الخوالف ( نزف قلم : محمد سنجر )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد سنجر
    عضو الملتقى
    • 27-09-2008
    • 165

    الخوالف ( نزف قلم : محمد سنجر )

    جلست متحسرا أشاهد مباراة مصر و أمريكا في كأس القارات ،
    لأول مرة أجلس بمقاعد المتفرجين ،
    مكاني دائما كان بين اللاعبين لا بين المشاهدين ،
    لم أحس من قبل هذا الإحساس الغريب ،
    تحسست هذا الجبس اللعين الذي غلف قدمي المكسورة ،
    تنهدت حسرة و ألم ،
    رفعت يدي لأعلى متمنيا سرعة الشفاء ،
    تمنيت لو كان في استطاعتي شق هذا الجبس ،
    حاولت أن أشغل نفسي بعيدا عن هذه الهواجس التي بدأت تتملكني ،
    حولت نظري و فكري إلى جموع المتفرجين من حولي ،
    نظرت عن يساري فإذا برجل بدين يرتدي جلبابا يكاد يتفتق عن بطنه المنتفخة ، كأن بطنه تشتكي احتباسا خلف هذه الأزرار التي أحكمت عليها ،
    و إذا به و قد أحكم قبضته على دجاجة مسكينة يفترسها بنهم شديد ، بينما قبعت أمام قدميه حقيبة تكاد تنفجر من كثرة ما بها من طعام و شراب ،
    نظرت إليه ،
    عندما أحس بوجودي نظر إلي و قال و براءة الأطفال في عينيه )
    : وشك أصفر ليه ؟ جعان ؟
    : لا أبدا ، الحمد لله ، لسه واكل .
    ( مد يده ( الملظلظة ) إلى حقيبة العجائب ، أخرج بين أصابعه عددا من أصابع المحشي ،
    المفاجأة ألجمت لساني ، لم أنبس بحرف ،
    فإذا به يبادرني )
    : ما بتحبش المحشي ؟ خد ( منبار ) .
    ( أخرج بعض أصابع ( المنبار ) ،
    لم استطع تممييز أصابعه من أصابع ( المنبار ) ،
    لم أتمالك نفسي من الضحك ، بادرته قائلا )
    : ها ها ، محشي و منبار ؟
    : لازم الواحد يعمل حسابه ، الجوع كافر بعيد عنك ،
    أقولك ، تضرب ( بيبس ) ؟
    ( أخرج من الحقيبة زجاجة مياه غازية من الحجم العائلي ،
    عندها تملكتني حالة من الضحك الهستيري ، حاولت تمالك نفسي و قلت )
    : ها ها هااااي ، لا ، شكرا ، ألف شكر .
    ( عندها قال و قد سيطر على وجهه خيبة الأمل )
    : أنت حر ، براحتك ،
    على العموم الأكل مش ها يطير ،
    في أي ساعة تجوع اضرب أيدك في الشنطة و طلع اللي نفسك فيه .
    : ماشي إن شاء الله ، إن شاء الله .
    ( حولت نظري عنه ، نظرت عن يميني فإذا بسيدة غاية في الأناقة تجلس بجواري ،
    أخرجت السيدة من حقيبتها علبة سجائرها ،
    فتحتها ، قربتها من يدي ، قالت هامسة )
    : تعفر ؟
    : لا شكرا .
    : خد خد ، دي مغمسة ( غمزت بعينها ) .
    : يا ستي ما بادخنش ، و بعدين يعني إيه مغمسة ؟
    : بانجو .
    : كده بانجو ؟
    : خلاص فهمت ، طب تضرب ( تلك ) ؟
    ( أخرجت ورقة صغيرة من حقيبة يدها ، فتحتها و إذا بها مسحوق أبيض ، عندها صرخت بوجهها )
    : إيه ده كمان ؟
    : إنت ها تسيح ؟ ما تخافش دي بودرة .
    : ها هاي ، ( صرخت ) ها اقـــابله بودرة ، الله يخرب بيوتكم .
    ( هرولت بعرجتي هربا من بين حجري الرحى ،
    أخذت أبحث هنا و هناك ، وجدت مدرجاتنا و قد امتلأت بنفس الوجوه السلبية القبيحة ، بطون منتفخة ، حقائب متخمة ، قلوب كسولة ، روائح كريهة ، تلوث يملأ المدرجات ،
    فجأة صمت أسماعنا هتاف جماهير الفريق المنافس تستهجن ،
    عندها نظرت إلى الملعب فإذا بلاعبينا و قد دخلوا و بدءوا عملية الإحماء ،
    وقفت متحمسا أصفق و أهلل ،
    و إذا بي الوحيد الذي يصفق و يهلل ،
    خيم الصمت على جمهورنا الغفير ، لم يحرك أحد منهم ساكنا ،
    إلا من صوت غطيطهم الذي ملأ الفضاء من حولنا ، حاولت إيقاظهم من غفوتهم ، صرخت بأعلى صوتي )
    ـ أفيقي أيتها الجماهير الغفيرة ،
    اللاعيبة بتوعنا نزلوا الملعب ، الماتش ها يبدأ يا عالم يا هوه .
    ( و لا حياة لمن تنادي ، صرخت و صرخت )
    : أمال لو قلت لكم انزلوا العبوا زي جماهير الفريق الصيني ما عملت ، ها تعملوا إيه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    ( عندها تجشأت الجماهير بوجهي ، أطلقوا ناحيتي رياح برائحة بطونهم العفنة ، نفث البعض منهم أدخنتهم الخبيثة بوجهي ، ما لبثوا أن قالوا في صوت واحد ممل رهيب )
    : بتصرخ ليه يا ابن المكعبلة ؟ ها تطير الحجرين .
    : الماتش ها يبدأ يا عالم يا هوه .
    : ماتش مين يا با ؟ اللي خادته القارعة تاخده أم الشعور ،
    ( و إذا بزئير الجماهير الأمريكية الغفيرة يزلزل المدرجات ، نظرت إلى أرض الملعب فإذا بلاعبيهم و قد نزلوا أرض الملعب ،
    بدأت الدماء تغلي في عروقي ،
    و إذا بجماهيرهم يتركون مقاعدهم ، بدءوا في النزول إلى أرض الملعب ،
    أخذت أصرخ و أصرخ )
    : أفيقوا ، الجماهير بتاعتهم نزلوا الملعب كمان ،
    : ( صرخت ) إنهم يرتدون ملابس اللعب ، عددهم يزداد و يزداد ،
    أفيقوا أيها المخدوعون ، أصبح عددهم مائتين ،
    ما هذا ؟ إنهم يتزايدون ، أصبحوا ألف لاعب ،
    لا لا ، عشرة آلاف ، مائة ألف ...... الجماهير كلها نزلت الملعب .
    ( عندها صرخ أحد مشجعينا قائلا )
    : إبقى اتغطى كويس و أنت نايم يا سوسو ، ها ها هااااي .
    ( عندها أحسست ببركان انفجر بصدري ،
    ضربت يدي في حقيبة صاحبي ، أخرجت منها سكينا ،
    بدأت بشق الجبس الذي غلف قدمي ،
    عندما نزعته تماما ، وقفت منتشيا للحظة ،
    ما لبثت أن نزلت درجات السلم هرولة إلى الملعب ، قفزت السور بيننا و بين الملعب ،
    عرجت إلى منتصف الملعب ،
    أطلق أحد مشجعيهم صفارته و قد ارتدى ملابس حكم الساحة ،
    أحاط بي بعض مشجعيهم و قد ارتدوا ملابس قوات الأمن ،
    صرخت فيهم )
    : مكاني هنا مش في المدرجات .
    ( صرخ حكم الساحة )
    : طلعوا المجنون ده بره .
    ( أمسكوا بي ، حاولت الإفلات من بين أيديهم ،
    حاولت و حاولت حتى نجحت ،
    جريت ناحية حكم الساحة و قد أمسك بالكرة بين يديه ،
    ضربتها بقوة بقبضة يدي فسقطت أرضا ،
    عندها ركلتها بكل قوة باتجاه مرماهم ، جريت لألحق بها ،
    جريت و جريت ، و إذا بهم جميعا ورائي يطاردونني ،
    ركضت سنوات و سنوات حتى وصلت أخيرا إلى مرماهم ،
    صرخ حكمهم )
    : إرهابي ، إياكم أن يصيب مرماكم بهدف ، امسكوه ، اقتلوه ، حرقوه .
    ( نظرت إلى مرماهم نظرة تحدي ، لملمت ما تبقى بداخلي من إباء ماضي أمة بأكملها ، أمة ما خفضت إلا لباريها الجبين ،
    صرخت بأعلى صوتي )
    : حريــــــــــــــــــــــــــــة .
    ( ركلت الكرة بكل ما تبقى لدي من قوة ،
    انطلقت كطائرة تتوغل بأعماق مبنى زجاجي هش ، مزقت شباكهم تمزيقا ، دكت حصونهم دكا ، ( صرخت )
    : و جــون و جـــون و جــــون و جــــــــــــــــــون
    عندها انهالت على رأسي عصيهم و سلاسلهم الحديدية ،
    حاول لاعبينا الغلابة انتشالي من بين أيديهم ، لكن ماذا يفعل إحدى عشر لاعبا أمام الملايين من الجماهير ؟
    سقطت بين أرجلهم مخضبا بالدماء ،
    تمنيت ـ قبل أن أفقد الوعي ـ لو نزلت جماهيرنا الغفيرة لأرض الملعب ،
    ترى هل أفاقت الجماهير و نزلت ؟
    أم أنهم كالعادة رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ؟
يعمل...
X