اشتعال الجمال فى اشتعال البنفسج
قراءة فى ديوان الشاعر / حاتم عبد الهادي
اشتعال البنفسج
بقلم / عاطف الجندي
***
الشعر هو عالم خاص يعيش فيه المبدع الذي ابتلاه الله بداء الشعر و هو الحياة التى يتمناها و يحلم بها من منحه الله رقة الشعور و التأثر بكل كبيرة و صغيرة في مجتمعه و قد يتصل المبدع بعالمه عن طريق التفاعل مع قضايا وطنه و مع أفراحه و أتراحه و هو في نفس الوقت يشعر أن هذه الحياة ليست مناسبة له تماما و يود لو أنه قد ولد في عصر آخر مع أناس يكونون أكثر تقديرا للشعر و الشعراء 0
الشعر هو ذلك العالم الذي يتخيل فيه الشاعر نفسه أكبر من كل تيجان الدنيا و الذي يجعل له مملكته الخاصة و المتوهمة فى كثير من الأحوال و المكونة من نساء يهمن به عشقا و يذبن هيامًا به و يقعن عشقا عندما يرون طلعته البهية 0
هكذا يصور خيال الشاعر الخصب له هذه الحياة و الشاعر من وجهة نظره معصوم من الخطأ و أعقل عقلاء هذه الأرض و في نفس الوقت هو المجنون الوحيد المدهش في هذا الكون ، فالشعر جنون 0
و الفرق بين الجنون و العبقرية شعره فما المانع من قطع هذه الشعرة ليختلط الاثنان ليكونا معا خليطا جديدا
و الشاعر الحق هو مدرسة فى حد ذاته و حزب مستقل فيجب عليه أن ينتمي لقناعاته الشخصية و يكون بعيدا عن الأحزاب السياسية و إلا لصار بوقا للحزب الذى ينتمي إليه و أداة إعلامية له حتى و لو كانت ضد قناعاته الشخصية و عندها سيفقد الشاعر خصوصيته و استقلاليته 0
و الشاعر حاتم عبد الهادي هو أحد الشعراء المستقلين بشعرهم و يخلصون لهذه الاستقلالية و له حزبه الخاص و هو حزب الجمال و الدهشة و هو الحزب المدافع عن حرية الكلمة حتى و لو كانت حرية صادمة فى بعض الأحيان لأنها تعري الواقع أمام الناس و شاعرنا المقيم فى شمال سيناء و تحديدا فى العريش 00 و كونه أحد أبناء هذا الإقليم و ينتمي إلى أحدى قبائله العربية نراه مدافعا عن بداوته ضد طغيان المدينة و لكنه فى ذات الوقت يتصادم مع بعض العادات و التقاليد خاصة فيما يتعلق بالمرأة البدوية عندما يتحدث عنها فى قصائده و هو فى ديوانه الذى بين يدي الآن و هو بعنوان ( اشتعال البنفسج ) و الصادر عن دار نشر خاصة و قد صدر هذا الديوان فى طبعة أنيقة ذات قطع مميز و يقع في مائتي صفحة و يحتوى على واحد و ثلاثين قصيدة تفعيلية و مقسمة إلى ثلاثة أجزاء ، حيث يحتوى القسم الأول على قصائد ( يومان فى حضن البنفسج و طعام العاشقين و يمامة العذاب و لا لن يموت الحب و امرأة القصائد و قمر على المتوسط و كان لقاء فى حجرتها وامرأة بنكهة القهوة و اشتعال الجسد و قالت فى سان إستيفانو كثيرا و عشب الجسد المحترق و الشاعر السلطان و من أيقظ وحش القدرة داخلها و القرية غابت عند غروب الشمس و أما القسم الثانى فيحتوى على عشر قصائد هى ( أقواس الخريف و للأيقونة أيضا نزيف و لقميص نومها تهطل الأمطار و قطوف في حي الحضرة المباركة و لشراشفها الدفء و للقلب هذا السكون و بدوية من الشرق و من فجر فى جسد الصمت الماء و ليلى و أنشودة السماء و من يقطف زهر الرمان و أما القسم الثالث فيحتوى على سبع قصائد و هى ( أشجار الزئبق و بين السديم و لجسدها تصدح البلابل و عندما تحتضر الأوراق و فتاة الألفية الجديدة و لها زبد الماء و لي اشتعال الموسيقا و ستهربين داخل صدري )
و في الحقيقة لا أجد مبررا لهذه التقسمات و على أى أساس تم هذا التقسيم ولماذا لم يتم وضع عنوان لكل قسم مثلا هى أسئلة لم أجد إجابة عليها من خلال الديوان و الإجابة هى عند المبدع نفسه
و إذا ما تأملنا فى قصائد هذا الديوان سنخرج بعدة سمات لشعر حاتم عبد الهادي و السمة الأولى هو قاموسه الشعري البسيط و أقصد هنا بالبساطة فى المفردات و عدم الدخول إلى اللغة القاموسية أو الكلمات المنقرضة التى قد يولع بها كتاب القصيدة العمودية و السمة الثانية و هى تأثره بالبيئة الصحراوية و من هنا نجد مفردات البيئة من الخيام أو النباتات الصحراوية أو الملابس البدوية أو البحر المتوسط و طيوره و السمة الثالثة هى دخوله إلى حيز الشعر الغزلي الصريح و التشبيب بالمحبوبة أو الدخول إلى مناطق محظور الكتابة عنها و ربما هناك قصائد يمكن أن نطلق عليها قولا مهذبا مثل الغزل الصريح و الكتابة الجسدية بكل جرأة و أعلم أن هناك قصائد قد سببت له بعض الإشكاليات عندما أراد طباعتها فى ديوان سابق 0 و نجد أيضا اتجاه بعض القصائد و خاصة في نهاية الديوان إلى النثرية 0
و شاعرنا في قصائده التفعيلية مثل قصيدة ( يومان في حضن البنفسج ) يبدأ ديوانه الجميل بهذه الرومانسية العالية و الحوارية الجميلة فيقول :
" قالت : حبيبي
قف هنا
أعطيتك الرمان والبلح اليماني الجميل
و بضع حبات القرنفل
كل سطح البحر
و التمر الذي ذاقت شفاهك شهده 00 "
نجد فى هذه السطور الشعرية مفردات البيئة واضحة و جلية فنجد البلح و الرمان و البحر و التمر و هو المحب لهذه الهدايا التى منحتها له حبيبته ثم نجده بعد ذلك يتحدث عن الزمرد و البنفسج و الورد والبراري و الحية الرقطاء الموازية هنا لعطشه في الحب و إن كنت أختلف قليلا مع هذه الصورة عن عطش الحب فالحية دائما هي رمز الشر و دخولها فى موضوع عاطفي للدلالة على شدة العطش ، أفسدت الصورة و ضربتها في مقتل من وجهة نظري فيقول :
" أنهل من عبير الحب
ريّ على ري ٍّ
و عطشي في البراري مثل رقطاء
تفح الشوق "
و نجده في نهاية القصيدة متأثرا بالتراث الفرعوني كما جاء في كتاب الموتى ( أنا لم ألوث ماء النيل 0000 ) فيقول :
أنا يا حبيبة ما اقترفت الجرم
ما قضمت شفاهي منك تفاحا
و ما لمست يداي سوى يديك 00 "
هذه هى النظرة الرومانسية للحب و نجده في قصيدة بعنوان " امرأة بنكهة القهوة " و هى على هيئة مقاطع فنراه يدخل إلى حيز الغزل الصريح بعكس القصيدة الأولى فيقول فيها :
" لنهدها رحلات عديدة بين يدي
فلماذا تكورينه كالبللور حين أجيء ؟! "
و يواصل بلغة نثرية مقتحمة :
اتفقنا أن نصبح أصدقاء
أنا و نهدها الأيسر
فلماذا أنت حزين أيها الكثيف
النامي حول الهالة الدائرية
لجسدها النحيل ؟!
هنا تخلى شاعرنا حاتم عبد الهادي عن الوزن و الرومانسية للدخول إلى عالم الجسد و التحدث عن عذاباته في لغة مفاجئة و مدهشة للقارئ كما فى قصيدة ( اشتعال الجسد ) و التى يقول فيها :
" من فك السروال الأحمر
و البني القاتم و الفاتح
و الأصفر و اللازوردي ؟!
من أدخل فى هذه الكرة ِ
النور الأبيض شفافا "
و فى ومضات تلغرافية نثرية يتألق الشاعر فى قصيدة بعنوان قالت فى سان استيفانو كثيرا و هذه الومضات السريعة جاءت مدهشة لأنها كانت مركزة جدا و وصلت للهدف الجمالي فى أقل عدد من الكلمات فنراه يقول :
( في الهاتف قالت :
أعرف تاريخ ميلادك
لكن
لن أمكنك من كتابة اسمي
في بطاقتك العائلية )
هى ومضة سريعة لخصت حكاية كان من الممكن أن يسهب فيها شاعرنا حتى يصل لهذه النهاية و لكنه بحرفية كاتب بارع قدم لنا نموذجا جميلا للدهشة 0
وفي ومضة أخرى من ذات القصيدة و فيها يعود لاقتحامه ذاكرة الجسد و التحدث عنه بقوة داخل الديوان فيقول :
و قالت أيضا ذات مساء
لماذا أنت رجعي
قد القميص و لا تخف
ستدخل جنتي دون شك
و يغيض الماء !
هو يتكأ هنا على التراث القرآني و قصة سيدنا يوسف مع زوجة العزيز و تكاد الومضة تتحدث بلسانها 0
و عندما تتطور العلاقة بينهما يقول فى ومضة أخرى من ذات القصيدة ( أقسم أنك الآن فى حضني
و أقسم أني فى حضنها
لكننا في النهاية
لصيقان بالحنان )
و نرى العلاقة هنا تأخذ شكلا جديدا فهو فى حضن امرأة بينما هو يعيش بكامل أحاسيسة مع امرأة أخرى و لكنهما فى النهاية يمارسان الحب سويا و هنا نجد التشظي الناعم الذى يطرأ على وجدان الذات الشاعرة 0
و من قصائد القسم الثالث نجد قصيدة ( لجسدها تصدح البلابل ) يتحدث عن لغة الجسد أيضا و اشتعاله فيقول :
" أيتها الخارجة من مواسم اللذة
لماذا تنثرين غبار آهاتك
فوق جسد الليل الحالك ؟
غدا يطلع صباح يتعطش أسى
و قيظ يشتعل صبابة لدموع نهديك )
و هكذا يظل الديوان يتحدث عن غواية الجسد التى احتفى بها الديوان فى جميع قصائده التى أتت موزونة أحيانا و نثرية فى أحايين أخرى كثيرة و لكنها تتفق فى طزاجة الصور و روعة التراكيب الشعرية و أستطيع بأن أقول بأن شاعرنا حاتم عبد الهادي كان مغامرا و ملاحا ماهرا فى بحر الدهشة و مقتحما حديقة النساء بما يليق بشاعر مجدد كانت قصائدة مشتعلة بالجمال المقتحم الذي يجعل القاريء نهما
لتكملة بقية هذا الديوان الرائع0
فتحية لشاعرنا القدير على هذا الديوان الجميل و الذى يعد بحق إضافة للشعر العربي 0
***
عاطف الجندي
قراءة فى ديوان الشاعر / حاتم عبد الهادي
اشتعال البنفسج
بقلم / عاطف الجندي
***
الشعر هو عالم خاص يعيش فيه المبدع الذي ابتلاه الله بداء الشعر و هو الحياة التى يتمناها و يحلم بها من منحه الله رقة الشعور و التأثر بكل كبيرة و صغيرة في مجتمعه و قد يتصل المبدع بعالمه عن طريق التفاعل مع قضايا وطنه و مع أفراحه و أتراحه و هو في نفس الوقت يشعر أن هذه الحياة ليست مناسبة له تماما و يود لو أنه قد ولد في عصر آخر مع أناس يكونون أكثر تقديرا للشعر و الشعراء 0
الشعر هو ذلك العالم الذي يتخيل فيه الشاعر نفسه أكبر من كل تيجان الدنيا و الذي يجعل له مملكته الخاصة و المتوهمة فى كثير من الأحوال و المكونة من نساء يهمن به عشقا و يذبن هيامًا به و يقعن عشقا عندما يرون طلعته البهية 0
هكذا يصور خيال الشاعر الخصب له هذه الحياة و الشاعر من وجهة نظره معصوم من الخطأ و أعقل عقلاء هذه الأرض و في نفس الوقت هو المجنون الوحيد المدهش في هذا الكون ، فالشعر جنون 0
و الفرق بين الجنون و العبقرية شعره فما المانع من قطع هذه الشعرة ليختلط الاثنان ليكونا معا خليطا جديدا
و الشاعر الحق هو مدرسة فى حد ذاته و حزب مستقل فيجب عليه أن ينتمي لقناعاته الشخصية و يكون بعيدا عن الأحزاب السياسية و إلا لصار بوقا للحزب الذى ينتمي إليه و أداة إعلامية له حتى و لو كانت ضد قناعاته الشخصية و عندها سيفقد الشاعر خصوصيته و استقلاليته 0
و الشاعر حاتم عبد الهادي هو أحد الشعراء المستقلين بشعرهم و يخلصون لهذه الاستقلالية و له حزبه الخاص و هو حزب الجمال و الدهشة و هو الحزب المدافع عن حرية الكلمة حتى و لو كانت حرية صادمة فى بعض الأحيان لأنها تعري الواقع أمام الناس و شاعرنا المقيم فى شمال سيناء و تحديدا فى العريش 00 و كونه أحد أبناء هذا الإقليم و ينتمي إلى أحدى قبائله العربية نراه مدافعا عن بداوته ضد طغيان المدينة و لكنه فى ذات الوقت يتصادم مع بعض العادات و التقاليد خاصة فيما يتعلق بالمرأة البدوية عندما يتحدث عنها فى قصائده و هو فى ديوانه الذى بين يدي الآن و هو بعنوان ( اشتعال البنفسج ) و الصادر عن دار نشر خاصة و قد صدر هذا الديوان فى طبعة أنيقة ذات قطع مميز و يقع في مائتي صفحة و يحتوى على واحد و ثلاثين قصيدة تفعيلية و مقسمة إلى ثلاثة أجزاء ، حيث يحتوى القسم الأول على قصائد ( يومان فى حضن البنفسج و طعام العاشقين و يمامة العذاب و لا لن يموت الحب و امرأة القصائد و قمر على المتوسط و كان لقاء فى حجرتها وامرأة بنكهة القهوة و اشتعال الجسد و قالت فى سان إستيفانو كثيرا و عشب الجسد المحترق و الشاعر السلطان و من أيقظ وحش القدرة داخلها و القرية غابت عند غروب الشمس و أما القسم الثانى فيحتوى على عشر قصائد هى ( أقواس الخريف و للأيقونة أيضا نزيف و لقميص نومها تهطل الأمطار و قطوف في حي الحضرة المباركة و لشراشفها الدفء و للقلب هذا السكون و بدوية من الشرق و من فجر فى جسد الصمت الماء و ليلى و أنشودة السماء و من يقطف زهر الرمان و أما القسم الثالث فيحتوى على سبع قصائد و هى ( أشجار الزئبق و بين السديم و لجسدها تصدح البلابل و عندما تحتضر الأوراق و فتاة الألفية الجديدة و لها زبد الماء و لي اشتعال الموسيقا و ستهربين داخل صدري )
و في الحقيقة لا أجد مبررا لهذه التقسمات و على أى أساس تم هذا التقسيم ولماذا لم يتم وضع عنوان لكل قسم مثلا هى أسئلة لم أجد إجابة عليها من خلال الديوان و الإجابة هى عند المبدع نفسه
و إذا ما تأملنا فى قصائد هذا الديوان سنخرج بعدة سمات لشعر حاتم عبد الهادي و السمة الأولى هو قاموسه الشعري البسيط و أقصد هنا بالبساطة فى المفردات و عدم الدخول إلى اللغة القاموسية أو الكلمات المنقرضة التى قد يولع بها كتاب القصيدة العمودية و السمة الثانية و هى تأثره بالبيئة الصحراوية و من هنا نجد مفردات البيئة من الخيام أو النباتات الصحراوية أو الملابس البدوية أو البحر المتوسط و طيوره و السمة الثالثة هى دخوله إلى حيز الشعر الغزلي الصريح و التشبيب بالمحبوبة أو الدخول إلى مناطق محظور الكتابة عنها و ربما هناك قصائد يمكن أن نطلق عليها قولا مهذبا مثل الغزل الصريح و الكتابة الجسدية بكل جرأة و أعلم أن هناك قصائد قد سببت له بعض الإشكاليات عندما أراد طباعتها فى ديوان سابق 0 و نجد أيضا اتجاه بعض القصائد و خاصة في نهاية الديوان إلى النثرية 0
و شاعرنا في قصائده التفعيلية مثل قصيدة ( يومان في حضن البنفسج ) يبدأ ديوانه الجميل بهذه الرومانسية العالية و الحوارية الجميلة فيقول :
" قالت : حبيبي
قف هنا
أعطيتك الرمان والبلح اليماني الجميل
و بضع حبات القرنفل
كل سطح البحر
و التمر الذي ذاقت شفاهك شهده 00 "
نجد فى هذه السطور الشعرية مفردات البيئة واضحة و جلية فنجد البلح و الرمان و البحر و التمر و هو المحب لهذه الهدايا التى منحتها له حبيبته ثم نجده بعد ذلك يتحدث عن الزمرد و البنفسج و الورد والبراري و الحية الرقطاء الموازية هنا لعطشه في الحب و إن كنت أختلف قليلا مع هذه الصورة عن عطش الحب فالحية دائما هي رمز الشر و دخولها فى موضوع عاطفي للدلالة على شدة العطش ، أفسدت الصورة و ضربتها في مقتل من وجهة نظري فيقول :
" أنهل من عبير الحب
ريّ على ري ٍّ
و عطشي في البراري مثل رقطاء
تفح الشوق "
و نجده في نهاية القصيدة متأثرا بالتراث الفرعوني كما جاء في كتاب الموتى ( أنا لم ألوث ماء النيل 0000 ) فيقول :
أنا يا حبيبة ما اقترفت الجرم
ما قضمت شفاهي منك تفاحا
و ما لمست يداي سوى يديك 00 "
هذه هى النظرة الرومانسية للحب و نجده في قصيدة بعنوان " امرأة بنكهة القهوة " و هى على هيئة مقاطع فنراه يدخل إلى حيز الغزل الصريح بعكس القصيدة الأولى فيقول فيها :
" لنهدها رحلات عديدة بين يدي
فلماذا تكورينه كالبللور حين أجيء ؟! "
و يواصل بلغة نثرية مقتحمة :
اتفقنا أن نصبح أصدقاء
أنا و نهدها الأيسر
فلماذا أنت حزين أيها الكثيف
النامي حول الهالة الدائرية
لجسدها النحيل ؟!
هنا تخلى شاعرنا حاتم عبد الهادي عن الوزن و الرومانسية للدخول إلى عالم الجسد و التحدث عن عذاباته في لغة مفاجئة و مدهشة للقارئ كما فى قصيدة ( اشتعال الجسد ) و التى يقول فيها :
" من فك السروال الأحمر
و البني القاتم و الفاتح
و الأصفر و اللازوردي ؟!
من أدخل فى هذه الكرة ِ
النور الأبيض شفافا "
و فى ومضات تلغرافية نثرية يتألق الشاعر فى قصيدة بعنوان قالت فى سان استيفانو كثيرا و هذه الومضات السريعة جاءت مدهشة لأنها كانت مركزة جدا و وصلت للهدف الجمالي فى أقل عدد من الكلمات فنراه يقول :
( في الهاتف قالت :
أعرف تاريخ ميلادك
لكن
لن أمكنك من كتابة اسمي
في بطاقتك العائلية )
هى ومضة سريعة لخصت حكاية كان من الممكن أن يسهب فيها شاعرنا حتى يصل لهذه النهاية و لكنه بحرفية كاتب بارع قدم لنا نموذجا جميلا للدهشة 0
وفي ومضة أخرى من ذات القصيدة و فيها يعود لاقتحامه ذاكرة الجسد و التحدث عنه بقوة داخل الديوان فيقول :
و قالت أيضا ذات مساء
لماذا أنت رجعي
قد القميص و لا تخف
ستدخل جنتي دون شك
و يغيض الماء !
هو يتكأ هنا على التراث القرآني و قصة سيدنا يوسف مع زوجة العزيز و تكاد الومضة تتحدث بلسانها 0
و عندما تتطور العلاقة بينهما يقول فى ومضة أخرى من ذات القصيدة ( أقسم أنك الآن فى حضني
و أقسم أني فى حضنها
لكننا في النهاية
لصيقان بالحنان )
و نرى العلاقة هنا تأخذ شكلا جديدا فهو فى حضن امرأة بينما هو يعيش بكامل أحاسيسة مع امرأة أخرى و لكنهما فى النهاية يمارسان الحب سويا و هنا نجد التشظي الناعم الذى يطرأ على وجدان الذات الشاعرة 0
و من قصائد القسم الثالث نجد قصيدة ( لجسدها تصدح البلابل ) يتحدث عن لغة الجسد أيضا و اشتعاله فيقول :
" أيتها الخارجة من مواسم اللذة
لماذا تنثرين غبار آهاتك
فوق جسد الليل الحالك ؟
غدا يطلع صباح يتعطش أسى
و قيظ يشتعل صبابة لدموع نهديك )
و هكذا يظل الديوان يتحدث عن غواية الجسد التى احتفى بها الديوان فى جميع قصائده التى أتت موزونة أحيانا و نثرية فى أحايين أخرى كثيرة و لكنها تتفق فى طزاجة الصور و روعة التراكيب الشعرية و أستطيع بأن أقول بأن شاعرنا حاتم عبد الهادي كان مغامرا و ملاحا ماهرا فى بحر الدهشة و مقتحما حديقة النساء بما يليق بشاعر مجدد كانت قصائدة مشتعلة بالجمال المقتحم الذي يجعل القاريء نهما
لتكملة بقية هذا الديوان الرائع0
فتحية لشاعرنا القدير على هذا الديوان الجميل و الذى يعد بحق إضافة للشعر العربي 0
***
عاطف الجندي