ندى إمام تعاين بجرأة بكاء الجسد .. كتب: أحمد فضل شبلول

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ندى إمام
    أديب وكاتب
    • 08-09-2008
    • 253

    ندى إمام تعاين بجرأة بكاء الجسد .. كتب: أحمد فضل شبلول

    ندى إمام تعاين بجرأة بكاء الجسد :

    المجتمع يساوي بين المطلقة والأرملة في محاولة إبعادهن عن الحياة الطبيعية التي تحياها المرأة المتزوجة.
    ميدل ايست اونلاين
    كتب ـ أحمد فضل شبلول

    هذه مجموعة قصصية تحاول رصد حالات بكاء الأنثى وحزنها ونحيبها وعويلها في مواقف إنسانية شتى، ومن هنا تكتسب المجموعة تميزها عن غيرها من المجموعات التي تشرِّق وتغرِّب، دون أن تكون معنية بالتوقف عند ظاهرة أنثوية معينة.
    لقد عبرت ندى إمام عبد الواحد عن ضعف المرأة واستكانتها عندما يبكي جسدها في ليل وحدتها، وكذلك عن قوتها وجبروتها عندما تتساقط دموعها التي هي سلاحها في مواقف أخرى من خلال سبع عشرة قصة قصيرة حملت عنوانا دالا هو "عندما يبكي الجسد" صدرت عن مطبوعات الفجر التي تصدر عن جماعة الفجر الأدبية بالقاهرة، ويشرف عليها الناقد د. يسري العزب.
    والمجموعة تخوض عالم المسكوت عنه في بعض قصصها التي يعاني فيها الزوج من عجز جنسي ويتحاشى تلاقي عيونه مع عيون زوجته التي تعذبه وتنهش جسده وتمزق روحه. وتخرج مكنوناته في عالم الأحلام التي ينتقم فيها من المجتمع بقتل جاره الذي ينظر إلى زوجته بلذة في صعودها وهبوطها محاولا التودد، وفي النهاية يشرع هذا الزوج المعذب في قتل نفسه.
    ومرة تشرح أحوال الجسد وعذابه في وسائل المواصلات اليومية "فالراكب الواقف من الخلف يحتك بي .. أنزاح قليلا لليسار فيلاحقني .. أنزاح لليمين فيعاود الكرة. ماذا أفعل؟" وعندما لا يجد الراكب استجابة يبدأ في التململ ثم لا يلبث أن يغادر الحافلة عند أول محطة، ومفاجأة القصة أن المرأة عندما تصل إلى البيت تجد زوجها متجهما وعبوسا، وهي نفس الملامح التي كان عليها الواقف خلفها "استدارت بشدة للخلف ونظرت في وجه الراكب الواقف خلفها سارحا في خيالاته.. تنهدت في حدة فرأت وجهه متجهما وعبوسا".
    أما السيدة المطلقة التي تبحث عن وظيفة، فتصل إلى إحدى الشركات لمقابلة مديرها الذي يتشابه اسمه مع اسم حبيبها أيام الدراسة الجامعية، فتستدعي من الذاكرة أيام الحب الجميلة، وعندما تزوجت لم تشعر يوما مع زوجها بوصولها للنشوة التي تتحدث عنها أمها، إلا بعد قيامها بجهد شاق في التخيل "نعم كنت أبذل كافة الجهود واستخدم كل الحيل النفسية حتى أصل للحظة الانتشاء تلك التي تتحدث عنها أمي بكل بساطة".
    وفي قصة "النفق المظلم" تعارض الأسرة فكرة زواج الفتاة من رجل متزوج ولم يكن يعلم أحد مقدار ما تعانيه فتاتهم من عذاب بهذا الجسد المحروم من أن يحتويه أحد بين ذراعه في رقة وحنان، محروم من الأحضان الدافئة "كم كانت تشتاق إلى ممارسة الحب إلى القبلات وارتعاشة الشفتين ورجفة الشعور بلذة الحب". وتسأل نفسها في مونولوج العذاب النفسي "متى سأشعر بكل هذا متى؟".
    وفي قصة "الموعد" تشعر المرأة بأنها زائدة عن الحاجة، فجسدها لا يحمل أي معنى أو مضمون لوجوده، وتشك أنها امرأة وتتساءل ضمن تيار الشعور الذي يعلو كثيرا في تلك المجموعة القصصية "هل أصبح الرجال بالنسبة لي مجرد خيالات وهمية تمشي على الأرض؟ أم أنني أنا التي لم تعد امرأة؟ نعم أنا لم أعد امرأة".
    وفي قصة "الحب الأسود" تعلو نغمة ما يمكن أن نسميه بالقصة الغنائية، حيث تدور الفتاة حول نفسها وتكرر بعض المقاطع القصصية الرومانسية "أدور وأدور ويدورون، لا شك أني أحبه" ويظل الدوران حول الذات طوال القصة مع التغني بالحبيب القادم الذي سيطفيء الحريق واللهيب والأشواق والعذاب، وعندما لا يأتي الحبيب المنتظر يصيبها مس من الجنون وتتساءل من واقع الفجيعة "لمن كل هذا الشوق، وكل هذا الغرام، وكل هذا اللهيب، وكل هذا الكلام، أشعر أنك قادم .. قادم لا محالة".
    وعندما يتخلى الجميع عن المرأة الأرملة بما فيهن الصديقات الخائفات على أزواجهن منها، والجارات اللواتي يتجنبن الحديث معها إلا دقائق، لا تجد من يعيش معها ويتقبلها سوى قطتها الأليفة التي ترثيها عند موتها أجمل الرثاء، لدرجة أن القارئ لا يشعر أن كل هذا الرثاء موجه للقطة إلا في نهاية القصة، فالقطة كانت أكثر من صديقة، وعند موتها تتذكر المرأة وفاة أبيها ووفاة زوجها، ما يدل على درجة الحب والاعتزاز وفداحة الفقد الذي تشعر بها المرأة عند موت القطة.
    إنها كانت تبث للقطة أشواق جسدها ولواعجه وحرقته "كنت أراك تتلوين أمامي راغبة في الزواج تماما مثلي، كنت أتلوى في فراشي وأنا أبحر وحدي في جزائر الشهوة دون رفيق".
    ومن هذه القصة يتضج لنا جليا أن المجتمع يساوي بين المطلقة والأرملة في التخوف منهن ومحاولة إبعادهن عن الحياة الطبيعية التي تحياها المرأة المتزوجة، وفي هذا ظلم شديد لهن، والقصة بطبيعة الحال لا تتحدث عن نظرة الاستعلاء هذه بطريقة مباشرة، ولكنها تنجح في إثارة هذه الأمور من خلال التصوير والتحليل النفسي الذي تجيده الكاتبة ندى إمام التي حاولت أن تنهي قصتها الرائعة "مرثية" بطريقة السيناريو قائلة "صوت مواء القطة يخفت تدريجيا بينما الأخرى تنتحب" وهي لم تكن في حاجة إلى مثل هذه العبارة الختامية التي جاءت نتوءا بارزا في عالم تلك القصة شديدة الإنسانية، مزدحمة المشاعر.
    على هذا النحو تمضي معظم قصص مجموعة "عندما يبكي الجسد" التي أراها متميزة من حيث طرح موضوعاتها الجريئة الكاشفة عن عالم ربما يبتعد عنا أو نبتعد عنه في زحمة الحياة، ولكنه عالم حقيقي وموجود ينتظر من يلتقطه ويفسح المجال له، ويمزق الغلالة الشفيقة التي تفصلنا عنه له ليقف شامخا وسط دوامة الحياة وأحوال المجتمع وقضايا الإنسان المعذب والمضطهد وقضايا المرأة الأرملة والمطلقة والعانس التي ينسى المجتمع مدى حرمانها وعذابها واشتياقها ووحدتها التي تعانيها، في ظل وجود المرأة المتزوجة التي لا شك تعاني هي الأخرى من أمراض مجتمعية أخرى.
    وقد نجحت ندى إمام في تبئير تلك الحياة وتجسيد تلك المشاعر ما يجعلنا نتعاطف مع هذه الفئة النسوية في مجتمعاتنا العربية المعاصرة.

    أحمد فضل شبلول ـ الإسكندرية
    ندى إمام عبد الواحد (ألف ليلة وليلة )
يعمل...
X