جحر الضب أو طوق التقليد
كتب صبري حافظ مقدمة في دراسة كتاب للدكتور محمد ولد بوعليبة، تحت عنوان النقد الغربي والنقد العربي " نصوص متقاطعة- دراسة تطبيقية في النقد المقارنة لنصوص : خالدة سعيد ويمنى العيد" واستهل كلامه بالتركيز على سبب اعتماد الكتاب المذكور للدراسة فسرد لنا ثلاث مفاجآت :
1- "لأنه كتاب جديد وجاد بحق بكل معاني الجدة والجدية، جديد في موضوعه الشيق وفي منهجه النقدي المتميز معا، وجاد في تعامله مع مادته بصرامة منهجية، ودقة موضوعية تستحق الاهتمام، وبصيرة نقدية تحتاج إلى التوقف حيالها بإعجاب.
2- هذا الكتاب الجديد يتنكب طريق البدايات التقليدية، ويغامر بدراسة شيقة في أفق جديد يستفيد فيه الباحث من مصادرة أساسية مفادها وحدة الخطاب النقدي العربي ووحدة الثقافة العربية، وهي المصادرة المبدئية ضرورة تأسيس دراسة فوق آخر إنجازاته المشرقية منها والمغربية على السواء ؛ إذ لا يبدأ من حيث بدأ النقد الأدبي العربي الحديث، وإنما من حيث انتهت استقصاءات أبرز أعلامه في النظرية أو التطبيق على حد سواء.
3- فهي دراسة جادة في الأدب المقارن بالمعنى العلمي الدقيق للمصطلح، وبخاصة في صرامته المنهجية."1
والملاحظ من خلال المقال بأن صبري ورغم أن سبق له كتابة كتاب بعنوان: " تكوين الخطاب السردي العربي " نفى فيه كون ثقافة ما حين تتوفر لها أسباب الاتصال بثقافة أخرى تنقل عنها أجناسها الأدبية، إضافة إلى أنه انتقد ولد بوعليبة بعزفه على هذا النغم، فإنه من يطالع مقدمته لا يملك إلا أن يجزم بأنه يريدنا أن نكون أضُبَّ تدخل جحر المستعمر الفرنسي.
فهل يستفيق الكاتب وهو يمضي على خطوات ولد بو عليبة في سرد انتحال خالدة سعيد لما جاء في كتابها" البحث عن الجذور" (1960) لأفكار سوزان برنار في كتابها " من بودلير إلى أيامنا الراهنة" (1958)، فضلا عن تأثير إليوت على قسمها الأخير من دراسات كتابها فهو يقول :
"وحتى لو تجاهلنا هذه الفرية المفضوحة سنجد كما يقول بوعليبة لا أثر في دراسات خالدة سعيد لتأثيرات الاتجاهات النقدية الغربية التي لمسناها في الإعلان أو تقديم دور الناقد. ورغم استعمالها في هذه الدراسات لعبارات مثل صوت داخلي المستعارة من لغة إليوت، فإنها لا تستغلها لتوضيح معنى العبارة مطبقا على القصيدة بعينها" لأن تحليلها للقصائد والنقد التأويلي الذي يفرض معنى ذاتيا للإنتاج، أو يتناول موضوعا أو غرضا أساسيا تعبر عنه القصيدة، وتربطه خالدة أساسا بحياة المؤلفة"، أو بأنها تترجم في شعرها اضطهاد المرأة وغير ذلك من الممارسات التقليدية في النقد.
فإذا انتقلنا إلى الفصل الخامس " البنيوية التوفيقية لدى خالدة سعيد" سنجد أن الأمر لا يختلف كثيرا عما كان عليه قبل دراستها في فرنسا. فمن شب على شيء شاب عليه كما يقول المثل السائر. فبالرغم من أنه قد أتيح لها أن تحضر دروس رولان بارت العظيم نفسه، إلا أن ممارستها النقدية بعد دراستها في باريس تكشف عن نفس العيوب الأساسية التي عثر عليها الباحث في ممارستها قبل الدراسة فيها، وأطروحتها التي أنجزتها في باريس بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا بعنوان " رسالة التحديث في الأدب العربي المعاصر" عام 1973، والدراسات التي نشرتها في مجلة مواقف والتي جمعتها في كتاب "حركية الإبداع" 1979 تكشف عن غياب تأثير التصورات النقدية الجديدة التي تعرضت لها أثناء دراستها في فرنسا على دراستها التطبيقية، بالرغم من وجود أطياف هذه التأثيرات على سطح كتابتها، وفي كثير من شقشقتها النظرية." 2
فالسؤال يبقى مفتوحا على مصراعيه ماذا يريد منها هذا الناقد ؟ أيريدها أن تكون نسخة طبق الأصل لإليوت ؟ أم أن تنغمس في نهره حتى أخمص أقدامها ووفق ضوابطه ومسالكه ؟ ثم كيف يسعى سعيه الحثيث ضد ما جاء في كتابه عن احتكاك الثقافات ؟ أهي غفوة الصالحين أم تناقض المعاندين ؟ أليس هو ذا جحر الضب وفق حديث أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ. قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : فَمَنْ ؟]3 فأين هي القراءة الناقدة بالعين الثاقبة ؟...
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
1 - بتصرف عن مجلة علامات عدد رقم 43 محرم 1423.ص 184-186.
2- مجلة علامات ج/43/ص 203.
3 - المسند الجامع - (ج 14 / ص 320) العلم 4592-عَنْ عَطَاءِ بن يَسَارٍ ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ ،!.أخرجه أحمد 3/84(11822) و3/89(11865) قال : حدَّثنا رَوْح ، حدَّثنا زُهَيْر بن مُحَمد. و"البُخَارِي" 4/206(3456) قال : حدَّثنا سَعِيد بن أَبي مَريم ، حدَّثنا أبو غَسَّان. وفي 9/126(7320) قال : حدَّثنا مُحَمد بن عَبْد العَزِيز ، حدَّثنا أبو عُمَر ، هو حَفص بن مَيْسَرَة ، الصَّنْعاني من اليمن. و"مسلم" 8/57(6875) قال : حدَّثني سُويد بن سَعِيد ، حدَّثنا حَفْص بن مَيْسَرَة. وفي 8/57(6876) قال : وحدَّثنا عِدة من أصحابنا ، عن سَعِيد بن أَبي مَرْيَم ، أخبرنا أبو غَسَّان ، وهو مُحَمد بن مُطَرف. وفي (8/58(6877) قال أبو إِسْحَاق إبراهيم بن مُحَمد ، راوي (صحيح مُسْلم) : حدَّثنا مُحَمد بن يَحيى ، حدَّثنا ابن أَبي مَريم ، حدَّثنا أبو غَسَّان.ثلاثتهم (زُهَيْر ، وأبو غَسَّان ، وحَفص) عن زَيْد بن أَسلم ، عن عَطَاء بن يَسَار ، فذكره.-وأخرجه أحمد 3/94(11919) قال : حدَّثنا عَبْد الرَّزَّاق ، أنبأنا مَعْمَر ، عن زيد بن أسلم ، عنِ أَبي سعِيدٍ الخدري.