الخـــــــــــــرفان
القاضي : اسمك ولقبك وسكنك.
المتهم : أنا ريان ريان ، أسكن بالقلب وسط عين عطشان .
- مهنتك : راعي خرفان ، وفي سنوات الخير أبقار وجديان.
- يا ريان ، أنت متهم بضربك للضحية "بفأسك القطاع " على رأسه.
- لا ، لا، ليس صحيحا يا سيدي القاضي ،التقيت المسمى "ضحية" وكان في القلبين مكظومات تهتز،وتوشك ... فتناظرنا شزرا ، ثم هم ، وهممت ، حاول ،وحاولت ، فسقطنا معا.
- لماذا شكاك إذن؟
- هو أمامك يا سيدي القاضي فسله ولا تسألني لأنني لست الشاكي.
- إذن صرت الآن معلما للقاضي.
- حاشا سيدي القاضي، وتبقى "أنتم" والقضاء، سر ابتسامنا بعد الله والهواء.
- عد إلى الموضوع.
- ودعك عما هم به هو، وقل لنا عما هممت به أنـت؟
- نعم ، هممت بما هم به هو، توافقت النوايا ،والتحمت الإرادات ،فأمسك وأمسكت ولشدة ضعفنا ، وجوعنا ، وطول عراكنا الزمان وغوائله، سقطنا معا وصدم رأسه الأرض فشج.
- ماذا تقول الضحية؟.
- ضربني يا سيدي؛ ضربني بفأسه القطاع، كان يحمله بيمناه فأرسله مباشرة في جمجمتي، بدون تحذير أو نفير ، ولولا ستر الله...
- يا ريان ، هل كانت لديك نية القتل عندما ضربته؟.
- سيدي القاضي حكمت بأنني ضربته، ولم تبق إلا معرفة النية!؟.
- أجب على قدر السؤال.
- هل لي ألا أجيب؟
- لا، بل لابد أن تجيب.
- كانت لي رغبة في أن أراه يلفظ أنفاسه أمامي، لكن بشرط ألا أكون أنا القاتل.
- أنت الآن تحسن الجواب واصل.
- يا سيدي ، في قريتنا بعين عطشان ؛ كنا على مر الدهر ، ننتج الحب ، نعيش به، نوزعه حولنا،ونموت فيكون بعضه لنا أكفانا، ونورث بعضه من بعدنا ، للصبايا والصبيان و للفتيات والفتيان ، ولكن الضحية تغير، وأصبح منذ مدة يسلك ويردد كلاما ، وأغاني وطقوس ليس لها علاقة بنا ، أصبح يقلد ،شيطانا اسمه مرة إذاعة ، و مرة تلفاز ،وكلتا حالتيه هماز لماز. يتحدث بلغة الإنسان، يغني يروي مآسي، و يؤذن ويصلي وفي نفس الوقت يعرض موبقات لكننك عندما تفتحه لن تجد بداخله أثرا لإنسان...
- اسكت... أسكت.
- سيدي لم تكن لدي نية ضربه، ولم أضربه، ولم أكن أستطيع ضربه.
- لماذا ، وما كان يمنعك من ضربه؟. تخطو خطوة وتتراجع خطوتين..
- سنة الله في خلقه، ولكي تصنع طريقا لابد أن تكثر الحز في نفس المسار..
- هل تحسن القراءة والكتابة؟ هل دخلت المدرسة؟.
- دخلت المدرسة سيدي ومازلت فيها ولكنني لا أحسن لا الكتابة ولا القراءة.
- أين تعلمت الحز في نفس المسار؟
- تعلمت ذلك بصفتي راع، يعنيه العزف والغناء للرعية تروح خماصا وتؤوب شبعى ،سعيدة.تلعب ، تتثاغى، فينبت الورد في عز العطش، ويتنحى الجوع ويتبعثر الحزن ، ويغار المزن قينثال، فيغادر العطش وتبتل الحلوق ،وتبعث الجذور...
- نكرر نفس الطقوس فتتكرر نفس الأفراح ويحل النعيم بالنفوس
- اسكت...اسكت.
- أجب عن السؤال: هل كانت لديك نية القتل عندما ضربته؟.
- سيدي لم تكن لدي نية ضربه. خرافي الصغيرة، الجميلة؛ البيضاء الوديعة،لم تكن تسمح لي بالتفكير في ذلك، كانت تتبع أمهاتها أمامي، وكانت محل نظري، واليتم مهلك –سيدي-، والجوع مؤذ،وأنا أعلم أن غيابي سيودي بها ، وأعلم أن صاحبي ينوي تغيبي في الجب ليرعى شأنها، يريد تطبيق قوانين الرعاية الاجتماعية عليها كما صرح لي عدة مرات ، ...
هل تحب خرافك إلى هذا الحد؟
- سيدي خرافي – أرعاها و ترعاني ، ترضعني و تكسوني وتعلمني- هل سمعت بخلق على وجه الأرض أنبل وأشرف تسامحا وتعففا ،وترفعا عن الضغينة و الانتقام ، وأبعد عن الانحراف، من الخراف ، ولا يسعد الناس ،ولا تحلوا أعراسهم إلا بدمائها الحارة. تعبر بناحريها من برزخ النار إلى برزخ النعيم؟ وما بالكم –سيدي- إذا كانت إلى ذلك ، هي مجمع أملي للسنوات المقبلة بفصولها الأربعة؟
- ما علاقة هذا بسؤالنا؟. إذا لم تلتزم بالجواب على السؤال أمرت بإدخالك السجن حالا.
- السجن صار منذ أن أدخل الضحية الآلةَ الإنسانَ بلدتي -عين عطشان- يحيطني، فكيف تدخلني إليه ، فإذا فعلت ذلك تفعل السهل، ولن تفعل شيئا ، إذا كانت لك القدرة على الفعل- يا سيدي- حررني من سجني، أو أغلق سجني في وجهي كي لا أدخله ، ذاك ما يزكيك إن كنت تقضي، إما إذا كنت تبوح بالمقضي فاسمك مستعار.
- اتق الله في نفسك وأجب على قدر السؤال وباختصار.
- أجيب فأقول : توجد العلاقة يا سيدي فأنا لا أستطيع أن أضرب أحدا، وخرافي الطرية تتبع أمهاتها أمامي، تثغو وتنط كنت سعيدا بها يا سيدي . والسعيد بالقليل لا يؤذي ، أنت لا تفهم هذا- اعتقد - ولا السيد وكيل الجمهورية، وأنا أعذركما.
- اسمع كف عن عبثك هذا، واعترف بما أثبته الطبيب، وتحققت من حدوثه النيابة، وصرحت به الضحية أمامك وبحضورك..
- سيدي لما تتعبون أنفسكم كل هذا التعب ؟.
- اسكت وأجب على قدر السؤال وإلا..
سيدي القاضي : أنت تتحدث عن همك ، والسيد وكيل الجمهورية يعالج همه ، ,وأنا لي همي ، والذي جمع همومنا الشاكي الحاضر إمامك، والفأس "القطاع أمامك" ، ناولني الفأس أضرب به جمجمه الضحية أمامكم ، في المكان الذي يزعم من جمجمته ، وتحت نظر النيابة الموقرة ، ونظر هؤلاء الشهود ,وأنا لا انوي قتله فإذا قام وشكاني إليكم فتأكد أنني ضربته. وإلا...
- نجا منك هناك ، تريد قتله هنا وفي قاعة المحكمة؟
- يا سيدي القاضي لست وحدك القاضي، وليس خصمي وحده الشاكي ، لكل قاض قاضيه، وكما تدين تدان، حكمة منذ البدء وعاها الزمان، و تجاوزتها الضحية بوصفها إنسان ولم يبق لي سيدي غير هذا وسيلة وبرهان.
- أجلس مداولة..
الضيف حمراوي 30/04/2008