اللغة في ( دم القرنفل )
ناقد والباحث والحصحفي
جمال خضير الجنابي
الأدب عميلة توصل مثل سائر أشكال التواصل الأخرى ولكنه يختلف من حيث أداة التوصيل التي هي اللغة , واللغة مجموعة رموز تركب بصيغة للتعبير عن موقف محدد أو فكرة مخصصة أو شعور متميز .
وهكذا تكون اللغة بمثابة القناة التي تمر منها الأفكار ولكن هذه القناة رغم اشتراك جميع إفراد الجماعة اللغوية في فهم عناصرها ومكوناتها , فان لكل واحد منا تجربته الخاصة مع هذه اللغة .
لقد لاحظ ( رولان بارت ) أن الاستعمال للغة مرهون باستعمالاتها السابقة ومن هنا يتأتي عدم دقة التعبير بالإضافة إلى فهمنا لبعض الكلمات أنها مترادفة أو تتنزل في نفس المنزلة لكنها في الواقع تمثل درجات في الانزلاق عند الدلالة الأصلية .
ومن هنا يمكن الدخول إلى مجموعة الشاعر ( عادل الشرقي ) التي حملت عنوان ( دم القرنفل ) الصادرة عن منشورات وزارة الثقافة والإعلام والتي ضمت ثلاثة وعشرين نصا تنوعن بين ( الحب / والحرب / وأمرآة ).
يقول ( ثامر خلف السوداني ) في كتابة ( وهج العنقاء ) (لا شك في إن الشعر فن اللغة كما ذهب فاليرى , ولكون الشاعر يشع ر بما لا يشعر به غيره , فان ذلك الشعور سيكون سببا أساسيا لجعله يقول ما لا يقوله غيره , لكن على الرغم من ذلك فأنه لم يعرف شاعر بما يفكر فيه أو يشعر به بل بما يقوله ).
حيث يقول في قصيدة ( الحب ):
( كأنك ما كنت
ذاك الرفيق الرحيم
تبلل روحي
وتوسعني بالمودة والاتبهال
أقمت علي حصارك ..................) ص 11
رغم بساطة اللغة المستخدمة , في هذه القصيدة لكنها تحمل معاني عميقة تنفث نحو القلب دون أي معوقات , وهكذا ( عادل الشرقي ) يخترق بكلماته شغاف القلب دون أي حواجز , حيث تأكد ( نازك الملائكة ) في كتابها ( ساسكلوجيا الشعر ومقالات أخرى ) ( ومن الإشكالات اللغوية للشعر في عصرنا , إن طائفة من الشعراء يستعملون الكلمات القاموسية الغريبة في شعرهم فتجدهم ينظمون القصيدة ثم يشرحون معاني الألفاظ فيها بحواشي يضيفونها إلى الشعر ) ولكن ( الشرقي ) في جميع قصائده يستخدم اللغة المتداولة القريبة من اللغة اليومية حيث يقول في قصيدة ( سبعة مقاطع للبطولة ) :
( حين شد على صدره
عدة الحرب
ثم استوى فارسا
ودع الأهل والأصدقاء
وقال : لنا موعد قادم
حافل بالغناء ...................) ص 33
في هذه القصيدة قدم ( عادل الشرقي ) شعرا حديثا بما يحمله المصطلح من معنى حديثا في الموقف والرؤية واللغة والأسلوب والمعنى والصورة والموسيقى والرمز , حيث أستخدمه اللغة سهلة وأسلوب بسيط وموسيقى هادئة .
وإذا كان الشعر المحدث يزيح الكلمات عن مكانها التقليدي , ويعيد ربط بعضها البعض لكي يعطي إمكاناتها الثانوية مكان الصدارة كما يرى ( مالكولم براديري ) فأن ( عادل الشرقي ) يحاول استكناه أعماق اللغة ويقيم بين الألفاظ علاقات جديدة ويسعى إلى تحرير الطاقات المكبوتة للغة , ليقدم لنا أنساقا لغوية وأسلوبية حديثة , فيها الجدة والطرافة والمفاجأة بعيدا عن الإشكال المطروقة والمستهلكة والمكرورة .
في قصيدة ( أرتحالات ) التي يقول فيها :
( من أطلق النار على قصائدي
وأشعل المكان ؟
من طرق الباب على سكينتي ؟
وأجج الإحزان ؟ ......................) ص 111
يقول ( د. مرشد الزبيدي) في كتابه ( بناء القصيدة الفني في النقد العربي القديم والمعاصر ) ( تعد اللغة واحدا من مكونات البناء الفني للقصيدة ولا يمكن الحديث عن العناصر والمكونات من دون أن تحظى لغة القصيدة بالعناية الأولى من جهة المتحدث , فاللغة هي العنصر الذي تقوم عليه القصيدة , ويمكن أن نتصور , افتراضا , قصيدة تخلو من الموضوع المفيد والصورة الموحية أو الموسيقى التي تلائم الاذوراق ولكن لا يمكن تصور قصيدة تخلو من الألفاظ والتركيبات اللغوية ).
وإذا كان موضوعنا يتعلق بالحداثة الشعرية , فلا بد من الإشارة إلى استخدام الشاعر المحدث الأوزان والصيغ الشعرية الجديدة مثل الشعر الحر , والى استخدام الرموز والصور والاستعارات , بأسلوب خلق جديد , لا باحتواء الاستعارات السهلة , لأن الشعر لا يأخذ لغته وصوره من مصادر المعرفة التقليدية فحسب , بل يستعين بالمصادر العامية والبدئية كما يرى ( مالكولم برادبري و جيمس ما كفاركن ) في كتابه ( الحداثة ) وهذا ما نجده في قصيدة ( ربما ) حيث يقول :
( ربما تمشي بي الأرض
إلى ما لا نهاية
ربما أبلغ عند النوم
نفسي
فأغنيها تراتيل البداية ...........) ص 139