خليل حاوي الشاعر الذي انتحر عندما وجد نفسه عاجزا عن صد العدوان تجاه بلده
[ الموضوع جزء من دراسة وبحث مطول ] لم أنته منه بعد
لدي ملاحظات أخرى ربما اضيفها لاحقا .... كما أنني أعتقد أنه سبق لي وترجمت قصيدة لعازر كاملة أو قصيدتان أخريان للشاعر ذاته
ضمن صفحتي هذه ؟
حذفت بشكل متعمد بعض الإشارات والرموز ( لسبب في نفسي ) لكن صلب الموضوع ناقشته بهدوء وحافظت عليه
وهذه المذكرة ( العمل الأدبي ) حصلت على موافقة استحسان نشرها في بعض الأكاديميات
===
الأمة النائمة». وهنا لي مداخلة اضيفها حول هذه العبارة ( الأمة النائمة من قبل حاوي ) أو كما عبر عنها الشاعر الفيلسوف الذي لا يشق له غبار " أدونيس " أو اسمه الحقيقي ( علي أحمد سعيد )
حيث قال :
قلتُ : هذي الجرة المنكسره
أمة مهزومة، هذا الفضاء
رمد . هذي العيون
حفر. قلت الجنون
كوكب مختبىء في شجره .
سأرى وجه الغراب
في تقاطيع بلادي، وأسمّي
كَفَنا هذا الكتاب
وأسمي جيفةً هذي المدينة
وأسمي شجر الشام عصافير حزينه
(ربما تولد بعد التسمية
زهرة أو أغنية)
وأسمي قمر الصحراء نخله
ربما استيقظت الأرض وعادت
طفلة أو حلم طفلة
لم يعد شيء يغني أغنياتي :
سيجيء الرافضون
ويجيء الضوء في ميعاده . .
لم يعد غير الجنون
ويقوم الشاعر بتحوير هذا الرمز، فيبدو لعازر خليل حاوي راضياً بموته، بل يطلب من الحفار أن يعمق الحفرة لقاع لا قرار له.
وحينما يسمع صلوات الحب التي يتلوها الناصري يشك في قدرتها على بعثه من قبره، لأن الموت أصبح شيئاً أساسياً في كيانه.
وحينما تنجح هذه الصلاة في بعثه جسدياً، تفشل في بعثه روحياً، فالبعث لم یکن ،كاملاً فقد قام لعازر ميتاً من قبره. ونرى زوجة لعازر بعد أسابيع من بعثة الثاني من قيامته المشوهة، فقد عاد زوجها ولكن الموت مازال رابضاً في أعماقه.
كان ظلا أسودا
يغفو علي مرآة صدري
زورقا ميتا
على زوبعة من وهج
نهديَّ وشعري
كان في عينيه
ليل الحفره الطيني يدوي ويموج
عبر صحراء تغطيها الثلوج
عبر صحراء تغطيها الثلوج
عبثاً فتشت فيها
عن صدى صوتي، وعن وجهي
وعيني وعمري
كان من حين لحين
يعبر الصحراء فولاذٌ محمى
كنت استرحم عينيه وفي عيني عار إمرأة
أنّت , تعرت لغريب
ولماذا عاد من حفرته ميتا كئيب
غير عرق ينزف الكبريت مسود اللهيب
فزوجها يبدو غريباً عنها تماماً، والرحمة التي كان يتميز بها معها تذهب الآن سدى، فقد أصبح يعاملها بقسوة لأن القيم التي كان يتمتع بها قد ماتت، وبعث
حيواناً متوحشاً.
مر يلسعه الجوع فيرغى ويهيج
لعازر خليل حاوي
الشاعر أمله فى مستقبل الإنسان العربي في الأرض المحتلة :
وإن لي في تراب القدس معجرة تأتي، وألف مسيح بعد أُحييه
وقد تمتزج هذه الملامح الثلاثة كلها ؛ «الصلب» و «الفداء» و«الحيــاة من خلال الموت في قصيدة واحدة كما في قصيدة المسيح بعد الصلب» لبدر شاكر السياب، وهى من أنضج القصائد التي استخدمت شخصية لعازر في شعرنا المعاصر وإلى جانب هذا المفهوم المسيحى الخالص لشخصية المسيح الذي شاع في أدبنا المعاصر، هناك مفهوم آخر إسلامي، أو بمعنى أدق إسلامي مسيحي، يتمثل في تلك الملامح من شخصية المسيح التي وردت في القرآن ـ مع ورود بعضها في الأناجيل - من مثل قدرته على إحياء الموتى؛ ففى القرآن الكريم وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني) (۲). وقد ورد في إنجيل يوحنا ـ كما سبق ـ أن المسيح : بعث لعازر أخا مريم ومرثا بعد موته وقد استغل شعراؤنا هذا الملمح من ملامح شخصية المسيح لتصوير فكرة التأثير الخارق لقوة من القوى، فرسالة الصديقة في قصيدة صلاح عبد الصبور «رسالة إلى صديقة» يكون لها في نفسه تأثير خارق حتى إنها لتستطيع أن تحيى الموتى وتشفى المرضى :
خطابك الرقيق كالقميص بين مقلتي يعقوب.
أنفاس عيسى تصنع الحياة في التراب .
الساق للكسيح .
العين للضرير .
وفي قصيدة شناشيل ابنة الجلبي للسياب حين يستعيد الشاعر ذكرياته
عن شتاء قريته، وكيف كان يتساقط المطر من خلال شعفات النخيل كأنه الرطب يقفز إلى ذهنه . عن طريق التداعي الحر - موقف مريم عليها السلام عند مولد المسيح، وهى تهز جذع النخلة فيتساقط عليها الرطب، وعن طريق تداع آخر يثب المسيح إلى ذهن الشاعر مرتبطاً بتجربة الشاعر الخاصة فى مرضه، ورمزا لتلك. القوة الخفية الخارقة التى كان يأمل أن تتحقق على يديها معجزة شفائه :
وتحت النخل، حيث تظل تمطر كل ما سعفة .
تراقصت الفقائع وهى تفجر، إنه الرطب
تساقط في يد العذراء، وهي تهز في لهفة
بجذع النخلة الفرعاء (تاج) وليدك الأنوار لا الذهب .
سيصلب منه حب الآخرين. سيبرئ الأعمى
ويبعث من قرار القبر ميتا هده التعب
من السفر الطويل إلى ظلام الموت. يكسو عظمه اللحما
ويوقد قلبه الثلجي، فهو بحبه يثب).
وهذه القصيدة تستلهم - إلى جانب آية المائدة السابقة ـ قوله تعالى في سورة مريم
فناداها من تحتها ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا * وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) ، وهى من القصائد القليلة التي استمدت ملامح شخصية المسيح من مصادر إسلامية خالصة .
أما شخصية موسى عليه السلام فهى أقل شيوعا من شخصيتي محمد وعيسى، وأكثر دلالاتها شيوعاً استخدامها رمزاً للشعب اليهودي المعتدى، وهو. تأول خاطئ لشخصية موسى عليه السلام ينزلق إليه شعراؤنا؛ فموسى واحد من الرسل الذين بشروا بقيم سماوية نبيلة، وتحملوا في سبيل دعوتهم الكثير من العنت والتضحيات، وقد لقى من عنت اليهود أنفسهم الكثير ، والقيم التي جاء بها موسى تتنافى كليـة مع ما تمثله الصهيونية المعاصرة من عدوان وشر، ومن ثم فإن استخدامه مقابلا تصويريا لهذه القوى الصهيونية المعتدية مزلق فني يقع فيه الكثير من شعرائنا، ويرفضه الإسلام.
يقول نزار قباني في قصيدته منشورات فدائية على جدران إسرائيل» (۱) مصورا تقليم الفدائيين العرب لأظفار القوة الصهيونية الغاصبة، وشلهم لكل طاقاتها وقدراتها مستخدما شخصية موسى عليه السلام رمزا لهذه القوى :
لأن موسى قطعت يداه
ولم يعد يتقن فن السحر
لأن موسى كسرت عصاه
ولم يعد بوسعه شق مياه البحر
لأنكم لستم كأمريكا، ولسنا كالهنود الحمر
فسوف تهلكون عن آخركم فوق صحارى مصر .
ويستخدم فؤاد الخشن شخصية موسى بنفس الدلالة في قصيدته صمود» حيث يرمز بها إلى القوى الصهيونية المعتدية التي نسيت تعاليم الرب وضلت سبيله، ويؤكد له أنه لن يستطيع العبور إلى مصر ليدوس مقدساتها، ويستغل الشاعر هنا الاستيحاء العكسى فى توليد مفارقة تصويرية رائعة، فبدلا من أن يطبق البحر على فرعون وقومه لينجو موسى، كما هو الأمر فى التراث، فإن القران العكس هو الذي سيحدث، فسوف يطبق البحر على موسى - ممثل القوى الصهيونية المعتدية فى رؤيا الشاعر - والبحر هذه المرة يتمثل في القوى الفلسطينية المناضلة، يقول الشاعر مخاطبا موسى - بهذا المدلول الذي أضفاه عليه -
إنك قد ضيعت طريق الحب
وغدوت ـ كليم الله ـ
تنين ردي ينفث من عينيه الرعب
لا . لن تفتح يا موسى
بعصاك مياه البحر الأحمر
لن تعبر
وتعود لمصر لتدوسا
للفرعون الراقد في الأهرام رفات
دهری اللعنات
.....
فالبحر سيطبق ياموسى بالموج المحموم الهدار
قبرا : . يبلع في الأغوار
جيشا من شعب الله المختار .
وإلى جوار هذه الدلالة العامة لشخصية موسى عليه السلام في شعرنا المعاصر أخذت الشخصية دلالات أخرى فرعية كتوظيف سميح القاسم لها في التعبير عن انطفاء القيم الدينية السماوية في وجدان الإنسان المعاصر، وإحساسه ابعجزها عن أن تكون درب خلاص له، وذلك حيث يقول في نشيد الأنبياء من ملحمة «إرم» موجها خطابه إلى موسى:
حطم وصاياك الشقية
واسجد مع الكفار للعجل الغبي. فللسدى تعطو أمانيك النبية
الواحك الآجر تغرى النمل ،والديدان والإبريز في العجل المدلل
يخطف الأبصار، يقذف بالعقول الدكن في دوامة غضبي دجية .
أما أيوب عليه السلام في شعرنا المعاصر فهو رمز للصبر على البلاء، والإيمان في المحن والرضا التام بقضاء الله وقد شاع أيوب بهذه الدلالة منذ استخدمه بدر شاكر السياب للتعبير عن مرحلة من مراحل تجربته، وهى المرحلة التي اشتدت عليه فيها وطأة المرض فى أخريات حياته، ولم يجد ملجأ يلوذ به سوى الصبر على البلاء والاحتساب الراضى وقد وجد السياب أن شخصية أيوب هى أكثر شخصيات تراثنا تراسلا مع هذا البعد من أبعاد تجربته، فتبنى صوت أيوب للتعبير عن هذه المرحلة، وقد كتب قصيدتين استخدم فيهما شخصية أيوب استخداماً مباشراً، وهما قصيدتا «سفر أيوب» و «قالوا لأيوب» في ديوان «منزل الأقنان». وإن كانت ملامح شخصية أيوب تطالعنا من خلال معظم القصائد التي كتبها في تلك الفترة حتى وإن لم تستدع تلك القصائد شخصية أيوب استدعاء مباشراً، ويمكن القول بأن الشاعر بعثوره على هذا الرمز قد وجد أكثر الصيغ ملاءمة لأحزانه الصابرة ؛ فقارئ قصيدة «سفر أيوب» و «قالوا لأيوب» يحس بأن الشاعر لا يتخذ من الرمز واجهة يستتر خلفها - كما يفعل بعض شعرائنا - ويفضى على لسانها بأحاسيس غريبة عنها ، بل يشعر وكأن أيوب حقيقة هو الذي يشكو ويبوح ويهجس ويأمل كما يشعر بأن صلة السياب بذلك الرمز قد بلغت حد الامتزاج الكامل».
وقد بلغ من قوة الامتزاج بين السياب وبين رمز أيوب الذي اختاره ليكون رمزه الأساسي في تلك المرحلة أن الشعراء الذين رثوا السياب بعد موته مزجوا بدورهم بينهما، فكانوا يتحدثون عن السياب باعتباره أيوب؛ فشاذل طاقة يكتب مرثيته بعنوان «انتصار أيوب» يصور فيها كيف أضنى المرض أيوب:
ومضى أيوب في محنته يرقى إلى الموت جسوراً
ومدى الطاعون تفرى قلبه تذرى البثورا
والعذارى يتضرعن إلى الله :
ربنا، إن المنايا تجيش
ربنا، خل أيوب المدمى يعيش
خله ولتسبحنا الجيوش
ومات أيوب ولكن صوته بقى بعده يحدو المواكب :
وأتى الغابة المستباحة والصبح طفل
صوت أيوب يخدو
موكبا ها هناك يغور .. ويعلو، .
والشاعر سعدى يوسف في مرثية فى ذكرى بدر شاكر السياب يمزج بدوره بين أيوب والسياب فيقول متحدثا عن السياب :
أيوب في المستشفيات يهيم .. تسبقه عصاه
بين القرى المتهيبات خطاه والمدن الغريبة
والبيت الثاني من شعر السياب .
والسياب يستخدم أيوب بملامحه القرآنية من الصبر على البلاء والرضا به إلى حد الحمد عليه :
لك الحمد إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
وتلك هى الملامح التي أشار إليها القرآن الكريم فى تصويره لشخصية أيوب و أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين (۳) وإنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ، وهى الملامح التي زادتها المصادر الإسلامية إيضاحا وشرحا
وإن كانت هذه النغمة الراضية المستسلمة لا تلبث أن تشوبها ـ تحت وطأة الوجع - ظلال برم وضجر من مثل قوله فى المقطع الرابع من «سفر أيوب» :
يارب أيوب قد أعيا به الداء
في غربة دونما مال ولا سكن
يدعوك في الدجن
يدعوك في ظلموت الموت، أعباء
ناء الفؤاد بها.
وهذه النغمة المتبرمة تذكرنا قليلاً بذلك الوجه التوراتى الساخط المتبرم الذي يطالعنا لأيوب من السفر المعنون باسمه فى العهد القديم حيث يرتفع صوته في وجه الرب متذمراً: دفعني الله إلى الظالم وفى أيدى الأشرار طرحنى، كنت مستريحاً فزعزعني وأمسك بقفاي فحطمنى، ونصبنى له غرضاً أحاطت بي رماته». إن الله قد عوجنى ولف على أحـبـولته ها إني أصرخ ظلمـاً فـلا أستجاب، أدعو وليس لى حكم قد حوط طريقى فلا أعبر، وعلى سبلى جعل ظلاما وإن كان الوجه الإسلامى الصابر لأيوب هو الأكثر سيطرة على رؤيا السياب .
أما الوجه التوراتى المتبرم فيطالعنا بشكل أكثر بروزاً لدى بعض الشعراء الذين استخدموا شخصية أيوب رمزاً للتمرد على كل ظالم غير منصف، كما فعل سميح القاسم مثلا في قصيدته «من مفكرة أيوب» التي يستخدم فيها شخصية أيوب للتعبير عن تمرد الإنسان الفلسطيني على القوى التي قدرت عليه المحنة، برغم أنه لم يرتكب من الآثام ما يجعله جديراً بمثل هذا القدر :
كل الأخبار تقول أنا ما خاصمت الله
فلماذا أدبنى بالوجع ؟!
حسنا .. فاسمعني أصرخ في الصور
يالعنة أيوب ثورى
يالعنة أيوب ثورى
واسمعنى أصرخ يا أيوب
لا تخضع للوجع
لا تجع..
على أن الوجه الأكثر شيوعاً لأيوب في شعرنا هو ذلك الوجه الإسلامي الصابر المحتسب .
هذه هي أكثر شخصيات الأنبياء شيوعاً في شعرنا المعاصر، ولا يعنى هذا أن الشعراء لم يستدعوا غيرها في قصائدهم؛ إذ إنهم استدعوا شخصيات أخرى غير هذه الشخصيات الأربع ، وإن كانوا لم يستدعوها بمثل هذه الكثرة التي استدعوا بها هذه الشخصيات الأربع، ولا بمثل هذا الاعتماد الكبير على الشخصية في القصيدة، وإنما كانوا فى الغالب يشيرون إلى الشخصية إشارات عابرة أو يوظفونها توظيفاً جزئياً. ومن الشخصيات التي استدعيت بشكل ملحوظ إلى جوار الأربعة السابقة آدم ونوح، ويعقوب ويوسف ويونس عليهم السلام.
۲ - شخصيات مقدسة أخرى:
ومن هذه الشخصيات شخصية مريم عليها السلام ، وقد مر بنا كيف استغل السياب حادث هزها للنخلة وتساقط الرطب عليها أثناء ولادتها للمسيح في التعبير عن بعد من أبعاد تجربته (۱) ، وقد استخدم أكثر من شاعر هذا الملمح من ملامح شخصية مريم عليها السلام في التعبير عن تجارب مختلفة عن تجربة السياب . فعبد الوهاب البياتي يوظف نفس الملمح في قصيدة «الموت في الحب» (٢) كرمز للقوى الإنسانية البكر، القادرة على تغيير هذا العالم الموبوء إلى عالم آخر أكثر وضاءة وإشراقاً. يقول موجهاً حديثه إلى تلك القوى :
أيتها العذراء
هزى بجذع النخلة الفرعاء
تساقط الأشياء
تنفجر الشموس والأقمار
يكتسح الطوفان هذا العار.
أما الشاعر عبد الرحيم عمر فيستلهم هذ الملمح من ملامح شخصية مريم عليها السلام في قصيدة لن أهز الشجرة» (۱) لتصوير كذب الآمال التي علل بها أبناء فلسطين بدون نتيجة :
هزى إليك بجذعها. يارب قد كلت يداى ولا ثمر
هزى إليك، ومات في زندي عزم قد يئست من الثمر
ونسير، لكنا نموت، نموت قد كلت عزائمنا وما عدنا نهز جذوع نخل
لم نعد نرجو ثمر .
وهناك ملامح أخرى من شخصية مريم عليها السلام وظفت في الشعر المعاصر، كملمح حزنها على صلب المسيح عليه السلام ـ في الموروث المسيحي - وغير ذلك من الملامح التي غالباً ما كانت ترتبط في كل قصيدة باستخدام ملامح من شخصية المسيح .
ومن الشخصيات الدينية التى استدعاها شعرنا المعاصر والتي حظيت في التراث الديني بلون من القداسة شخصية لعازر الذي أحياه المسيح بعد موته، وقد شاع توظيف لعازر رمزاً للبعث والحياة بعد الموت فى الشعر المعاصر، وإن كانت هذه الدلالة العامة لرمز «العازر » قد أخذت صيغاً وأشكالا كثيرة لعل أنضجها وأعمقها ما فعله الدكتور خليل حاوى في قصيدته الطويلة لعازر عام حيث صور من خلال شخصية لعازر ذلك البعث العربي المجهض الذي فجع فيه الشاعر بعد أن عاش حياته يبشر ببعث عربي جديد
[ الموضوع جزء من دراسة وبحث مطول ] لم أنته منه بعد
لدي ملاحظات أخرى ربما اضيفها لاحقا .... كما أنني أعتقد أنه سبق لي وترجمت قصيدة لعازر كاملة أو قصيدتان أخريان للشاعر ذاته
ضمن صفحتي هذه ؟
حذفت بشكل متعمد بعض الإشارات والرموز ( لسبب في نفسي ) لكن صلب الموضوع ناقشته بهدوء وحافظت عليه
وهذه المذكرة ( العمل الأدبي ) حصلت على موافقة استحسان نشرها في بعض الأكاديميات
===
الأمة النائمة». وهنا لي مداخلة اضيفها حول هذه العبارة ( الأمة النائمة من قبل حاوي ) أو كما عبر عنها الشاعر الفيلسوف الذي لا يشق له غبار " أدونيس " أو اسمه الحقيقي ( علي أحمد سعيد )
حيث قال :
قلتُ : هذي الجرة المنكسره
أمة مهزومة، هذا الفضاء
رمد . هذي العيون
حفر. قلت الجنون
كوكب مختبىء في شجره .
سأرى وجه الغراب
في تقاطيع بلادي، وأسمّي
كَفَنا هذا الكتاب
وأسمي جيفةً هذي المدينة
وأسمي شجر الشام عصافير حزينه
(ربما تولد بعد التسمية
زهرة أو أغنية)
وأسمي قمر الصحراء نخله
ربما استيقظت الأرض وعادت
طفلة أو حلم طفلة
لم يعد شيء يغني أغنياتي :
سيجيء الرافضون
ويجيء الضوء في ميعاده . .
لم يعد غير الجنون
I have said
This broken jar is a defeated nation!
I see the shadow of a crow
Upon the face of my country.
I name this book a shroud,
I name this city a corpse.
Madness!
Only madness remains!
This broken jar is a defeated nation!
I see the shadow of a crow
Upon the face of my country.
I name this book a shroud,
I name this city a corpse.
Madness!
Only madness remains!
ويقوم الشاعر بتحوير هذا الرمز، فيبدو لعازر خليل حاوي راضياً بموته، بل يطلب من الحفار أن يعمق الحفرة لقاع لا قرار له.
وحينما يسمع صلوات الحب التي يتلوها الناصري يشك في قدرتها على بعثه من قبره، لأن الموت أصبح شيئاً أساسياً في كيانه.
وحينما تنجح هذه الصلاة في بعثه جسدياً، تفشل في بعثه روحياً، فالبعث لم یکن ،كاملاً فقد قام لعازر ميتاً من قبره. ونرى زوجة لعازر بعد أسابيع من بعثة الثاني من قيامته المشوهة، فقد عاد زوجها ولكن الموت مازال رابضاً في أعماقه.
كان ظلا أسودا
يغفو علي مرآة صدري
زورقا ميتا
على زوبعة من وهج
نهديَّ وشعري
كان في عينيه
ليل الحفره الطيني يدوي ويموج
عبر صحراء تغطيها الثلوج
عبر صحراء تغطيها الثلوج
عبثاً فتشت فيها
عن صدى صوتي، وعن وجهي
وعيني وعمري
كان من حين لحين
يعبر الصحراء فولاذٌ محمى
كنت استرحم عينيه وفي عيني عار إمرأة
أنّت , تعرت لغريب
ولماذا عاد من حفرته ميتا كئيب
غير عرق ينزف الكبريت مسود اللهيب
فزوجها يبدو غريباً عنها تماماً، والرحمة التي كان يتميز بها معها تذهب الآن سدى، فقد أصبح يعاملها بقسوة لأن القيم التي كان يتمتع بها قد ماتت، وبعث
حيواناً متوحشاً.
مر يلسعه الجوع فيرغى ويهيج
Lazarus' wife weeks after his resurrection
He was a black shadow
Napping over my mirror chest,
A dead boat on a storm
Of the glitter of my breasts and hair;
In his eyes, the clayish night of the ditch,
Roars and waves
Across a snow-covered desert.
In vain I searched it out
For the echo of my voice
‘For my face, eyes and life.
‘From time to time
A blazing steel
Crossed the desert
==
He was a black shadow
Napping over my mirror chest,
A dead boat on a storm
Of the glitter of my breasts and hair;
In his eyes, the clayish night of the ditch,
Roars and waves
Across a snow-covered desert.
In vain I searched it out
For the echo of my voice
‘For my face, eyes and life.
‘From time to time
A blazing steel
Crossed the desert
==
لعازر خليل حاوي
الشاعر أمله فى مستقبل الإنسان العربي في الأرض المحتلة :
وإن لي في تراب القدس معجرة تأتي، وألف مسيح بعد أُحييه
وقد تمتزج هذه الملامح الثلاثة كلها ؛ «الصلب» و «الفداء» و«الحيــاة من خلال الموت في قصيدة واحدة كما في قصيدة المسيح بعد الصلب» لبدر شاكر السياب، وهى من أنضج القصائد التي استخدمت شخصية لعازر في شعرنا المعاصر وإلى جانب هذا المفهوم المسيحى الخالص لشخصية المسيح الذي شاع في أدبنا المعاصر، هناك مفهوم آخر إسلامي، أو بمعنى أدق إسلامي مسيحي، يتمثل في تلك الملامح من شخصية المسيح التي وردت في القرآن ـ مع ورود بعضها في الأناجيل - من مثل قدرته على إحياء الموتى؛ ففى القرآن الكريم وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني) (۲). وقد ورد في إنجيل يوحنا ـ كما سبق ـ أن المسيح : بعث لعازر أخا مريم ومرثا بعد موته وقد استغل شعراؤنا هذا الملمح من ملامح شخصية المسيح لتصوير فكرة التأثير الخارق لقوة من القوى، فرسالة الصديقة في قصيدة صلاح عبد الصبور «رسالة إلى صديقة» يكون لها في نفسه تأثير خارق حتى إنها لتستطيع أن تحيى الموتى وتشفى المرضى :
خطابك الرقيق كالقميص بين مقلتي يعقوب.
أنفاس عيسى تصنع الحياة في التراب .
الساق للكسيح .
العين للضرير .
وفي قصيدة شناشيل ابنة الجلبي للسياب حين يستعيد الشاعر ذكرياته
عن شتاء قريته، وكيف كان يتساقط المطر من خلال شعفات النخيل كأنه الرطب يقفز إلى ذهنه . عن طريق التداعي الحر - موقف مريم عليها السلام عند مولد المسيح، وهى تهز جذع النخلة فيتساقط عليها الرطب، وعن طريق تداع آخر يثب المسيح إلى ذهن الشاعر مرتبطاً بتجربة الشاعر الخاصة فى مرضه، ورمزا لتلك. القوة الخفية الخارقة التى كان يأمل أن تتحقق على يديها معجزة شفائه :
وتحت النخل، حيث تظل تمطر كل ما سعفة .
تراقصت الفقائع وهى تفجر، إنه الرطب
تساقط في يد العذراء، وهي تهز في لهفة
بجذع النخلة الفرعاء (تاج) وليدك الأنوار لا الذهب .
سيصلب منه حب الآخرين. سيبرئ الأعمى
ويبعث من قرار القبر ميتا هده التعب
من السفر الطويل إلى ظلام الموت. يكسو عظمه اللحما
ويوقد قلبه الثلجي، فهو بحبه يثب).
وهذه القصيدة تستلهم - إلى جانب آية المائدة السابقة ـ قوله تعالى في سورة مريم
فناداها من تحتها ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا * وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) ، وهى من القصائد القليلة التي استمدت ملامح شخصية المسيح من مصادر إسلامية خالصة .
أما شخصية موسى عليه السلام فهى أقل شيوعا من شخصيتي محمد وعيسى، وأكثر دلالاتها شيوعاً استخدامها رمزاً للشعب اليهودي المعتدى، وهو. تأول خاطئ لشخصية موسى عليه السلام ينزلق إليه شعراؤنا؛ فموسى واحد من الرسل الذين بشروا بقيم سماوية نبيلة، وتحملوا في سبيل دعوتهم الكثير من العنت والتضحيات، وقد لقى من عنت اليهود أنفسهم الكثير ، والقيم التي جاء بها موسى تتنافى كليـة مع ما تمثله الصهيونية المعاصرة من عدوان وشر، ومن ثم فإن استخدامه مقابلا تصويريا لهذه القوى الصهيونية المعتدية مزلق فني يقع فيه الكثير من شعرائنا، ويرفضه الإسلام.
يقول نزار قباني في قصيدته منشورات فدائية على جدران إسرائيل» (۱) مصورا تقليم الفدائيين العرب لأظفار القوة الصهيونية الغاصبة، وشلهم لكل طاقاتها وقدراتها مستخدما شخصية موسى عليه السلام رمزا لهذه القوى :
لأن موسى قطعت يداه
ولم يعد يتقن فن السحر
لأن موسى كسرت عصاه
ولم يعد بوسعه شق مياه البحر
لأنكم لستم كأمريكا، ولسنا كالهنود الحمر
فسوف تهلكون عن آخركم فوق صحارى مصر .
ويستخدم فؤاد الخشن شخصية موسى بنفس الدلالة في قصيدته صمود» حيث يرمز بها إلى القوى الصهيونية المعتدية التي نسيت تعاليم الرب وضلت سبيله، ويؤكد له أنه لن يستطيع العبور إلى مصر ليدوس مقدساتها، ويستغل الشاعر هنا الاستيحاء العكسى فى توليد مفارقة تصويرية رائعة، فبدلا من أن يطبق البحر على فرعون وقومه لينجو موسى، كما هو الأمر فى التراث، فإن القران العكس هو الذي سيحدث، فسوف يطبق البحر على موسى - ممثل القوى الصهيونية المعتدية فى رؤيا الشاعر - والبحر هذه المرة يتمثل في القوى الفلسطينية المناضلة، يقول الشاعر مخاطبا موسى - بهذا المدلول الذي أضفاه عليه -
إنك قد ضيعت طريق الحب
وغدوت ـ كليم الله ـ
تنين ردي ينفث من عينيه الرعب
لا . لن تفتح يا موسى
بعصاك مياه البحر الأحمر
لن تعبر
وتعود لمصر لتدوسا
للفرعون الراقد في الأهرام رفات
دهری اللعنات
.....
فالبحر سيطبق ياموسى بالموج المحموم الهدار
قبرا : . يبلع في الأغوار
جيشا من شعب الله المختار .
وإلى جوار هذه الدلالة العامة لشخصية موسى عليه السلام في شعرنا المعاصر أخذت الشخصية دلالات أخرى فرعية كتوظيف سميح القاسم لها في التعبير عن انطفاء القيم الدينية السماوية في وجدان الإنسان المعاصر، وإحساسه ابعجزها عن أن تكون درب خلاص له، وذلك حيث يقول في نشيد الأنبياء من ملحمة «إرم» موجها خطابه إلى موسى:
حطم وصاياك الشقية
واسجد مع الكفار للعجل الغبي. فللسدى تعطو أمانيك النبية
الواحك الآجر تغرى النمل ،والديدان والإبريز في العجل المدلل
يخطف الأبصار، يقذف بالعقول الدكن في دوامة غضبي دجية .
أما أيوب عليه السلام في شعرنا المعاصر فهو رمز للصبر على البلاء، والإيمان في المحن والرضا التام بقضاء الله وقد شاع أيوب بهذه الدلالة منذ استخدمه بدر شاكر السياب للتعبير عن مرحلة من مراحل تجربته، وهى المرحلة التي اشتدت عليه فيها وطأة المرض فى أخريات حياته، ولم يجد ملجأ يلوذ به سوى الصبر على البلاء والاحتساب الراضى وقد وجد السياب أن شخصية أيوب هى أكثر شخصيات تراثنا تراسلا مع هذا البعد من أبعاد تجربته، فتبنى صوت أيوب للتعبير عن هذه المرحلة، وقد كتب قصيدتين استخدم فيهما شخصية أيوب استخداماً مباشراً، وهما قصيدتا «سفر أيوب» و «قالوا لأيوب» في ديوان «منزل الأقنان». وإن كانت ملامح شخصية أيوب تطالعنا من خلال معظم القصائد التي كتبها في تلك الفترة حتى وإن لم تستدع تلك القصائد شخصية أيوب استدعاء مباشراً، ويمكن القول بأن الشاعر بعثوره على هذا الرمز قد وجد أكثر الصيغ ملاءمة لأحزانه الصابرة ؛ فقارئ قصيدة «سفر أيوب» و «قالوا لأيوب» يحس بأن الشاعر لا يتخذ من الرمز واجهة يستتر خلفها - كما يفعل بعض شعرائنا - ويفضى على لسانها بأحاسيس غريبة عنها ، بل يشعر وكأن أيوب حقيقة هو الذي يشكو ويبوح ويهجس ويأمل كما يشعر بأن صلة السياب بذلك الرمز قد بلغت حد الامتزاج الكامل».
وقد بلغ من قوة الامتزاج بين السياب وبين رمز أيوب الذي اختاره ليكون رمزه الأساسي في تلك المرحلة أن الشعراء الذين رثوا السياب بعد موته مزجوا بدورهم بينهما، فكانوا يتحدثون عن السياب باعتباره أيوب؛ فشاذل طاقة يكتب مرثيته بعنوان «انتصار أيوب» يصور فيها كيف أضنى المرض أيوب:
ومضى أيوب في محنته يرقى إلى الموت جسوراً
ومدى الطاعون تفرى قلبه تذرى البثورا
والعذارى يتضرعن إلى الله :
ربنا، إن المنايا تجيش
ربنا، خل أيوب المدمى يعيش
خله ولتسبحنا الجيوش
ومات أيوب ولكن صوته بقى بعده يحدو المواكب :
وأتى الغابة المستباحة والصبح طفل
صوت أيوب يخدو
موكبا ها هناك يغور .. ويعلو، .
والشاعر سعدى يوسف في مرثية فى ذكرى بدر شاكر السياب يمزج بدوره بين أيوب والسياب فيقول متحدثا عن السياب :
أيوب في المستشفيات يهيم .. تسبقه عصاه
بين القرى المتهيبات خطاه والمدن الغريبة
والبيت الثاني من شعر السياب .
والسياب يستخدم أيوب بملامحه القرآنية من الصبر على البلاء والرضا به إلى حد الحمد عليه :
لك الحمد إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
وتلك هى الملامح التي أشار إليها القرآن الكريم فى تصويره لشخصية أيوب و أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين (۳) وإنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ، وهى الملامح التي زادتها المصادر الإسلامية إيضاحا وشرحا
وإن كانت هذه النغمة الراضية المستسلمة لا تلبث أن تشوبها ـ تحت وطأة الوجع - ظلال برم وضجر من مثل قوله فى المقطع الرابع من «سفر أيوب» :
يارب أيوب قد أعيا به الداء
في غربة دونما مال ولا سكن
يدعوك في الدجن
يدعوك في ظلموت الموت، أعباء
ناء الفؤاد بها.
وهذه النغمة المتبرمة تذكرنا قليلاً بذلك الوجه التوراتى الساخط المتبرم الذي يطالعنا لأيوب من السفر المعنون باسمه فى العهد القديم حيث يرتفع صوته في وجه الرب متذمراً: دفعني الله إلى الظالم وفى أيدى الأشرار طرحنى، كنت مستريحاً فزعزعني وأمسك بقفاي فحطمنى، ونصبنى له غرضاً أحاطت بي رماته». إن الله قد عوجنى ولف على أحـبـولته ها إني أصرخ ظلمـاً فـلا أستجاب، أدعو وليس لى حكم قد حوط طريقى فلا أعبر، وعلى سبلى جعل ظلاما وإن كان الوجه الإسلامى الصابر لأيوب هو الأكثر سيطرة على رؤيا السياب .
أما الوجه التوراتى المتبرم فيطالعنا بشكل أكثر بروزاً لدى بعض الشعراء الذين استخدموا شخصية أيوب رمزاً للتمرد على كل ظالم غير منصف، كما فعل سميح القاسم مثلا في قصيدته «من مفكرة أيوب» التي يستخدم فيها شخصية أيوب للتعبير عن تمرد الإنسان الفلسطيني على القوى التي قدرت عليه المحنة، برغم أنه لم يرتكب من الآثام ما يجعله جديراً بمثل هذا القدر :
كل الأخبار تقول أنا ما خاصمت الله
فلماذا أدبنى بالوجع ؟!
حسنا .. فاسمعني أصرخ في الصور
يالعنة أيوب ثورى
يالعنة أيوب ثورى
واسمعنى أصرخ يا أيوب
لا تخضع للوجع
لا تجع..
على أن الوجه الأكثر شيوعاً لأيوب في شعرنا هو ذلك الوجه الإسلامي الصابر المحتسب .
هذه هي أكثر شخصيات الأنبياء شيوعاً في شعرنا المعاصر، ولا يعنى هذا أن الشعراء لم يستدعوا غيرها في قصائدهم؛ إذ إنهم استدعوا شخصيات أخرى غير هذه الشخصيات الأربع ، وإن كانوا لم يستدعوها بمثل هذه الكثرة التي استدعوا بها هذه الشخصيات الأربع، ولا بمثل هذا الاعتماد الكبير على الشخصية في القصيدة، وإنما كانوا فى الغالب يشيرون إلى الشخصية إشارات عابرة أو يوظفونها توظيفاً جزئياً. ومن الشخصيات التي استدعيت بشكل ملحوظ إلى جوار الأربعة السابقة آدم ونوح، ويعقوب ويوسف ويونس عليهم السلام.
۲ - شخصيات مقدسة أخرى:
ومن هذه الشخصيات شخصية مريم عليها السلام ، وقد مر بنا كيف استغل السياب حادث هزها للنخلة وتساقط الرطب عليها أثناء ولادتها للمسيح في التعبير عن بعد من أبعاد تجربته (۱) ، وقد استخدم أكثر من شاعر هذا الملمح من ملامح شخصية مريم عليها السلام في التعبير عن تجارب مختلفة عن تجربة السياب . فعبد الوهاب البياتي يوظف نفس الملمح في قصيدة «الموت في الحب» (٢) كرمز للقوى الإنسانية البكر، القادرة على تغيير هذا العالم الموبوء إلى عالم آخر أكثر وضاءة وإشراقاً. يقول موجهاً حديثه إلى تلك القوى :
أيتها العذراء
هزى بجذع النخلة الفرعاء
تساقط الأشياء
تنفجر الشموس والأقمار
يكتسح الطوفان هذا العار.
أما الشاعر عبد الرحيم عمر فيستلهم هذ الملمح من ملامح شخصية مريم عليها السلام في قصيدة لن أهز الشجرة» (۱) لتصوير كذب الآمال التي علل بها أبناء فلسطين بدون نتيجة :
هزى إليك بجذعها. يارب قد كلت يداى ولا ثمر
هزى إليك، ومات في زندي عزم قد يئست من الثمر
ونسير، لكنا نموت، نموت قد كلت عزائمنا وما عدنا نهز جذوع نخل
لم نعد نرجو ثمر .
وهناك ملامح أخرى من شخصية مريم عليها السلام وظفت في الشعر المعاصر، كملمح حزنها على صلب المسيح عليه السلام ـ في الموروث المسيحي - وغير ذلك من الملامح التي غالباً ما كانت ترتبط في كل قصيدة باستخدام ملامح من شخصية المسيح .
ومن الشخصيات الدينية التى استدعاها شعرنا المعاصر والتي حظيت في التراث الديني بلون من القداسة شخصية لعازر الذي أحياه المسيح بعد موته، وقد شاع توظيف لعازر رمزاً للبعث والحياة بعد الموت فى الشعر المعاصر، وإن كانت هذه الدلالة العامة لرمز «العازر » قد أخذت صيغاً وأشكالا كثيرة لعل أنضجها وأعمقها ما فعله الدكتور خليل حاوى في قصيدته الطويلة لعازر عام حيث صور من خلال شخصية لعازر ذلك البعث العربي المجهض الذي فجع فيه الشاعر بعد أن عاش حياته يبشر ببعث عربي جديد