الخـــــــــــــرفان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الضيف حمراوي
    أديب وكاتب
    • 28-11-2008
    • 70

    الخـــــــــــــرفان

    الخـــــــــــــرفان


    القاضي : اسمك ولقبك وسكنك.
    المتهم : أنا ريان ريان ، أسكن بالقلب وسط عين عطشان .
    - مهنتك : راعي خرفان ، وفي سنوات الخير أبقار وجديان.
    - يا ريان ، أنت متهم بضربك للضحية "بفأسك القطاع " على رأسه.
    - لا ، لا، ليس صحيحا يا سيدي القاضي ،التقيت المسمى "ضحية" وكان في القلبين مكظومات تهتز،وتوشك ... فتناظرنا شزرا ، ثم هم ، وهممت ، حاول ،وحاولت ، فسقطنا معا.
    - لماذا شكاك إذن؟
    - هو أمامك يا سيدي القاضي فسله ولا تسألني لأنني لست الشاكي.
    - إذن صرت الآن معلما للقاضي.
    - حاشا سيدي القاضي، وتبقى "أنتم" والقضاء، سر ابتسامنا بعد الله والهواء.
    - عد إلى الموضوع.
    - ودعك عما هم به هو، وقل لنا عما هممت به أنـت؟
    - نعم ، هممت بما هم به هو، توافقت النوايا ،والتحمت الإرادات ،فأمسك وأمسكت ولشدة ضعفنا ، وجوعنا ، وطول عراكنا الزمان وغوائله، سقطنا معا وصدم رأسه الأرض فشج.
    - ماذا تقول الضحية؟.
    - ضربني يا سيدي؛ ضربني بفأسه القطاع، كان يحمله بيمناه فأرسله مباشرة في جمجمتي، بدون تحذير أو نفير ، ولولا ستر الله...
    - يا ريان ، هل كانت لديك نية القتل عندما ضربته؟.
    - سيدي القاضي حكمت بأنني ضربته، ولم تبق إلا معرفة النية!؟.
    - أجب على قدر السؤال.
    - هل لي ألا أجيب؟
    - لا، بل لابد أن تجيب.
    - كانت لي رغبة في أن أراه يلفظ أنفاسه أمامي، لكن بشرط ألا أكون أنا القاتل.
    - أنت الآن تحسن الجواب واصل.
    - يا سيدي ، في قريتنا بعين عطشان ؛ كنا على مر الدهر ، ننتج الحب ، نعيش به، نوزعه حولنا،ونموت فيكون بعضه لنا أكفانا، ونورث بعضه من بعدنا ، للصبايا والصبيان و للفتيات والفتيان ، ولكن الضحية تغير، وأصبح منذ مدة يسلك ويردد كلاما ، وأغاني وطقوس ليس لها علاقة بنا ، أصبح يقلد ،شيطانا اسمه مرة إذاعة ، و مرة تلفاز ،وكلتا حالتيه هماز لماز. يتحدث بلغة الإنسان، يغني يروي مآسي، و يؤذن ويصلي وفي نفس الوقت يعرض موبقات لكننك عندما تفتحه لن تجد بداخله أثرا لإنسان...
    - اسكت... أسكت.
    - سيدي لم تكن لدي نية ضربه، ولم أضربه، ولم أكن أستطيع ضربه.
    - لماذا ، وما كان يمنعك من ضربه؟. تخطو خطوة وتتراجع خطوتين..
    - سنة الله في خلقه، ولكي تصنع طريقا لابد أن تكثر الحز في نفس المسار..
    - هل تحسن القراءة والكتابة؟ هل دخلت المدرسة؟.
    - دخلت المدرسة سيدي ومازلت فيها ولكنني لا أحسن لا الكتابة ولا القراءة.
    - أين تعلمت الحز في نفس المسار؟
    - تعلمت ذلك بصفتي راع، يعنيه العزف والغناء للرعية تروح خماصا وتؤوب شبعى ،سعيدة.تلعب ، تتثاغى، فينبت الورد في عز العطش، ويتنحى الجوع ويتبعثر الحزن ، ويغار المزن قينثال، فيغادر العطش وتبتل الحلوق ،وتبعث الجذور...
    - نكرر نفس الطقوس فتتكرر نفس الأفراح ويحل النعيم بالنفوس
    - اسكت...اسكت.
    - أجب عن السؤال: هل كانت لديك نية القتل عندما ضربته؟.
    - سيدي لم تكن لدي نية ضربه. خرافي الصغيرة، الجميلة؛ البيضاء الوديعة،لم تكن تسمح لي بالتفكير في ذلك، كانت تتبع أمهاتها أمامي، وكانت محل نظري، واليتم مهلك –سيدي-، والجوع مؤذ،وأنا أعلم أن غيابي سيودي بها ، وأعلم أن صاحبي ينوي تغيبي في الجب ليرعى شأنها، يريد تطبيق قوانين الرعاية الاجتماعية عليها كما صرح لي عدة مرات ، ...
    هل تحب خرافك إلى هذا الحد؟
    - سيدي خرافي – أرعاها و ترعاني ، ترضعني و تكسوني وتعلمني- هل سمعت بخلق على وجه الأرض أنبل وأشرف تسامحا وتعففا ،وترفعا عن الضغينة و الانتقام ، وأبعد عن الانحراف، من الخراف ، ولا يسعد الناس ،ولا تحلوا أعراسهم إلا بدمائها الحارة. تعبر بناحريها من برزخ النار إلى برزخ النعيم؟ وما بالكم –سيدي- إذا كانت إلى ذلك ، هي مجمع أملي للسنوات المقبلة بفصولها الأربعة؟
    - ما علاقة هذا بسؤالنا؟. إذا لم تلتزم بالجواب على السؤال أمرت بإدخالك السجن حالا.
    - السجن صار منذ أن أدخل الضحية الآلةَ الإنسانَ بلدتي -عين عطشان- يحيطني، فكيف تدخلني إليه ، فإذا فعلت ذلك تفعل السهل، ولن تفعل شيئا ، إذا كانت لك القدرة على الفعل- يا سيدي- حررني من سجني، أو أغلق سجني في وجهي كي لا أدخله ، ذاك ما يزكيك إن كنت تقضي، إما إذا كنت تبوح بالمقضي فاسمك مستعار.
    - اتق الله في نفسك وأجب على قدر السؤال وباختصار.
    - أجيب فأقول : توجد العلاقة يا سيدي فأنا لا أستطيع أن أضرب أحدا، وخرافي الطرية تتبع أمهاتها أمامي، تثغو وتنط كنت سعيدا بها يا سيدي . والسعيد بالقليل لا يؤذي ، أنت لا تفهم هذا- اعتقد - ولا السيد وكيل الجمهورية، وأنا أعذركما.
    - اسمع كف عن عبثك هذا، واعترف بما أثبته الطبيب، وتحققت من حدوثه النيابة، وصرحت به الضحية أمامك وبحضورك..
    - سيدي لما تتعبون أنفسكم كل هذا التعب ؟.
    - اسكت وأجب على قدر السؤال وإلا..
    سيدي القاضي : أنت تتحدث عن همك ، والسيد وكيل الجمهورية يعالج همه ، ,وأنا لي همي ، والذي جمع همومنا الشاكي الحاضر إمامك، والفأس "القطاع أمامك" ، ناولني الفأس أضرب به جمجمه الضحية أمامكم ، في المكان الذي يزعم من جمجمته ، وتحت نظر النيابة الموقرة ، ونظر هؤلاء الشهود ,وأنا لا انوي قتله فإذا قام وشكاني إليكم فتأكد أنني ضربته. وإلا...
    - نجا منك هناك ، تريد قتله هنا وفي قاعة المحكمة؟
    - يا سيدي القاضي لست وحدك القاضي، وليس خصمي وحده الشاكي ، لكل قاض قاضيه، وكما تدين تدان، حكمة منذ البدء وعاها الزمان، و تجاوزتها الضحية بوصفها إنسان ولم يبق لي سيدي غير هذا وسيلة وبرهان.
    - أجلس مداولة..

    الضيف حمراوي 30/04/2008
    التعديل الأخير تم بواسطة الضيف حمراوي; الساعة 31-10-2009, 15:44.
يعمل...
X