*هذا المقال نشر بصحيفة (السوداني) في العمود الاسبوعي الذي كنت اكتبه هناك بعنوان (نزعات)
* الصادق المهدي:رئيس وزراء السودان الأسبق(1986-1989)، ولقد حدث في عهده الإنقلاب العسكري وقام بتسليم نفسه للعسكر بعد شهر من الإختباء..وهو زعيم حزب الأمة القومي الذي يعتمد على طائفة الأنصار.
كنت قد تحدثت من قبل عن دور المجتمع في إعلاء قيمة الفنون والآداب، باستشراء روح الجدية والنقد العلمي الذي يخلو من الأغراض الشخصية والمتعجلة، ولهذا فإننا نعنى أول ما نعنى باستجلاء آراء الصفوة ونقدها، وقد كان أن تحدثنا عن الأستاذ (العقاد) في نقد (شوقي) وأبنا سوء نقد العقاد لأنه لا يعترف لشوقي لا بحق ولا باطل.
وللسيد الصادق اجتهادات كثيرة في الدين والسياسة نوافقه على بعضها وننكر عليه الأكثر، ولكنها ليست مقصدنا اليوم - لخصوصية صفحتنا.
لقد بذل السيد الصادق رأيا على صفحات كتابه - والذي هو في الاصل ورقة قدمها لمؤتمر وزارة الأوقاف المصرية - والذي حمل عنوان جدلية الأصل والعصر.
وجاءت في الكتاب اشارة الى أديبنا نجيب محفوظ يهمني أن أنقلها للقارئ كما هي حتى يتبين له ما نريد أن نقول.. قال: (هنالك تيار علماني في الغرب اتخذ موقفا عدائيا من الدين وحمله مسؤولية التخلف والظلامية والعنف في الحياة الغربية نفسها. هذه الإدانة للدين في الغرب اسقطها بعض المفكرين المسلمين على دور الإسلام. وجهر هؤلاء بفكرة: أن الفكر الحديث الجاد والعلم قد طردا الدين نهائيا من الحياة لتقوم الحياة على العلم. هذه هي الفكرة التي رسم معالمها الأستاذ نجيب محفوظ في روايته اولاد حارتنا وهي رواية مع وضوح فكرتها من أسخف ما كتب الاستاذ الذي امتع الاجيال بروايات رائعة خالية من حذلقة أولاد حارتنا ورمزيتها التي تقارب رمزية رواية سلمان رشدي سيئة الصيت الآيات الشيطانية) أهـ. (الكتاب - ص20-21).
والسيد الصادق مخطئ في أكثر من جانب، كما أنه قد ظلم استاذنا ظلم الحسن والحسين وهذا ما سنجليه الآن:
أولا: ودون الولوج في القضايا الأيدلوجية فإن فكرة الرواية هي على عكس الصورة التي رسمها السيد الصادق! هي فكرة مع الدين رغم أن فكرة الرواية في جوهرها لا علاقة لها بالدين ولكنها - اي الفكرة - استفادت من القصة والاحداث التي كانت على طول الخط تعتبره محررا للشعوب.
ثانيا: فكرة الرواية ليست (رسم معالم الحياة المقبلة بطرد الدين والخ..) بل فكرة الرواية هي (الصراع) بين (الخير والشر، وديمومته) وهي فكرة قد سبق لنا على صفحات هذه الجريدة قد نوهنا الى عدم اصالتها وبأنها مستهلكة قد أخذها استاذنا نجيب من لدن (سيزيف) والصخرة.
ثالثا: الرواية لا ترسم معالمها الفكرة، بل القصة هي التي ترسم معالم الفكرة!!!
رابعا: لا يستقيم القول(هي رواية مع وضوح فكرتها) مشفوعا بالاستدراك (من أسخف ما كتب الاستاذ نجيب الخ..) لأن سخف العمل هو عدم وضوح فكرته، ولكن لا يهم موافقة الفكرة معك.. بمعنى أن العمل الفني لا يخضع لتقلب الآراء الشخصية فاذا وافق رأيك فهو عمل جيد، واذا خالفه فهو (سخيف)!!
خامسا: رواية اولاد حارتنا لا تنتمي للأدب الرمزي، ولا تقارب (الآيات الشيطانية) التي هي الأخرى لا تنتمي للأدب الرمزي. ربما المقاربة فقط هي التي ساقها السيد الصادق في عبارته (سيئة الصيت).
وللأسف فإن السيد الصادق قد كرر مقالته مرة أخرى في صحيفة الشرق الأوسط مع إضافات (كارثية) هذه المرة.. نقتبس منها نقلا عن صحيفة آخر لحظة بتاريخ/11/9/2006م :
(في عام 1988 منح القائمون على جائزة نوبل جائزة الأدب تقديرا منهم للكاتب خاصة لروايته أولاد حارتنا)!! - التعجب دوما من عندنا- (في رواية اولاد حارتنا تخطى نجيب مجالاته الاجتماعية المعهودة واقتحم ميدان الفلسفة.. انها رواية فلسفية)!!!!.. (قرأت رواية أولاد حارتنا ولولا اسم مؤلفها لما صبرت على سذاجة خطتها الروائية، وتهافت مقولتها الفلسفية.. الرواية ببساطة تستصحب قصص الأنبياء، وتتبنى رؤية الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت الذي قال: ان الانسان في طفولته الحضارية يؤمن بالسحر ثم يتقدم فيؤمن بالدين، وآخيرا يتخلى عن الدين لصالح العلم)!!!!!! وبعدها يترك السيد الصادق نجيبنا ليسأل (لماذا اولاد حارتنا؟) وليجيب بأنها حلقة اخرى في علاقة اسلامنا مع الغرب ويذهب الى وهاد لنا فيها نوق ولا سبيل لطرادها اليوم.
اولا: لم يمنح القائمون على أمر نوبل الجائزة (خاصة) لرواية اولاد حارتنا، ولا هكذا تعطى نوبل أصلا، ولكن تمت الاشارة اليها (وأخريات).
ثانيا: ما هي المجالات الاجتماعية في الادب؟؟ وما هي الرواية الفلسفية؟؟ فالسيد الصادق بعد أن أثرى الساحة السياسية بالمصطلحات، أراد أن يمدنا ببعضها
أيضا!! فهذه التجزءات (لما هو اجتماعي وفلسفي) لا علاقة لها بالادب، فالآداب اصلا وفصلا عبارة عن فلسفة لا فاصم لعروتها، والفلسفة هي العلم الذي صاحب الفنون حتى الآن (وإن كان جنوح الفنون للأنثربولجي الان أكثر). إن السيد الصادق بطريقته تلك في التصنيف هدم - ومن حيث لا يدري - أهم خصيصة للآداب والفنون.
ثالثا: لو أن السيد الصادق قرأ أولاد حارتنا دون الالتفات إلى اسم صاحبها لكان حري به أن يصل إلى مقولتها (الصحيحة).. ووجد أن (البساطة) التي رآها في استصحاب قصص الأنبياء لم تستعمل ضد الدين، بل وعلى العكس تماما فقد استعملت كمثال للعدل والقسط والثورة، فكل الشخصيات الدينية (جبل) و(رفاعة) و(قاسم) قد كانوا مخلصين للحارة، الأمر الذي عجزت عنه الشخصية العلمية (عرفة) فأين هو انتصار العلم على الدين في هذه الرواية، وطرد العلم للدين من الحياة باعتباره البديل كما تفضل السيد الصادق وأسهب مرتين؟!!
أكثر من هذا فإن رأي كونت نفسه الذي ساقه السيد الصادق لا ينتفي والدين، وهي مقولة صحيحة ولكنها لم تقل كتقرير فرح بل كتقرير راصد.
رابعا: يلحظ أن السيد الصادق لم يتبع أي منهج نقدي أدبي (خصوصا في المقال الذي كتب خصيصا في نقد الأديب) لهذا لا يستغرب أن تخرج آراءه النقدية مضطربة وغير دقيقة وغير علمية. الأمر ذاته الذي فهمه ذلك الشاب الأهوج فأخرج سكين الغدر وضرب بها أستاذنا فحرمنا من إبداعه حتى مماته.
للأمم الأخرى أمثلة جيدة لقياديين ونقاد من أمثال الرئيس (مازاريك) و(سلفادور اللندي) الذي مات دفاعا عن حقه الشرعي الديمقراطي في حكم بلاده وآخرون كثر كانوا حقا شراة لروح النقد الجاد والعلمي بين أممهم.
رحم الله نجيب، وأقر مقامه مع الصديقين والعلماء البررة، بقدر ما أفسح للدين مجالا في أولاد حارتنا.
ورحم الله (مازاريك) قدوة لكل رئيس.
* الصادق المهدي:رئيس وزراء السودان الأسبق(1986-1989)، ولقد حدث في عهده الإنقلاب العسكري وقام بتسليم نفسه للعسكر بعد شهر من الإختباء..وهو زعيم حزب الأمة القومي الذي يعتمد على طائفة الأنصار.
كنت قد تحدثت من قبل عن دور المجتمع في إعلاء قيمة الفنون والآداب، باستشراء روح الجدية والنقد العلمي الذي يخلو من الأغراض الشخصية والمتعجلة، ولهذا فإننا نعنى أول ما نعنى باستجلاء آراء الصفوة ونقدها، وقد كان أن تحدثنا عن الأستاذ (العقاد) في نقد (شوقي) وأبنا سوء نقد العقاد لأنه لا يعترف لشوقي لا بحق ولا باطل.
وللسيد الصادق اجتهادات كثيرة في الدين والسياسة نوافقه على بعضها وننكر عليه الأكثر، ولكنها ليست مقصدنا اليوم - لخصوصية صفحتنا.
لقد بذل السيد الصادق رأيا على صفحات كتابه - والذي هو في الاصل ورقة قدمها لمؤتمر وزارة الأوقاف المصرية - والذي حمل عنوان جدلية الأصل والعصر.
وجاءت في الكتاب اشارة الى أديبنا نجيب محفوظ يهمني أن أنقلها للقارئ كما هي حتى يتبين له ما نريد أن نقول.. قال: (هنالك تيار علماني في الغرب اتخذ موقفا عدائيا من الدين وحمله مسؤولية التخلف والظلامية والعنف في الحياة الغربية نفسها. هذه الإدانة للدين في الغرب اسقطها بعض المفكرين المسلمين على دور الإسلام. وجهر هؤلاء بفكرة: أن الفكر الحديث الجاد والعلم قد طردا الدين نهائيا من الحياة لتقوم الحياة على العلم. هذه هي الفكرة التي رسم معالمها الأستاذ نجيب محفوظ في روايته اولاد حارتنا وهي رواية مع وضوح فكرتها من أسخف ما كتب الاستاذ الذي امتع الاجيال بروايات رائعة خالية من حذلقة أولاد حارتنا ورمزيتها التي تقارب رمزية رواية سلمان رشدي سيئة الصيت الآيات الشيطانية) أهـ. (الكتاب - ص20-21).
والسيد الصادق مخطئ في أكثر من جانب، كما أنه قد ظلم استاذنا ظلم الحسن والحسين وهذا ما سنجليه الآن:
أولا: ودون الولوج في القضايا الأيدلوجية فإن فكرة الرواية هي على عكس الصورة التي رسمها السيد الصادق! هي فكرة مع الدين رغم أن فكرة الرواية في جوهرها لا علاقة لها بالدين ولكنها - اي الفكرة - استفادت من القصة والاحداث التي كانت على طول الخط تعتبره محررا للشعوب.
ثانيا: فكرة الرواية ليست (رسم معالم الحياة المقبلة بطرد الدين والخ..) بل فكرة الرواية هي (الصراع) بين (الخير والشر، وديمومته) وهي فكرة قد سبق لنا على صفحات هذه الجريدة قد نوهنا الى عدم اصالتها وبأنها مستهلكة قد أخذها استاذنا نجيب من لدن (سيزيف) والصخرة.
ثالثا: الرواية لا ترسم معالمها الفكرة، بل القصة هي التي ترسم معالم الفكرة!!!
رابعا: لا يستقيم القول(هي رواية مع وضوح فكرتها) مشفوعا بالاستدراك (من أسخف ما كتب الاستاذ نجيب الخ..) لأن سخف العمل هو عدم وضوح فكرته، ولكن لا يهم موافقة الفكرة معك.. بمعنى أن العمل الفني لا يخضع لتقلب الآراء الشخصية فاذا وافق رأيك فهو عمل جيد، واذا خالفه فهو (سخيف)!!
خامسا: رواية اولاد حارتنا لا تنتمي للأدب الرمزي، ولا تقارب (الآيات الشيطانية) التي هي الأخرى لا تنتمي للأدب الرمزي. ربما المقاربة فقط هي التي ساقها السيد الصادق في عبارته (سيئة الصيت).
وللأسف فإن السيد الصادق قد كرر مقالته مرة أخرى في صحيفة الشرق الأوسط مع إضافات (كارثية) هذه المرة.. نقتبس منها نقلا عن صحيفة آخر لحظة بتاريخ/11/9/2006م :
(في عام 1988 منح القائمون على جائزة نوبل جائزة الأدب تقديرا منهم للكاتب خاصة لروايته أولاد حارتنا)!! - التعجب دوما من عندنا- (في رواية اولاد حارتنا تخطى نجيب مجالاته الاجتماعية المعهودة واقتحم ميدان الفلسفة.. انها رواية فلسفية)!!!!.. (قرأت رواية أولاد حارتنا ولولا اسم مؤلفها لما صبرت على سذاجة خطتها الروائية، وتهافت مقولتها الفلسفية.. الرواية ببساطة تستصحب قصص الأنبياء، وتتبنى رؤية الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت الذي قال: ان الانسان في طفولته الحضارية يؤمن بالسحر ثم يتقدم فيؤمن بالدين، وآخيرا يتخلى عن الدين لصالح العلم)!!!!!! وبعدها يترك السيد الصادق نجيبنا ليسأل (لماذا اولاد حارتنا؟) وليجيب بأنها حلقة اخرى في علاقة اسلامنا مع الغرب ويذهب الى وهاد لنا فيها نوق ولا سبيل لطرادها اليوم.
اولا: لم يمنح القائمون على أمر نوبل الجائزة (خاصة) لرواية اولاد حارتنا، ولا هكذا تعطى نوبل أصلا، ولكن تمت الاشارة اليها (وأخريات).
ثانيا: ما هي المجالات الاجتماعية في الادب؟؟ وما هي الرواية الفلسفية؟؟ فالسيد الصادق بعد أن أثرى الساحة السياسية بالمصطلحات، أراد أن يمدنا ببعضها
أيضا!! فهذه التجزءات (لما هو اجتماعي وفلسفي) لا علاقة لها بالادب، فالآداب اصلا وفصلا عبارة عن فلسفة لا فاصم لعروتها، والفلسفة هي العلم الذي صاحب الفنون حتى الآن (وإن كان جنوح الفنون للأنثربولجي الان أكثر). إن السيد الصادق بطريقته تلك في التصنيف هدم - ومن حيث لا يدري - أهم خصيصة للآداب والفنون.
ثالثا: لو أن السيد الصادق قرأ أولاد حارتنا دون الالتفات إلى اسم صاحبها لكان حري به أن يصل إلى مقولتها (الصحيحة).. ووجد أن (البساطة) التي رآها في استصحاب قصص الأنبياء لم تستعمل ضد الدين، بل وعلى العكس تماما فقد استعملت كمثال للعدل والقسط والثورة، فكل الشخصيات الدينية (جبل) و(رفاعة) و(قاسم) قد كانوا مخلصين للحارة، الأمر الذي عجزت عنه الشخصية العلمية (عرفة) فأين هو انتصار العلم على الدين في هذه الرواية، وطرد العلم للدين من الحياة باعتباره البديل كما تفضل السيد الصادق وأسهب مرتين؟!!
أكثر من هذا فإن رأي كونت نفسه الذي ساقه السيد الصادق لا ينتفي والدين، وهي مقولة صحيحة ولكنها لم تقل كتقرير فرح بل كتقرير راصد.
رابعا: يلحظ أن السيد الصادق لم يتبع أي منهج نقدي أدبي (خصوصا في المقال الذي كتب خصيصا في نقد الأديب) لهذا لا يستغرب أن تخرج آراءه النقدية مضطربة وغير دقيقة وغير علمية. الأمر ذاته الذي فهمه ذلك الشاب الأهوج فأخرج سكين الغدر وضرب بها أستاذنا فحرمنا من إبداعه حتى مماته.
للأمم الأخرى أمثلة جيدة لقياديين ونقاد من أمثال الرئيس (مازاريك) و(سلفادور اللندي) الذي مات دفاعا عن حقه الشرعي الديمقراطي في حكم بلاده وآخرون كثر كانوا حقا شراة لروح النقد الجاد والعلمي بين أممهم.
رحم الله نجيب، وأقر مقامه مع الصديقين والعلماء البررة، بقدر ما أفسح للدين مجالا في أولاد حارتنا.
ورحم الله (مازاريك) قدوة لكل رئيس.