#سلسلة_كليلة_ودمنة_فلسطين 1
قصة
#الجيفة و #الغراب و #العصفور
1
في أرضٍ بعيدةٍ تئنُّ تحت شمسٍ حارقة، كانت هناك جيفة ضخمة مرمية في العراء، تلوّث الجو وتفوح منها رائحة موت قديم... كانت الجيفة مصدر "السوء"؛ كيانًا فاسدًا في الروح والجسد، لكنه يتظاهر بالحياة بين من حوله.
فوقها، كان غراب أسود ضخم يحوم، يمثل "الصلاح"، لا يأكل الجيفة مباشرة، بل يطير حولها، يصرخ كثيرًا، وينقر من بعيد، متظاهرًا بالعداوة، لكنه لا يقترب بما يكفي ليزعجها حقًا. كانت الجيفة تعرفه، وتسمح له أن يصرخ، ما دام لا يؤذيها.
لكن في زاوية أخرى من السماء، ظهر عصفور صغير، سريع، لكنه جريء. لم يكن له صوتٌ عالٍ كالغُراب، ولم تكن له أنياب، لكنه كان يمثل "الكرامة " — صغير الجسد، كبير القلب. لم يحلق حول الجيفة ليصرخ، بل انقضّ عليها، ينقر في عينيها، يثير الغضب ويخلخل الرعب في داخلها.
صرخ الغراب في وجه العصفور: "أنت تُفسد خططي! الهجوم المباشر ليس وقته الآن!"
رد العصفور: "ومنذ متى كانت خطتك إلا صراخًا فوق الجيف؟ أنا لا أصرخ، أنا أقاوم."
بدأت الجيفة تتفكك… رائحتها تزداد، والخراب ينكشف أكثر… فالعدو منخور من الداخل، والعصفور رغم حجمه الصغير أحدث شرخًا لن يلتئم.
أما الغراب، فقد ارتبك… هل ينقضّ فعلاً؟ أم يستمر في الدور القديم؟
وأما العصفور، فقد أكمل طريقه، لأنه لم يأتِ ليستعرض، بل ليحرّر.
#الجزء_الثاني
بينما كان العصفور يحلّق كل يوم فوق الجيفة، ينقرها بنية #المقاومة، بدأ المرض يدبّ في جسده… فالجيفة كانت مسمومة، مليئة بالوباء، وكل من اقترب منها أكثر مما ينبغي، أصابه ما أصابها.
صار العصفور يضعف… ريشه يتساقط، عينيه تدمعان، ونبضه يتباطأ، لكنه أصرّ أن يواصل، أن لا يترك المعركة، حتى وهو يهوي.
عندها، وفي لحظة مفاجئة، #انقضّ #الغراب!
نعم، ذاك الغراب الذي طالما حلق حول الجيفة دون فعل، غيّر مساره فجأة.
هبط فوق الجيفة، ونقرها بوحشية، ورفع صوته فوقها، ثم أطلق سمه عليها، ذلك السمّ الذي اعتاد أن يلوّح به ولا يستخدمه.
ارتعبت الجيفة!
لم تكن تتوقع من الغراب أن ينقضّ، حتى وإن بدا متأخرًا، وحتى إن لم يكن مخلصًا تمامًا، لكنه فعل ما لم تتوقعه.
وبينما الجيفة تتلوى، انسحب العصفور إلى ظلّ نخلةٍ بعيدة.
نظر إليه الغراب وقال:
"أنت جريء… لكنك كدت تُقتل. أنا أعرف كيف أقترب دون أن أموت، فدعنا نقاتلها #بطريقتين."
أجاب العصفور بتعب وهو يلتقط أنفاسه:
"ما كنت لأعيش لولا تدخّلك. لكن إن كان هذا بداية صحوتك، فاجعل جناحك درعًا، لا فقط صدى للصوت.
منذ تلك اللحظة، صار الغراب يهاجم من فوق، والعصفور يهاجم من القلب.
كانت نواياهما مختلفة، لكن الجيفة لم تعد آمنة…
ومع كل يوم، كانت تذبل أكثر، ويتعافى العصفور، ويجد الغراب نفسه أمام خيار:
إما أن يتطهر، أو يُبتلع معها.
وهكذا علّمتهم المعركة أن #الطهارة ليست في الأصل، بل في الموقف الأخير.
#الجزء_الثالث
وما إن بدأت #الجيفة #تذبل و #تنهار تحت #ضربات الغراب والعصفور، حتى دوّى في السماء طنينٌ مخيف…
#دبّورٌ_ضخم، لونه أسود كالفحم، وله لمعان معدنيّ، جاء من بعيد، يطير بثقة ونيّة خبيثة.
لم يكن الدبّور يهمّه العفن، بل كان يتغذّى عليه، يعشقه، ويعرف كيف يبقيه حيًا ليظل يُفسِد كل من حوله.
هبط فوق الجيفة، غرز إبرته في قلبها، وحقنها بمصل سريّ، مركب من طاقة الغدر والتحالفات الخفية…
ارتجّت الجيفة، وانتفضت كما لو بعثت من جديد…
صارت أقوى، وأكثر سُمّيّة، تنفث شرّها في كل اتجاه، وتطلق دخانًا أسود يعكر هواء الحقول.
#الغراب، الذي أصابته بعض أمراض الجيفة أثناء المعركة، بدأ يترنّح…
عاد إلى عشه البعيد، يحاول علاج نفسه، يلعق جراحه، يتلقى أعشابًا من حلفائه القدامى، ويعيد حساباته.
أما العصفور، فقد بقي…
بقي وحده فوق شجرةٍ مكسورة، يغني!
يغرد للأمل، للكرامة، للسماء التي ما زالت زرقاء رغم الدخان…
يغني لأطفاله الذين ما عادوا يرونه، ولأرضه التي تتذكر خطواته، ولقلوب #الملايين الذين يسمعونه ويشعرون أن الأغنية أغنيتهم.
العصفور لا يملك سمًّا ولا مخالب، لكنه يملك #الحلم.
و #الحلم_لا_يُهزم ما دام هناك من يغنيه.
وحين تسمعه الطيور الأخرى، تبدأ بالاقتراب، جناحًا بعد جناح، لعلهم يصنعون سماءً لا تسكنها الجيف…
ولا يُسمح فيها للدبابير أن تصنع الحياة من الموت.
#الجزء_الرابع
ولم يطل الوقت حتى امتلأت السماء بزقزقاتٍ جديدة…
العصافير المجاورة، التي كانت تراقب بصمت أو تخشى الطيران، عادت إليه، واحدًا تلو الآخر.
جاءت خاشعة، بعضها مبلّل بندم الصمت، وبعضها جريح من خطأ التردد.
قالت له:
غناؤك لم يوقظ الأمل فقط، بل أيقظ قلوبنا من سباتها، نحن الذين حسبنا أن التغريد لن يُغير شيئًا… فغيّرت أنت كل شيء.
اعتذروا، واعتبروا، ثم تعاونوا.
جمّعوا العيدان، ورتبوا الريش، وأعادوا بناء العش، ليس كما كان، بل أقوى، أعلى، يشبه عشًّا لملك طيور لا تُقهر.
كبر العصفور، وبدت عليه علامات الحكمة والشموخ، لم يكن يغني فقط، بل صار يُعلّم.
جمع أولاده الصغار تحت جناحيه، وقال لهم:
تعلّموا من الصوت، كما تتعلمون من الريش. فالصوت لا يُقصف، والكرامة لا تُدفن.
كونوا عصافير إذا أردتم أن تُطربوا الدنيا، وكونوا نسورًا إذا اقتربت الجيفة…
وكونوا حمامًا حين تُبنى السماء من جديد.
وهكذا خرج من تحت جناحه نسور تعرف متى تقاتل، وحمام يعرف متى يُنذر بالسلام، وعصافير تملأ الدنيا أملًا.
لم يكن وحده يومًا… كان فقط ينتظرهم أن يصحوا.
والآن صحوا…
والسماء عادت وطنًا.
قصة
#الجيفة و #الغراب و #العصفور
1
في أرضٍ بعيدةٍ تئنُّ تحت شمسٍ حارقة، كانت هناك جيفة ضخمة مرمية في العراء، تلوّث الجو وتفوح منها رائحة موت قديم... كانت الجيفة مصدر "السوء"؛ كيانًا فاسدًا في الروح والجسد، لكنه يتظاهر بالحياة بين من حوله.
فوقها، كان غراب أسود ضخم يحوم، يمثل "الصلاح"، لا يأكل الجيفة مباشرة، بل يطير حولها، يصرخ كثيرًا، وينقر من بعيد، متظاهرًا بالعداوة، لكنه لا يقترب بما يكفي ليزعجها حقًا. كانت الجيفة تعرفه، وتسمح له أن يصرخ، ما دام لا يؤذيها.
لكن في زاوية أخرى من السماء، ظهر عصفور صغير، سريع، لكنه جريء. لم يكن له صوتٌ عالٍ كالغُراب، ولم تكن له أنياب، لكنه كان يمثل "الكرامة " — صغير الجسد، كبير القلب. لم يحلق حول الجيفة ليصرخ، بل انقضّ عليها، ينقر في عينيها، يثير الغضب ويخلخل الرعب في داخلها.
صرخ الغراب في وجه العصفور: "أنت تُفسد خططي! الهجوم المباشر ليس وقته الآن!"
رد العصفور: "ومنذ متى كانت خطتك إلا صراخًا فوق الجيف؟ أنا لا أصرخ، أنا أقاوم."
بدأت الجيفة تتفكك… رائحتها تزداد، والخراب ينكشف أكثر… فالعدو منخور من الداخل، والعصفور رغم حجمه الصغير أحدث شرخًا لن يلتئم.
أما الغراب، فقد ارتبك… هل ينقضّ فعلاً؟ أم يستمر في الدور القديم؟
وأما العصفور، فقد أكمل طريقه، لأنه لم يأتِ ليستعرض، بل ليحرّر.
#الجزء_الثاني
بينما كان العصفور يحلّق كل يوم فوق الجيفة، ينقرها بنية #المقاومة، بدأ المرض يدبّ في جسده… فالجيفة كانت مسمومة، مليئة بالوباء، وكل من اقترب منها أكثر مما ينبغي، أصابه ما أصابها.
صار العصفور يضعف… ريشه يتساقط، عينيه تدمعان، ونبضه يتباطأ، لكنه أصرّ أن يواصل، أن لا يترك المعركة، حتى وهو يهوي.
عندها، وفي لحظة مفاجئة، #انقضّ #الغراب!
نعم، ذاك الغراب الذي طالما حلق حول الجيفة دون فعل، غيّر مساره فجأة.
هبط فوق الجيفة، ونقرها بوحشية، ورفع صوته فوقها، ثم أطلق سمه عليها، ذلك السمّ الذي اعتاد أن يلوّح به ولا يستخدمه.
ارتعبت الجيفة!
لم تكن تتوقع من الغراب أن ينقضّ، حتى وإن بدا متأخرًا، وحتى إن لم يكن مخلصًا تمامًا، لكنه فعل ما لم تتوقعه.
وبينما الجيفة تتلوى، انسحب العصفور إلى ظلّ نخلةٍ بعيدة.
نظر إليه الغراب وقال:
"أنت جريء… لكنك كدت تُقتل. أنا أعرف كيف أقترب دون أن أموت، فدعنا نقاتلها #بطريقتين."
أجاب العصفور بتعب وهو يلتقط أنفاسه:
"ما كنت لأعيش لولا تدخّلك. لكن إن كان هذا بداية صحوتك، فاجعل جناحك درعًا، لا فقط صدى للصوت.
منذ تلك اللحظة، صار الغراب يهاجم من فوق، والعصفور يهاجم من القلب.
كانت نواياهما مختلفة، لكن الجيفة لم تعد آمنة…
ومع كل يوم، كانت تذبل أكثر، ويتعافى العصفور، ويجد الغراب نفسه أمام خيار:
إما أن يتطهر، أو يُبتلع معها.
وهكذا علّمتهم المعركة أن #الطهارة ليست في الأصل، بل في الموقف الأخير.
#الجزء_الثالث
وما إن بدأت #الجيفة #تذبل و #تنهار تحت #ضربات الغراب والعصفور، حتى دوّى في السماء طنينٌ مخيف…
#دبّورٌ_ضخم، لونه أسود كالفحم، وله لمعان معدنيّ، جاء من بعيد، يطير بثقة ونيّة خبيثة.
لم يكن الدبّور يهمّه العفن، بل كان يتغذّى عليه، يعشقه، ويعرف كيف يبقيه حيًا ليظل يُفسِد كل من حوله.
هبط فوق الجيفة، غرز إبرته في قلبها، وحقنها بمصل سريّ، مركب من طاقة الغدر والتحالفات الخفية…
ارتجّت الجيفة، وانتفضت كما لو بعثت من جديد…
صارت أقوى، وأكثر سُمّيّة، تنفث شرّها في كل اتجاه، وتطلق دخانًا أسود يعكر هواء الحقول.
#الغراب، الذي أصابته بعض أمراض الجيفة أثناء المعركة، بدأ يترنّح…
عاد إلى عشه البعيد، يحاول علاج نفسه، يلعق جراحه، يتلقى أعشابًا من حلفائه القدامى، ويعيد حساباته.
أما العصفور، فقد بقي…
بقي وحده فوق شجرةٍ مكسورة، يغني!
يغرد للأمل، للكرامة، للسماء التي ما زالت زرقاء رغم الدخان…
يغني لأطفاله الذين ما عادوا يرونه، ولأرضه التي تتذكر خطواته، ولقلوب #الملايين الذين يسمعونه ويشعرون أن الأغنية أغنيتهم.
العصفور لا يملك سمًّا ولا مخالب، لكنه يملك #الحلم.
و #الحلم_لا_يُهزم ما دام هناك من يغنيه.
وحين تسمعه الطيور الأخرى، تبدأ بالاقتراب، جناحًا بعد جناح، لعلهم يصنعون سماءً لا تسكنها الجيف…
ولا يُسمح فيها للدبابير أن تصنع الحياة من الموت.
#الجزء_الرابع
ولم يطل الوقت حتى امتلأت السماء بزقزقاتٍ جديدة…
العصافير المجاورة، التي كانت تراقب بصمت أو تخشى الطيران، عادت إليه، واحدًا تلو الآخر.
جاءت خاشعة، بعضها مبلّل بندم الصمت، وبعضها جريح من خطأ التردد.
قالت له:
غناؤك لم يوقظ الأمل فقط، بل أيقظ قلوبنا من سباتها، نحن الذين حسبنا أن التغريد لن يُغير شيئًا… فغيّرت أنت كل شيء.
اعتذروا، واعتبروا، ثم تعاونوا.
جمّعوا العيدان، ورتبوا الريش، وأعادوا بناء العش، ليس كما كان، بل أقوى، أعلى، يشبه عشًّا لملك طيور لا تُقهر.
كبر العصفور، وبدت عليه علامات الحكمة والشموخ، لم يكن يغني فقط، بل صار يُعلّم.
جمع أولاده الصغار تحت جناحيه، وقال لهم:
تعلّموا من الصوت، كما تتعلمون من الريش. فالصوت لا يُقصف، والكرامة لا تُدفن.
كونوا عصافير إذا أردتم أن تُطربوا الدنيا، وكونوا نسورًا إذا اقتربت الجيفة…
وكونوا حمامًا حين تُبنى السماء من جديد.
وهكذا خرج من تحت جناحه نسور تعرف متى تقاتل، وحمام يعرف متى يُنذر بالسلام، وعصافير تملأ الدنيا أملًا.
لم يكن وحده يومًا… كان فقط ينتظرهم أن يصحوا.
والآن صحوا…
والسماء عادت وطنًا.