نقاة النابغة ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ياسرسالم
    أديب وكاتب
    • 09-04-2011
    • 397

    نقاة النابغة ..







    مقذوفةٍ بدَخِيس الَّنحْضِ بازِلُهَـــا ..
    له صَرِيفٌ صريفُ القَعْوِ بالمَسَدِ
    -------------------------------



    .

    ..

    لوحة باذخة ،ذات إلهام نابغي متفرد.. أحاول فيها أن أعْبُر إلى دهشة التصوير بحرفي الذي مهما بدت معقوليته ؛ فإنه يبقى عاجزا غير ناجز ، ولا وافٍ لتمام التصاوير النابغية المتفردة ..!
    هذا البيت هو مفتتح رحلة النابغة بناقته إلى النعمان من بعد وقوفة بدار مَيّةً بالعلياء فالسند ، يغزوالسير إلى حيث ألقت حافرها ناقته المسحورة في طريق وعر محفوف بالمخاطر، تلك الناقة التي هي بحق تستحق - بعد تمام وصفه لها - أن تكون ( عيرانة أُجُد من وحش وَجْرة )
    هاهو يتهيأ فيشرع ويستشرف ، ويدلف من باعث الرهبة والرغبة ، إلى مجاهل رحلة محفوفة بالمهالك ..
    تبدو رحلته هذه مجازفة غير محسوبة يتكنفها الغموض ، ويعتورها الخوف ، ويحيطها الحذر من عدم بلوغ القصد ، لا سيما وقد تذَائَبت الريح عليه ببرْدها وبَرَدها ‘ تَرجُمه وتسومه خذفا بجامد البَرَد ، وتموج به الانواء قسرا في غير بِرّ ،حتى بات هدفه - فيما يظهر لنا - معتاض الطّلب ، كؤود الْعقبَة..فهو يشعرك - اذا ضممت لوحات رحلته بعضها إلى بعض - بأن ما يقوم به من قطع المفاوز والمراحل ، مُولَّيا شطر قبلة رغبته إلى المليك النعمان ؛ إنما هو أمر يبعد أن يقربه وصف .. بل هو مما لم يهجس به خاطر ، أو تصوَّرَه وهم ، أو اضطربت به حاسة ...
    وقد أجاد أيما إجادة في وصف رحلته فيما يُتعَزّى به في تلكم الاهوال ‘ ناقته التي سيعبر على متنها الى منازل النعمان الملك ، إعتذارا له ورجاء قربى وزلفى ونجوى ونوال ...
    .
    هي إذن محاولة (مني ) ، تبقى رهن المقاربات ، التي يحول تواضعها دون سبيل يرتجى لتمام وصول إلى قمم القوم السامقة ..
    يرسم النابغة لوحة لناقته العيرانة وقد اندمجت في بأسه واندمج هو بها قوة وجسارة ، وأفاضت هي عليها من تمام خِلقتها وخُلقها ، فتوحد بها كثيرا ،
    حتى استحالا سويا كأنهما القوة المزمجرة التي تمثلت وتجسدت وحشا بريا ، لا سبيل الى اعتراضه بغيم أو عتم أو مطر أو ريح ، أو حتى قانص متربص..
    فكأني أراه ( ذلك الوحش ) وقد استقام فخذاه على قانون الكمال ، وامتلأ أيطله ، واحْتدّ ساقه ، وضمرت بطنه ، وأُمِرّت مرافقه أيما إمرار ...
    فلا يكاد يشكو موضع منه من نقص .. وقد اكتسى باللحم كساء سابغا ، حتى لكأنما قد رمي به من كل جانب ، فامتلأ في غير ترهل ، واستوى على سوق القوة ، وتدرع كل جلابيب العافية ..

    .. رميت الناقة إذن رميا مبالغا فيه باللحم (النحض ) ، المتداخل بعضه في بعض والمكتنز (الدخيس ) ، وصار ت (مقذوفة به ) ،
    ثم أتبعها وصفا ، فقال أن نابها (بازلها ) له صوت (صريف ) ، يشبه كثيرا تلك القعقعة التي تصدر عن البكرة الخشبية (القعو ) وقد التفّ عليه الحبل (المسد ) وتدلت بعنف إلى قاع البئر فتحدث صوتا مخيفا وصخبا ...
    ولعل الصفة الاخيرة صفة قوة ، يذهل عنها أمثالنا ممن ( لا ناقة) لهم ولا بعير
    ولكنه مدحها به.... انه صوت الناب الذي يسبق الضروس مما يلي الأسنان ، صوتٌ يشي بقوة مكتومة مستكنة في بكرة تحركت لتوها في ير لين بفعل حبل مُمتد مشدود ، قد التف عليها بقوة متدليا منه ثقل كبير ، وبدأ في صنع حركة قوية ذات جلبة رغما عنه، فأحدثت هذهالحركة ذلك الصوت القوي ( الصريف ) ، الذي ما ان تسمعه الأذن حتى تدرك ما وراءه من القوة الشديدة الموجبة له..
    ..




يعمل...
X