الدراما الشعرية بين المفهوم والواقع
الناقد والباحث والصحفي
جمال خضير الجنابي
دهش الباحثون بما قدم الشعراء العرب قبل الإسلام من نمط شعري جديد في بيئة صعبة ودور تاريخي وحضاري كان ذلك الشعر يتعداه ويتجاوزه بتطور واضح حتى استقام قصيدة ومعقلة ذات بناء محكم ويبدو إن الشعر استطاع بالغنائية وحدها إن يعبر عن وجدان الإنسان العربي وان يقدم صورة جلية للبيئة الجاهلية وكانت القصيدة تسير حتما إلى أنواع أكثر تعقيد ما طرا عليها من تغيير وبطبيعة الشعر الخطابي الذي يصلح بداية أولية للدراما .
فالشعر يبدأ غنائيا مطلقا ما تم غنائيا مقيدا يحدث ثم يميل إلى الحكاية والحبكة والسرد والروح القصصي والملحمي ثم يقترب من الدراما عضويا فتتولد في جذور تعد النواة الدرامية الأولى فتستقل الغنائية عما تفرغ فيها أنواع شعرية أخرى .
ويؤكد ( الدكتور محمد مندور ) في كتاب ( الميزان الجديد ) إن الشعر العربي يتميز بصفتين واضحتين هما (النغمة الخطابية والوصف الحسي ) فالرجل العربي القديم في صحرائه الجرداء المنبسطة المترامية الإطراف كان رجل ملاحظة دقيقة يتناول التفصيلات ولم يكن رجل خيال محلق كسكان الجبال والغابات حيث يسبح الخيال إلى القمم أو ينطلق في الدروب الكثيفة الأشجار فيتصور أنواع الكائنات التي لا يراها ويخلق بخياله ضروبا من الحيوانات الأسطورية والقصص الخارقة وهو يقول الشعر لينشده وكأنه يلقي خطابا تاهتز المشاعر لا بمجرد ناقل لفكرة وإحساس .
إلا إن الشعراء الجاهليين كانوا يبحثون عن الجديد والمعاصر حاولوا الوصول إلى ما وراء الغنائية في الإبداع الشعري ولا تظهر الدراما فجأة دون توطئة وتمهيد وتطور العملية الشعرية بتأثر الدور الحضاري والتاريخي .
وللعرب قبل الإسلام تاريخ طويل وإحداث وحروب يمكن إن تعد مادة درامية ضخمة بما تقدم من صراع وتعقيد وتشابك إلا أنها تشتغل في ذلك العصر وفي أي عصر وإذا كنا نؤمن بان الدراما بان الدراما فصل وحذف وصراع ومحاكاة وعرض مسرحي إمام الجمهور فلا شك في إن العرب قبل الإسلام بحدود ما وصل ألينا من مصادر لم يبدعوا نصوصا درامية محددة بالرغم من وجود مادة درامية ومظاهر تمثيلية معينة ولا نغالي فنقر الخلل بالشاعر القديم وحده أو نلقي التبعية على العصور المتتالية أو نلح بحثا عن الأسباب بقدر ما تتمثل القضية في الشاعر المحدث ولديه التراث والتاريخ والحاضر والمستقبل ولديه طبقا لما نفترض الموهبة والقدرة ولكنه ما يزال محكوما بالغنائية وإذا أردنا إن نجزم بان الشعر العربي القديم غنائي محض فهناك إشكال درامية اتخذت طريق القصص الشعرية بسر د حادثة أو حوادث مع وصف أو إفصاح عن شعور وموقف ورأي وكان للشاعر إن يطور .
حكاياته لو وجد الواقع أو إدراك إبعاد الأجناس والأنواع الأدبية المختلفة وقد تعيننا فيما نذهب إليه أمثلة من نصوص شعرية حديثة في مجموعة الشاعر ( عباس الجنابي ) والتي حملت عنوان ( حكاية وخيمة وبيت ) .
حيث يقول :
( اسأل نفسي لماذا نموت
وتنحسر للدود أجسادنا
لنحيا ...
اجل ... لا تموت الحياة
وفي جوفها ...
لم يمت عشقنا
لماذا نخاف البعيد .. وتدري
بان اغتراباته عمرنا ) .
ولا نستطيع إن تلوم شاعرنا إذا عرض لموضوع خاص وحين يكون التلخيص الغنائي تعويضا عن تفصيلات درامية لا يصح لدينا إن يكون بديلا لها , والغنائية استطاعت ومنذ بدايتها الأولى إن تحقق أول شروط .
الدراما بما اتبعته من منحنى قصصي وأسلوب خطابي وتكثيف في الجملة الشعرية التي كنا نود في كثير من الأحيان لو اقترنت بالنمو والتماسك ومن المعروف إن الجملة الشعرية في المسرحية تحوي أوسع قدر من المعاني بأقل ما يمكن من الكلمات والشاعر ( عباس الجنابي ) بارع في التلخيص وان بتقليص التجربة أحيانا , وشاع الأسلوب الخطابي فالقصيدة تلقي في المحافل وقصائد كثيرة تدعو إلى الحث والترغيب واتسع الاتجاه الشعري القصصي ( والقصة هي نواة التراجيديا التي تنزل منها منزلة الروح ) طبقا لرأي ( أرسطو ) الذي وصف الشعراء بأنهم مبدعو الحكاية وعليهم إن يهتموا بها وما عد الشاعر شاعرا إلا إذا كان من أنصار الحكاية ولكنه لم يكن من دعاة الكتابة القصصية الشعرية وإنما أراد إن يلغي التجريد والانسياب في الشعر ليقترن دوما بالدراما أو بما يحدده ويبعده عن عمومية تفقده قيمته العالية .
( يا سيد الأشجار والثمر
إنا ابنك الوحيد في خطر
لراسك المرفوع فوق الرمح انتمي
لناقة تشرب ماء الرمل انتمي
لواحة
تملا بئر الصبر من دمي
لأي طفل يرضع الحليب من دمي ) .
والشاعر ( عباس الجنابي ) حقق شروطا أولية في البناء المسرحي ( النزعة الدرامية , والتكثيف في العبارة والأسلوب الخطابي الذي يمكن إذا اتبعته فيه أصول درامية إن يتحول إلى حوار من طبيعته الخطاب المتبادل بين ممثلي أو أكثر إمام الجمهور ) .
يقول أفلاطون ( لو نزعنا من المسرحية الموسيقى والغناء والإيقاع فلن يبقى فيها سوى قطعة خطابية ) وما كان على الشاعر إلا إن يدرج إلى الحوار والحبكة والصراع والحياة المتكاملة في العمل الدرامي الحقيقي لولا أسباب تاريخية حالت دون ذلك وبدأت المسرحية أول ما بدأت خطبة أو ما يشبه الخطبة وهذا ما يسفر لنا إن ممثلا واحدا كان يقوم بالأداء المسرحي كله وان من أهداف مسرحيات قديمة فرضت في اليونان وغيرها اقترانها بموضوع معين لحث الجمهور على أمر ما أو إقناعهم بالحرب مثلا إحدى مسرحيته ( اسخيلوس 467 ق. م ) تبدأ بخطاب من الملك إلى شعبه ممثلا بجمهور الحاضرين ويدخل رسول ويعطي تقريره وينسحب ويصلي الملك للنصر وينتهي المشهد ومن الصعب تسمية هذا بحوار .
( في الحلم رايتك تذوي
في قطب رؤاي تدور
تمضي بسكون
في جسمي كنبت تموت
كان الدمع يطارد نعشك
ويهب سيولا خلف التابوت
واحترق الحلم
عشقا صوفيا
ونقاء يدويا ................ ) .
ويؤكد الناقد ( طراد الكبيسي ) إن الذي لا شك فيه إن المتن الحكائي لعب دورا أساسيا في تشكيل المبنى من خلال مراحله المتعددة من دون إن نغفل بالطبع دور الحاكي ( السارد / الشاعر ) لأنه هو الفاعل المقتدر في عملية البناء ومن اختار الخطاب فالتتالي الزمني وربط النتائج بالأسباب ولا سرد من دون سارد وهكذا جاء المبنى مرتبا حسب طبيعة ألحكي مشغولا بنظام الرد الموضوعي وما يجعل القصيدة عملا دراميا جيدا يقوم على أرضية فكرية وينمو عبر تصاعد تناقضات الحوار وتعقيبات الكورسين مما يقترب بها من العمل المسرحي المتكامل وقصائد ( عباس الجنابي ) في مجموعة ( حكاية وخيمة وبيت ) التي اعتمد فيها السرد القصصي والمونولوج الداخلي الطويل , وأقام هذين النمطين من البناء على محور من القصيدة بمادة غزيرة من المأثور الشعري ( الإيمائي والأمثال والحكايات ) فضلا عن استعانته بالكتب السماوية أسلوبا ومعاني لكن هذه القصائد التي تلمع فيها هيكلا واضحا قائما مما يمنحها السعة الدرامية ظللت عالية النبرة غنائية الطابع واستطاعت بعض أجزائها وتكررت بعض معانيها مما منحها شكلا فضفاضا قياسا إلى موضوعها كما نرى في قصيدة ( اقرأ سورة مريم ) .
( حول الخندق كنت تدور
كنت أراك
تشد البدر إليك
فتنبت أقمارا ونجوما وبدور
وعند صلاة الليل
رايتك تزرع باسم الله زهور
هيئ سجادة موتك
قبل حلول الأذان
واقرأ سورة مريم .................) .
وعلى الرغم من إن العدد الأكبر من جيل الستينات لم يغادر منطقة القصيدة القصيرة أو متوسطة الطول إلا إن عددا منهم حاول كتابة القصيدة الطويلة أو ( المتوسطة الطول ) إن جاز التعبير مستخدمين عددا من الوسائل البنائية لتركيبها فاعتمد ( عباس الجنابي ) المقاطع الطويلة لتجسيد حالات ومواقف السرد القصصي والحوار البسيط الذي يتخذ طابع الحوار الداخلي حين يجرد الشاعر من نفسه مخاطبا يمثل القضية أو الحبيبة من خلال حواره مونولوجيه الداخلي واعتمد أحيانا صوت المعقبة ( الراوية) و لابد من الإشارة إلى إن عددا من الستينيين قد واصل التجريب البنائي وتوظيف المتاح في أساليب الفنون الأخرى , فأكثر في توظيف المونتاج مستفيدا من السينما ممتزجا بعدد من الأساليب في البناء ( كالتداعي الحر مستفيدين من ( تكتيك ) الرواية الحديثة في ( تيار الوعي ) وقد تبنى بعضهم قصيدته المقطعية على زوايا النقاط المتعددة تشكل في مجموعها الصورة الكلية للمشهد في تعميق الأسلوب المونتاج ممتزجا بالحوار وبالسرد القصصي وبالوصف الخارجي وبقدر ما يسمح به التعبير الشعري .
( كانوا معا
يترصدون الغيمة السوداء والمطر الكذيب
ويعاقرون نهاية الدرب المعبد بالحصى
ويثرثرون ..
حتى إذا مر الغريب
واستغرقوا بالمتمتمات المتعبات .. ) .
لكن السردية الشعرية هنا يمتزج فيها الحاكي والمحكي من خلال المزج بين ما هو لا شخصي وما هو شخصي و إذا كان كل عمل سردي يتكون بالضرورة من متن ومبنى حكائي فما يهمنا هنا الكيفية التي نتعرف بها كقراء على ما وقع فعلا ( المتن ) أي الكيفية التي اطلعنا بها الشاعر السارد ( الشاعر ) على ما وقع أي المبنى الحكائي .
الناقد والباحث والصحفي
جمال خضير الجنابي
دهش الباحثون بما قدم الشعراء العرب قبل الإسلام من نمط شعري جديد في بيئة صعبة ودور تاريخي وحضاري كان ذلك الشعر يتعداه ويتجاوزه بتطور واضح حتى استقام قصيدة ومعقلة ذات بناء محكم ويبدو إن الشعر استطاع بالغنائية وحدها إن يعبر عن وجدان الإنسان العربي وان يقدم صورة جلية للبيئة الجاهلية وكانت القصيدة تسير حتما إلى أنواع أكثر تعقيد ما طرا عليها من تغيير وبطبيعة الشعر الخطابي الذي يصلح بداية أولية للدراما .
فالشعر يبدأ غنائيا مطلقا ما تم غنائيا مقيدا يحدث ثم يميل إلى الحكاية والحبكة والسرد والروح القصصي والملحمي ثم يقترب من الدراما عضويا فتتولد في جذور تعد النواة الدرامية الأولى فتستقل الغنائية عما تفرغ فيها أنواع شعرية أخرى .
ويؤكد ( الدكتور محمد مندور ) في كتاب ( الميزان الجديد ) إن الشعر العربي يتميز بصفتين واضحتين هما (النغمة الخطابية والوصف الحسي ) فالرجل العربي القديم في صحرائه الجرداء المنبسطة المترامية الإطراف كان رجل ملاحظة دقيقة يتناول التفصيلات ولم يكن رجل خيال محلق كسكان الجبال والغابات حيث يسبح الخيال إلى القمم أو ينطلق في الدروب الكثيفة الأشجار فيتصور أنواع الكائنات التي لا يراها ويخلق بخياله ضروبا من الحيوانات الأسطورية والقصص الخارقة وهو يقول الشعر لينشده وكأنه يلقي خطابا تاهتز المشاعر لا بمجرد ناقل لفكرة وإحساس .
إلا إن الشعراء الجاهليين كانوا يبحثون عن الجديد والمعاصر حاولوا الوصول إلى ما وراء الغنائية في الإبداع الشعري ولا تظهر الدراما فجأة دون توطئة وتمهيد وتطور العملية الشعرية بتأثر الدور الحضاري والتاريخي .
وللعرب قبل الإسلام تاريخ طويل وإحداث وحروب يمكن إن تعد مادة درامية ضخمة بما تقدم من صراع وتعقيد وتشابك إلا أنها تشتغل في ذلك العصر وفي أي عصر وإذا كنا نؤمن بان الدراما بان الدراما فصل وحذف وصراع ومحاكاة وعرض مسرحي إمام الجمهور فلا شك في إن العرب قبل الإسلام بحدود ما وصل ألينا من مصادر لم يبدعوا نصوصا درامية محددة بالرغم من وجود مادة درامية ومظاهر تمثيلية معينة ولا نغالي فنقر الخلل بالشاعر القديم وحده أو نلقي التبعية على العصور المتتالية أو نلح بحثا عن الأسباب بقدر ما تتمثل القضية في الشاعر المحدث ولديه التراث والتاريخ والحاضر والمستقبل ولديه طبقا لما نفترض الموهبة والقدرة ولكنه ما يزال محكوما بالغنائية وإذا أردنا إن نجزم بان الشعر العربي القديم غنائي محض فهناك إشكال درامية اتخذت طريق القصص الشعرية بسر د حادثة أو حوادث مع وصف أو إفصاح عن شعور وموقف ورأي وكان للشاعر إن يطور .
حكاياته لو وجد الواقع أو إدراك إبعاد الأجناس والأنواع الأدبية المختلفة وقد تعيننا فيما نذهب إليه أمثلة من نصوص شعرية حديثة في مجموعة الشاعر ( عباس الجنابي ) والتي حملت عنوان ( حكاية وخيمة وبيت ) .
حيث يقول :
( اسأل نفسي لماذا نموت
وتنحسر للدود أجسادنا
لنحيا ...
اجل ... لا تموت الحياة
وفي جوفها ...
لم يمت عشقنا
لماذا نخاف البعيد .. وتدري
بان اغتراباته عمرنا ) .
ولا نستطيع إن تلوم شاعرنا إذا عرض لموضوع خاص وحين يكون التلخيص الغنائي تعويضا عن تفصيلات درامية لا يصح لدينا إن يكون بديلا لها , والغنائية استطاعت ومنذ بدايتها الأولى إن تحقق أول شروط .
الدراما بما اتبعته من منحنى قصصي وأسلوب خطابي وتكثيف في الجملة الشعرية التي كنا نود في كثير من الأحيان لو اقترنت بالنمو والتماسك ومن المعروف إن الجملة الشعرية في المسرحية تحوي أوسع قدر من المعاني بأقل ما يمكن من الكلمات والشاعر ( عباس الجنابي ) بارع في التلخيص وان بتقليص التجربة أحيانا , وشاع الأسلوب الخطابي فالقصيدة تلقي في المحافل وقصائد كثيرة تدعو إلى الحث والترغيب واتسع الاتجاه الشعري القصصي ( والقصة هي نواة التراجيديا التي تنزل منها منزلة الروح ) طبقا لرأي ( أرسطو ) الذي وصف الشعراء بأنهم مبدعو الحكاية وعليهم إن يهتموا بها وما عد الشاعر شاعرا إلا إذا كان من أنصار الحكاية ولكنه لم يكن من دعاة الكتابة القصصية الشعرية وإنما أراد إن يلغي التجريد والانسياب في الشعر ليقترن دوما بالدراما أو بما يحدده ويبعده عن عمومية تفقده قيمته العالية .
( يا سيد الأشجار والثمر
إنا ابنك الوحيد في خطر
لراسك المرفوع فوق الرمح انتمي
لناقة تشرب ماء الرمل انتمي
لواحة
تملا بئر الصبر من دمي
لأي طفل يرضع الحليب من دمي ) .
والشاعر ( عباس الجنابي ) حقق شروطا أولية في البناء المسرحي ( النزعة الدرامية , والتكثيف في العبارة والأسلوب الخطابي الذي يمكن إذا اتبعته فيه أصول درامية إن يتحول إلى حوار من طبيعته الخطاب المتبادل بين ممثلي أو أكثر إمام الجمهور ) .
يقول أفلاطون ( لو نزعنا من المسرحية الموسيقى والغناء والإيقاع فلن يبقى فيها سوى قطعة خطابية ) وما كان على الشاعر إلا إن يدرج إلى الحوار والحبكة والصراع والحياة المتكاملة في العمل الدرامي الحقيقي لولا أسباب تاريخية حالت دون ذلك وبدأت المسرحية أول ما بدأت خطبة أو ما يشبه الخطبة وهذا ما يسفر لنا إن ممثلا واحدا كان يقوم بالأداء المسرحي كله وان من أهداف مسرحيات قديمة فرضت في اليونان وغيرها اقترانها بموضوع معين لحث الجمهور على أمر ما أو إقناعهم بالحرب مثلا إحدى مسرحيته ( اسخيلوس 467 ق. م ) تبدأ بخطاب من الملك إلى شعبه ممثلا بجمهور الحاضرين ويدخل رسول ويعطي تقريره وينسحب ويصلي الملك للنصر وينتهي المشهد ومن الصعب تسمية هذا بحوار .
( في الحلم رايتك تذوي
في قطب رؤاي تدور
تمضي بسكون
في جسمي كنبت تموت
كان الدمع يطارد نعشك
ويهب سيولا خلف التابوت
واحترق الحلم
عشقا صوفيا
ونقاء يدويا ................ ) .
ويؤكد الناقد ( طراد الكبيسي ) إن الذي لا شك فيه إن المتن الحكائي لعب دورا أساسيا في تشكيل المبنى من خلال مراحله المتعددة من دون إن نغفل بالطبع دور الحاكي ( السارد / الشاعر ) لأنه هو الفاعل المقتدر في عملية البناء ومن اختار الخطاب فالتتالي الزمني وربط النتائج بالأسباب ولا سرد من دون سارد وهكذا جاء المبنى مرتبا حسب طبيعة ألحكي مشغولا بنظام الرد الموضوعي وما يجعل القصيدة عملا دراميا جيدا يقوم على أرضية فكرية وينمو عبر تصاعد تناقضات الحوار وتعقيبات الكورسين مما يقترب بها من العمل المسرحي المتكامل وقصائد ( عباس الجنابي ) في مجموعة ( حكاية وخيمة وبيت ) التي اعتمد فيها السرد القصصي والمونولوج الداخلي الطويل , وأقام هذين النمطين من البناء على محور من القصيدة بمادة غزيرة من المأثور الشعري ( الإيمائي والأمثال والحكايات ) فضلا عن استعانته بالكتب السماوية أسلوبا ومعاني لكن هذه القصائد التي تلمع فيها هيكلا واضحا قائما مما يمنحها السعة الدرامية ظللت عالية النبرة غنائية الطابع واستطاعت بعض أجزائها وتكررت بعض معانيها مما منحها شكلا فضفاضا قياسا إلى موضوعها كما نرى في قصيدة ( اقرأ سورة مريم ) .
( حول الخندق كنت تدور
كنت أراك
تشد البدر إليك
فتنبت أقمارا ونجوما وبدور
وعند صلاة الليل
رايتك تزرع باسم الله زهور
هيئ سجادة موتك
قبل حلول الأذان
واقرأ سورة مريم .................) .
وعلى الرغم من إن العدد الأكبر من جيل الستينات لم يغادر منطقة القصيدة القصيرة أو متوسطة الطول إلا إن عددا منهم حاول كتابة القصيدة الطويلة أو ( المتوسطة الطول ) إن جاز التعبير مستخدمين عددا من الوسائل البنائية لتركيبها فاعتمد ( عباس الجنابي ) المقاطع الطويلة لتجسيد حالات ومواقف السرد القصصي والحوار البسيط الذي يتخذ طابع الحوار الداخلي حين يجرد الشاعر من نفسه مخاطبا يمثل القضية أو الحبيبة من خلال حواره مونولوجيه الداخلي واعتمد أحيانا صوت المعقبة ( الراوية) و لابد من الإشارة إلى إن عددا من الستينيين قد واصل التجريب البنائي وتوظيف المتاح في أساليب الفنون الأخرى , فأكثر في توظيف المونتاج مستفيدا من السينما ممتزجا بعدد من الأساليب في البناء ( كالتداعي الحر مستفيدين من ( تكتيك ) الرواية الحديثة في ( تيار الوعي ) وقد تبنى بعضهم قصيدته المقطعية على زوايا النقاط المتعددة تشكل في مجموعها الصورة الكلية للمشهد في تعميق الأسلوب المونتاج ممتزجا بالحوار وبالسرد القصصي وبالوصف الخارجي وبقدر ما يسمح به التعبير الشعري .
( كانوا معا
يترصدون الغيمة السوداء والمطر الكذيب
ويعاقرون نهاية الدرب المعبد بالحصى
ويثرثرون ..
حتى إذا مر الغريب
واستغرقوا بالمتمتمات المتعبات .. ) .
لكن السردية الشعرية هنا يمتزج فيها الحاكي والمحكي من خلال المزج بين ما هو لا شخصي وما هو شخصي و إذا كان كل عمل سردي يتكون بالضرورة من متن ومبنى حكائي فما يهمنا هنا الكيفية التي نتعرف بها كقراء على ما وقع فعلا ( المتن ) أي الكيفية التي اطلعنا بها الشاعر السارد ( الشاعر ) على ما وقع أي المبنى الحكائي .