محمد السنوسي الغزالي
مدخل
• سنجد الشاعرة السويدية كارين بوي* تتغنى بسحر الرمال لأنها عندما تسوقها مثلا في شعرها ستجد شغوفا يقرأ بنهم عن أجواء لم يألفها كأن تقول عن المتجول في الصحراء:
وأنا، أو تلك التي هزلت في الرمل،
لن أسترد فخامة مقبض خنجري
المزخرف بالجواهر التي لا تطفئ عطشاً.
ثم إنني في مدينة المآذن هذه،
بعيداً عن الصحراء،
سوف لا أنحني أمام تلك الأبواب المتكبرة،
تلك البوابات الذهبية،
ولكن أمام الآبار المنخفضة النائية
عن الدرب،
إلى حيث يقود الرعاة المغبرون قطعانهم
عندما يجلبون الحليب في المساء. 1
1
• أدب الصحرء يكتسب سحره وأجواءه من ابن الصحراء الذي يعايشها ويتلبس تفاصيل أساطيرها المدهشة لأنه سيكتب بقلم من يتنفس ظروفها ومناخاتها , ولأدب الصحراء إيقاعه المُبهر خاصة لدى من يعيشون في مناخات تختلف كحالة التشبيه لدى كارين.. ولقد نال الكوني ما ناله من عالمية لما أوقعته ترجمة أعماله من وقع سحري في قلب القاريء الأوروبي ومن يعيش في مناخات غير صحراوية ولا يعرف أسرار الرمال الدافئة وظلال أشجار الرتم .
غير أن الأستاذ والأديب العربي فخري قعوار فيما يبدو أنه لم ينتبه إلى هذا السحر الأسطوري وكنه هذا العبق المُتجلي فاعتبر قصص خليفة احواس في مجموعة [الظل الثالث] أعمال لمبدع يخطو خطواته الأولى [بثقة] 2 لكن الناقد وألقاص سالم العبار لابد ان يستوقفه هذا العمل ليقول أن احواس لم يبدأ مسيرته طفلا يحبو.
2
• في مجموعة الظل الثالث يمسك احواس بتلابيب نصوصه بتبسيط مقنع وسهل عميق وذلك لأن الكاتب هو ابن تجربته ثم فنه..ولأنه لم يكن يحبو فلقد مزج التجربة والمعاناة بتوظيف فني ومتماسك وبلغة تقترب من الشعر الوجداني أحيانا عندما يصف تفاصيل المعاناة في قصة [الابتر] حيث يحاكي تجربة ذاتية لطفل موعود بالذهاب إلى الأمنية [قصر سرت] لشراء ملابس الدراسة وأدواتها إذا وفر المياه للبيت والشياه وسلطة الأب هي التي طرحت هذه المُساومة اللذيذة والتي يبدو أنها صعبة أيضا وكان الأبتر الحيوان الموسوم بالغباء هو رفيق الطفل بحمل براميل المياه على ظهره النحيل [وأنا بإتجاه ابوقصبة صار الأفق أمامي باسطا ذراعيه لي ، الصحراء هي كذلك مُنبسطة تـُحاكي انشراح قلبي 3 ]والكاتب هنا يصف لنا بذاكرة حكائية تفاصيل رفقته للحمار ولمناكفاته وكسله في رحلة أصبحت طويلة المدى مع حيوان لا علاقة له بالزمن !، وكان تحميل البراميل فيما يبدو مهمة أصعب من رفقة الابتر فداهمهما الوقت ومن ثم فيما بعد عقاب صاحب السلطة!! الذي كان يرعبه القلق مع والدته وهما في انتظاره أمام الخيمة ، ولم يكن متوقعا غير الدموع التي اختلطت في مشهدها مع مشهد انتظار البذلة الجديدة والمدرسة..[سمعت أمي تقول ناهرة : لماذا فعلت بخليفة هكذا؟..رد عليها: إنه.....وليس خليفة4] .
3
• في قصص الظل الثالث نجد عبق الصحراء وسحرها وأيضا استدعاء رموز يهتم لها الكاتب بلغة وجدانية وأجواء سحرية ، هي مزيج من غموض وقراءة مُتأنية لما يدور حول الإنسان من ظروف ومعاناة ، وللمرأة حضور قوي في الظل الثالث ، ربما لأنه يريد أن يقول أن بعض القيم لتجسدها إلا المرآة كما في قصتي [المرآة5]و[المهراس6] وهذه الأخيرة اهداها الى ابناء قريته [هراوة] لأنهم يعرفون أبطالها.
• في قصة [المُرضعة7] نجد بناءً قوياً ومُحكماً لمشاهد من أحلام ويقظة وتماهي مع الجذور التي سنجد الإشارة لها في غير نص ، لكنه أيضا يستقريء الفصام الحاصل ما بين القيم والواقع بتفاصيله السخيفة..وهي حياة كائن ما جاء من الصحراء إلى المدينة فالتهمته غربة الأشياء ، لكن ذ اكرته لم تمسخ وظلت مُتصلة بتفاصيل طفولته وجزء من شبابه.
4
• في قصة [المُفارقة8] إبداع لمخيلة انحازت للجدوى في الحياة كما يوحى لنا خليفة احواس فيشير إلى واقعة عاش تفاصيل أحلامها من والده فقد رأى الشيخ حلمه يتحقق قبل رحيله ، فقد عايش ثأره من رموز كانت ترسم خرائط الحزن على الملامح ويوصي ابنه بأن ينحاز للموقف الصحيح ..للرجل الذي رسم المستقبل بإصرار [عليك أن تحفر بأظافر آلمها الماضي ، لوحة مستقبل رسمه وحيد أهله مثلك ، بي ظمأ شديد لطبع قبلة على جبينه الشامخ الأغر 9] والاشارة هنا واضحة إلى ثائر رفع الظلم عن هراوة وكشف ما يراه والده زيف اؤلئك الذ ين تاجروا بها وسرقوا خيرات أرضها وخدعوا أبناءها بمحطات تحلية أتى بها الغرب كي يقضي على جمال الحياة المتمثل في النبات الطبيعي الذي اكتسحته الآلة المُصطنعة [قطع عرى العلاقة بين أرضها ونباتاتها الطبيعية التي حولتها الجرافات إلى مساحات جرداء 10] ، تحقق حلم الأب ورأى في حياته ثأره ..وعند احتضاره يستدعي الكاتب جملة من قصة الموت للأديب المبدع معمر القذافي ، ثم يمنح الأب بركته لابنه إذا سار على دربه [أحسست مع والدي أننا في حاجة للالتحام مع نصير الحق 11]...ونجد إيحاءات في قصة المفارقة لاتغيب عن قاريء متمعن مثل[رأيت في الأفق قوس قزح يرسم بألوانه المتوازية الزاهية حلم رجل لم تتمكن أهواء الآخرين من العبث به 12]ثم [لقد تم محو الإهانة وانهمرت هذ ه المرة دموعي فرحا بفضل النصر المبين الذي جعل عيني تتجول في أفق القرية بكل حرية وكبرياء 13] وعندما نعود إلى قراءة قصة [الأبتر] ودموعه آنذاك بسبب العقاب وحلم قصر سرت نفهم أيضا ما الذي يعنيه الكاتب عندما يقول في المفارقة [وانهمرت هذ ه المرة دموعي فرحا] لأن المُعادلة واضحة ولان النصوص جميعها تقريبا ومع الذاكرة تتركز حول الحلم والحرية [ظللت أحفر بأظافري رحلة حبي مع حبيب والدي الذي لم يجالسه قط 14]
5
• في مجموعة الظل الثالث جوانب أخرى يعالجها الكاتب خليفة احواس وفى مضامينها لمس لتفاصيل الحياة بواقعية غير مباشرة , من خلالها يحدد موقفه من هذه التفاصيل , منها الصراع بين السلطة الأبوية وبين رغبة الإنسان في بعض الأشياء الجميلة المتداخلة ما بين الانتظار والحلم واليقظة كما فى (" انتظار" 15") و ( "محطة" 16" ) و ( " انطلاقة "17 " ) وهى قصص قصيرة جدا تمنح القارئ اللحظة المناسبة للإدراك دون أن تطنب فى السرد , وتعتبر قصة ( الرجل الذى مات ملكا ) من وجهة نظري أحدى القصص التي تدل على أن خليفة أحواس لم يكن طفلا يحبو عندما كتبها وهى ربما اختصرت كل ما في أعماق الكاتب من رفض وتمرد على ألواقع الانسانى الذي يطحن رأس الفرد ويحوله الى هامش لمجرد أنه ليس ((حاكما ) ) أو (( ملكا )) .. فى هذه القصة يموت أخو الفقراء الذي لن يذهب في جنازته احد , رغم أن كل منهما ابن (" التاسعة " 18 ") ! ! لكن الكاتب خليفة احواس يصر على إعادة الأمور ا كما ينبغي لها أن تكون عندما يدفن الملك في نفس اليوم الذى دفن فيه " أوحيدة " في ذلك اليوم نفسه لفظ "أوحيدة " أنفاسه الأخيرة دون علم الإذاعة به , لم يؤبنه أحد , لم يذهب أحد في جنازته لكن اكتظاظ المكان بمعزى الملك جعلهم يقرأون الفاتحة على رفاته الطاهر "19" وتذ كرني هذ ه القصة من حيث قرب المضمون [وليس الشكل] بقصة القاص سالم العبار (عكاز الغفير وقبر الرئيس والقبر الرابع) غيرأنه لدى العبار قبر الرئيس الذي لم يمت بعد وقدر لنعيمة بإصرار حفار القبور وموقفه أن تسجى في قبره قبله.
6
• قد لايكون هذا الاستقراء كافيا لقراءة خليفة احواس فله إبداعات أخرى ووجدانيات تستحق القراء ة وقد كتب فيما بعد أيضا قصصاً قصيرة جدا نشر منها في صحيفة اخبار بنغازي ومجلة الجليس وكتابات أخرى نشرت في عدة مطبوعات ودوريات..تستحق الدراسة و هذه لمحة صغيرة .. عن كتاب رائع وشفاف , تجربته ليست وليدة اللحظة, لغته الوجدانية ليست منبتا مفاجئا , لقد تشكل وعيه , وقرأ , واستوعب , وكتب عن فهم ووعى لما يدور حوله , حول الآنسان عموما , وكان لعبق الصحراء وسحرها حضور يجعل القارئ يعيش فى أجوائها , بما فيها من سرد تاريخي ولغة وجدانية وإنسانية .
• الفصول الاربعة العدد 114 اغسطس 2009م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
* كارين بوي 1900-1941 شاعرة سويدية عاشت حياة نفسية مضطربة لكن النقاد اعتبروها علماً من أعلام الشعر السويدي, حيث إن شعرها يتوسط بين الحداثة والتقليد .. انتحرت بالأقراص المنومة عام 1941. ولحقت بها مارغوت، صديقتها الألمانية منتحرة أيضا.
1 ترجمة الشعر: يوسف سامي اليوسف.
2 تقديم لمجموعة الظل الثالث..فخري قعوار.
3 الأبتر ص 11
4 الأبتر ص 13
5 المرآة ص 15
6 المهراس ص 17
7 المُرضعة ص 21
8 المفارقة من المجموعة
9 إلى 14 المفارقة الصفحات 33 و34و36
15انتظار ص 41
16محطة س 42
17انطلاقة ص 45
18الرجل الذى مات ملكا ص 80
19 تفس المصدر ص 81
مدخل
• سنجد الشاعرة السويدية كارين بوي* تتغنى بسحر الرمال لأنها عندما تسوقها مثلا في شعرها ستجد شغوفا يقرأ بنهم عن أجواء لم يألفها كأن تقول عن المتجول في الصحراء:
وأنا، أو تلك التي هزلت في الرمل،
لن أسترد فخامة مقبض خنجري
المزخرف بالجواهر التي لا تطفئ عطشاً.
ثم إنني في مدينة المآذن هذه،
بعيداً عن الصحراء،
سوف لا أنحني أمام تلك الأبواب المتكبرة،
تلك البوابات الذهبية،
ولكن أمام الآبار المنخفضة النائية
عن الدرب،
إلى حيث يقود الرعاة المغبرون قطعانهم
عندما يجلبون الحليب في المساء. 1
1
• أدب الصحرء يكتسب سحره وأجواءه من ابن الصحراء الذي يعايشها ويتلبس تفاصيل أساطيرها المدهشة لأنه سيكتب بقلم من يتنفس ظروفها ومناخاتها , ولأدب الصحراء إيقاعه المُبهر خاصة لدى من يعيشون في مناخات تختلف كحالة التشبيه لدى كارين.. ولقد نال الكوني ما ناله من عالمية لما أوقعته ترجمة أعماله من وقع سحري في قلب القاريء الأوروبي ومن يعيش في مناخات غير صحراوية ولا يعرف أسرار الرمال الدافئة وظلال أشجار الرتم .
غير أن الأستاذ والأديب العربي فخري قعوار فيما يبدو أنه لم ينتبه إلى هذا السحر الأسطوري وكنه هذا العبق المُتجلي فاعتبر قصص خليفة احواس في مجموعة [الظل الثالث] أعمال لمبدع يخطو خطواته الأولى [بثقة] 2 لكن الناقد وألقاص سالم العبار لابد ان يستوقفه هذا العمل ليقول أن احواس لم يبدأ مسيرته طفلا يحبو.
2
• في مجموعة الظل الثالث يمسك احواس بتلابيب نصوصه بتبسيط مقنع وسهل عميق وذلك لأن الكاتب هو ابن تجربته ثم فنه..ولأنه لم يكن يحبو فلقد مزج التجربة والمعاناة بتوظيف فني ومتماسك وبلغة تقترب من الشعر الوجداني أحيانا عندما يصف تفاصيل المعاناة في قصة [الابتر] حيث يحاكي تجربة ذاتية لطفل موعود بالذهاب إلى الأمنية [قصر سرت] لشراء ملابس الدراسة وأدواتها إذا وفر المياه للبيت والشياه وسلطة الأب هي التي طرحت هذه المُساومة اللذيذة والتي يبدو أنها صعبة أيضا وكان الأبتر الحيوان الموسوم بالغباء هو رفيق الطفل بحمل براميل المياه على ظهره النحيل [وأنا بإتجاه ابوقصبة صار الأفق أمامي باسطا ذراعيه لي ، الصحراء هي كذلك مُنبسطة تـُحاكي انشراح قلبي 3 ]والكاتب هنا يصف لنا بذاكرة حكائية تفاصيل رفقته للحمار ولمناكفاته وكسله في رحلة أصبحت طويلة المدى مع حيوان لا علاقة له بالزمن !، وكان تحميل البراميل فيما يبدو مهمة أصعب من رفقة الابتر فداهمهما الوقت ومن ثم فيما بعد عقاب صاحب السلطة!! الذي كان يرعبه القلق مع والدته وهما في انتظاره أمام الخيمة ، ولم يكن متوقعا غير الدموع التي اختلطت في مشهدها مع مشهد انتظار البذلة الجديدة والمدرسة..[سمعت أمي تقول ناهرة : لماذا فعلت بخليفة هكذا؟..رد عليها: إنه.....وليس خليفة4] .
3
• في قصص الظل الثالث نجد عبق الصحراء وسحرها وأيضا استدعاء رموز يهتم لها الكاتب بلغة وجدانية وأجواء سحرية ، هي مزيج من غموض وقراءة مُتأنية لما يدور حول الإنسان من ظروف ومعاناة ، وللمرأة حضور قوي في الظل الثالث ، ربما لأنه يريد أن يقول أن بعض القيم لتجسدها إلا المرآة كما في قصتي [المرآة5]و[المهراس6] وهذه الأخيرة اهداها الى ابناء قريته [هراوة] لأنهم يعرفون أبطالها.
• في قصة [المُرضعة7] نجد بناءً قوياً ومُحكماً لمشاهد من أحلام ويقظة وتماهي مع الجذور التي سنجد الإشارة لها في غير نص ، لكنه أيضا يستقريء الفصام الحاصل ما بين القيم والواقع بتفاصيله السخيفة..وهي حياة كائن ما جاء من الصحراء إلى المدينة فالتهمته غربة الأشياء ، لكن ذ اكرته لم تمسخ وظلت مُتصلة بتفاصيل طفولته وجزء من شبابه.
4
• في قصة [المُفارقة8] إبداع لمخيلة انحازت للجدوى في الحياة كما يوحى لنا خليفة احواس فيشير إلى واقعة عاش تفاصيل أحلامها من والده فقد رأى الشيخ حلمه يتحقق قبل رحيله ، فقد عايش ثأره من رموز كانت ترسم خرائط الحزن على الملامح ويوصي ابنه بأن ينحاز للموقف الصحيح ..للرجل الذي رسم المستقبل بإصرار [عليك أن تحفر بأظافر آلمها الماضي ، لوحة مستقبل رسمه وحيد أهله مثلك ، بي ظمأ شديد لطبع قبلة على جبينه الشامخ الأغر 9] والاشارة هنا واضحة إلى ثائر رفع الظلم عن هراوة وكشف ما يراه والده زيف اؤلئك الذ ين تاجروا بها وسرقوا خيرات أرضها وخدعوا أبناءها بمحطات تحلية أتى بها الغرب كي يقضي على جمال الحياة المتمثل في النبات الطبيعي الذي اكتسحته الآلة المُصطنعة [قطع عرى العلاقة بين أرضها ونباتاتها الطبيعية التي حولتها الجرافات إلى مساحات جرداء 10] ، تحقق حلم الأب ورأى في حياته ثأره ..وعند احتضاره يستدعي الكاتب جملة من قصة الموت للأديب المبدع معمر القذافي ، ثم يمنح الأب بركته لابنه إذا سار على دربه [أحسست مع والدي أننا في حاجة للالتحام مع نصير الحق 11]...ونجد إيحاءات في قصة المفارقة لاتغيب عن قاريء متمعن مثل[رأيت في الأفق قوس قزح يرسم بألوانه المتوازية الزاهية حلم رجل لم تتمكن أهواء الآخرين من العبث به 12]ثم [لقد تم محو الإهانة وانهمرت هذ ه المرة دموعي فرحا بفضل النصر المبين الذي جعل عيني تتجول في أفق القرية بكل حرية وكبرياء 13] وعندما نعود إلى قراءة قصة [الأبتر] ودموعه آنذاك بسبب العقاب وحلم قصر سرت نفهم أيضا ما الذي يعنيه الكاتب عندما يقول في المفارقة [وانهمرت هذ ه المرة دموعي فرحا] لأن المُعادلة واضحة ولان النصوص جميعها تقريبا ومع الذاكرة تتركز حول الحلم والحرية [ظللت أحفر بأظافري رحلة حبي مع حبيب والدي الذي لم يجالسه قط 14]
5
• في مجموعة الظل الثالث جوانب أخرى يعالجها الكاتب خليفة احواس وفى مضامينها لمس لتفاصيل الحياة بواقعية غير مباشرة , من خلالها يحدد موقفه من هذه التفاصيل , منها الصراع بين السلطة الأبوية وبين رغبة الإنسان في بعض الأشياء الجميلة المتداخلة ما بين الانتظار والحلم واليقظة كما فى (" انتظار" 15") و ( "محطة" 16" ) و ( " انطلاقة "17 " ) وهى قصص قصيرة جدا تمنح القارئ اللحظة المناسبة للإدراك دون أن تطنب فى السرد , وتعتبر قصة ( الرجل الذى مات ملكا ) من وجهة نظري أحدى القصص التي تدل على أن خليفة أحواس لم يكن طفلا يحبو عندما كتبها وهى ربما اختصرت كل ما في أعماق الكاتب من رفض وتمرد على ألواقع الانسانى الذي يطحن رأس الفرد ويحوله الى هامش لمجرد أنه ليس ((حاكما ) ) أو (( ملكا )) .. فى هذه القصة يموت أخو الفقراء الذي لن يذهب في جنازته احد , رغم أن كل منهما ابن (" التاسعة " 18 ") ! ! لكن الكاتب خليفة احواس يصر على إعادة الأمور ا كما ينبغي لها أن تكون عندما يدفن الملك في نفس اليوم الذى دفن فيه " أوحيدة " في ذلك اليوم نفسه لفظ "أوحيدة " أنفاسه الأخيرة دون علم الإذاعة به , لم يؤبنه أحد , لم يذهب أحد في جنازته لكن اكتظاظ المكان بمعزى الملك جعلهم يقرأون الفاتحة على رفاته الطاهر "19" وتذ كرني هذ ه القصة من حيث قرب المضمون [وليس الشكل] بقصة القاص سالم العبار (عكاز الغفير وقبر الرئيس والقبر الرابع) غيرأنه لدى العبار قبر الرئيس الذي لم يمت بعد وقدر لنعيمة بإصرار حفار القبور وموقفه أن تسجى في قبره قبله.
6
• قد لايكون هذا الاستقراء كافيا لقراءة خليفة احواس فله إبداعات أخرى ووجدانيات تستحق القراء ة وقد كتب فيما بعد أيضا قصصاً قصيرة جدا نشر منها في صحيفة اخبار بنغازي ومجلة الجليس وكتابات أخرى نشرت في عدة مطبوعات ودوريات..تستحق الدراسة و هذه لمحة صغيرة .. عن كتاب رائع وشفاف , تجربته ليست وليدة اللحظة, لغته الوجدانية ليست منبتا مفاجئا , لقد تشكل وعيه , وقرأ , واستوعب , وكتب عن فهم ووعى لما يدور حوله , حول الآنسان عموما , وكان لعبق الصحراء وسحرها حضور يجعل القارئ يعيش فى أجوائها , بما فيها من سرد تاريخي ولغة وجدانية وإنسانية .
• الفصول الاربعة العدد 114 اغسطس 2009م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
* كارين بوي 1900-1941 شاعرة سويدية عاشت حياة نفسية مضطربة لكن النقاد اعتبروها علماً من أعلام الشعر السويدي, حيث إن شعرها يتوسط بين الحداثة والتقليد .. انتحرت بالأقراص المنومة عام 1941. ولحقت بها مارغوت، صديقتها الألمانية منتحرة أيضا.
1 ترجمة الشعر: يوسف سامي اليوسف.
2 تقديم لمجموعة الظل الثالث..فخري قعوار.
3 الأبتر ص 11
4 الأبتر ص 13
5 المرآة ص 15
6 المهراس ص 17
7 المُرضعة ص 21
8 المفارقة من المجموعة
9 إلى 14 المفارقة الصفحات 33 و34و36
15انتظار ص 41
16محطة س 42
17انطلاقة ص 45
18الرجل الذى مات ملكا ص 80
19 تفس المصدر ص 81