الماسورة بقلم السير المحرر: عبد الناصر رابي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الناصر رابي
    أديب وكاتب
    • 07-07-2010
    • 13

    الماسورة بقلم السير المحرر: عبد الناصر رابي

    الماسورة
    بقلم السير المحرر: عبد الناصر رابي
    كالكلاب المسعورة تقدموا، يبثون الرعب، يخطفون من الليل سكونه، يمزقون ستار الاطمئنان، لم ينتظروا ان تفتح الأبواب، حولوها الى أشلاء، اندفعوا الى باحة المنزل بوجوه ازدادت قبحا بما اعتلاها من مواد للتمويه، استباحوا غرف نومه، ضج المكان من صوت عوائهم، رسمت خطوط الضوء المنبعثة من فوق فوهات بنادقهم لوحة ظلم وقهر والم على ما الت اليه أوضاع شعبنا في ظل انقسام عربي وتناحر اقليمي وتشظى داخلي وتسليم رقبة الأقصى وأهله للاستعمار ودولته الوظيفية.
    ايفو (اين) سعيد، كلو برفع ايده فوق وبلف ووجه على الخيط (الحائط)، الي بما بنفذ الأوامر بطخوا، بهذه اللكنة الصهيونية انبعثت القذارة من افواه جنود وضباط الاحتلال ممزوجة بصلف وعنجهية كبيرة.
    انا سعيد ماذا تريدون؟
    انت سعيد قف لا تتحرك، ضع يديك خلف ظهرك.
    انقض عليه الجنود بوحشتيهم المعتادة وهمجيتهم المتأصلة، زينوا معصميه بالأصفاد، اغلقوا عينيه بقطعه قماش، وما علموا انها لا تحجب نور الايمان الذي يعمر قلبه.
    اقتيد سعيد الى خارج البيت دون ان يسمح له بتوديع اهلة الذين خنقتهم العبرات وبكت قلوبهم دون ان تدمع اعينهم لكيلا يتشفى الاحتلال برؤيتها، منعوه من اخذ أي شيء من الملابس التي سيحتاجها في سجنه.
    ساعات عصيبة مرت وهو يتنقل داخل الجيبات والسيارات العسكرية ليستقر به المقام في مركز تحقيق الجلمة، الذي يربض على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م في شمال فلسطين.
    اجبر على تبديل ملابسه بملابس السجن بنية اللون التي يلبسها المعتقلين الفلسطينيين رغما عنهم.
    بعد اجراء الفحص الطبي الشكلي، اقتيد داخل ردهة طويله وما ان انتهت حتى راي لوحه كتب عليها قسم رقم 8، تم فتح الباب وإذا بساحة محاطة بألواح الصفيح، تخطاها بخطى تثقلها اصفاد الارجل وبعد عشرين مترا تم فتح باب جديد وبعد الدخول تبين لسعيد انه وصل لقسم التحقيق.
    تم اخذ بياناته الشخصية واغراضه كأمانات ولم يتم امهاله فاقتيد الى غرف التحقيق الجاثمة في الطابق الثاني، بعينان معصوبتان ويدان مكبلتان من الخلف ساروا به نحوها، تم ادخاله الى غرفة التحقيق وتم اجلاسه على كرسي مثبت بالأرض، تم ربط اصفاده بالكرسي ورُفِعَ الغطاء عن عينية فاذا بمكتب وحاسوب وهاتف ارضي لا يمكن ليديه او قدميه الوصول لهما.
    بعد نصف ساعة من الانتظار الثقيل فُتِحَ الباب ودخل رجل في أواسط الثلاثينات من العمر يصطنع ابتسامة صفراء تخفي ورائها حقدا وحقارة وسادية وشخصية تتقن فنون الكذب والخداع والتمثيل وتمتهنها جميعا.
    اهلا سعيد كيف حالك ان شاء الله اما اتغلبت في الطريق، سعيد انتا جوعان؟
    سعيد: لست جائعا.
    المحقق: شو بتحب تشرب قهوة والا شاي.
    سعيد: لا اريد شيء، ولا حتى ماء، ولا حتى ماء.
    المحقق: انا سأحضر لك ماء وإذا بدك ابتشرب.
    وبعد احضاره الماء قال المحقق لسعيد: اسمع سعيد هل تعلم اين انت الان.
    سعيد: لا اعرف.
    المحقق: لا تعرف؟ انت في تحقيق الجلمة، أفضل واقوى مركز تحقيق بإسرائيل، ولا يخرج منه أحد الا بعد ان يحكي الحقيقة ويتفاهم على كل شيء، وانت سوف تتفاهم من اجل ان ترتاح وتخرج من هنا بسرعه.
    سعيد يستمع لكلمات الرجل الذي عرَّف على نفسه انه المحقق دافيد الذي استرسل في كلامه السام المغلف بالعسل، فتحدث عن قوة جهاز الشاباك الإسرائيلي وعن عدم إمكانية خروج أحد من التحقيق دون ان يعترف وازداد كذبا بقوله انه لم يسمع بأحد دخل التحقيق وخرج دون الاعتراف.
    مرت الساعات والأيام وسعيد يخرج يوميا لمكاتب التحقيق معظم ساعات اليوم والمحقق يوجه له التهم ويستخدم معه أساليب الترغيب والترهيب ولكن كل ذلك لم يجدي نفعا مع سعيد الذي ظل متماسكا لا يبوح باي سر صغر او كبر.
    وفي اليوم السابع دخل المحقق عليه وهو يبتسم ويقول له اتعبت نفسك يا سعيد دون فائدة وصديقك فيصل كان اذكى منك وحكى عن كل شيء قمتم به وتفاهم معنا، هو سيخرج سريعا من الزنازين والسجن كله وانت ستقضي سنوات طويله.
    انا لا علاقة لي بفيصل رد سعيد.
    اسمع يا سعيد انا مستعد لمساعدتك والكتابة في التقرير إنك تفاهمت وقلت الحقيقة حتى لو بعد أسبوع.
    سعيد لم ينخدع بهذا الكلام واستمر في انكاره وتم انزاله الى زنزانته الانفرادية وبقي فيها وحيدا تنهشه الأفكار والهواجس، ماذا لو كان كلام المحقق صحيح بان فيصل قد اعترف، انا سأنكر ولكن ماذا سيحصل للآخرين إذا تم اعتقالهم !؟ ازاد المه فهو لم يرى من أبناء جلدته أحدا طوال العشرة أيام، فامتزجت المخاوف من اعتراف فيصل مع المخاوف على الاخرين مع قسوة الوحدة في الزنزانة الانفرادية.
    انقطع التيار الكهربائي في الزنزانة فطرق سعيد الباب، وعندما جاء السجان و راى الضوء منقطعا قال لسعيد: تعال معي فانا سأنقلك لزنزانة اخرى حتى اصلاح العطل الكهربائي.
    تم نقله لزنزانة اخرى، لاحظ بعد دقائق ان بينها وبين الزنزانة الأخرى ماسورة صغيرة تكفي لإرسال السجائر وسماع الكلام.
    من هناك في الزنزانة يا شباب لم يجبه أحد وبعد دقائق تم فتح باب الزنزانة المجاورة ودخل شخص فبادره سعيد سائلا من تكون؟
    فرد الاخر انت من تكون فصوتك معروف؟ سعيد، فيصل؟
    شو اخبارك وشو عامل انا في التحقيق منذ عدة أيام.
    اسمع يا فيصل انا ممكن ان اعود لزنزانتي بعد اصلاح الكهرباء عشان هيك بدي احكي معك بسرعة فرد فيصل تكلم يا اخي.
    اسمع يا فيصل المحقق بقول إنك اعترفت بكل شيء بيني وبينك ولمح حول موضوع السلاح والأموال وانا انكرت وانت لازم تسحب اعترافك. سعيد شو بتقول انا لم اعترف انت من اعترفت انا لم اعترف ولم اقل أي كلمة.
    والا كيف عرفوا بقصه السلاح والأموال؟
    يا زلمة بقلك لم اعترف ولم اقل أي شيء،
    يعني هم بكذبوا علينا؟
    صحيح هم بكذبوا.
    اسمع إذا يا فيصل أبقي مصرا على الانكار وان شاء الله ما بجيبوا محمود لانوا ضعيف وممكن يعترف ويجيب كل القصص.
    لا أتوقع يا سعيد ان يحضروه فهو غير معروف واحنا تحت كل الظروف لا يمكن ان نعترف على عملية إطلاق النار لان فيها إصابات، اتفقنا، اتفقنا يا فيصل.
    اعيد سعيد لمكاتب التحقيق بعد دقائق معدودة وكان بانتظاره ليس محقق واحد بل طاقم تحقيق مزود بتسجيل صوتي لكل ما دار بين فيصل وسعيد.
    (قديما قالت جدتي الحيطان لها اذان)

يعمل...
X