودة في الكورنيش الجميل ، والذي يعود له الفضل في تسمية المدينة بذات الاسم . إخترنا نحن الأربعة الجلوس جنب النّافذة المطلّة على بحر المتوسّط ، نراقب الأمواج العاتية تصفع الصخور بكل قواها محدثة صخبا يشبه صوت الكمان الأجهر الغليظ ، ثم تنسحب تاركة وراءها رغاوي بيضاء كرغاوي الصّابون ، تتحول الرّغاوي شيئا فشيئا إلى ما يشبه " الشّنينة " أو اللّبن ؛ حين كنت طفلا صغيرا ، وكانت الحرف التقليدية هي السّائدة قبل أن تغزوها المعلّبات بأغذيتها الوخيمة ،
    تعوّدت على رؤية الحرائر يخضَضْن شكوى معلّقة ويصنعن من الحليب أو اللّبن ما يُسمّى " شنينة " و لايكْلِلْن ولايملُلْن طول النّهار من المواويل والخض .
    جنب النّافذة المطلّة على أديم المتوسّط الأزرق ، يروي لنا البحر قصة وجوده " السرمدي " .
    تقول لي نينا إنّها لأول مرّة تخرج مع رجل . أنظر إلى تلك المزحة ! مثل هذا الكلام الذي لا ينطلي حتى على الصغار الرضّع ، وهي من كانت وراء الموعد و أوصلتنا إلى المكان الذي نحن الآن فيه . هذا المكان الذي لا يبعد كثيرا عن الإقامة الجامعية ، مكان رائع بكل المقاييس ؛ لكل من يبحث عن الرومانسية وتحرير المشاعر الأسيرة وتمضية الأوقات الجميلة ، بغض النّظر عن الرّفيق .
    سحر المشاهد لم يترك لنا فرصة للكلام ، لكن توتُّر الأمواج المتزايد ، وتلاشي زرقة البحر ، وأنوار المصابيح التي بدأت تطلع علينا من كل جانب كنبات الفطر ، ولباقة النّادل الواقف طول الوقت ، غير بعيد عنا ولسان حاله يقول " بامكانكم الانصراف " ...وكان لا بد من وضع حدٍّ لهذه المشاعر الجيّاشة حتّى لا ننسى أنفسنا.
    أردت أن اختمها بنوع من الهزل فقلت للبنت : " نينا مدّي يدك " مدت يدها ، وربما كانت تتمنى أن ترى فيها الحنّة ، مثل كل البنات . وخاصّة الأمّهات ، كل الحق للأمّهات المكابدات في رؤية بناتهن مبتهجات وبزي العرائس . لكن الذّئاب الفتّاكة لا تنصرف حتّى تترك بصماتها ملطّخة بفرائسها .ردّت بصوتها الدافئ الحنون : " هل تقرأ الكف ؟ " أمسكت عن الضّحك كي أبدو جادّا فيما سأقوله لها : " شوفي يابنت الحلال اسمك نينا صح ؟ " قالت " إيه " استطردتُ : " اسمك جميل وصاحبته حنونة وتحب الضحك والهزار. صح " أومأت برأسها أن " نعم " "" لديك إرادة تكسر الحجر . صح " تمايحت قليلا كالسكران ولم تنبس ببنت شفة .واصلتُ كلامي دون انقطاع : " نينا رومانسية ، لديها روح المسؤولية ، تحب الخير للآخرين ، تكره النّفاق والكذب وتحب الصّراحة وتعمل بالنّصيحة " قلت : " .صح " أخذت نفسا طويلا كأنّما تنفّست الصّعداء. " شوفي يابنت الحلال الشخص الذي أمامك متزوّج وله أربعة أطفال والخامس إن شاء الله في الطّريق " .
    التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 29-07-2019, 15:16.
    لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
يعمل...
X