اسلتهام التراث فى الرواية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الحافظ بخيت متولى
    عضو الملتقى
    • 27-07-2008
    • 13

    اسلتهام التراث فى الرواية

    استلهام التراث فى الرواية عند أدباء سوهاج
    بقلم / عبد الحافظ بخيت متولى



    إن الأدب بشكل عام إثراء للحياة، وما ينبع من تجربة الوعي الجمالي هو إثراء للرواية، والتراث أحد أوجه الجمال الإبداعي في رصيد الإنسانية؛ ولذلك كان المهم التعرف على قدرة الروائي في استلهام التراث وتمثله في الصياغة والتعبير، وتوظيف مرجعياته المعرفية في خدمة النص، توظيفا لا يجهل روح التاريخ وأبعاد التجربة الإنسانية بما تمتلكه من عمق وقدرة خلاقة أثبتتها عصور التراث، وبما يبعث في الروائي المعاصر مهارة تطويع المصادر التراثية والمعرفية لخدمة التجربة الروائية للتعبير عن رؤاه المختلفة للحضارة وفهمه لأسرار الحياة.
    ولأن المقصد من توظيف التراث في الرواية هو توليد دلالات جديدة في التجربة الروائية وإعادة خلق وإبداع فقد جاءت الدراسة لتتعرف مستوى توظيف التراث لدى كتاب الرواية فى سوهاج؛ ورجوع الروائي المعاصر بشكل عام إلى التراث أملته عليه ضرورات ومؤثرات فنية تركت ظلالها عليه مما حدا به إلى هذا التوجه في استلهام التراث.
    والروائي السوهاجى كغيره من الروائيين العرب خضع لمؤثرات وظروف شكلت في مجموعها دوافع للرجوع إلى التراث، ووضعته أمام حاجة ملحة للاستفادة من إمكاناته ومخزوناته وتجاربه التي تتسم – بسبب تجاوزها الزماني والمكاني - بكثير من النضج.
    ولقد حرص الروائي السوهاجى على تجديد تجربته الإبداعية وتوسيع دائرة الإبداع بتوظيف التراث بأشكاله المتعددة واعيا بما تقدمه هذه الأشكال التراثية لتجربته المعاصرة، وفي الوقت ذاته مدركا لأهمية التنوع في مستويات خطابه السردى.
    كل ذلك في إطار الفهم الواعي والمتعمق لطبيعة التواصل مع التراث وأهميته التي تحيل النص الروائي إلى صورة عاكسة لتلاحم الأزمنة وتلاقي الأفكار في بوتقة الرؤية الواحدة التي تسفر عنها التجربة.
    والدراسة التي نحن بصددها تهدف إلى التأكيد على فرضية مؤداها توظيف الروائي للتراث من خلال عناصر ومضامينفرضتها العمالى المدروسة على خطة الدراسة , وهذه العمال هى
    -رواية ( يا عزيز عينى) للروائية جملات عبد اللطيف
    -رواية (للعشق أوجاع هذه منها) للروائي محمود رمضان الطهطاوى
    -رواية ( ستعود بعد الفاصل ) للروائي خالد فرغلى
    -رواية(منامات ومخطبات بحرى السكن ) للروائي حسن علام
    وباستقراء توظيف هذه الاعمال لعناصر التراث في الإبداع الروئى تبين :
    أن هناك تفاوت بين كتاب الرواية في توظيف مضامين التراث واستلهامها كثرة وقلة، وعمقا وسطحية.

    وإذا كان البعض يرى في هذاالاستلهام نوعا من التعمية والمواراة وراء الرموز التاريخية كما فعل جمال الغيطانى فى " الزينى بركات" او الرموز الشعبية كما فعل الطيب صالح فى " عرس الزين" ، فإن من استخدم التراثيعول على الأفق الذي يمنحه النص التراثي ، في كتابة جديدة ، ونص قادر على التواصلمع الحاضر .

    ولقد جعلنا هذا المحور الذى اعدت من اجلة هذه الورقة النقدية نتساءل
    ما النص التراثي ؟، وهل كل ما هو تراثييمكن اعتباره نصاً تراثياً ؟ ، إنه حتى وإن كانت هذه التعريفات لم تصغ في قالبتعريفي ، أو دلالي معين ، يشفع في هذا الكم الكبير من التراث ، فبرغم أن التراث " هو كل ما بقي من ثقافة " ، فإن حدث الأمس أو نص الأمس تراثا .. إن تحديد التراث هوالعملية الأكثر تعقيداً أو القبض على الموضوعة هي الأهم في العملية الإبداعية ،وحيث أن الكثير من الكتاب وخاصة كتاب الرواية استلهموا الكثير من الموروث أو النصوصالتراثية ، إلا أن التمايز هو ما يفاضل بين هذه التجارب ، ولا نستطيع استثناء أي منالأجناس الإبداعية لم تستلهم النص التراثي ، أو التراث في عمليتهم الإبداعية .. وإنكان أحياناً يسمى بالقديم ، فإن هذه ( القديمية ) لم تحدد بزمن معين يمكن الوقوفعنده أو الانطلاق منه ، فتاريخ الدولة العثمانية لم تغادر آثاره بعد ، كما غادرتآثار البسوس ، وذي قار .
    إن العملية برمتها لا تخرج عن التواصلمع التراث ، واستنهاض المسكوت عنه به ، إنه في المختصر اتكاء ، لذا عندما ضاق هذاالأفق بما يريد الكاتب فإنه أوجد لنفسه النص التراثي الذي يريد ، فقد عمد إلى صوغنصه التراثي الخاص ، لأنه بهذا يستطيع التخلص من أعباء التراث بالكامل ، فلا يعودملزماً بالتاريخ ، أو سير الأحداث ، أو تركيبات الشخوص ،، إنه يجد في نصه التراثيالخاص تواصله الذي يريد ، وبكل حرية .
    في هذه العملية لم تكن الحداثة بقادرة على طمس هذاالتراث ، لقد كانت دائماً قادرة على الإتيان به والاعتماد عليه ، حتى صيغت جملة ( أن الحداثة هي الاقتراب من التراث ) ، قبل أن تخرج ( القطيعة مع القديم ).. لقدأصبح التعاطي من هذا المنطلق يحمل الكثير من التساهل ، أو المدخل للحداثة ، بمواربةأن التعلق بهذا الموروث يمنح شهادة الاتصال به ومعرفته ،، وحيث أنه مازال الكثيرليقال في هذا ألج إلى النصوص المختارة لنرى كيف تم هذا التوظيف ووفق أية رؤية للروائي
    * ياعزيز عينى لجمالات عبد اللطيف
    ربما كانت جمالات عبد الطيف فى روياتها " يا عزيز عينى " والتى تدور حول قصة حب فى بيئة ريفية بين مسعود ذلك القروى الساذج وصالحة راعية الغنم أكثر توظيفا للتراث الدينى والشعبى والفرعونى والأدبى من غيرها ولكن السؤال الذى يلح علينا فى هذه الحالة كيف وظفت الكاتبة هذا التراث؟ وهل كان التوظيف لصالح الإبداع الروائي لديها من حيث بناء الشخصية او تطور الحدث او السرد او خدمة المعنى الكلى للرواية أم انها وقعت تحت غواية التراث بوصفة مخزونا ثقافيا لديها كامنا فى اللاوعى استفزته الكتابة الروائية عندها فأخرجته دون وعى؟
    فى مشهد تصف فيه الكاتبة بطلة الرواية وهى تجلس فى جلسة عائلية بين أسرتها وأسرة الجار المسيحى شنودة وتطفى على الجلسة اجواء الحب الأسرى والحب العاطفى هنا تستدعى التراث الأدبى ممثلا فى الموشحات حيث تقول الكاتبة على لسان بطلتها:
    "الليل يطوى ببساطة ويأخذ تدريجيا فى الرحيل وتنهيدة مهران أحسها تخرج من قلبى يردد بعض الشعر القديم:

    ياليل الصبُّ متى غده *** أقيام الساعة موعده
    رقــد الثمار فأرقه *** أسف للبين يـردده
    لم أكن أعرف معنى هذا الشعر لولا شرح مهران ولولا وجود تريزه ما شرح لى أبدا" (26)
    إن النص التراثى هنا لم يكن عملا مجانيا بقدر ما خلق نوعا من التناص مع الموشح القديم الذى أكد على بروز العالم الداخلى للبطلة و أردات الكاتبة أن تشيع أجواء الحب على المشهد المستند على تمهاى الحب العائلى مع الحب الفردى او الذاتى وتأكيدا على المعنى الكلى للرواية فى الوقت الذى لعب التناص مع الموشح نوعا من التخفيف من كآبة البطلة ومعاناتها ومن ناحية أخرى فإن اسلتهام التراث الأدبى هو اداة مرنة وجديدة تعييد للقاصة الثقة فى رصيد تراثها القومى وقدرته على استيعاب ثقافتها المعاصرة
    ومن زاوية اخرى تستلهم الكاتبة روح النص الدينى لكونه مملوءا يالقيم والمعانى والمعادلات النفسية التى ترتاح إليها بطلة الرواية ويتجلى ذلك فى موقفها اليائس والمعبر عن العجز تجاه تحدى أسرتها لها والوقوف بقسوة أمام رغبات قلبها ومحاولة التفريق بينها وبين عواطفها حين حالوا بينها وبين الزواج من مسعود فتذكر على لسان بطلتها
    "دعوت الله أن يأتى بريح عاتية تقتلع العالم كله وتذهب به إلى الجحيم ياحسرتى يا مسعود ويا قلة حيلتى إلى من أشكو مصيبتى "(32)
    إن الكاتبة هنا تسلتهم روح النصوص الدينية لتضفى على المشهد السردى نوعا من الهالة الدينية وتكشف عن خبيئة بطلتها وعجزها وتشير من ناحية اخرى إلى تغلغل العمق الدينى فى وجدان المجتمع المصرى والقروى منه بشكل خاص وربما كانت تعى ان هذا التوظيف الدينى يمثل حقلا خصبا للتلقى عند القارئ الذى هو مهيئا فى الأساس للتفاعل مع هذ المعطى الدينى
    ولم يكن التراث الفرعونى بعيدا عن واعية صالحة بطلة هذه الرواية وكأن الكاتبة تريد ان تبعث لنا رسالة ان التاريخ الفرعونى حاضر فى الذاكرة الجمعية للمجتمع المصرى وفاعلا فيه لذا جاء استلهام هذا التاريخ فى الرواية متقاطعا مع توظيف الموروث الشعبى فيما يشبه التماهى والتمازج , فالبطلة حين تذهب مع والدتها الى الجانب الآخر من النيل بقصد مقابلة ذلك الساحر الذى تصوره الذاكرة الشعبية بأنه قادر على تغيير القدر وتوجيه مصائر الناس من اجل هذا يذهب إليه النسوة ومنهم صالحة حتى يحول الحب من قلبها لحبيبها مسعود إلى ابن عمها , فى هذا المشهد يتدخل التاريخ الفرعونى مع الشعبى لتعميق الحالة المشهدية والإسراع بالإيقاع السردى فتقول صالحة:" ركبنا المعدية وراح المراكبى يضرب بمجدافه أمواج النيل الهادئة والنصف قمر يتأرجح على سطح الماء ناح المراكبى بصوته الشجى المؤثر البالغ الحزن:
    وكم ياقلبى تحمل ** وكام تشـــيل
    انـت مدينة قلبى ** ولا عيون الليـل
    وكام تشيل ياقلبى ** وكام تحمـــل
    انت مدينةيا قلبى ** ولا عيون البحـر
    همس آمون أكاد أسمعه ينادينى
    انهضى ياعروس النيل وأغمضى عينيك إذا النيل يفتح لك ذراعيه فكل معشوق يغمض عينيه فى صدر حبيبه قولى للنيل هيت لك وصورة نفرتارى تظهر لى على سطح المياه تبتسم ترفع يدها ثم تختفى والنصف القمر يأتى طيعا عند أقدامى أغمضت عينى وهمست أيها النيل سأمنحك جسدى بلا أدنى تحفظ"(40)
    وبرغم ان الكاتبة أرادت أن تبرقش روايتها بما استلهمته من التراث الشعبى والدينى والأدبى والفرعونى بقصد تجميل عملية السرد والدفع باقانيم ثقافية مختلفة لتطعيم هذا السرد بجماليات أخرى ومغايرة ولكن هل لهذا الإنفتاح على النصوص الأخرى قيمة جمالية مضافة وقيمة معرفية متدثرة فى ثوب التراث وصياغة بناء روائى مغاير ومختلف للرواية؟ والسؤال الذى يطرح نفسه فى هذا السياق هو كيف وظفت الكاتبة هذه المعطيات الإبداعية بكل عناصرها من تراث شعبى شفاهى ومكتوب وتجربة فرعونية ثرية وممتلئة وثقافة دينية، كيف وظفت كل ذلك فى اطار نسيح روائى معين حتى تحقق ما يسمى بالتوالد النصى
    أظننى اتصور انها لم تحقق ذلك لأنه من البديهى أن نتساءل كيف لصالحة هذه تلك القروية الفلاحة راعية الغنم فى قرية وسنانة قد لا يعلم عنها احد أى شئ ان تصل إلى المستوى المعرفى على الجانب الثقافى والدينى والتاريخى وكيف لها أن تتحدث بلغة مثل هذه اللغة التى جاءت على لسانها وهى تصف اقدامها على الانتحار غرقا تخلصا مماهى فيه وكيف لها ان تستدعى اسطورة النيل الفرعونية التى تقدم للنيل اجمل الفتيات وكل هذا ؟ أظن فقط ان الكاتبة أرادت أن تستعرض معطياتها الثقافية وتقحمها على العمل فالإمتاع روح الفن والتميز هو بصمة المبدع التى لايمكن تكرارها لكن يمكن تمثلها والإستفادة منها هذه هى المعضلة التى اوقعت الكاتبة فى مزلق الإنحراف نحو التراث بدون مبرر فنى وتوظيف التراث لا يعني الأخذ منه بقدر ما يعني الإضافة إليه أيضا. وبمعنى آخر إن توظيف التراث لا يعني أن يتحول المعطي التراثي في التناول الشعري إلى شواهد مبتورة عن عمقها ومن هنا فلا الرواية اضافت للتراث ولا التراث أضاف للرواية
    *للعشق اوجاع لمحمود رمضان الطهطاوى
    استطاع الطهطاوى فى هذه الرواية من خلال عملية استلهام التراث وتوظيفه بهذا الشكل أن يحول الواقع الحياتى المعاش الى واقع ساحر يتعدى حدود الزمان والمكان والعقل وأصبحنا فى هذه الرواية فى حالة من الواقعية السحرية التى تفقد فيها الأشياء منطقها، ففى هذه الرواية نستطيع أن ندرك الواقع من خلال الحكاية الشعبية والحدوته والأسطورة والخرافة واللا معقول، فالرواية تبدأ بحالة واقعية ترسم علاقة حب بين رجل وامرأة وتتكون من فصلين الفصل الاول عنوانه المبتدا والثانى عنوانه الخبروهذا يشير منذ البدايةالى ان الكاتب عمد قاصدا توظيف التراث اللغوى من حيث انه حصر الدلالة الكبرى للرواية بين قوسين لغويين هما المبتدا بوصفه مقدمة لحدوث الخبر ثم الخبر بوصفه متمما للمعنى العام فى الرواية وهذا يعنى ان الكاتب يلح على الدخول فى عالم الرواية من مدخل تراثى يخلق منه معادلا فنيا بين الشكل والمضمون ومنذ بداية الرواية يدخلنا الكاتب فى عالم الأساطير واللامعقولية مستلهما فى ذلك روح الاسطورة من حيث أنسنة الجمادات فى الطبيعة واضفاء الصبغة الانسانية بكامل هيتئها على الشباك والباب والسجادة والمصباح والزهور وغير ذلك من جمادات الطبيعة وكلها تتصارع على الفوز بجمال هذه المرأة فتنبجس الرواية معلنة عن افقها الاسطورى فتبدأ هكذا
    "عندما تصادمت عيناه مع عينيها للمرة الاولى بهت الذى نظر واصابه الوجع فقد دخلته الانثى بعينيها لا يدرى كم مر من الوقت وهويبحلق مدهوشا فى هاتين العينين انشر الى نصفين عندما وجد كل ما حوله يبحلق فيها وينظر الى هذا الجمال القافز من هاتين العينين السوادوين المليحتين الجريئتين الحالمتين الغجريتين المشعتين بالرغبة نصف لم يستطع مقاومة النظرة والنصف الثانى توارى غرقا فى احمرار الخجل كل ما حولها يبحلق فى جمالها شباك الحجرة اطل بعينين فاجرتين اخترقتا جمالها الفتان , باب الحجرة نظر بعينين تنطلق منهما الرغبة وقال : هيت لك, حيطان الحجرة همست برقة دهانها اللامع وهى تاكلهما ما اجملها, سقف الحجرة فضح نفسه وهو يسفترس بعينيه عينيها , اللمبة التى تتوسط الحجرة تداعب بضوء بضوء عينيها اهداب العينين المشرعتين, الكتب الجالسة قبالته يبصبص عن قرب , أما الكرسىفيشعر بالاختناق وهومقيد تحتها يريد ان ينطلق يقفز ليشاهدهما"
    ان الالتحام بين الواقعى والاسطورى فى هذه الرواية والذى قفز على الازمنة والامكنة فيه تأكيد على رفض الواقع المعيش بما يحمل من مساوئ وخلق واقع معادل يقع فى عالم الاسطورة بما تحمل من بدايات عفوية وفطرية وهنا كان لا بد من استدعاء الشكل الاسطورى ليؤكد هذا المعنى الذى وضعه الكاتب فى متن روايته ويختزل المسافة بين الشكل والدلالة الكبرى للنص ومن ثم تلاحمت القيمة الجمالية مع القيمة المعرفية، وقد أدى ذلك إلى تطوير وتثوير الشكل الروائى فجاء مغايرا عن غيره من الأشكال التقليدية، كما وصلت الغرائبية فى الرواية إلى درجة يمكن وصفها بالواقعية السحرية، ولكن كل ذلك من خلال استثمار التراث السردى الشفاهى والمكتوب.
    ولم يعتمد الطهطاوى على هذا الشكل الاسطورى فى توجيه خطابه السردى فى الرواية بل حاول ان يبرقش سرده بقصص العشاق العرب فى التاريخ العربى دفعة واحدة فى وصفه لحالة حلم اصابت المفتون الذى وجد امامه رجلا يرتدى جلبابا ابيض ويقول المفتون وما إن بحلقت فيه حتى انخلع قلبى منى وهرولت نحوه قيس, تبدلت هيئته, كثير تبدلت هيئته, روميو تبدلت هيئته, كل هذا التبدل والتغير وهويبتسم وانا مندهش ثم ربت على كتفى فى حنان فأحسست بدفء الابوة يتوج كيانى كله وقال انا كل هؤلاء"
    ان استدعاء هذا التاريخ والتناص معه لم يكن من قبل السرد التاريخى بقدر ما كان تاكيدا على القيمة المعرفية الأكثر إلحاحا على قارىء الرواية رغم تعدد الحكايات الصغيرة التى تحيط بالحكاية وتدعيما لاسقاط البعد الوجدانى المتفاعل فى خلق سلطة النص فى ايهام المتلقى بعالم اخر يمكن ان نفر اليه هربا من واقع لا يناسب قوة سلطة الحب الاساس الوجدانى فى تقبل الآخر وتنظيم العلاقة معه ومن ثم فإن استلهام الشكل الشعبى الذى يقترب من حكايات ألف ليلة وليلة استطاع الكاتب ان يوظفه توظيفا فنيا غير متعنت ولا مقحم على النص اقحاما وانما وظفه بوعى خدم سلطة السرد فى الرواية واختزل المسافة بين السرد والمسرود عنه والمسرود له هنا كان التراث جوهر الدهشة فى هذه الرواية

    *سنعود بعد الفاصل لخالد فرغلى
    تعاملت رواية سنعود بعد الفاصل لخالد فرغلى مع التراث فى اطار جديد فهى لم تتكئ على التراث بوصفه معطى فنى يسهم فى توفير ادوات جديدة للكتابة الروائية وانما تعاملت معه بوصفه اداة للسخرية من الواقع ولذلك كان تعاملها مع التراث محسوبا وموظفا بدقة على رغم ندرته فى الرواية فقد اسلتهم التراث الشعبى والذى تعامل فيه الروائي مع شخصيته الأولى فى الرواية من الداخل جاهدا فى السخرية من الواقع المرير الذى يجابهه بطل الرواية حسانين فى تعامله مع الامن اثناء سفره من مصر الى السعودية فيعترض طريقه رجال الامن فيقول واصفا حال بطله
    بيد ان حسانين لم يستوعب الموقف بعد كانت اسكين التى سرقته أحد من السيف فبدا وكانه ذاهب فى نزهة ولكن كان ما يحيره ما الذى وضع هذا الرجل فى طريقه وفى آخر خطوة له فى طريقه الى الرحيل كيف جاء هنا وقد تركه منذ عام او اكثر فى شرطة المرافق هل سينطفئ الكلوب وتلملم العروس فستانها قبل ان يصل عريسها ؟ هل ستبحر السفينة دون سندبادها ؟ هل أحست بالندم محبوبته ؟ هل عاد اليها صوابها ؟ او هى اطياف الغيرة دقت ابوابها فذهبت الى شيخ العرافين الذى تمتم وقرأ وقام واطلق البخور وجهذ العمل المطلوب الذى أكلته سمكة صغيرة فى آخر الكون قبل ان يلتقمها نسر مغرور ذهبى اللون تعب من الترحال فحط فوق كتف مغرور أخر من الرجال ساقه الى آخر نقطة فى الحدود ووقف يتنظر الرجل المرصود"(25)
    انه هنا يعيد انتاج التراث الشعبى ولكن بوعى راكم بين النص الأصلى للراوية والنص الشعبى المتوارى خلف التيمة الشعبية " كرسى فى الكلوب وينفض الفرح" او صورة ذلك المشعوذ المرتبط فى الذاكرة الشعبية بالقدرة على تغيير مصائر الناس فى توالد نصى جميل ان استلهام التراث الشعبى وظفه الكاتب ليخلق تناصا جديدا يسخر من القدر الذى ساق هذا الضابط فى طريق حسانين الهارب من وطنه بحثا عن متنفس جديد فى بلد آخر وكأن هذا الضابط سوف يغير مصيره ويردة الى حيث كان من العذاب والالم وهنا كان الاستدعاء موفقا جدا فى التوازى بين الموقف النفسى وهذا التراث الشعبى المولد للسخرية
    وعلى نفس الدرجة من التوظيف الساخر يستدعى الكاتب التاريخ الفرعونى فى شكل سؤال تهكمى ساخر ومرير فيذكر على لسان بطله
    "هل نحن حقا احفاد اولئك الذين رفعوا حجارة تزن سبعين طنا الى سفح الاهرامات دون اوناش ودون روافع ودون كهرباء على ارتفاع ثلاثمائة متر؟ هل نحن حقا احفاد العماليق الذين سبقوا العالم كله فى فنون الهندسة والطب والرياضيات؟ ان كانت الاجابة هى نعم فلماذا توقفت طموحاتنا فى الحياة عند اللهث خلف ربح سريع ( فاحش) من السمسرة فى الاراضى والعقارات او من مخبز نبيع حصته فى السوق السوداء او فى احسن الاحوال نرضى ببناء عمارة سكنية نعيش من دخلها المضمون؟ فاستدعاء صورة الفراعين القدامى ليسخر من هذا الواقع الذى انحدر الى الرزيلة والمفترض فيه انه امتداد لحضارة متقدمة فهو استفاد من هذه الموازاة فى تعميق المعنى الساخر من الواقع المتردى المفروض وعلى المستوى الفنى لم يزاحم نصا بنص او روح نص بروح نص وانما كان استدعاء التاريخ فاعلا فى توهج السرد والاسراع بايقاع الحدث وهو توظيف كان محسوبا وفنيا وجميلا عرف الروائى كيف يستفيد من التراث بشكل جيد
    *منامات ومخاطبات بحرى السكن لحسين علام
    ربما كانت هذه الرواية هى التجربة الأكثر نضوجا فى استلهام التراث عند كتاب الرواية فى سوهاج وذلك لانها استلهمت التجربة الصوفيه استلهاما كاملا ولم تتوقف عند بعض المواقف او القطع الصغيرة من نصوص التراث وإذا كانت الذات الإنسانية تجد في كل من الفن والتصوف تعويضا لها عن همومها اليومية، باعتبار أن الفن هو وسيلة للبحث عن حلم مفقود تعمل الذات الإنسانية جاهدة من اجل بلوغه، فإن التصوف هو كذلك وسيلة للبحث عن الحقيقة المطلقة في عالم الغيب، وبذلك فكلاهما يلبي حاجة في نفسية الإنسان. ومن هنا جاءت أهمية التراث الصوفي في الحياة المعرفية للإنسان، وخاصة في الأدب نظرا لصلته بحياة الإنسان الداخلية والخارجية، فالتجربة الأدبية لا تختلف كثيرا عن التجربة الصوفية، فكلاهما يحاول أن يمس بخطابه بواطن الذات الإنسانية، ويعبر عن مكنوناتها وخلجاتها، وروحانياتها
    ويحاول حسين علام من البداية أن يبرز انجذابه نحو التراث الصوفي واختياره للغة الصوفية، وانغماسه في أحوالهم والسير في طريقهم من خلال الاهداء الذى صدر به روايته فقد جاء فى الاهداء
    "الى ابن عربى والنفرى والحسين بن منصور وقد استهواهم البحث عن الحقيقة فدفعوا ثمنها عن رضى"(2)
    وعلى الرغم من وجود تباعد كبير بين التجربتين، فإن فك هذا الإشكال يتطلب البحث في طبيعة كل منهما، وبعد ذلك تتضح العلاقة التي يمكن أن تحدث بينهما. وعليه فطبيعة الخطاب الصوفي وما يحمله من احساسات إنسانية، تكشف عن معاناة الذات البشرية وهي تتعلق بتلابيب الحب قصد الوصول إلى الارتواء من ذات المحبوب، وطبيعة الرواية التي تحاول رصد حقيقة الإنسان في الوجود بطريقة أو بأخرى، تجعل المسافة بينهما قصيرة. لأن فهناك خيطا رفيعا يربط بينهما، وهو سعي كل من الصوفي والروائي، للوصول إلى الحقيقة، الحقيقة المطلقة بالنسبة للصوفي، وحقيقة الوجود بالنسبة للروائي، وأن كلا منهما يحاول أن يقدم للذات الإنسانية ما ينفعها في وجودها، فكلاهما يشارك الإنسانية في همومها محاولا التخفيف من تلك الهموم. لذا جاء توظيف التراث الصوفي من طرف الروائي، وبعثه من جديد في الخطاب الروائي بكل ما تحمله من معرفة روحية، رمزية غيبية، لأن هناك وعيا يسعى إلى أن القيم الصوفية يمكن أن تكون ارتباطا بقضايا المجتمع وحلولا فيما نواجهه من القضايا التي نتعرض لها
    ولذلك فإن استحضار حسين علام للتجربة الصوفية كاطار للبحث عن الحقيقة فى عالم متردٍ يدفع بطل الرواية فى الحيرة وهو يبحث عن الحقيقة فى الواقع المتردى الزائف من خلال رحلة هذا العائد الى بلده وقد فقد اليقين فى اى شئ فكل ما حوله مشكوك فيه قابل للتاويل من الاهل والاصدقاء والناس فى الشارع ورفاق العمل وغير ذلك وهنا يكمن المشترك بين الخيط الروائي كفن وبين التجربة الصوفية كمعطى تراثى متعلق بالعث عن الحقيقة فى المطلق وقد ادرك حسن علام أن التجربة الروائية هي تجربة تقوم على العقل الواعي المدرك لما يدور في الواقع المعيش، محاولة القبض على مجرياته داخل النص الروائي، وهي تبعا لذلك تعد تجربة ذاتية واعية للكاتب. تعمل على ربط الذات الإنسانية بالعالم وقوانينه الاجتماعية والسياسية. وعليه فالعالم الروائي لا يمكن تأسيسه خارج الواقع الحقيقي، وإلا أصبح وهما، والوهم لا يلتقي مع الحقيقة الإنسانية..فاستدعى التجربة الصوفية مقرونة بتوظيف تيار الوعى فى الرواية لأنها الأطار الناجح فى تفسير قوانين العالم الاجتماعية والسياسية والانسانية وقد نجح الروائي فى ان يمحو الحدود الفاصلة بين التجربة الروائية والتجربة الصوفية الى حد التماهى والذوبان وكل منهما يعطى للآخر شرعيته الفنية وحقيقتة الروائية
    ولذلك لم يكن استخدام العناوين الفرعية فى الرواية عملا مجانيا من مثل"رسالة حول جهة الحضور/ رسالة فى حضرة الجبالى/ رسالة فى بداية زمن دخوله بحر التحقق / رسالة حول اسباب صمتهرسالة فى العثوزر عليه" وغير ذلك من العناوين الفرعية التى تشبه الى حد بعيد رسائل ابن عربى
    مما يجعلنا نصنف هذه الرواية في خانة الرواية الصوفية نظرا لهيمنة التراث الصوفي عليها، ويؤكد ذلك تلك المصطلحات الصوفية التي اعتمدها الكاتب في نسج عمله حتى ليخيل للقارئ أنه يقرأ كتابا في التصوف بدل رواية، مما أحدث تقاطعا وتداخلا بين الخطاب الصوفي والخطاب الروائي، فالملاحظ على الألفاظ المستعملة في هذا العمل الفني، أنها مزدوجة الدلالة فظاهرها يلامس الواقع، وباطنها يغيب في روحانيات الغيب والتصوف من مثل قوله فى وصف حالة بطله" نون نهرك جف ونهارك جاف فى ليلك فبت واقفا فى ظلام لا يدركه سوى من مر ففر فكتبت له النجاة من وقفة ليس بعدها سوى الفناء او رؤية ةخرت لها اعتى الجباه"(15) فالكاتب هنا يدرك مدى العلاقة التي تربط بين المعرفة الصوفية - وما تحمله من أبعاد روحية وإنسانية - والسرد الروائي الذي يعمل على نقل هموم الإنسان، والكشف عن طبيعة الصراع الذي يخوضه في حياته اليومية، فكلاهما يعمل على نقل معاناة الإنسان. فهذا الخطاب المنغرس في الأنا يفصح عن حقيقة أمره، وعن هدفه ومقصده، وليؤكد بأن الكتابة الصوفية يمكنها أن تكون أداة طيعة في يد الروائي إذا ما تمكن من الفهم والإبحار في عالم التصوف.وقد استطاع حسن علام ان يخلق تجربة روائية مبهرة من خلال استلهامه للخطاب الصوفى فهو خطاب لا ينفتح بسهولة على المتلقي نظرا لما يحمله من إشارات ورموز يصعب فك كنهها ومعرفة مقاصد معناها، فهو عمل يرفض الانفتاح أمام المتلقي الذي لا يمتلك ثقافة واسعة ومعرفة كافية بآليات النسق المعرفي الصوفي، فالمتلقي الفارغ الذهن من المعرفة الصوفية لا يمكنه الوقوف على مقاصد ذلك الخطاب. فالغموض فيه يرتبط بما يحمله من معرفة باطنية ترتبط بالمطلق. وتتوسل بالمعرفة الصوفية لبلوغ نهاية القصد والوقوف على أبواب أسرار الكون، ومن هنا منامات ومخاطبات بحرى السكن تحتاج إلى فهم خاص لخلفياتها ومعرفتها العميقة بآليات البنا.ء الروائي نظرا لقوانينها واستراتيجياتها المعقدة التي تميزها عن غيرها من الخطابات الروائية الأخرى، وصدق أبو حيان التوحيدي في قوله إن الكلام على الكلام صعب
    ونخلص من ذلك كله إلى ان كتاب الرواية فى سوهاج استفادوا من توظيف التراث فى الفن الروائي كغيرهم من كتاب الرواية على مستوى الوطن العربى بدرجات متفاوته نجحت عند البعض وأخفقت عند آخرين.







يعمل...
X