الخفاء ( قصة قصيرة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رائد قاسم
    عضو الملتقى
    • 13-09-2014
    • 51

    الخفاء ( قصة قصيرة)

    تظهر له بثوب اسود فاخر وشعر ملموم يشوبه بياض وتقول له :
    • سمعت أن امرأة من العائلة ستأتي ألينا قريبا.
    ثم تتوارى عن ناظريه ..
    يستيقظ من حلمه .. يشعل سيجارته ويتكأ على عكازه ليمشي بضع خطوات ثم يعود للنوم في هدوء...
    في الصباح يستقل سيارة أجرة ويذهب إلى ابن عمه نبيل في مقر عمله ، ينتظره حتى يأتي ، ما أن يشاهده حتى يشعر باضطراب ، إلا انه يدنو منه ويلقي على مسامعه ما رآه ، تتغير ألوانه ويبدوا عليه القلق ، بينما يهم بالخروج بهدوء..
    • اللعنة على أحلامك.
    يلتفت إليه بابتسامة باردة ثم يغادر ...
    ينهي عمله سريعا ويعود إلى منزله حيث زوجته سامية وأخواته شجون ونادية .. يتناول طعام الغداء في صمت..
    نادية - ما بك يا نبيل هل من خطب ؟
    • كلا .. لا شي .
    شجون – ( بابتسامة) لعله مر بظرف عصيب في عمله.
    نادية – ( بمرح ) أو لعله رأى حلما مزعجا ليلة الأمس.
    ثم يستغرقون في الضحك ..
    سامية- لعلك رأيت والدتك وهي غاضبة منك!
    يتطلع إليهم وقد بان عليه الانفعال ...
    • أتريدون أن تعرفون؟.
    نادية- طبعا.
    • لقد حلم بها !
    يصدمون من كلامه ...
    • أتقصد ... ؟
    سامية- بالتأكيد يقصده فهو صاحب الأحلام التي تعلوا الحقيقة.
    شجون – ( باضطراب) تكلم ماذا رأى هذا الذي يعيش بين عالمين؟.
    • ( بضيق ) يقول انه شاهد والدتنا وقد قالت له أن إحدى نساء العائلة ستأتي إليهم قريبا.
    ينظرون في بعضهم البعض وقد تملكهم الخوف .....
    الا ان شجون تستعيد رباطة جأشها وتقول :
    • لم ولن تكون الاحلام جزء من حياتنا التي هي حقيقة مطلقة ، ستبقى مجرد سراب.
    نادية- ما قلتهِ هو عين الحقيقة.
    سامية – ولكنكم تعرفون أن أحلامه تحولت إلى حقائق.
    شجون- مجرد صدف عابرة، لا شك انه توقع الاحداث منذ البداية.
    نادية- انه يحاول دائما أن يكون شخصا متميزا وعارفا ببواطن الأمور،
    ثم تلتفت إلى نبيل وتسأله:
    • هل صدقت هذا الهراء الذي قاله لك؟
    ينظر إليهن في قلق ويجيبها:
    • أتذكرين عندما داهمه شعور ان ابن عمنا مات وكان قد مات فعلا قبل ذلك بيوم؟
    شجون- لقد كان مريضا وموته متوقعا.
    • وماذا عن حلمه بان احد سيقتل وتحقق ذلك بان مات ابن خالته مقتولا بعد شهر؟.
    تلوذ بالصمت...
    • وما رأيكِ عندما شاهد نفسه واقفا بجوار منزل جارنا المرحوم العم محمود فسمع هاتفا يقول له أن سور هذا البيت سيسقط عما قريب ، وما لبث ان مات بعد أربعة أشهر.
    تنفعل شجون فتجيبه بثقة:
    • لن تقنعني بأن القدر يرتسم في عالم آخر وان هناك أشخاص قادرين على رؤيته قبل أن يحدث.
    تذهب شجون إلى غرفتها بينما يسود الصمت المطبق الجميع ، تستأذن نادية بالعودة إلى بيتها ، ما أن تقضي وقتها المعتاد مع زوجها وأطفالها حتى تختلي بنفسها وتتأمل وجهها في المرأة..
    • هل أنا المقصودة يا ترى؟ هل سأكون التالية ؟ ولكن كيف ؟ أنا لا أعاني من مرض مهدد للحياة ؟ ولكن هل يموت الإنسان بالمرض فقط ؟.
    اما شجون فكانت تعاتب والدتها !
    – طوال عمركِ يا أمي لا تستطيعين كتمان سر ، أي شخص يقول لك أي شي كنت تنشرينه على الملا، حتى وأنتِ في ذلك العالم لم تتخلين عن عادتك! ، هل من الضروري أن تخبرينا أن احد سيأتي إليكم قريبا؟
    سامية- يا الهي ، لقد تذكرت! قبل عدة أيام رأيت إحدى فردتي حدائي مقلوبا! ، ومنذ مدة وأنا اشعر بزيادة في خفقان قلبي ، هل هذا يعني بأنني التالية؟.
    نبيل- هل هناك حقا عالم آخر يعيش فيه الموتى؟
    في اليوم التالي يزو ابن عمه ، يرى منزله كما هو لم يتغير منذ آخر زيارة له قبل ثلاث سنوات ..
    • كما أنت لم يتغير فيك شي، حتى عكازك لم تستبدله.
    يستلقي على أريكته دون أن يجيبه ..
    • الحياة عندك مجرد كاس من السم ، كل يوم تتلقى جرعة منه حتى تموت في النهاية.
    ينظر له باستنكار ..
    • لا تنظر إلي هكذا!! هذه حي حقيقتك وتريد كل الناس أن يكونوا مثلك، تتمنى أن لا تشرق الشمس في يوم مماتك وان لا يبزق القمر في أول ليلة لك في ذلك العالم المظلم الموحش الذي سترحل إليه دون عودة.
    ( ببرود) هل أنا بهذه البشاعة التي وصفت؟
    • ( بغضب) فلماذا أحلامك دائما سوداء ليس فيها سوى نذر الشؤم والخوف والضياع؟.
    • لماذا لا تتوقع أحداث جميلة زاخرة بالامل والبهجة؟
    • إنها رسائل من تلك العوالم ، لست أنا من يخطها وينسج حبائل أحداثها.
    • لماذا لم تتزوج بعد وفاة زوجتك ؟
    يتكأ على عكازه ويستوي قائما...
    • ( بانكسار ) لقد حلمت بأن أمها ماتت ، ولكنها ماتت هي، كنت أحبها حقا، موتها كان صدمة لي، كنت أتوقع موت والدتها لأنها كانت مريضة وقد ماتت بعدها بعدة أشهر، ولكن لماذا ماتت هي ؟ لم تكن تعاني من أي مرض أو علة، لماذا رحلت عني وتركتني وحيدا؟.
    يتأثر بما قاله ..
    • بعد فقدها عزفت عن الزواج ، لاني كنت أخشى أن ارى حلم آخر مماثل، يا لهذه ألاحلام القاسية، تخبرك بموت من تحب ولا تستطيع حيال ذلك فعل أي شي، سوى انتظار الموت وأوقاته المليئة بالعذاب، جمرتك لو اجتمع الناس كلهم عليها لن يشعروا بألمها كما تشعر بها أنت.
    • كيف تدرك أنها اتصال بعوالم أخرى وليست أضغاط أحلام؟
    • اعرفها لأني أراها واسمعها كما لو كنت في اليقظة، أتذكرها كما أتذكر أي حدث عشته ، أما ما يقع في نفسي من توقعات فكأنها تأتيني بذبذبات منخفضة التردد، لا اعرف كيف أصفها لك، خواطر سريعة مفاجأة تسقط في روعي من دون اختيار مني، في البداية لا أعيرها اهتماما ولكن بعد فترة يراودني إحساس بان أمر ما سيحدث بعد أن نسجت وقائعه في عوالم أخرى ولم يبقى إلا تنفيذها في عالمنا هذا ، أن ذلك أشبه بسيناريو يكتب في الغيب ونحن من نخرجه ونمثله .
    • بل نحن ضحاياه.
    • إن أقدارنا تكتب في السماء يا نبيل!
    • وهل حلمك بأمي كان من هذا النوع؟
    يعرض عن الإجابة ..
    - اجبني.
    - هو ذاك.
    - ومن التي ستموت من أخواتي.
    - لا اعلم.
    • بل تعرف .
    • ان هذا فوق قدرتي، لا يمكنني معرفة من سيموت ، فقط اعرف أن أحدا ما سيموت.
    يهم بالمغادرة إلا انه يقول :
    • الهي احجب عني الأقدار ، إن كانت هناك عوالم أخرى لا أريد الاتصال بها يكفيني من هذا الوجود هذا العكاز ونسائم فجر عليل.
    إلا أن الأيام تمر هادئة كسابقتها ، في أحداها يذهب للمستشفى، يجلس على مقعد الخدمة ، يطلب تجديد موعده مع الطبيب إلا أن الموظفة تعامله بجفاء، لا يتحمل تصرفها فيغضب قائلا :
    - لماذا تتعاملين معي هكذا ؟ أنتِ هنا تؤدين واجبك.
    - ولكنك أعييتني بمطالبك يا سيدي، مرة تريد موعدك صباحا ومرة عصرا ومرة هذا اليوم وتارة ذاك.
    - ألا تحتملين رجل عمره ضعفي عمرك؟
    ثم ينصرف ، ما ان يخرج حتى توبخها زميلتها قائلة لها:
    - ماذا فعلتِ ؟ ألا تعلمين من هو؟
    - ومن يكون؟
    - انه رجل دو بصيرة،
    - وماذا يعني هذا؟
    • قد يتمنى لك الهلاك فتهلكين أو يقع لك مكروا.
    • أنت تبالغين.
    • بلى قد يحدث، في يوم ما قبل عدة سنوات تشاجر مع احد مراجعي المستشفى في واقعة مشهودة ، وبعد عدة أسابيع وقعت له حادثة كاد يموت بسببها.
    تنظر لها وقد بدأ عليها بالقلق ، إلا انه كان قد غادر المستشفى وهو حانق عليها، ينتابه شعور بأنها ستموت، يحاول إبعاده عن ذهنه ويفكر في أمور أخرى، ولكنه ظل يباغته ، بعد عدة أسابيع يقرر العودة للمستشفى ، كان يشعر بشدة ان أمر ما قد حدث ، ما أن يدخل حتى يصدم مما يراه.. اعلان عزاء فتاة تعمل في احد الأقسام المجاورة لتلك الفتاة ... يسابق خطاه للوصول إليها ، ما أن يدخل قسمها وتراه حتى تسرع له مهرولة ..
    • سيدي أرجوك أن تسامحني إن كنت قد اخطأت بحقك.
    يتطلع إليها في دهشة وحزن ...
    - كيف ماتت زميلتك؟.
    - بسكتة قلبية مفاجأة.
    - أمر محزن حقا.
    - هل توقعت موتها؟
    - ( بغضب) أنا لا اعرفها .
    - هل توقعت موتي؟
    لا يجيبها ويتكأ على عكازه استعدادا للمغادرة..
    • أرجوك اخبرني.
    يلفت إليها قائلا:
    • لست شريكا للاقدار.
    يصل إلى الحي فيطلب من سائق الأجرة الوقوف ، ثم ينطلق ماشيا نحو بيته..
    - كان إحساسي بأنها هي التي سوف تموت ولكن من مات كانت فتاة أخرى في نفس عمرها وفي قسم مجاور لها.
    ثم يشاهد سيارة إسعاف وحشد مجتمعا أمام بيت نبيل، يذهل مما يراه ..
    • يا الهي لا شك أن حلمي قد تحقق، إحدى أخواته قد ماتت دون شك.
    يدنو من الحشد ، فجأة تطل شجون من الشرفة قائلة له:
    - هل هذا هو الحلم إلي رايته ؟ هل أنت سعيد بان أحلامك الشيطانية تحولت إلى حقيقة ، وان كوابيسك السوداء اصبحت واقعا وجزء من سيناريو كتب بقلم حبره من دماء ضحاياها؟.
    - ( بحرقة ) من التي ماتت؟
    تنظر له بضغينة ثم تعود الى الداخل ... يخرج المسعفون من البيت ويضعون الجثمان في سيارة الإسعاف ويتوجهون للمستشفى..
    يسال احدهم عن المتوفى فيجيبه بأنه نبيل... تنتابه الصدمة العارمة ...
    • نبيل! مستحيل!
    • لقد مات قبل ثلاث ساعات بنوبة قلبية.
    يغادر الناس بينما بكاء أخواته وزوجته ونساء العائلة يكاد يصم الأذان..
    • أنت يا نبيل كنت المقصود؟
    • كانت تقصدك أنت !!
    يضحك ضحكة مشوبة بحرقة وانفجاع...
    • كيف لم أفكر في ذلك؟ كيف لم أتوصل إلى أن ما نراه في منامنا قد يكون مغاير ليقضتننا؟ فالحلم معاكس لليقظة مثلما المرآة نقيضة لابصارنا.
    يسير باتجاه بيته .... يتحدث بصوت يسمعه المارة ...
    • أيتها الأقدار العاتية الرهيبة ، يا من تكتب احداثك في كتاب الزمن في تلك العوالم المهولة ، أتوسل إليك أن تحتجبي عني فما عدت قادرا على أن يكشف لي مصائر من حولي بينما يخفى عني مصيري.
    يصل إلى بيته ونظرات أهل الحي تلاحقه بعد أن انتشر خبر انه حلم بموت نبيل ، ما أن يوجه انظاره نحوهم حتى يفرون منه ..
    • أتخافون أن احلم بأحد منكم ويموت؟ انا لا أكتب الاقدار، انا فقط اعلم بها بعد ان تعتمدها السماء ولم يبقى الا ان تحدث ، لماذا تخافون من الموت أو ليس قادما لا محال؟ أو ليس من سعادة المرء أن يعرف ساعة موته بدلا من أن تخفى عنه ؟
    يبصق عليهم ويدخل منزله وكل أمله أن تحتجب عنه الاقدار إلى الأبد.
يعمل...
X