رسالة حي بن يقظان لابن طفيل ـــ مقاربة لتاريخ النص ــ3

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إبراهيم عبد الله
    أديب وكاتب
    • 06-11-2008
    • 280

    رسالة حي بن يقظان لابن طفيل ـــ مقاربة لتاريخ النص ــ3

    [align=jusالمن المخطوط إلى الكتاب المطبوع


    إن المخطوطات التي بين أيدينا تجلي لي جغرافية ممتدة للكتاب المخطوط لابن طفيل حيث نلفاه يتوزع على فضاء ثقافي متنوع مما يبرز مدى العناية التي حظي بها هذا النص وإن كنا لا نعرف كيفية انتقاله عبر الحدود خاصة أننا هنا في المغرب نفتقد نسخة للنص إلا إذا اعتبرنا مخطوطة الإسكوريال هي هذه النسخة المفترضة !!، وهو أمر قد يكون بعيدا لان النص كتب بخط مشرقي، لكن كيف كان الأمر فإن عوادي الزمن تحول بيننا وبين الاستفادة منه، لأن هذا الكتاب المخطوط الذي أثار عدة التباسات بسبب عنوانه، أصبح غير قابل للاستعمال بسبب الرطوبة وانطباع مداد كل ورقة على الورقة المقابلة.

    إن انتقال رسالة ابن طفيل من وضعية المخطوط إلى منزلة المطبوع لن يكون انتقالا كيفيا خاصة أن الذين نشروه إما أنهم اكتفوا بمخطوط واحد كما هو حال بوكوك وجميل صليبا وكامل عياد أو مخطوطين كما هو حال النشرة الأولى لليون غوتييه أو ثلاث أو أربع كما هو حال النشرة الأخيرة له, فضلا عن نشراته الكثيرة التي اعتمدت فقط على الطبعات وإن زعم البعض أنه انطلق من نسخ خطية في إخراج الرسالة.


    لكن ما السر في أنه رغم هذا التوزع الجغرافي كان نشر النص لأول مرة على يد فيلولوجي أنجليزي يدعى بوكوك الابن وذلك سنة 1671م؟


    لعلنا أجبنا عن جزء من هذا السؤال فيما سبق لكن الذي يجب تسجيله هاهنا أن أول نشرة للرسالة كانت على يد مستشرق أغرم بابن طفيل، فكيف انتقل النص على يديه لأول مرة إلى المطبوع؟

    قام بوكوك سنة 1671م بترجمة رسالة ابن طفيل إلى اللغة اللاتينية تحت عنوان الفيلسوف المعلم نفسه philosophus autodidactus عن مخطوط أكسفورد، ونشرة بوكوك هي النشرة التي ألهمت جل الناشرين الغربيين ونبهت على أهمية نص ابن طفيل، ويلاحظ ليون غوتييه أن هذه النشرة اللاتينية المصحوبة بالنص العربي ليست سوى طبعة حرفية لمخطوط أكسفورد بأخطائه التي يصححها أحيانا في الهامش، بل إن غوتييه يلاحظ على الترجمة اللاتينية أن بها صفحات صعبة لا يمكن فهمها دون الرجوع إلى النص العربي.

    لكن في القرن التاسع عشر وقبل النشرة الرائدة لليون غوتييه الأولى في بداية القرن العشرين والثانية في أواسط الثلث الأول من نفس القرن نجد ثلاث نشرات للنص حيث ستصدر في مصر سنة 1882 نشرتان نشرة وادي النيل ونشرة دار الوطن ثم بعد ذلك بخمسين سنة ستصدر نشرة عن المطبعة الخيرية بمصر ولا نعرف شيئا عن نشرات لها في بلاد عربية أخرى قبل هذا الوقت.

    لكن النشرة التي ستفتح الباب على مصراعيه لابن طفيل في الشط الغربي هي نشرة ليون غوتييه التي حاولت ان تقارب النص لأول مرة من خلال المقابلة بين المخطوطات مع ترجمته إلى اللغة الفرنسية، بمعنى أنها كانت تطمح لأن تكون "نشرة نقدية" أو "تحقيقا" كما نقول, فبالنسبة لنشرته الأولى لسنة 1900م لم يكن ليون غوتييه يعرف سوى كتابين مخطوطين : مخطوطة الجزائر مخطوطة أكسفورد وقد اعتمد في إخراج رسالته على المقابلة بينهما على أساس أن المخطوطتين تنتميان إلى عائلتين مختلفتين لأنهما لا ينتجان نفس الأخطاء المشتركة، مستعينا بنشرة بوكوك وكذا النشرتين المصريتين: نشرة دار الوطن ونشرة وادي النيل معتبرا أنهما ينتميان لعائلة واحدة مع مخطوطة أكسفورد لأنهما ينتجان نفس الأخطاء المشتركة.

    لكن ليون غوتييه عندما سيعثر على مخطوطة ليدن وسيجدها تنتمي إلى عائلة أخرى من المخطوطات، سيعتبر ان تحقيقه الأول تحقيق بدائي وسيصرح أن نصا محققا من خلال مخطوطتين أو ثلاث ليس تحقيقا نهائيا وينهض لإعادة تحقيق النص راجيا أن يكون تحقيقه الأخير متقدما على نشرات النص وترجماته السابقة.

    عثر جميل صليبا وكامل عياد بدمشق على مخطوطة لحي بن يقظان كانت تحت عنوان "مرقاة الزلفى والمشرب الأصفى" تماما مثل مخطوطة دار الكتب المصرية، والمخطوطة في مكتبة الشيخ محمد الطنطاوي في دمشق تاريخها 1284 هـ وقد ظن الدكتور عبد الرحمن بدوي انهما مخطوط واحد لكن تبين لنا بعد المقابلة أنهما مخطوطتان مختلفتان، وقد قام الناشران بإخراج طبعة لهذا المخطوط تضم في نسختنا المعتمدة، وهي الطبعة الخامسة لسنة 1962 والصادرة عن مطبعة جامعة دمشق، 141 صفحة مع مقدمة من 38 صفحة عبارة عن تلخيص لكتاب ليون غوتييه "ابن طفيل، حياته ومؤلفاته" مع العلم أن الطبعة الأولى كانت سنة 1935، أي قبل النشرة النقدية الثانية لليون غوتييه.

    إن كنا أمام نشرات ثلاث اعتمدت على مخطوطات بأشكال مختلفة فإن حظ نص ابن طفيل في العالم العربي لم يكن حسنا لسبب بسيط وأنه رغم النشرات الكثيرة للنص فإننا لا نعثر على نشرة نقدية له تستجيب لمواصفات التحقيق العلمي، فإذا استثنيا النشرة السورية التي اعتمدت مخطوطة دمشق فإن النشرات التي تعرفها لابن طفيل في عالمنا العربي هي نشرات غفل من المقابلة والضبط، فانطلاقا من نشرة احمد امين لسنة 1952 والتي نشر فيها نصوص حي بن يقظان الثلاثة، أقصد نص ابن سينا ونص ابن طفيل ونص السهروردي، والتي سماها تحقيقا رغم أنها لا تمت بصلة إلى ذلك لعدم تصريحها بمصادرها الخطية، لكننا نجد الناشر يقدم مبررا لنشرته وهو شعوره ب "قلة النسخ المطبوعة" وهو بهذا يفتح تقليدا في نشر قصة حي بن يقظان من خلال ظهور الطابع البراغماتي وهو طابع سيتكرر عند ناشرين كثر ويكون من جملة العوائق التي حالت دون العكوف على إخراج نشرة نقدية لها كما سيتكرر التصريح بالتحقيق والمقابلة في تقديم بعض النشرات دون الوفاء بذلك كما نجد في طبعة فاروق سعد التي يسمي نشرته تحقيقا في حين أنها قامت على المقابلة بين الطبعات وكما نجد في نشرة يوسف زيدان التي قدمت نفسها على أنها عمل مصحح ومكمل لعمل أحمد أمين، حيث أضاف لها ما سقط منها كما أضاف لها نصا ثالثا هو نص ابن النفيس لكن يوسف زيدان يقدم منهجا عجيبا في التحقيق حيث يصرح أن نشرته أخرجت من المقابلة بين نشرتي احمد أمين ونشرة فاروق سعد رغم إدراكه أن كلتي النشرتين "لم يذكر الأصول المخطوطة التي اعتمد عليها" مؤكدا أنه اعتمد في إخراج نشرته "على جملة أصول هي في واقع الأمر كتب مطبوعة لكنني ــ كما يقول ــ عاملتها معاملة المخطوطة"، ورغم أنه يصرح "أن كثيرا من المخطوطات أفضل من كثير من المطبوعات" فإنه لم يلتزم معايير المحققين في المقابلة بين المخطوطات والتي أوشكت أن تصبح سبارات عالمية يلتزم بها كل من تصدى إلى إخراج نص من النصوص. لكن يبدو أن مفهوم التحقيق ليس واضحا بما فيه الكفاية عند ناشري النص حيث نجد عمر سعيدان يسمي نشرة احمد أمين "تحقيقا" وحيث نجد الشيخ عبد الحليم محمود يصرح ان "لكل انسان اجتهاده في تصحيح النص" رافعا الاجتهاد الشخصي إلى مستوى السبار العلمي في التعامل مع النص وكان ليس هناك قواعد معروفة لأهل هذا الشأن، أما البير نصري نادر فلا يلتفت أبدا إلى مسالة تحقيق النص حيث يصرح في نشرته أن رسالة ابن طفيل "قد سبق له ونشر نشرة نقدية علمية" دون أن يشير إلى هذه النشرة، أما المفاجأة فهي نشرة عبد الأمير شمس الذي عنون كتابه "الفكر التربوي عند ابن طفيل" حيث عوض أن يجد القارئ دراسة عميقة للإشكالية التربوية عند ابن طفيل يجد أن الجزء الأكبر من الكتاب هو نشرة لقصة حي بن يقظان وهو الأمر الذي لم يهيئ الكاتب ـ الناشر قارئه له، وكأن العنوان هو فقط من أجل تبرير تقديم نشرة أخرى لرسالة ابن طفيل. بل إن التعامل البراغماتي مع النص بلغ أوجه مع نشرة محيي الدين اللباد التي تضافرت عدة جهات على إخراجها فكان أن اعتني بجاذبيتها وأناقتها ولكن تم حذف مقدمتها الفلسفية.

    إن هذا التعامل البراغماتي مع النص أنتج لنا نشرات إما سقطت منها فقرات مثل نشرة أحمد أمين، أو حافلة بأخطاء سواء على مستوى المتن أو الهوامش كما نجد في نشرة البير نصري نادر ونشرة علي بو ملحم أو خلت من الهوامش إطلاقا كما نجد في نشرة عبد الحليم محمود ونشرة عبد الأمير شمس أو أثبتت هوامش ضعيفة لكننا نود أن نشير هنا إلى نشرة عربية هي نشرة يوحنا قمير التي تخترقها بذور العمل التحقيقي لكن عمل المحقق فيها باهت لا يكاد يظهر.

    لقد صرح الأستاذ يوسف زيدان أن مخطوطات رسالة ابن طفيل أفضل من المطبوعات، فهل هذا يعني أن الباحث العربي لم يستطع إلى الآن إخراج نص للرسالة يضاهي المخطوط وان العناية برسالة ابن طفيل على مستوى الضبط لا يزال ناقصا؟

    تلك هي الفرضية التي نقبل بها ونريد أن نمتحنها من خلال فحصنا لتحقيق ليون غوتييه الذي نرى فيه أجود نشرة نقدية لرسالة ابن طفيل؛
    على ظهر غلاف النشرة النقدية التي أخرجها ليون غوتييه سنة 1936 نقرا نشرة ثانية، مراجعة، مزيدة ومنقحة، ليضع مسافة بينها وبين نشرته الأولى لسنة 1900 ، لكن ما الذي دفع غوتييه إلى إصدار نشرة أخرى؟

    يصرح المستشرق الفرنسي أنه منذ صدور النشرة الأولى ظهرت دراسات وأعمال متنوعة قدمت إضافات جديدة وعجّلت بمراجعة النسخة القديمة خاصة أنه عثر على مخطوطات جديدة وبخاصة مخطوطة ليدن مما جعل لائحة المقابلة تنمو وتكبر الأمر الذي تطلب إعادة تأسيس النص من جديد، وقد أفرد التحقيق بقسمين قسم عربي وقسم فرنسي ترجم فيه النص وأغنى النشرة بالتعليقات والهوامش ولائحة مرتبة على الحروف الهجائية للمصطلحات بترجمتها للفرنسية وللأعلام مع ذكر لائحة المراجع، وقد قدم لنشرته بمقدمة تحدث فيها عن بيوغرافية الفيلسوف ومؤلفاته وأصالته مستعيدا ما ذكره في دراسته التي أفردها عن ابن طفيل قبل أن يقف عند المخطوطات والنشرات ليقدم وصفا لها؛

    اعتمد ليون غوتييه في نشرته على أربع كتب مخطوطة، هي على التوالي مخطوطة الجزائر ومخطوطة المتحف البريطاني ومخطوطة المكتبة الخديوية بالقاهرة ثم أخيرا مخطوطة المكتبة الجامعية ليدن، حقا لقد كان بحوزة غوتييه مخطوطة الاسكوريال لكنه لم يعتمدها لأنه كتاب مخروم وأفسدته الرطوبة,

    وبعد أن يقوم ل. غوتييه بوصف المخطوطات معتبرا أن مخطوطة الجزائر أفضل المخطوطات على أساس انه يقدم أفضل الدروس ويقدم مثالا على الهفوات التي تلوح في معظم النصوص، وموجها اللائمة لناسخ المخطوط المتحف البريطاني فهو وإن كان ذكيا إلا أنه ضعيف الثقافة لارتكابه باستمرار أخطاء نحوية وإملائية فظيعة، مثمنا مخطوطة القاهرة التي تصحح في الهامش بعض أخطاء المخطوط التي لا تجدها في النسخ الأخرى ، مؤكدا على القرابة بين مخطوطة القاهرة ومخطوطة ليدن. ينتقل غوتييه إلى الحديث عن طبعات النص إلى عصره وهي أربع طبعات: طبعة بوكوك وهي إعادة إنتاج لمخطوطة أكسفورد لذا يعتبره بمثابة مخطوط ويعتمده في المقابلة، طبعة مطبعة دار الوطن في القاهرة وهي أفضل من طبعتي مطبعة وادي النيل وطبعة المطبعة الخيرية بالقاهرة، فالطبعتان الأخيرتان منقولتان عن الطبعة الأولى وهذه منقولة عن طبعة بوكوك حيث يبدو أن الناشر المصري أعاد إنتاج نشرة بوكوك بإدخال تغييرات على طريقته ولكنه لم يستعمل مخطوطة القاهرة، ويعطي بوكوك هذه الطبعات رموزا ويعتمدها في المقابلة، وهكذا نجدنا مع ليون غوتييه أمام عائلتين مختلفتين : عائلة تمثلها مخطوطات الجزائر والقاهرة وليدن وعائلة تمثلها مخطوطات المتحف البريطاني وطبعة بوكوك والطبعات المصرية الثلاث، وسيخرج غوتييه نشرته النقدية انطلاقا من المقابلة بين هذه النصوص جميعها.

    ولا يني ل. غوتييه في ان يقارن بين نشرته الأولى لسنة 1900 ونشرته الثانية لسنة 1936 مكررا أنه اعتمد في الأولى على مخطوطة الجزائر ويرجع في حالة الخطإ إلى دروس بوكوك والطبعتين المصريتين؛ دار الوطن ووادي النيل، أما نشرته الثانية فتعتمد قاعدة وثائقية أوسع توظف مخطوطات كثر مع إدخال نشرة بوكوك التي تأتي بعد مخطوطة القاهرة، مع الأخذ بعين الاعتبار القيمة العامة لكل واحد منها. إن النشرة الثانية تعطي في أسفل كل صفحة المتغيرات المنتزعة من المخطوطات والطبعات سوى بعض الأمور الصغيرة التي تتكرر كثيرا حيث يشير إليها مرة واحدة عندما تصادفه.

    بعد ذلك يشير ل.غ إلى ثلاث طبعات أخرى : واحدة رآها والأخرى لم يطلع عليها والثالثة لم يعتمدها؛ فبعد أن أكمل طباعة عمله اطلع على طبعة طبعت في القاهرة في مطبعة النيل سنة 1904 في شكل صغير وتحمل نفس عنوان الطبعات الثلاث السابقة وهي أجود طبعات القاهرة كما يقول توظف طبعتي دار الوطن ووادي النيل وتختار عند المقابلة أفضل ما فيهما وعندما تتفقان تختار المتفق، أما النسخة الأخرى فهي طبعة استانبول وهي طبعة يشير غليها مهران 1882 ويرجح غوتييه أن تكون قريبة من طبعتي دار الوطن ووادي النيل، أما الطبعة الثالثة فيسميها نشرة عبد العزيز الخاندجي وابن عمه محمد صبري صدرت عن مطبعة السعادة سنة 1909 وحروفها هي حروف مطبعة القاهرة.
    لكن ما حدود نشرة غوتييه؟

    إنه رغم المجهود الذي بذله غوتييه في نشرته النقدية فإن ظهور مخطوطات لم يكن يعرفها الناشر الغربي كاف للتفكر الجدي في نشرة نقدية جديدة للنص، وهو ما يبرز حدود نشرة غوتييه... فضلا عن اعتقاد أن خدمة نص تراثي لن تكون خدمة كاملة إلا إذا قام بها شخص من داخل التراث ظهرا وبطنا....


    وأخيرا، إننا نعرف أن شهرة مؤلف ما قد تصبح عائقا لدراسة جادة وجيدة لتقليده المخطوطي، فهل كانت شهرة ابن طفيل ورسالته التي غدت أداة أساسية للتكوين والانتشار سببا في أنه لم يحظ في عالمنا العربي بدراسة علمية وبخاصة حي بن يقظان حتى أصبحنا نرى من يشير باستمرار إلى أن ابن طفيل الفيلسوف قتل درسا وبحثا وأن رسالته نشرت نشرات علمية فكان ذلك سببا في ضمور اليقظة العلمية الضرورية للتعامل مع النص وطغيان البرغماتية التي تريد توظيف النص وليس خدمته؟. إننا نكتفي بطرح هذه التساؤلات ونتمنى لابن طفيل عودة ولنا عودة إلى ابن طفيل ...
    [/align]

    ـ انتهى ـ
    التعديل الأخير تم بواسطة إبراهيم عبد الله; الساعة 29-05-2010, 10:46.
يعمل...
X