حركتان... لا تتحركان
عندما أفكر في الكلمة لغويا أجد أن معناها مناف للسكون و الجمود , فأعيد التفكير في الأمر مرة أخرى لكني أشك في مقدرتي اللغوية و كذا ثقافتي و ما تعلمته ، فأعود إلى المعجم العربي و القاموس المحيط ,و لسان الــــــــعرب، و أساس البلاغة، لأجد الكلمة تنصاع إلى ما لا أرغب فيه فهي تطور و نمو.
أحس بألم في رأسي و تعتريني الحيرة وأتمنى أن أجد كتابا أو معجما أو حتى دليلا واهيا يعلل أن الكلمة تعني السكون والجمود التام , اهتز من فراشي , فأبحر في الشبكة العنكبوتية متخبطا بين المواقع الالكترونية ، ألج هذا الموقع فأخرج منه محبطا خالي الوفاض،ألج الآخر لأصاب بخيبة أمل مفرطة ، أتصفح مكتبتي الصغيرة في هدوء مصطنع فأجد الكل يتفق على أن الحركة نمو سواء للأمام أو للوراء الخلف.
... لا يمكن ... الحركة سكون و جمود و أملك الدليل على ما أقول ، أقرر أن أجري مقابلات مع العامة و الخاصة، والمثقفين و النـــــــــخبة و السياسيين، و العلماء و المشايخ و ذووا الحكمة ،و الدجلة و المشعوذين و السحــــــــرة و قارئات الفناجين و الأكف...
أبدأ رحلة البحث عن الحقيقة ، عن جواب لهذا السؤال المؤرق ، من هذا إلى ذاك، و من تلك إلى تلك، و من هنا إلى هنالك ، لكنني أجدني في أخر المطاف أحمقا مجنونا يدوي في أذناي صدى الجواب المؤلم :
يا ولدي، إن الحركة تقدم ونمو و تطور وليست سكونا أو جمودا.
في غمرة هذه الحالة النفسية المزرية، و في تتدافع الأفكار و الأسئلة الموحشة، أجدني أفكر في الجنون بعينه فألحظ على الفور أني سألت الجميع إلا المجانين و الحمقى.
اخذ على الفور دراجتي النارية ناسيا أن أضع الخوذة ، أتوجه إلى مشفى محاذ لمدرسة للأطفال ، ألج البوابة الحديدية فأطرق الباب الداخلي ، يفتح رجل بدين بطيء الممشى، على لحيته أثار خبز يابس، قدماه لا تنتعلان إلا الأرض.
يبادرني بالسؤال على الفور :عمن تسأل أيها العاقل ؟
ـ عن الحركة, أجل إني أسأل عن معنى الحركة فهي دليل على أنها جمود وسكون أليس كذالك؟
لما أنهيت الجواب، تعالت توا صيحات مجانين يفصلهم عن الساحة المركزية للمشفى سياج حديدي , أقدامهم حافية و أزيائهم مثل زي الذي فتح لي الباب , عرفت فورا أنه منهم، استغفل الحارس عندما سمع طرقاتي .
أجابني : إنك منا إذن, بل إنك أعقل البشر بالنسبة لي أنا، كأحمق كما يقولون عني, إنك على حق فالحركة سكون.
أجابني بسخرية و ضحك متقطع و هو يمرر أظافره العفنة على رقبته السوداء المنتفخة ومن تم استطرد :
أتريد أن أبرهن لك أن الحركة سكون ؟
أجبته بسرعة بالإيجاب، فطلب مني أن أمد له يدي ليرى كفي ، خفت في بداية الأمـــــر لكنني و لحاجتي في الإجابة، سلمت له يدي فقلــــــبها و أخد يخطط في كفي بلون أحمر اعتقدت أنه دم خرج من رقبته المنتفخة، لكني بعد حين علمت أنه كان سائل فاكهة توت معصورة.
أجابني و يدي في قبضة يده الحديدية هو يقول :
ــ هل هذه يدك ؟
ــ نعم
ــ و كيف عرفت ذلك
ــ عرفت لأتني أحسها و أراها جزءا مني
ــ وماذا عن الحركة ؟ هل هي سكون أم نـــــمو و تطور ؟
ــ الحركة سكون
ـ أحسنت
ترك يدي بسلام و أخد يفسر في ثقة زائدة :
الحركة سكون و الدليل على ذلك أن مركــــــــز و محور قضية العرب، تمثله حركتان منفصلتان لا تتحركان لا أماما، و لا حتى خلفا.
أجبته فقلت :
اتفق معك أنهما لا تتحركان أماما و لكن خلفا لا أظن .
استطرد :
الحركة للخلف ليست حركة بل سكون تجسده حركة السكون ذاتها.
فاجئني بجوابه الفلسفي هذا ، إنه يعني ما قصدته أيضا في أن الحركتان لا تتحركان و أن الحماس ربما سيأتي يوم أبحث له عن مقابل أخر، كما هو الشأن لفتح الأبواب، الأبواب التي لن ترضى أن نستعمل كلمة (فتح ) للتعبير عن تركها مجالا فارغا للولوج المجهول .
مصطفى خداد