المشاركة الأصلية بواسطة حامد السحلي
مشاهدة المشاركة
لا عليك أخي الكريم، تقول تختلف معي، وأنت عرضت أسباب الاتفاق عوض الاختلاف، ومشروع الويكي لا علم لي به فزدني فيه وضوحا زادك الله علما.
مستعد بحمد الله وتوفيقه أن أمضي معك بعيدا في بيان هذه الأمور ومقاضياتها، وأقتصرت بالرد في هذه المرة على ما جاء في النقاط أعلاه من موضوعك.
اعلم أخي الكريم بأن الله حبا الإنسان بمدارك تدرك سبل تنوير العقل وإضاءة الجوانب المظلمة، وللعلم منطلقات تعددت :
أ- منطلق الإيمان، والتصديق:
ب- منطلق العقل ومداركه؛
ج- منطلق العلم و التجاريب.
ومن الإجمال إلى التفصيل:
أ- منطلق الإيمان، والتصديق:
في زمن الرسول الكريم كان صلى الله عليه وسلم يدعو الناس لدين الله ثم يقرأ عليهم القرآن وكانت هذه أولى المهام لرسولنا الكريم ٍٍ{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }[البقرة : 129]
تلك إذا دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام لهذه الأمة المحمدية ويستجيب الله جل علاه لها {َلقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران : 164]؛
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة : 2]
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [القصص : 59]
هكذا يثبت القرآن الكريم بأن أولى المهام للرسول صلى الله عليه وسلم أو لأي جاء من بعده أن يتلو آيات القرآن على الناس،
وقد يتساءل المرء وما تغني الآيات وتلاوتها وبخاصة على الذين لا يؤمنون بها. ويزيد استعجام المرء وتكبر حيرته حين يقرأ قوله تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً }[الفرقان : 52]، وهذا ما يدفعنا لتأمل القرآن الكريم والبحث عن كوامن أسراره، لنجد ذلك في قوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُِّ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[الشورى : 52]
فروح المرء من لدن ربها، وروح القرآن أيضا من نفس المصدر فيندمجان ويتآلفان وتقبل روح المرء على القرآن إقبال الجائع لزمن طويل على مأدبة دسمة ويصعب لانفكاك بينها، مما يبقي المرء مشدوها، كأن شيئا ما حدث لم يدر كنهه ولم يعرف سره غير أن هذا القرآن حوله من خصم عنيد إلى محاور لطيف للخصوم...
وهذا الأسلوب له أثره البليغ في هداية الخلق. ولم يدرك الكثيرين من الفقهاء، هذه الخاصية للقرآن، فأوصوا بعكسها : " فلا تحاجوهم بالقرآن فإنه حمال ذو وجوه" وكانت هذه المقولة سببا في انحراف الفقه انحرافا كبيرا؛ حيث اقتصر الفقهاء بعدها على أخذ نصوص السنة وآيات الأحكام فقط، حتى أصبح فخرهم واعتزازهم بالتسمي بأهل السنة والجماعة. كأن الكتاب لا دخل له في التشريع.
ب- منطلق العقل ومداركه؛؛
بعد انحراف الفقهاء عن القرآن، واجهتهم فلسفات وأفكار، احتاجوا معها لعلم الكلام، وكانت مدارسه باختلاف أنماطها المعروفة.
لو عمدوا إلى كتاب ربهم ما كانوا في حاجة إلى علم الكلام البتة.
وازداد علم الكلام الانحراف نكوبا عن الصراط، فعمدوا إلى تحديد صفات الرب خارج الكتاب وجعلوا منها ماأوجبوه على الرب، وما درى علم الكلام على أي حبل يسير بعد ما انقطع عن حبل الله، فكانت الفلسفة وحدها البديل...
فخلصوا في تحديد صفات فلسفية لله، كالوجود والقدم والبقاء ومخالفته للحوادث وكونه متكلما وأضافوا من الكتاب كونه سميعا بصيرا، ونازعت المعتزلة ومن نحى نحوهم ومن سار على فلسفتهم في صفات الله...
واختصمت المدارس هل العقل يحسن ويقبح أم لا؟
وأقول آن الأوان لشطب هذه الفلسفات وتجاوزها، والرجوع للكتاب، واعتماد نصوصه في كل خطواتنا.
فكل فكر لا يستنير بهداه محض ضلال، وكل كلام عن الذات العالية من غيرعلم ولا هدى ولا كتاب منير، يعد من التقول الذي هو أكبر الكبائر إطلاقا.
ولا يعني هذا إقصاء للعقل، وإنما العقل تابع للنصوص وخاضع لها ومجتهد بين ثناياها فهما ودراية واستنباطا، وليس مستقلا بالتشريع.
والعقل مهمته الأساس أن يوقن بأن الرسول حق وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حق، وطبعا بعد ذلك يخضع للنصوص، وليس لفهوم تجاوزها الزمن، وإنما يعيد النظر والاعتبار في كل شيء، بفكر شمولي، ونظرة ثاقبة، حتى يكون على بينة من أمره.
وذلك طلبا للوحدة الموضوعية لفهم النصوص بين كل علوم الشرع كي لا نتناقض بين ما يقرره علماء العلوم القرآنية وعلماء الأصول مثلا، وكي لا نجد خلافا لفهم النصوص في ضوء ما يقرره هؤلاء وأولائك.
والعقل مطالب باستكمال نوره بالنظر في خلق الله كيف يحيي الله الأرض بعد موتها؟ وهو طلب معرفة العلوم البيولوجية،{فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم : 50]؛
كما هو مطالب بمعرفة سنن الأمم المتقدمة وهو معرفة الصراع الحضاري من نشوء وارتقاء واضمحلال للدول...
{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ} [آل عمران : 137].
ج- منطلق العلم و التجاريب:
كانت المهمة الثانية بعد تلاوة القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم تزكية النفوس، وهو الأمر الذي جعله نبينا إبراهيم عليه السلام في المرتبة الثالثة فأبى الله إلا أن يجعله ثاني المهام قبل العلم، نظرا لأهمية تزكية الأنفس وطهارتها، وهوما يؤسس للربانية لا للرهبانية، وهو أيضا ما يحول بالمرء عن درب النفاق.
وقد يقول قائل وما علاقة هذا بسبل الإقناع والدخول لباب الإسلام؟
فالتزكية أس علاقة العبد والرب، ولئن تعهد الله بنجاة من يستثيغونه في ظلماء البحار، وشدة الإعصار، فإنه لمن الأيسر إخراج المرء من ظلمات معنوية أيسر بكثير من ظلمات حسية حقيقية.
{قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأنعام : 63قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام : 64]
فالتربية الربانية على يد عليم بالشرع مقتدر، يضحي المرء معها شمسا منيرة تطبع ولا تنطبع، وتؤثر ولا تتأثر.
فلو جيء المرء بكل ملاحدة الدنيا ما استغنى عما ذاقه من سبيل الرشاد، وما أدركه من طريق الهدى، وما يفتحه الله على العبد من نور اليقين، وكل ذلك فضلا من الله ونعمة - لا غير -ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم، وحاشا الله أن يخيب من رجاه.
لقد كان هذا مدخلا للموضوع وعسى أن أيدأ في مناقشة النقاط التي عددتها. فإلى المداخلات اللاحقة- بإذن الله-.
اترك تعليق: