الملتاع جوىً ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ياسرسالم
    أديب وكاتب
    • 09-04-2011
    • 397

    الملتاع جوىً ..







    أيها الملتاع جوى بحسنها ..(*)

    لم تزل تقترب من حسنها الذي خلب لُبك ، وهز قلبك ، وأخذ بمجامعك
    ،حتى أذعنت لأمرٍ سَرَى بين خافقيك ، سريان قطراتٍ هادئة ،
    تنساب من فِيّ قنّينَةٍ ورديّةٍ ، أمالَتْها يد صادٍ مشرف،
    كان يحلم بقطرة باردة ، ترطب يُبس أيامه التي جفت ،
    وتعيد نماء روحه التي ذبلت وذوت..
    وتشحذ عَزْمته التي تلاشت وانطفأت..


    استنام حِسُّك لها ..
    وهرعت تقصد جهتها ، فَحَويتها ..
    ورَقْرَقْتَ خمر الوصل في قدح العمر..
    وَأَنَلْتَ من رام خيرك أُذْناً غير واعيةٍ
    ومضيت لا تلوى ولا تتلفتُ ..

    تموت تارة ،وتحيا أخرى ،
    وتعيش في الناس هائما من غير لب ولا قلب..
    أوقفت حياتك على طيفها ، وصرت تدور في فلكها ..

    يَموتُ الهَوَى منك إذا ما لَقيتُها،
    وَيَحيَا إذا فارَقتُها، فَيَعُودُ..
    وَإن قلتُ رُدي بعض عقلي أعش به
    معَ النّاسِ قالت: ذاكَ منك بَعيدُ..

    أعطيتها - راغبا- صفقة قلبك ،
    ففقدت راغما- ملاك روحك ،
    ولم يعد بيدك زمام أمرك ..
    وربحت بخسران بيعك حين قلت :

    مَا بعتكم مهجتي إِلَّا بوصلكم
    وَلَا أسلمها إِلَّا يدا بيد..

    فهل ربح بيعك ...؟!

    ألم تكُ تعلم أن هذه النهلة الصافية داء قد تداويت به ؟
    ها قد رمتك أيامك من آثارها في وهنٍ حلّ بمضغةٍ منك،
    " هامت على أثر اللذات تطلبها
    والنفس إن يدْعها داع الصبا تهَمِ.."


    كم حلمتَ بنبتةٍ تنجم في ثرى تربتك القاحلةٍ..
    ألقيت فيها - مذ أدركتَ - بذرةَ وجدٍ ،
    وأعْيِاك انتظار بزوغ أَوراقها الناعمة..

    ها قد استوت نبتتُك على سُوقها
    ونشرت وُرِيْقَاتها ذراعات ممدودة مشرّعة إليك..

    هاأنتذا وقد اقتحمَتْ قدماك الحُبَاَلة ..
    ووقعت أصابعك في أنشُوطتها ..
    ستمضي أيامك مضَاء ثكلى ..

    تجر أرجلها كما لو كانت رِجْلَ طفلٍ صغيرٍ في جسد كهل كبير توالتْ على كاهله نوائبُ جمّة ؛
    وألمت به وصروف شتى قد توزعت في أناسِي كثير وتجمعت فيك وحدك ..
    كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَوَاءٌ، وَدَاءُ الحُبّ، يا صَاحبيّ، دَاءٌ دَفينُ..

    أسلمت نفسِك لجرح عميق لم يَعْفُ رسمه ،
    ولن تندرسَ مع الأيام معالمه وستظل تنوح وتقول :
    يا لَيتَ مَن خَلّفَ القلبَ الهَيومَ به.. عِندي فأشكو إليه بعض ما أجِدُ.

    أيها الغِرُّ ... أزْرَيْتَ بنفسك ..
    لم يكن تنقص عقلك معرفةٌ بكُنْه أمر استجليته سابقا من ساحات تجاربٍ كانت تقع في حجرك ،أو تَحُل قريبا من مرابع عمرك..

    كم مضى مثل الأولين أمام عينك ..
    وتلمحت بعين قلبك أدواءَهم التي كُنتَ تحذرها وتخاف منها .. وتتمناها..!

    آآلان وقد انْعَقَفَتْ (1) أيامك بعد أن نفذ فيك السحر،
    وتعقلتَ في الشَرَك ..وبقيت لحما على وضم ...؟ ...



    آآآآآلان وقد انطرحت ،
    وأحالَ وجْدُكَ لونَ بشرتك اصفرارا يشبه كثيرا لون نبتة خَفَت بريقُها في إثر آفةٍ ناوشَتْها وتركتها مَحْنِيّة مُصْفَرّة..
    لا هي بهشيم قد انتهى أمره ، ولا هي بغصن يرتجى ثمره .. ؟
    أبْشِرْ بطول كمد على طول أمد ..
    وتلافيق من الأنس بالية..ورباع من الصفا خالية..

    كيف لك الخروج من هذه المِهامِه (2) الممتدة التي تَغُلُّ سيرَك ،
    وتوهن قلبَك وسمعَك وبصرَك.. ؟

    بل كيف لك بوثوب يعيدك إلى مساحاتك البيضاء التي كنت تقطعها برفق،
    وتقفز فوقها جَزِلا كطائر قَطَا (3) يختال مع نسمات باردة
    فوق بساط أخضر نما حول خيمة قرمزية
    يخرج من أخبيتها جدائل الأمل المُجنّح بِغَضّ عيشٍ كان مهتصراً نضراً ..؟

    كان أولى بهذه العبرات التي تسيل على مسارب خديْك..
    وتفيض على سحرك ونحرك حسرة -أولى بها أن تسيل على وجه كان حذرا مشفقا ،
    يغتسل بنور قلبٍ مُتَضَوّر، قد هام للعلياء شوقا ،ٍ واضطرب وَجَلاً وعِزة وتذللا لخالقه ..
    أشفق عليك وأجِدُ منك ...!
    وأتبلغ فيك بقول بعضهم الذي ربما ذاق الترياق وما أفاق فماد وحاد حتى احترق أو كاد..
    (لو كان إلي من الأمر شيء ما عذبت العشاق،
    لأن ذنوبهم ذنوب اضطرار لا ذنوب اختيار.)

    أعلمُ بحالك .. وما تموج به أضالعك ..
    فنارُ الهوى تَخفَى، وفي القلبِ فِعلُها..
    ودمعك الذي يقطر ثخينا بمكتوم هواك ،
    قد أبان عنك ووشى .

    أشَدُّ شَيءٍ في الهَوَى أنّهُ
    قُضَاتُهُ لا يَقبَلُونَ الرُّشَى

    انقطعت عنك الحِيلة والصبرُ ..
    وأذللت دمعاً كان من خلائقه الكِبْرُ.

    أيها المائل قصدا ...
    كم تضاحكت عندما كنت تبكي..
    وتمنيت أن يطول عذابك ؟!

    اما علمت مصائر الحب اثنتان :
    إما اخترام منية، وإما سلو حادث..

    حبلك على غاربك ..وزمام نفسك بيدك ...

    أفِقْ من غَرَامِكَ، أوْ لا تُفِقْ، … فَإنّ الحبيب غَداً مُنطَلِقْ
    وَاطفئْ بدَمعكَ نَارَ الحَشَا، … إنِ اسَطعتَ، أوْ خَلِّهَا تَحترِقْ
    وَخُذْ عَن أَخيكَ حَديثَ الهَوَى، … فَقد ذاقَ مِنهُ الذِي لم تَذُقْ
    وَإنْ كُنتَ تُنكِرُ فِعْلَ الغَرَا … مِ بالعاشِقينَ، فَسَلْ مَن عَشِقْ....

    استحال حلمك الآن إلى أضغاث ..
    وأنزلت بُزاتك منازل البُغاث ..(4)

    الآن وأنت تُرَاوِح بالليل بين قدمك وجبهتك ,
    تحاول أن تسير القصد فيردك عن قصدك لوعات الهوى فتميل ..
    وزلت عن تُقَى القدمُ الرسوخُ ..كانك لم تكن يوما عفيفا
    هل جادك الغيثُ إذا الغيث همي ؟
    هل ترى لك من باقية ؟! ..
    أم ستطوي شراع عزمتك تحت لواء الوهن..
    فتبيت منطرحا مرددا :

    ولئن متَّ فاسترحتُ من البيْن .:. لقد أحسنت إليّ المنونُ..!






    ---------------
    (1) المَهْمَه: القفر من الأرض، والجمع مهامِه ( جمهرة اللغة -ابن دريد ).
    (2) مِلت وانحنيت واعوججت ، والشيخ المعقوف الذي احدودب ظهره والصليب المعقوف ( المائلة حوافه ) كان شعار النازية.
    (3) هو طائر رشيق دون الحمامة بقليل يمشي متأودا يحذر مواطن الاضطراب ويعيش بمنأى عنها.
    (4) البزاة واحدها بازي وهو الجيد من الصقور .. والبغاث هو رديء الطير .
    (*) تحوي هذه الخاطرة بعض التضمينات الشعرية التي يصعب نسبتها خالصة لقلمي .. وارتأيت أن أترك لمُكنة القارئ الواعي مهمة استشفافها دون إحالة مني حتى لا أشتت ذهنه بين متن وهامش..





يعمل...
X