الصعود.
كان ساطور يبني بيته الجديد ، وفي نفس الوقت كان يبني مستقبله الزاهي في خياله النشط الصغير، الدنيا لم تعد كما كان يصورها لنا أجدادنا السذج ، الدنيا اكتشف حقيقتها شخص لم ينتبه إليه أجدادنا السذج ، الدنيا كما وصفها هذا العارف تؤخذ غلابا ، وهي حقيقة مفارقة تماما للوهم أو الخطل ، صادقة، سلخها العارف من الواقع الذي كان ينعجن أمام عينيه من دموع الحزانى ورمم الضحايا ، وقد قال أسلافنا الغافلون الذين يحفظون ما يرددون ولا يفقهون: إن الذي لا يعرف الحق والصواب بالنظر والاستدلال ، لا يعد عالمًا ولا سياسيا ، بل لا يعد عاقلا ، وها أنا الآن ساطور اللامع ، العاجن ،الباني المشكل ،أنا الآن في عز قوتي ، وكامل وعي ، شجاع ، مقدام ، متفائل ، ذكي، قرأت عددا من الكتب واعتقد أنني فهمتها أحسن مما فهمها الأساتذة الذين طردوني من الدراسة، أولئك الأغبياء الفاشلين ،وأنا متيقن أن الله قد خصني بنصيب من التفضيل، وبمكانة في هذه الحياة ، وسأوظف كل هذا لأحقق الغلبة ، لن أتردد أو أهاب ، المغامرة أهم الطرق المؤدية إلى النجاح ، أنا الآن لا ينقصني إلا الحظ والوقت .
انتبه فألفى العاملين عبد الوهاب وصابر، اللذين يمدان البناء بالطوب قد وجدا في سرحانه فرصة للراحة ، نظر إليهما نظرة فيها فظاظة كأنما سلبا منه كنوز الدنيا وصرخ :
هيا تحركا ،يجب أن ننهي البناء اليوم أو غدا، وإذا تعبتما فسأعوضكما الآن وفي الحين ..واذهبا.... لقد أصبح البحر يستلذ لحوم الفاشلين .
فكر عبد الوهاب ، رفع بصره ببطء ؛ يبحث عن معنى ساطور في هذا المخلوق ذي القامة القصيرة والكرش البارز ، وهم أن يقول له أنه تافه ، ولكنه عاد ونظر إلى أسفل ، ولزم الصمت لأنه خشي أن يكون نعته له بهذا الوصف فأل خير عليه ؛ فالدنيا - صارت غنيمة للتافهين. غالبته نفسه على قول ما بصدره... لكن أبناءه لن يجدوا ما يفطرون عليه في نهاية هذا ا اليوم القائظ من شهر رمضان،والفقر والبؤس يعشقانه .
ساطور يتمتم : قد يكون أبسط الأحلام هو أعظمها ، قد يكون بابا خلفه الوزارة ، والأمارة والغنى ،و....
ونظر صوب السماء ،يتلقى ، هبات الغلال الموعودة ، الوحش هو من يفوز، ولكي تدق الأعناق لابد أن تتحول ، أن تصير ،أن تصير أثرى ، أقوى ، أعلى، و المجموع هو المعرفة وهو الحق ، هل يفقه هذان الخروفان هذا ؟؟ .
القمع والقهر والانصياع، تشكل خروفا، السلعة الرائجة، يجب أن تعرف كيف تتلقاها وكيف تصرفها، النفاق أن يراك الأقوى خروفا ويجدك كذلك، وأن يراك الضعيف وحشا و يجدك كذلك، وهذه هي كل السياسة، وكل النجاح.
لا أرتدي ثوب السذاجة إلا---- سمات الحمل شباك للسذج ، وسيلة عبور وتخطي للحواجز ، الوفاء سمة الكلاب ،ولكي يفي الكلب لابد أن تكون اللقمة دسمة.
قال عبد الوهاب في سره : أيها التافه ، أنت المأساة والجوع الذي لا يشبع ،.ستقضي حياتك دون أن تحيا ،لأنك منفصل عن ذاتك، أنت مسكون بالخواء ولن تستطيع أن تملك شيئا، أو تبني شيئا أو تسكن شيئا. أنت تطارد أوهاما تبنيها في الفراغ.فيسكنك الفراغ .
ورمي ساطور ببصره خلال حقله الممتد والذي يحيط مسكنه الجديد ، بسنابله العامرة التي تراقص الريح ، تحت زغردات طيور الزاوش النهمة التي ساقها القدر هذا الصباح ،فجاورت الفأر الذي طفق يثقب الأرض ، و يقرط الزرع ، ويهيئ أعشاشا لصغاره ، اجتمع الرهطان ، وقد يأتي الجراد وتجتمع الأرهاط السبع التي أوجب الشرع والعقل والنظر قتلها .
نظر إليها رآها كسيول بشر جوعى, تندفع نحو سوق عامر شرعت أبوابه , و أبيحت ساحاته. تحط فوق سيارته الفارهة رباعية الدفع : المفتاح ، مؤشر المقام، عارض الماهية و الهوية على العامة وعلى العارفين ، رخصة المرور وجواز العبور ، يلقي عليها الزاوش اللعين برازه النتن.
تمنى لو طاوعه الزمن ، لو سخرت له الشياطين ، وأطياف الجن ، لساق كل هذه الطيور والفئران ، والجراد ، وجحافل الخنازير ، وقطعان الأرانب ، وطمرها مرة واحدة في قبر واحد لتستريح مزروعاته ، وتزكو وتنمو، فينمو معها، يرتفع يترقى يصبح أوسع سلطة ، و أكثر شهرة.
نظر إلى العامل عبد الوهاب ،فرآه واقفا ، مرهقا مصفر الوجه ، مرتخي الأطراف ،لا يكاد ينتصب، كيسا من النايلون لفحته الحرارة فحال ، راض ، لا يرغب في التحرر من وضعه ، ومع ذلك سيطالب بأجرة اليوم كاملة، يؤازره صابر الأكسل منه.
نظر عبد الوهاب خلسة إلى ساطور فرآه فأرا، يعب حليب الضأن بشراهة، وتساءل أيهما خلق أولا الفأر أم هذا الصنف من البشر؟.
وتصارع عصفوران في الجو، فوق رأس ساطور، وأرسلا زقزقات غاضبة، فيها شكوى، ورفض للظلم ،ودفع للاستعباد ،وتمسك بالحق وبالحرية في العيش والتحليق، واختيار المكان، وقاما بعدة مناورات ،واشتبكا بالأرجل كل منهما يريد أن يؤذي الثاني أو يصرعه ، وهويا متشابكين أمامه في فجوة بين آجورتين في سور البيت الفاخر المأمول ،وفي لمح البصر سد عليهما ساطور منفذ الخروج ، وهو يصرخ شد ، شد ، سد ، سد :
لن تخرجا، لن تعودا إلى إفساد حقلي وتلطيخ سيارتي ، سأدفنكما هنا حيين ،زقزقا ، اصرخا ....
وتمنى لو استطاع أن يحشر العامل عبد الوهاب - كيس البلاستيك- وصاحبه معهما ويسد عليهما.
نظر عبد الوهاب خلسة إلى ساطور، فأبصر في وجهه لوحة للتشفي من العصفورين، تمنى لو اشتبك معه كما فعلا العصفوران ،وسقطا معا في هاوية حتى ولو كان قرارها جهنم.
استمر صوت العصفورين المقبورين يتسرب عبر السور طوال فترة الصباح ، يتغلغل في أعصاب عبد الوهاب، فينتفض جسده رعدة تتلوها رعدة مما زاده إرهاقا على إرهاقه ، وطفق الصداع يطرق جمجمته من كل الجوانب . وتقلصت عروق قفاه ،وغدا الجو المحيط به رماديا ، ثم اسودت دنياه تماما كأنه أصيب بالعمى ،وهبت ريح باردة ما لبث أن اشتدت ،تسوق أمامها كل ما لا جذر له ،وتفجر الرعد مرة واحدة يهدر ويأبى أن يسكت ، فامسك عبد الوهاب بيد صديقه وانصرفا خلسة .
لم يدر ساطور ما الذي يجب أن يفعله بالضبط، فعواصف الخريف هذه لا ضابط لها ، نادى على العاملين ولكنهما كانا قد اختبآ ، صرخ بأعلى صوته يتوعد، سيوف نارية ضخمة تمزق طيات السحاب الأسود الكثيف ، وهدير الرعد وعصف الريح وأصوات المكنوسات المتدافعة غطت على صوته . ، بدأ بتغطية مواد البناء المعرضة للفساد ، وفاجأه السيل عارما جبارا،فاض كوحش رهيب جبار، فامسك عن النداء و ألقى ما بيده ، و أسرع إلى السيارة فتح الباب صعد وجذبه لإغلاقه لكن قوة التيار كانت تعاكسه ،وتدفع الباب في الاتجاه المعاكس ، وكانت أقوى ،ولم يعد يرى مفاتيح السيارة ، وانتبه للخطر المحدق ، انج بنفسك ،انج قبل فوات الأوان، خرج بسرعة من المقصورة وقد تبلل تماما ،وتسلق فاعتلى سقف السيارة ، ثم امسك بغصن الشجرة الضخمة ،وراح كالقرد ينتقل من غصن إلى أخر والريح تتلاعب به، فنسي كل ما لاينسى، حتى وصل إلى أصلب غصن وأعلى موقع فأحس بشيء من الأمان.
مسح وجهه وقد صعد، ونظر فرأى أملاكه وهي تهم بالرحيل تدفعها السيول الجارفة دون وداع . ولم يبق إلا طنينا بأذنيه يشبه زقزقة العصفورين المطمورين الملعونين.
راح يضرب الجذع بقبضته القوية ويقسم ، يقسم أنه سيصعد: مهارتي , والسيد في القصر، وتحت حكمه البنك يجمع الأرزاق ويوزعها ، إذن فصعودي ممكن ، وسأصعد، وإلى الله يصعد الكلم الطيب .
[align=left]الضيف حمراوي 30/09/09[/align]
انتبه فألفى العاملين عبد الوهاب وصابر، اللذين يمدان البناء بالطوب قد وجدا في سرحانه فرصة للراحة ، نظر إليهما نظرة فيها فظاظة كأنما سلبا منه كنوز الدنيا وصرخ :
هيا تحركا ،يجب أن ننهي البناء اليوم أو غدا، وإذا تعبتما فسأعوضكما الآن وفي الحين ..واذهبا.... لقد أصبح البحر يستلذ لحوم الفاشلين .
فكر عبد الوهاب ، رفع بصره ببطء ؛ يبحث عن معنى ساطور في هذا المخلوق ذي القامة القصيرة والكرش البارز ، وهم أن يقول له أنه تافه ، ولكنه عاد ونظر إلى أسفل ، ولزم الصمت لأنه خشي أن يكون نعته له بهذا الوصف فأل خير عليه ؛ فالدنيا - صارت غنيمة للتافهين. غالبته نفسه على قول ما بصدره... لكن أبناءه لن يجدوا ما يفطرون عليه في نهاية هذا ا اليوم القائظ من شهر رمضان،والفقر والبؤس يعشقانه .
ساطور يتمتم : قد يكون أبسط الأحلام هو أعظمها ، قد يكون بابا خلفه الوزارة ، والأمارة والغنى ،و....
ونظر صوب السماء ،يتلقى ، هبات الغلال الموعودة ، الوحش هو من يفوز، ولكي تدق الأعناق لابد أن تتحول ، أن تصير ،أن تصير أثرى ، أقوى ، أعلى، و المجموع هو المعرفة وهو الحق ، هل يفقه هذان الخروفان هذا ؟؟ .
القمع والقهر والانصياع، تشكل خروفا، السلعة الرائجة، يجب أن تعرف كيف تتلقاها وكيف تصرفها، النفاق أن يراك الأقوى خروفا ويجدك كذلك، وأن يراك الضعيف وحشا و يجدك كذلك، وهذه هي كل السياسة، وكل النجاح.
لا أرتدي ثوب السذاجة إلا---- سمات الحمل شباك للسذج ، وسيلة عبور وتخطي للحواجز ، الوفاء سمة الكلاب ،ولكي يفي الكلب لابد أن تكون اللقمة دسمة.
قال عبد الوهاب في سره : أيها التافه ، أنت المأساة والجوع الذي لا يشبع ،.ستقضي حياتك دون أن تحيا ،لأنك منفصل عن ذاتك، أنت مسكون بالخواء ولن تستطيع أن تملك شيئا، أو تبني شيئا أو تسكن شيئا. أنت تطارد أوهاما تبنيها في الفراغ.فيسكنك الفراغ .
ورمي ساطور ببصره خلال حقله الممتد والذي يحيط مسكنه الجديد ، بسنابله العامرة التي تراقص الريح ، تحت زغردات طيور الزاوش النهمة التي ساقها القدر هذا الصباح ،فجاورت الفأر الذي طفق يثقب الأرض ، و يقرط الزرع ، ويهيئ أعشاشا لصغاره ، اجتمع الرهطان ، وقد يأتي الجراد وتجتمع الأرهاط السبع التي أوجب الشرع والعقل والنظر قتلها .
نظر إليها رآها كسيول بشر جوعى, تندفع نحو سوق عامر شرعت أبوابه , و أبيحت ساحاته. تحط فوق سيارته الفارهة رباعية الدفع : المفتاح ، مؤشر المقام، عارض الماهية و الهوية على العامة وعلى العارفين ، رخصة المرور وجواز العبور ، يلقي عليها الزاوش اللعين برازه النتن.
تمنى لو طاوعه الزمن ، لو سخرت له الشياطين ، وأطياف الجن ، لساق كل هذه الطيور والفئران ، والجراد ، وجحافل الخنازير ، وقطعان الأرانب ، وطمرها مرة واحدة في قبر واحد لتستريح مزروعاته ، وتزكو وتنمو، فينمو معها، يرتفع يترقى يصبح أوسع سلطة ، و أكثر شهرة.
نظر إلى العامل عبد الوهاب ،فرآه واقفا ، مرهقا مصفر الوجه ، مرتخي الأطراف ،لا يكاد ينتصب، كيسا من النايلون لفحته الحرارة فحال ، راض ، لا يرغب في التحرر من وضعه ، ومع ذلك سيطالب بأجرة اليوم كاملة، يؤازره صابر الأكسل منه.
نظر عبد الوهاب خلسة إلى ساطور فرآه فأرا، يعب حليب الضأن بشراهة، وتساءل أيهما خلق أولا الفأر أم هذا الصنف من البشر؟.
وتصارع عصفوران في الجو، فوق رأس ساطور، وأرسلا زقزقات غاضبة، فيها شكوى، ورفض للظلم ،ودفع للاستعباد ،وتمسك بالحق وبالحرية في العيش والتحليق، واختيار المكان، وقاما بعدة مناورات ،واشتبكا بالأرجل كل منهما يريد أن يؤذي الثاني أو يصرعه ، وهويا متشابكين أمامه في فجوة بين آجورتين في سور البيت الفاخر المأمول ،وفي لمح البصر سد عليهما ساطور منفذ الخروج ، وهو يصرخ شد ، شد ، سد ، سد :
لن تخرجا، لن تعودا إلى إفساد حقلي وتلطيخ سيارتي ، سأدفنكما هنا حيين ،زقزقا ، اصرخا ....
وتمنى لو استطاع أن يحشر العامل عبد الوهاب - كيس البلاستيك- وصاحبه معهما ويسد عليهما.
نظر عبد الوهاب خلسة إلى ساطور، فأبصر في وجهه لوحة للتشفي من العصفورين، تمنى لو اشتبك معه كما فعلا العصفوران ،وسقطا معا في هاوية حتى ولو كان قرارها جهنم.
استمر صوت العصفورين المقبورين يتسرب عبر السور طوال فترة الصباح ، يتغلغل في أعصاب عبد الوهاب، فينتفض جسده رعدة تتلوها رعدة مما زاده إرهاقا على إرهاقه ، وطفق الصداع يطرق جمجمته من كل الجوانب . وتقلصت عروق قفاه ،وغدا الجو المحيط به رماديا ، ثم اسودت دنياه تماما كأنه أصيب بالعمى ،وهبت ريح باردة ما لبث أن اشتدت ،تسوق أمامها كل ما لا جذر له ،وتفجر الرعد مرة واحدة يهدر ويأبى أن يسكت ، فامسك عبد الوهاب بيد صديقه وانصرفا خلسة .
لم يدر ساطور ما الذي يجب أن يفعله بالضبط، فعواصف الخريف هذه لا ضابط لها ، نادى على العاملين ولكنهما كانا قد اختبآ ، صرخ بأعلى صوته يتوعد، سيوف نارية ضخمة تمزق طيات السحاب الأسود الكثيف ، وهدير الرعد وعصف الريح وأصوات المكنوسات المتدافعة غطت على صوته . ، بدأ بتغطية مواد البناء المعرضة للفساد ، وفاجأه السيل عارما جبارا،فاض كوحش رهيب جبار، فامسك عن النداء و ألقى ما بيده ، و أسرع إلى السيارة فتح الباب صعد وجذبه لإغلاقه لكن قوة التيار كانت تعاكسه ،وتدفع الباب في الاتجاه المعاكس ، وكانت أقوى ،ولم يعد يرى مفاتيح السيارة ، وانتبه للخطر المحدق ، انج بنفسك ،انج قبل فوات الأوان، خرج بسرعة من المقصورة وقد تبلل تماما ،وتسلق فاعتلى سقف السيارة ، ثم امسك بغصن الشجرة الضخمة ،وراح كالقرد ينتقل من غصن إلى أخر والريح تتلاعب به، فنسي كل ما لاينسى، حتى وصل إلى أصلب غصن وأعلى موقع فأحس بشيء من الأمان.
مسح وجهه وقد صعد، ونظر فرأى أملاكه وهي تهم بالرحيل تدفعها السيول الجارفة دون وداع . ولم يبق إلا طنينا بأذنيه يشبه زقزقة العصفورين المطمورين الملعونين.
راح يضرب الجذع بقبضته القوية ويقسم ، يقسم أنه سيصعد: مهارتي , والسيد في القصر، وتحت حكمه البنك يجمع الأرزاق ويوزعها ، إذن فصعودي ممكن ، وسأصعد، وإلى الله يصعد الكلم الطيب .