-7-
تُدرك تماما أنها تعوم في لجة من الخيبات الجديدة.. وتُدرك أيضا أنها قد تنتهي في لحظة ما.. وتُدرك أن لا فائدة ترتجى ولا سبيل قد يعيد لها السكينة.. لكنها تظل مصرة على المعافرة والعراك والصدام مع الحياة.. ترى.. هل كم تعاني..؟؟
لعله يدري..! لعله يهتم..! لعله يعرف أن بإمكانه تخليصها مما تعاني..! لكنه يصر على كتم أحاسيسه بانتظار شيء ما..!
تمتزج خلايا الفكر وتدوي في فضاءات مبهمة قصة نقيضين التقيا في سلم متوازي العتبات في منتصف الطريق..
كلاهما ما كان يدري أنه سيرتبط بالآخر..!
كلاهما ما كان يدري انه سيعشق الآخر..!
كلاهما ما كان يدري أن النهاية حلّت بينما هما يصعدان السلم هل كان صعوداً مسرعاً نحو الهاوية!!!!.
كلمات لا تشبه بعضها.. ليس لديها انتماء لصفقة الحياة فاللعبة أكبر من أن تدركها هي أو هو يدركها..!!
ثلاثة أيام مرت لم تره لم تسمع عنه شيئا سوى مقتطفات من الحكايا يؤكد فيها لها عبر الرسائل انه لم يتبدل لم يتغير..
تغوص عميقا في وجع يصر على انتهاكها فتصرخ ودموع حارقة تنهمر:
" أحمد احبك.. لا تفعل هذا بي لا أستطيع فراقك, الألم يمزقني فلا تكن معه ضدي.."
تقع في غيبوبة أخرى ويحضر الطبيب, وذات الكلام يعاد في كل مرة وإلى أين أيتها السنون الكالحة ..؟
هاتف يطلق عنان أغنيته الله معك يا هوانا يا مفارقنا حكم الهوى
يا هوانا وافترقنا..فيروز تؤرخ الرسالة بصوتها الجميل وكلمات تبعث الحياة مجددا في روح أحلام..
حبيبتي انتظريني الليلة أنا قادم اشتقتك يا حبي الكبير.. اشتقتك كثيرا..
ياااه تشعر بقلبها يرقص فرحا على الرغم من الأسى المحيط به
تبدأه بلهفة حارقة:
- يا حب عمري كيف لي أن اخترق عمق المسافات إليك..!
-حبيبتي حين يحين وقت الأصيل ستجديني هناك على شاطئ الحب أنتظر.. قد تأتين إليّ يوما..
- حبيبي ترى كم من الليالي لم تصمد بدوني..؟
- وهل تراني أحصيتها؟ كانت كثيرة حدا لم أستطع تذكر عددها..
- أنا أحصيتها فوجدتها عمرا كاملا ضاع في الانتظار.. قال: هل تحبينني؟
- هل أحبك؟؟ وهل أملك غير حبك..؟
- إذاً لماذا لم تعودي تسألين..؟ لماذا تلاشت غيرتك منها..؟ لماذا؟
- لم أعد أملك منك سوى ليالٍ تمرني فيها ثم تغيب عني لأظل أجتر الذكريات..
- أميرتي.. أنت حبي وعشقي الذي لا ينضب.. مازلت أنا هو..
- شطر قلبك وجسدك تحتله امرأة أخرى..
- قد تحتل جسدي امرأة أخرى لكنك يا ملاكي حبي وعشقي الأبدي.. أنت روحي التي في الجسد..
- روحك الآن مشتتة بيني وبينها لذا أظل بانتظارك دوما بقلق يعتري كل مساماتي..
- وماذا افعل إذاً..؟
- لا شيء.. لاشيء يا مليكي فقد فات أوان الارتداد والعودة..
-8-
وتواصلت لقاءاتهما وبعمق أشد, وبرغبة أقوى, عرف عنها الكثير كانت تحكي له ببساطة عن حياتها وكيف تعيش كانت تشعر بثقة طاغية فيه..في ذلك اللقاء
وبينما هما يتحادثان في مفهوم الصداقة فاجأها قائلا:
- أحلام احبك
يااااه كم مر على مصارحتها له أكثر من ثلاثة أسابيع.. الآن فقط يقول انه يحبها.. لم يكن للفرحة مكان, فكل الأمكنة كانت مديات مفتوحة حد الجنون راحت تبكي وتضحك أخيرا قلتها أخيرا حبيبي..
كان احمد مأخوذا بتلك المشاعر التي تنتابها وذلك الفرح الممزوج بالدموع لتبدأ قصة حب من نوع غير مألوف قصة حب تجمع بين رجل وامرأة كلاهما مختلف عن الأخرين..
***
لم يكن لأحلام أصدقاء, أو لعلها كانت مكتفية بأحمد صديقا حبيبا وأخا, ومع مرور الوقت صار أحمد كل حياتها.. غير أنها ذات مرة سقطت في حفرة من حفر الزمن العقيم كان لقاءا عابرا بكائن يشبه الرجال, لعلها ظنت هذا, وتعاملت معه ببساطتها المعهودة فالقلب والروح ملك لأحمد لذا كان حوارها معه دوما عقلانيا, لكنه استغل طيبتها التي حد السذاجة أحيانا.. لم يمض على معرفتها به أكثر من شهر فيعترف لها بحبه,لكنها صدته بأدب, وأخبرته أن قلبها مشغول, وانقطعت عنه كانت تخبر احمد بأنها تلتقي هذا الصديق المفترض.. فهي لا تخفي عنه شيئا إلا هذا الشأن سكتت عنه, وظل مخفيا في قلبها, غير أنه أحس بطعنة في كبريائه جراء رفضها له،فحاول مضايقتها وراح يصر على لقائها مما جعلها تغلق الاتصال معه, وتقرر مقاطعته .. كان هذا الأمر يؤرقها لماذا أخفت ذلك عن أحمد لابد أن تعترف بالخطأ..
خطأ أم خطيئة..!! لم تكن تستطيع الركود.. عقلها ينصحها بإخباره وقلبها خائف على حبه وتاهت في دوامة لا قرار لها.. يجب أن أخبر أحمد لابد أن يعلم بما حصل..ولكن! ماذا لو لم يصدقني..؟ ماذا لو تركني..؟
لا.. لا.. أحتمل أنا احبه أحمد احبك لا أحد يسكنني سواه..!!
وراح عقلها وقلبها يتناوشانها برعب وفزع وقهر.. ولكن لاشيء يبقى مختفيا فقد شعر احمد أنها تخفي شيئا.. شيء ما يعذبها غير أن الصدفة لعبت دورا فعلم أحمد بالحكاية.. وهنا انفجرت كل عذاباته وغيرته وإحساسه المبهم بأن هناك شيء ما يحدث خلف ظهره..
- لم أعد أفهمك أحلام.. ما الذي تخفينه عني؟.. لم أتعود منك غير الصدق والشفافية والطيبة التى عشقتها إلى جانب حنانك..
- ماذا تعني أنا لا أدعي قدرتي الكاملة على فهمك ولا أظن أن امرأة تستوعبك أكثر مني فلا تضيق الخناق حولي وتتركني في متاهة لا أملك لها طريقاً للخروج..
- أشعر بأني قادر على استيعاب مفردات العالم كله وأظنني قابلاً على الفهم أيضاً لكني ما عدت أفهمك.. اللعنة ماذا تخفين.!
شعرت أحلام أن عليها أن تحكي كل شيء وكل ما أخفته عنه وبكل الصدق والشفافية التي اعتادها منها لكنه كان غاضبا جدا فقال:
- لماذا لم تخبريني وماذا كنت تنتظرين..؟
- لعلي كنت بانتظار ملاحقتك لي بالأسئلة التي تتجاوز مهمة المعرفة لتدخل مكامن الألم الذي يبعثرني انه الرعب والفزع أن تتركني وتذهب وانت لي كل الحياة فبدونك أنا لا أقوى على العيش لا أستطيع أن أتنفس وأعيش إلاك..
- أملت أن لا تضعيني في هذا الموقف..تكلمي بمنطقية سلسلي الأحداث بالعقل عقلي يريد أن يفهم..!!
وراحت تعيد وتكرر تسلسل الاحداث مرة بعد أخرى كانت تنتظر منه الغفران فهو يعلم مدى عشقها له, قالت:
- دعنا إذاً نخترق الحواجز ونرنو إلى مستقبل أفضل..!
- دعك من القلب الآن نتكلم بالعقل أفصحي أريد الحقيقة لو علم الأمس أن له غداً بالانتظار لخطط لقيام الساعة قبل ذلك لكنه غير مدرك لما يخبئه القدر لذلك فهو يقضي نحبه سريعاً دون أن ينسج أية خلية تذكر سوى إحصاء عمر يمضي..؟
- لماذا تعود إلى هذه الفلسفة؟وأية منطقية تبحث عنها وأنا أخبرتك كل الحقيقة
- لا أحب فلسفة الأمور بل ابحث عن منطقية الأشياء لانها دليلى إلى الصدق..!!
- أرجوك قلها لي..
- وماذا تريدين أن أقول ً..؟
-قل انك غفرت لي.. قل انك سامحتني أخبرني كم تحبني... أشعرني بأهميتي لديك.؟
- كيف أفسر لك, وماذا أقول وأنا اشعر بتيه وضياع قذفني حبك الآن في لجة من انهيارات الروح وغياب الثقة.!!
- قسم لك بالله العظيم أني ما قلت سوى الحقيقة, لم يكن ولن يكون بديلا عنك أنت, قلت لي اخرجي إلى العالم.. لا تتقوقعى داخل نفسك.. أنها كلماتك حرفيا يا احمد ما أدراني انه سيتصرف بمراهقة صبيانية ونذالة.. اقسم لك اني احبك
- حين انطلقت الشرارة الأولى لميلاد قلب موجوع تعددت مسارات اللّهب وأسقطت جمراتها في حفرة الروح العميقة التي جاوزها النسيان فاحترقت وهكذا كان حبك يا منية القلب..
- لكني لا استطيع الحياة دونك أنا لم أخطئ لم اقصد استغلني ويا لغبائي صدقت انه أخ وصديق
- ولماذا تبحثين عن الأخ والصديق وأنا هنا معك ألا يكفيكِ.. ماذا أقول لك..؟؟
-أخبرتك كل الحقيقة ليس بيني وبينه إلا ما أخبرتك أرجوك صدقني..
تغير أحمد أصبح عصبيا المزاج يتملكه شيطان الشك والغيرة.. يتصور أشياء لم تحدث بل ويقنع نفسه بحدوثه, وتبدأ ملحمة من ملاحم العذابات الشديدة التي تخترق صرح حبهما, تصبر تحاول التفسير له بصدق وأناة وألم, يشتد هو عنفا حيث يسول له الشيطان أنها رضخت لعلاقة ما مع ذاك الغريب, الذى سيحتل قلبها مرفأه بل وعشقه الاخير كما هيأ قلبه وكيانه كله لها.. وبين مد وجزر تتوسل إليه ان يهدأ, لكنه لا يسمع سوى صدى صوته.. تغالب الوجع بالصبر انه حبيبها ولابد ان يعود الى رشده تتعب تتألم يبدأ احمد بالتراجع يناديه قلبه
"توقف انك تقتلها ما في عقلك شيء من الوهم،أنها تحبك.."
وحين أدرك انه استفاق وعاد اليها تسقط في غيبوبة تنقل على أثرها الى المستشفى..
***
تنتاب أحمد حالة من الوجع والقهر والخوف على حبيبة عمره، عشقه الاخير الذي رست عنده سفنه.. يعتكف في حجرته ويتوجه الى الله ان ينقذ أحلام.. لا يعرف وهي البعيدة عنه في مسافات الأرض القريبة من قلبه وروحه ماذا حصل لها, يصلي يدعو يتوسل ويبكي يعلن ندمه ورعبه عليها.. كيف سيعيش دونها لا..لا.. لن يحصل لها شيء لأنه يحبها ولان الله قد بارك حبهما.. ينتظر بصبر حارق ان يسمع ما يطمئنه عليها... عشرات الرسائل تنهمر على هاتفها ولا مجيب.. كان يستقبل ولا يرسل سوى صمت مريب بعثر عقله وشتت فكره بهواجس لم يكملها عنوة فى أعماق عقله لخوف كان يجتاحه مما جعله يعتكف..يكتئب.. يضيق ذرعا بمن حوله..وتشاء رحمة السماء ان تلتقط إحدى الممرضات الهاتف الذى لم يهدأ.. وتكتب ردا بعد ان قرات توسلاته:
" أحلام بخير,وقد تستطيع الرد عليك فور استيقاظها من المخدر. "
يرن هاتفه صوتها وهي تسأل عنه.. يبكي أحمد فرحا وحزنا خوفا وأمانا يحس برغبة في الحياة فأحلامه بخير ويقرر الذهاب الى مرسى روحه صاحبه وكاتم أسراره البحر, وهناك تنهمر دموعه, ويهدأ قلبه وتستقر نفسه, فيرسل لها عبر الأثير رسالة قصيرة تخبرها انه سيذوي إذا لم تتماسك.. انه يحتاجها..،أنها حبه الاخير..
تُدرك تماما أنها تعوم في لجة من الخيبات الجديدة.. وتُدرك أيضا أنها قد تنتهي في لحظة ما.. وتُدرك أن لا فائدة ترتجى ولا سبيل قد يعيد لها السكينة.. لكنها تظل مصرة على المعافرة والعراك والصدام مع الحياة.. ترى.. هل كم تعاني..؟؟
لعله يدري..! لعله يهتم..! لعله يعرف أن بإمكانه تخليصها مما تعاني..! لكنه يصر على كتم أحاسيسه بانتظار شيء ما..!
تمتزج خلايا الفكر وتدوي في فضاءات مبهمة قصة نقيضين التقيا في سلم متوازي العتبات في منتصف الطريق..
كلاهما ما كان يدري أنه سيرتبط بالآخر..!
كلاهما ما كان يدري انه سيعشق الآخر..!
كلاهما ما كان يدري أن النهاية حلّت بينما هما يصعدان السلم هل كان صعوداً مسرعاً نحو الهاوية!!!!.
كلمات لا تشبه بعضها.. ليس لديها انتماء لصفقة الحياة فاللعبة أكبر من أن تدركها هي أو هو يدركها..!!
ثلاثة أيام مرت لم تره لم تسمع عنه شيئا سوى مقتطفات من الحكايا يؤكد فيها لها عبر الرسائل انه لم يتبدل لم يتغير..
تغوص عميقا في وجع يصر على انتهاكها فتصرخ ودموع حارقة تنهمر:
" أحمد احبك.. لا تفعل هذا بي لا أستطيع فراقك, الألم يمزقني فلا تكن معه ضدي.."
تقع في غيبوبة أخرى ويحضر الطبيب, وذات الكلام يعاد في كل مرة وإلى أين أيتها السنون الكالحة ..؟
هاتف يطلق عنان أغنيته الله معك يا هوانا يا مفارقنا حكم الهوى
يا هوانا وافترقنا..فيروز تؤرخ الرسالة بصوتها الجميل وكلمات تبعث الحياة مجددا في روح أحلام..
حبيبتي انتظريني الليلة أنا قادم اشتقتك يا حبي الكبير.. اشتقتك كثيرا..
ياااه تشعر بقلبها يرقص فرحا على الرغم من الأسى المحيط به
تبدأه بلهفة حارقة:
- يا حب عمري كيف لي أن اخترق عمق المسافات إليك..!
-حبيبتي حين يحين وقت الأصيل ستجديني هناك على شاطئ الحب أنتظر.. قد تأتين إليّ يوما..
- حبيبي ترى كم من الليالي لم تصمد بدوني..؟
- وهل تراني أحصيتها؟ كانت كثيرة حدا لم أستطع تذكر عددها..
- أنا أحصيتها فوجدتها عمرا كاملا ضاع في الانتظار.. قال: هل تحبينني؟
- هل أحبك؟؟ وهل أملك غير حبك..؟
- إذاً لماذا لم تعودي تسألين..؟ لماذا تلاشت غيرتك منها..؟ لماذا؟
- لم أعد أملك منك سوى ليالٍ تمرني فيها ثم تغيب عني لأظل أجتر الذكريات..
- أميرتي.. أنت حبي وعشقي الذي لا ينضب.. مازلت أنا هو..
- شطر قلبك وجسدك تحتله امرأة أخرى..
- قد تحتل جسدي امرأة أخرى لكنك يا ملاكي حبي وعشقي الأبدي.. أنت روحي التي في الجسد..
- روحك الآن مشتتة بيني وبينها لذا أظل بانتظارك دوما بقلق يعتري كل مساماتي..
- وماذا افعل إذاً..؟
- لا شيء.. لاشيء يا مليكي فقد فات أوان الارتداد والعودة..
-8-
وتواصلت لقاءاتهما وبعمق أشد, وبرغبة أقوى, عرف عنها الكثير كانت تحكي له ببساطة عن حياتها وكيف تعيش كانت تشعر بثقة طاغية فيه..في ذلك اللقاء
وبينما هما يتحادثان في مفهوم الصداقة فاجأها قائلا:
- أحلام احبك
يااااه كم مر على مصارحتها له أكثر من ثلاثة أسابيع.. الآن فقط يقول انه يحبها.. لم يكن للفرحة مكان, فكل الأمكنة كانت مديات مفتوحة حد الجنون راحت تبكي وتضحك أخيرا قلتها أخيرا حبيبي..
كان احمد مأخوذا بتلك المشاعر التي تنتابها وذلك الفرح الممزوج بالدموع لتبدأ قصة حب من نوع غير مألوف قصة حب تجمع بين رجل وامرأة كلاهما مختلف عن الأخرين..
***
لم يكن لأحلام أصدقاء, أو لعلها كانت مكتفية بأحمد صديقا حبيبا وأخا, ومع مرور الوقت صار أحمد كل حياتها.. غير أنها ذات مرة سقطت في حفرة من حفر الزمن العقيم كان لقاءا عابرا بكائن يشبه الرجال, لعلها ظنت هذا, وتعاملت معه ببساطتها المعهودة فالقلب والروح ملك لأحمد لذا كان حوارها معه دوما عقلانيا, لكنه استغل طيبتها التي حد السذاجة أحيانا.. لم يمض على معرفتها به أكثر من شهر فيعترف لها بحبه,لكنها صدته بأدب, وأخبرته أن قلبها مشغول, وانقطعت عنه كانت تخبر احمد بأنها تلتقي هذا الصديق المفترض.. فهي لا تخفي عنه شيئا إلا هذا الشأن سكتت عنه, وظل مخفيا في قلبها, غير أنه أحس بطعنة في كبريائه جراء رفضها له،فحاول مضايقتها وراح يصر على لقائها مما جعلها تغلق الاتصال معه, وتقرر مقاطعته .. كان هذا الأمر يؤرقها لماذا أخفت ذلك عن أحمد لابد أن تعترف بالخطأ..
خطأ أم خطيئة..!! لم تكن تستطيع الركود.. عقلها ينصحها بإخباره وقلبها خائف على حبه وتاهت في دوامة لا قرار لها.. يجب أن أخبر أحمد لابد أن يعلم بما حصل..ولكن! ماذا لو لم يصدقني..؟ ماذا لو تركني..؟
لا.. لا.. أحتمل أنا احبه أحمد احبك لا أحد يسكنني سواه..!!
وراح عقلها وقلبها يتناوشانها برعب وفزع وقهر.. ولكن لاشيء يبقى مختفيا فقد شعر احمد أنها تخفي شيئا.. شيء ما يعذبها غير أن الصدفة لعبت دورا فعلم أحمد بالحكاية.. وهنا انفجرت كل عذاباته وغيرته وإحساسه المبهم بأن هناك شيء ما يحدث خلف ظهره..
- لم أعد أفهمك أحلام.. ما الذي تخفينه عني؟.. لم أتعود منك غير الصدق والشفافية والطيبة التى عشقتها إلى جانب حنانك..
- ماذا تعني أنا لا أدعي قدرتي الكاملة على فهمك ولا أظن أن امرأة تستوعبك أكثر مني فلا تضيق الخناق حولي وتتركني في متاهة لا أملك لها طريقاً للخروج..
- أشعر بأني قادر على استيعاب مفردات العالم كله وأظنني قابلاً على الفهم أيضاً لكني ما عدت أفهمك.. اللعنة ماذا تخفين.!
شعرت أحلام أن عليها أن تحكي كل شيء وكل ما أخفته عنه وبكل الصدق والشفافية التي اعتادها منها لكنه كان غاضبا جدا فقال:
- لماذا لم تخبريني وماذا كنت تنتظرين..؟
- لعلي كنت بانتظار ملاحقتك لي بالأسئلة التي تتجاوز مهمة المعرفة لتدخل مكامن الألم الذي يبعثرني انه الرعب والفزع أن تتركني وتذهب وانت لي كل الحياة فبدونك أنا لا أقوى على العيش لا أستطيع أن أتنفس وأعيش إلاك..
- أملت أن لا تضعيني في هذا الموقف..تكلمي بمنطقية سلسلي الأحداث بالعقل عقلي يريد أن يفهم..!!
وراحت تعيد وتكرر تسلسل الاحداث مرة بعد أخرى كانت تنتظر منه الغفران فهو يعلم مدى عشقها له, قالت:
- دعنا إذاً نخترق الحواجز ونرنو إلى مستقبل أفضل..!
- دعك من القلب الآن نتكلم بالعقل أفصحي أريد الحقيقة لو علم الأمس أن له غداً بالانتظار لخطط لقيام الساعة قبل ذلك لكنه غير مدرك لما يخبئه القدر لذلك فهو يقضي نحبه سريعاً دون أن ينسج أية خلية تذكر سوى إحصاء عمر يمضي..؟
- لماذا تعود إلى هذه الفلسفة؟وأية منطقية تبحث عنها وأنا أخبرتك كل الحقيقة
- لا أحب فلسفة الأمور بل ابحث عن منطقية الأشياء لانها دليلى إلى الصدق..!!
- أرجوك قلها لي..
- وماذا تريدين أن أقول ً..؟
-قل انك غفرت لي.. قل انك سامحتني أخبرني كم تحبني... أشعرني بأهميتي لديك.؟
- كيف أفسر لك, وماذا أقول وأنا اشعر بتيه وضياع قذفني حبك الآن في لجة من انهيارات الروح وغياب الثقة.!!
- قسم لك بالله العظيم أني ما قلت سوى الحقيقة, لم يكن ولن يكون بديلا عنك أنت, قلت لي اخرجي إلى العالم.. لا تتقوقعى داخل نفسك.. أنها كلماتك حرفيا يا احمد ما أدراني انه سيتصرف بمراهقة صبيانية ونذالة.. اقسم لك اني احبك
- حين انطلقت الشرارة الأولى لميلاد قلب موجوع تعددت مسارات اللّهب وأسقطت جمراتها في حفرة الروح العميقة التي جاوزها النسيان فاحترقت وهكذا كان حبك يا منية القلب..
- لكني لا استطيع الحياة دونك أنا لم أخطئ لم اقصد استغلني ويا لغبائي صدقت انه أخ وصديق
- ولماذا تبحثين عن الأخ والصديق وأنا هنا معك ألا يكفيكِ.. ماذا أقول لك..؟؟
-أخبرتك كل الحقيقة ليس بيني وبينه إلا ما أخبرتك أرجوك صدقني..
تغير أحمد أصبح عصبيا المزاج يتملكه شيطان الشك والغيرة.. يتصور أشياء لم تحدث بل ويقنع نفسه بحدوثه, وتبدأ ملحمة من ملاحم العذابات الشديدة التي تخترق صرح حبهما, تصبر تحاول التفسير له بصدق وأناة وألم, يشتد هو عنفا حيث يسول له الشيطان أنها رضخت لعلاقة ما مع ذاك الغريب, الذى سيحتل قلبها مرفأه بل وعشقه الاخير كما هيأ قلبه وكيانه كله لها.. وبين مد وجزر تتوسل إليه ان يهدأ, لكنه لا يسمع سوى صدى صوته.. تغالب الوجع بالصبر انه حبيبها ولابد ان يعود الى رشده تتعب تتألم يبدأ احمد بالتراجع يناديه قلبه
"توقف انك تقتلها ما في عقلك شيء من الوهم،أنها تحبك.."
وحين أدرك انه استفاق وعاد اليها تسقط في غيبوبة تنقل على أثرها الى المستشفى..
***
تنتاب أحمد حالة من الوجع والقهر والخوف على حبيبة عمره، عشقه الاخير الذي رست عنده سفنه.. يعتكف في حجرته ويتوجه الى الله ان ينقذ أحلام.. لا يعرف وهي البعيدة عنه في مسافات الأرض القريبة من قلبه وروحه ماذا حصل لها, يصلي يدعو يتوسل ويبكي يعلن ندمه ورعبه عليها.. كيف سيعيش دونها لا..لا.. لن يحصل لها شيء لأنه يحبها ولان الله قد بارك حبهما.. ينتظر بصبر حارق ان يسمع ما يطمئنه عليها... عشرات الرسائل تنهمر على هاتفها ولا مجيب.. كان يستقبل ولا يرسل سوى صمت مريب بعثر عقله وشتت فكره بهواجس لم يكملها عنوة فى أعماق عقله لخوف كان يجتاحه مما جعله يعتكف..يكتئب.. يضيق ذرعا بمن حوله..وتشاء رحمة السماء ان تلتقط إحدى الممرضات الهاتف الذى لم يهدأ.. وتكتب ردا بعد ان قرات توسلاته:
" أحلام بخير,وقد تستطيع الرد عليك فور استيقاظها من المخدر. "
يرن هاتفه صوتها وهي تسأل عنه.. يبكي أحمد فرحا وحزنا خوفا وأمانا يحس برغبة في الحياة فأحلامه بخير ويقرر الذهاب الى مرسى روحه صاحبه وكاتم أسراره البحر, وهناك تنهمر دموعه, ويهدأ قلبه وتستقر نفسه, فيرسل لها عبر الأثير رسالة قصيرة تخبرها انه سيذوي إذا لم تتماسك.. انه يحتاجها..،أنها حبه الاخير..
-9-
بين خفقات القلب المتلهف للحياة, وصرخات الموت المجاني في شوارع المدينة, عمق يتحدى اشتعال القلب وانغماس الروح في عشق كبير أبدي في تلك المدينة التي أضاعت نفسها تحت معاطف الخريف.. تنتاب أحلام الوحشة والقهر كلما قررت الخروج لأداء عمل او زيارة أقارب او متابعة الطبيب..
كانت المدينة تمضي الى حتفها دون التفات من احد.. تتساءل أحلام ماذا أظنني فاعلة..؟؟ لم يعد هناك في الروح مكان لم يخدش.. ترتبك الحياة مجددا وتضيق فيها السبل..
"الدوامات تلفني والخوف يقتلني والشوارع ليست آمنة..! إنهم يقتلون بعضهم.. يأكلني الرعب على أولادي وقذائف الهاون تنثال فوق رؤوسنا بجنون..!! أجمع أولادي والأطفال في جحر صغير كالسرداب لنحتمي من القذائف وإطلاق الرصاص.. من يقتل من..؟؟؟ "
تعود ذاكرتها الى الوراء تجبرها على الانفلات على الرغم من الجنون الحاصل.. تبكي تذرف الدموع دما.. تحترق وهي تنظر الى الأخوة كيف يتقاتلون.. من يقتل من ولماذا؟؟ أوليس الأجدى مقاتلة العدو وطرده من الأرض العذراء..؟؟
من يتحدث هكذا لا يجوز أن يبقى فيها..!!
تتوه الصور وتتشتت.. قتلى في الشوارع.. منذ أيام لم يمر احد من هنا كي يحمل الجثث.. شباب في عمر الورود.. تصرخ بوجع:
-كفى.. كفاكم قتل الأخ لأخيه..
لكنهم "صم بكم عمي فهم لا يرجعون.."
دبابات العدو تعيث الخراب تقصف البيوت فوق رؤوس أصحابها بحجة وجود المقاومة.. والموت يصبح مجانيا لمن يريد.. الله عليك يا بلد.. بأي سكين مثلومة تنحر..!!
من الجزار ومن الضحية..
سكون يعم الشارع فالأوباش يمرون ولا احد يقاتلهم.. أنهم يختبئون في البيوت ويقتلون بعضهم بعضا..!
قالت لها امرأة تبكي ابن السابعة عشرة الذي ذهب لإصلاح الموّلد الكهربائي كي يشغله ولم يعد, كان يستعد لامتحانات الثانوية, ويحلم بدخول كلية الطب, وجدته بعد أربعة أيام مضنية هو وصلح المولدات في دائرة الطب العدلي تصرخ المرأة الثكلى:
- رفضوا تسليمه لي يا ويلي كيف ادفن جثة ولدي..!!ماذا افعل..!!
ومن بعيد امرأة أخرى تصرخ تسيل منها الدماء, تحمل بين يديها طفلا رضيعا تبحث عمن يوصلها الى المستشفى ولكن لا من مجيب..!! بعضهم غادر الحي خوفا من القتل على يد القناص.. وبعضهم اختبأ في جحر داخل بيته خوفا من القذائف والقتل، ونساء استبحن دون وازع من ضمير أو دين.. كل الأحياء في بغداد صارت مناطق ساخنة.. وفجأة!! يفزع أحلام انفجار مريع سيارة مفخخة تبعد عن بيتها اقل من خمسين متراً تصرخ:
- الأطفال.. آه أولادي اين انتم آه الجيران ماتوا..!!
زجاج البيت وأحجاره تتساقط اثر العصف الذي أحدثه الانفجار, بقايا السيارة المفخخة يتطاير فوق سطح البيت والحديقة مات كثيرون.. اطفال كانوا يلعبون في الشارع.. يقولون هي المقاومة لا أنهم يسيئون الى سمعة المقاومة بأعمالهم الدنيئة.. لم تحتمل خرجت بين الناس تصرخ:
- المحتلون هناك في ثكناتهم اذهبوا إليهم هم العدو لا نحن ولا انتم أفيقوا يا عرب أفيقوا يا أبناء الجلدة الواحدة..
والمخطط يظل مستمرا.. تلمح من بعيد عيون القطة الزرقاء وهي تبتسم قائلة:
- قلت لك لا تعودي.
ولكن كيف لا أعود ومن يبقى ان أنا أيضا رحلت..؟
لكن الرحيل كان معي على موعد آخر.. نظر الى عيني احمد وهما تبكيان بصمت, تصمت عن الكلام غير المباح فلا طائل من الحديث.. الألم يمزق الضلوع وينتهك الروح بنيران مستعرة ولكن..!
-10-
يظل الشك قابضا بيديه على قلب احمد, فقد أحب أحلام كما لم يحب امرأة من قبل.. لا يطيق اهتمام احد بها. لا يطيق سماع كلمة مديح مبطنة بالغزل ولا يطيق شيئا على الإطلاق..
تبدأ المعاناة ويبدأ استنزاف الروح لما فيها من قلق وغيرة واشتياق وجنون.. تقع أحلام فريسة الاتهام والتبرير, فكل ما يريده احمد هو المنطق, حتى لو كان كاذبا’ المهم سلسلة احداث ممنطقة.. لا تملك أحلام إلا البكاء وتكرار الحديث دون زلل, فهي تقول الحقيقة وقد لا تكون الحقيقة ممنطقة كما يجب, لكنها تظل الحقيقة الوحيدة التي تعرفها..
تصل حدا من الألم فتتوسل يكفي.. يكفي.. يكفي.. يشعر احمد لحظتها انه أساء إليها فيحنو عليها لكن عقله يصر على منطقة الأحداث وتسلسلها وهكذا وفي كل مرة.. ما يجعله مستغربا حقا هو أنها لك تمله.. لم تضجر منه, بل وتقدم له المبررات ببساطة هي مجنونة به.. فينتابها قلق شديد عليه فيعودان الى حوار مجنون آخر لا ينتهي الى صيغة معروفة..قالت:
- تغيرت لم تعد أنت..ترى ما الذي حصل؟
- لم أتغير أنا.. أنتِ فقط من لا تدرك كم تسبب لي الالم بقلقها..
- أنت تعرف أني امرأة قلقة حد الجنون وكنت تسعد حين تشعر باهتمامي بك..
- قلقك الدائم يسبب لي الألم يُشعرني بالتقصير معك
- أحبك..
- وأنا أيضا أحبك لكني لا أفعل مثلك..
- وماذا فعلت..؟
-تسببي لي الألم.. تحبينني حد التملك
- أنا.. اتملكك؟ وكيف..؟ لم أفكر هكذا أبدا..!
- قلقك المستمر.. ضرورة أن أكون معك دائما.. لا أستطيع الغياب لأية ظروف تخصني يسبب لك القلق ويسبب لي الألم..
- أنا أحبك.. هو شوقي الذي يدفعني للبحث عنك دائما.. فلماذا يزعجك..؟
- إنه لا يزعجني لكنه يسبب لي الالم عليك.. أرجوك امنحيني بعض حرية أتنفس خلالها..
- أمنحك؟ ومن أنا كي أمنحك.. هل تعرف أني لم أفكر مثلك.. ولم يخطر ببالي أن استحوذ عليك.. أنا.. اشتاقك فقط.. وانتظر لقاءاتنا على أحر من الجمر.. وغيابك عن اللقاء أمر يقلقني وهو شيء طبيعي..
- أيضا لا تقلقي.. ولا تجعليني أشعر بالتقصير..!
- نعم.. لك ذاك..!
- لي ماذا..؟
- سأقسو على قلبي كي لا يظل مجنونا قلقا بك.. سأمنع روحي من البحث عنك حتى تأتي أنت.. هل يرضيك هذا..؟
- لم أقصد القسوة على نفسك ولكن امنحيني حرية لبعض الوقت كي أشتاق إليك فأنا احبك أيضا ولكن لا تشدي الطوق حول عنقي..
- نعم معك حق.. أخطأت لعل حبي الذي لا أقاومه وشوقي الذي لا يعرف مدى إليك هما السبب..فسامحني
- تعتذري
- وماذا افعل إذاً؟
- لا شيء انتهى الامر..
-11-
وحدها تبكي الزمن الذي يسيء إليها كل حين، ووحدها تدفع أثمان مصائب لا يد لها فيها.. يصبح أحمد كتلة من مرار وجنون مطلق, يتهمها بأبشع التهم, وكم من مرة كان سببا في إيصالها إلى المستشفى، كم من مرة أوجعها حتى أدمى قلبها.. لحظات يعبث شيطان الغيرة والشك برأسه, تقسم بكل الأيمان انه واهم ولكن دون جدوى, لا يتوقف حتى يشعر أن عليه التوقف وحينها تكون قد وصلت إلى في أسوء حالاتها ما بين بكاء وانهيار وخوف من القادم..
لكن حبه في قلبها يطغى على كل شيء, وكل مرة تنسى إساءاته إليها وتعود إليه قطة تتمسح في أذياله.. ولم تفكر يوما أن تلعن هذا الحب الذي سيقتلها ذات يوم.. لا تملك وهي في غمرة ألامها سوى اللجوء إلى دفتر مذكراتها, فهي لا تستطيع أن تسمح لأحد أن يعرف حكاية حبها, وأحمد أيضا لا يتكلم بالأمر, ولا يرغب في تدخل الآخرين فيه, فيروحان يحكيان إلى دفاتر يغلقانها متى شاءا ويفتحانها متى أحسا بوجع البوح فيهما, وقول ما لا يستطيعان قوله أحيانا..!
تلك الليلة لم يحضر احمد, جلست في الظلام فكثيرا ما تطفأ الكهرباء عندها حيث تحتفظ بشحن الجهاز للقائهما لو تم, وظلت تحلم بمجيئه.. بصوته يغافلها كما كل مرة وافيني الى عريشتنا وضعت يدها على خدها واستسلمت لأحلام اليقظة.. ماذا ستفعل حين يأتي.. وجاءت الكهرباء لكنه لم يأتِ.. فتحت دفتر مذكراتها وراحت تكتب :
"وجدتني ها هنا بلا حروف تكتبني.. سوى مشاعر محتدمة تريد الانفلات ولا تدري كيف..! الحروف تعاندني والشوق يبعثرني ورغبة ملحة في فيضان يغمرني تلوح في أفق أيامي الماضيات بتسارع غريب.. هل حقا كلما ازداد القرب صار البعد أقرب..؟ تخيفني هذه المفردات.. أتذكر.. كيف دفنت وجهي في عمق أحضانك وكيف ملأني شغفي بك إحساس بالانتماء والأمان..! ترى! أين أنت الآن..؟ هل مازلت على بالك أم تراني في درفة من درفات قلبك أغلقت عليها كي لا تحسني..! أشتاقك حدا لا يحتمل فلماذا تعاندني المواقيت..؟
تعرف:
أتساءل كثيرا : هل عليّ الانغماس في جنون الآخرين كي أنسى بعض قهري الذي لا يحسه الآخرون..؟ لماذا أنا مطالبة بأن أكون قلبا مستمعا لشجونهم..؟ الكل يطالبني أن أكون حضنا يحتمل مواجعهم.. الكل يطالبني بالعقل حين ينتابهم الجنون..!!!! وأنا..! من يسمعني من يحتضن ألمي.. من يلّم جنوني وبعثرتي..؟؟ لا أحد حتى أنت يا حب عمري لا تحتمل بعثرتي وجنوني.. لا تطيق لحظات الوجع التي تنتابني فتبكي بصمت ولكن أبقى تقتلني هواجسي وحدي..!!
اعترف لك: أني سأظل مجنونة بك وبحبك وشوقي إليك.واحبك أبداً..!!"
-12-
في أحدى الليالي كان قريبين جدا من بعضهما وراحا يتخيلان عشهما المستقبلي, ولقائهما على ارض الواقع, وكأنه حاصل قريبا فتخيلا البيت على شاطئ البحر فهما يعشقان البحر وكم هو حكيم وبئر عميقة من الأسرار, وفجأة تحول حديثهما إلى سنوات طويلة مضت وراح أحمد يحكي لها عن أول حب شعر به قبلها وكان شبيها بحبهما لكنه قال فجأة:
- أميرتي ليس هناك مثلك أبدا فأنت كل النساء في واحدة
ابتسمت حينها ولم ترد.. لكنه كان مستعجلا ولا يستطيع السهر والبقاء معها, وكم أحزنها؟ وأنه أحيانا يتصرف بغرابة شديدة.. فهو يتابع لها كل حرف، وكلمة، ورد، وتعقيب وأحيانا يفسر على هواه فيوقعها في مطب التبرير, وهي تنسى أحيانا فترتبك وترتعب خوفا على حبهما, وبين حين وحين تشتعل تلك النيران التي تهلكها فلا تجد ردودا مقنعة أو منطقية كما يريد هو, وفي كل مرة تسقط في دوامة التبرير وكأنها المخطئة.. تلك الليلة لم يكن كان يتنقل من حديث إلى آخر بغرابة شديدة, وتركها منهكة العقل والقلب فلجأت إلى دفترها وراحت تكتب وتكتب:
" يحدثني عن حبه وشغفه الذي لا ينضب بي.. يحدثني عن عشقه لكل النساء بي أنا.. لكنه يغيب ويتركني فريسة لظنوني وجنوني فأحتار بيني وبيني.. يحبني بجنون.. يحبني ولكن!
تراودني الحروف على البوح فتنثال دموعي نازفة هنا ببكاء مر.. لا أعرف إلى أي مدى سأصل, ومتى سأفرغ كل هذه الشحنات المذبوحة من الوريد إلى الوريد..؟؟؟
لا أدري كيف وأين أجدني..؟ ضياع مبهم وصورة قهر لا يتورع عن قتلي..! ويظل يحدثني بمرارة ووجع..!
وكان ما توقعته انه يخبئ مفاجأة لها..
جملة قرأها في مكان ما, كتبتها هي ذات مرة ونسيت, فقد اعتادت أن تكتب بعضا من كتاباتها أو أي شيء يخطر ببالها, ويبدو انه اختار إحدى الفقرات ليسألها عنها بأسلوبه الإتهامي, في ذلك اليوم كانت تعاني توترا وألما شديدا فقلق عليها وألح على طلب الطبيب .. وجاء الطبيب وأكد إنها بداية هبوط للقلب، وقد تتعرض إلى جلطة .. أرسلت إليه تخبره لكنه لم يكن يسمع, فقد تغلغلت تلك الكلمات في عقله ويريد لها ردا منطقيا, وهي لا تملك الرد لأنها نسيت ماذا كتبت, وشعرت إنها لن تستطيع إجابته على السؤال لتعبها المفاجئ وقضت تلك الليلة وما بعدها في المستشفى, أصيبت بجلطة عابرة في الدماغ, لتترك لها أثرا أخر قد يذهب مع الزمن والعلاج, حيث انحرف فمها وثقلت يدها كما كل مرة ولكن هذه المرة أصيبت بالشلل, ولم يكن أحمد لم يكن معها, كان عقله مازال يبحث عن تلك الكلمات وماذا تعني ومن تعني..!!!
وفي المستشفى شعرت بمدى قسوته.. كان يتحدث ببرود حين يرسلون له بأخبارها:
- اطمئنوا ستعود وترد على رسائلي إنها قوية ستعود..!!
كان رده غريبا أفزعها, وجعلها تبكي طوال الوقت رغم أن الانفعال يزيد ألمها ومرضها توترا وسقوطا..
فهل كان أحمد واعيا لتصرفاته؟
ربما لم يكن! لكنها كانت تشعر بالقهر والحزن, وانه بعيد عنها, بعيد عن قلبه لا هيا في سموم الغيرة والشك.. وحين وجدت القدرة على الكتابة فتحت دفتر مذكراتها وكتبت تقول:
"تتراشق حروفي مع بعضها إيذانا ببدء مرحلة من الانطواء ربما.. الانعزال ربما..!! أجدني في متاهة أغرقتني حد الاختناق..!! فمتى أتوقف البوح..؟ لابد من نهاية ما ستأتي حتما لكن أمدها طال ووجعي ما عاد يحتملني..! أينا يحتمل الأخر ليس مهما.. حقا في هذه الدنيا ليس هناك شيء مهم..!! "
أعترف:
متعبة حد الإعياء لكني لا أملك التوقف, فقد وعدت على مواصلة المسير.. ولابد من إيفاء الوعد..!!! مازال الحزن يرتع في أعماقي.. يتقاذفني ككرة من المطاط.. تلاعبني الأيام وتلهو بي.. تخدعني الأحلام.. فأسهر ليلي لا أنام.. لا اعرف عن ماذا أتحدث ويبدو أني صرت لا افقه كثيرا مما حولي.. هل تراها حلت النهاية أم هي رغبة في الروح في المغادرة..؟؟
ما عدت ادري..!!
يظل شوق الانتظار حارقا.. وهي على سرير المرض, تنتظر النهاية في أية لجلطة قادمة فيما هو غارق في دوامة الشك والغيرة وكأنما انهار كل شيء بينهما دفعة واحدة.. ماذا جدث! وما المكتوب من اسطر جعله يقرر إنهاء قصة عظيمة, ولدت في زمن عقيم لا يلد غير المسوخ..؟؟
وبعد انقطاع رهيب موجع أرسل لها كلمات غير مفهومة, وإصرار على عدم التصديق وتأنيبها لسذاجتها!! هي لا تعرف عن ماذا يتحدث وهو يرفض تصديق أنها تعاني سوء المرض حقا..
وتعود للبكاء بمرارة ووجع لم تعد تشعر سوى بألم فقده, وضياع الحب الذي طالما حلمت به، وجاءها بعد طول انتظار.. ولكن ها هو الآن يتسرب من بين يديها راحلا, وها هي تقرر الرحيل أيضا, فلا حياة لها بدونه, فقد ظلت تقاوم طوال الوقت من أجله, وهاهو يتركها ودموع الألم تتساقط منهمرة تغسل وجهها, وقلبها وروحها بنزف الحزن والقهر, لا تملك غير الكتابة والبوح لوريقاتها المتكسرة فتقول:
"بي توق لا يهدأ إليك.. هل تسمعني..؟؟ بي لهفة تجعل خفقان قلبي مضطربا.. تجعل روحي هائمة..! يشدني حنين غريب.. موجع تارة ولذيذ أخرى وبين هذا وذاك تلتبس الصور مع بعضها فأبتسم إليك مرة.. وأخرى أبكي عليك.. "
أعترف:
أن البعد وجع كبير, والقرب في البعد ألم لا يحتمل.. لأظل منتظرة لحظات اللقاء المرتقب.. ترى هل ستجيء..؟؟؟؟
تغلق غلاف الذكريات على بوح انتظار وشوق ووداع.. وتقرر أخيرا إرسال خطاب إليه لعله يعود:
"أحمد حبيبي..
لن أقول أنك ظلمتني.. ولن أقول انك لم ترحمني.. بل أعترف لك أني ما أحببت غيرك, وما عشت إلا بانتظارك.. يحز في قلبي شي واحد أني كنت احلم بلقاء معك على الأرض.. في عمق روحي تسحقني ثرثرة غبية.. لم أعد بحاجة الى من يطلق صمتي.. لمن يوقف طوفان وجعي.. كنت احتاج أن ابدأ من جديد بروح نقية صافية.. وقلب بريء..
كنت احتاج إليك والى..حضن أمي كي يمسح عني جراحات الألم.. ليوقف مد طغيان الأسى الذي يحتلني.. احتاج أليك أمي حتى بعد أن دنا الموت مني.. احتاجك لعل عسى.. تنام الطفلة على هدهدة صوتك ودفء روحك.. لعلي حينها التزم السكون وارتدي معطف الهدوء..
ها نحن يا قلبي نعود فندور معا في تلك الدائرة المغلقة, بعد أن مررنا بتجربة مضنية موجعة.. نعود يا قلبي حيث لا حلول, ولا معالجات على أرض الواقع.. ولا في الخيال لعلنا ننتهي من دوامة الانتظار المقيت..!!
أيام كانت كالعذاب وربما أشد تناوشني مبضع الجراح قطع أجزاء مني ولفظها خارجا..! حين أفقت تساءلت أين اختفت أجزائي..؟هل تراك أحسست بي وبوجعي..؟
أدخلوا في جوفي معدات غريبة كاميرات تصور أحشائي باحثة عن الخبث الذي تسلل إليها ذات مرة, وخلد ساكنا ينتشر بصمت..
كانت آلامي لا توصف, ومع هذا عدت ثانية لانتظر أملا ما قد يمر صوبي ذات مرة..عدت إليك, أقسم لك أني ما خنتك يوما وما كتبت لسواك أبدا..!!
أعترف:
إليك يا من وهبت حياتي معنى يستحق أن تناضل روحي من أجله, وأنت من خنقت الأمل بيديك إشتقتك بشدة..
أعترف:
أني سأحمل حبك والأمل المزروع في حنايا الروح, لعله ينير ظلمة قبري.. أعترف أني أحبك!!.. كن بخير كي أكون.. وداعاً"
يجن جنون أحمد لا يصدق حرفا مما تقول, أو لعله لا يريد التصديق.. يجري إليها يرسل رسالة هاتفية يطلبها عبر الأثير.. يلتقيان وتذوب القلوب العاشقة شوقا ولهفة وحنانا, وتنثال دموع احمد وجعا على حبه الكبير, وتوقا لاحتضان حلمه وأمنيته تارة يعتذر لها وأخرى يبكي وجعها, فتلتصق روحيهما مع مداد الحروف والأحاسيس الثائرة المنتفضة في القلب, فما أجمل أن يعود العاشقين إلى ركنهما, ودفئهما ويبنيان حلمهما والأمنيات باللقاء الذي لابد له أن يأتي يوما..
بين خفقات القلب المتلهف للحياة, وصرخات الموت المجاني في شوارع المدينة, عمق يتحدى اشتعال القلب وانغماس الروح في عشق كبير أبدي في تلك المدينة التي أضاعت نفسها تحت معاطف الخريف.. تنتاب أحلام الوحشة والقهر كلما قررت الخروج لأداء عمل او زيارة أقارب او متابعة الطبيب..
كانت المدينة تمضي الى حتفها دون التفات من احد.. تتساءل أحلام ماذا أظنني فاعلة..؟؟ لم يعد هناك في الروح مكان لم يخدش.. ترتبك الحياة مجددا وتضيق فيها السبل..
"الدوامات تلفني والخوف يقتلني والشوارع ليست آمنة..! إنهم يقتلون بعضهم.. يأكلني الرعب على أولادي وقذائف الهاون تنثال فوق رؤوسنا بجنون..!! أجمع أولادي والأطفال في جحر صغير كالسرداب لنحتمي من القذائف وإطلاق الرصاص.. من يقتل من..؟؟؟ "
تعود ذاكرتها الى الوراء تجبرها على الانفلات على الرغم من الجنون الحاصل.. تبكي تذرف الدموع دما.. تحترق وهي تنظر الى الأخوة كيف يتقاتلون.. من يقتل من ولماذا؟؟ أوليس الأجدى مقاتلة العدو وطرده من الأرض العذراء..؟؟
من يتحدث هكذا لا يجوز أن يبقى فيها..!!
تتوه الصور وتتشتت.. قتلى في الشوارع.. منذ أيام لم يمر احد من هنا كي يحمل الجثث.. شباب في عمر الورود.. تصرخ بوجع:
-كفى.. كفاكم قتل الأخ لأخيه..
لكنهم "صم بكم عمي فهم لا يرجعون.."
دبابات العدو تعيث الخراب تقصف البيوت فوق رؤوس أصحابها بحجة وجود المقاومة.. والموت يصبح مجانيا لمن يريد.. الله عليك يا بلد.. بأي سكين مثلومة تنحر..!!
من الجزار ومن الضحية..
سكون يعم الشارع فالأوباش يمرون ولا احد يقاتلهم.. أنهم يختبئون في البيوت ويقتلون بعضهم بعضا..!
قالت لها امرأة تبكي ابن السابعة عشرة الذي ذهب لإصلاح الموّلد الكهربائي كي يشغله ولم يعد, كان يستعد لامتحانات الثانوية, ويحلم بدخول كلية الطب, وجدته بعد أربعة أيام مضنية هو وصلح المولدات في دائرة الطب العدلي تصرخ المرأة الثكلى:
- رفضوا تسليمه لي يا ويلي كيف ادفن جثة ولدي..!!ماذا افعل..!!
ومن بعيد امرأة أخرى تصرخ تسيل منها الدماء, تحمل بين يديها طفلا رضيعا تبحث عمن يوصلها الى المستشفى ولكن لا من مجيب..!! بعضهم غادر الحي خوفا من القتل على يد القناص.. وبعضهم اختبأ في جحر داخل بيته خوفا من القذائف والقتل، ونساء استبحن دون وازع من ضمير أو دين.. كل الأحياء في بغداد صارت مناطق ساخنة.. وفجأة!! يفزع أحلام انفجار مريع سيارة مفخخة تبعد عن بيتها اقل من خمسين متراً تصرخ:
- الأطفال.. آه أولادي اين انتم آه الجيران ماتوا..!!
زجاج البيت وأحجاره تتساقط اثر العصف الذي أحدثه الانفجار, بقايا السيارة المفخخة يتطاير فوق سطح البيت والحديقة مات كثيرون.. اطفال كانوا يلعبون في الشارع.. يقولون هي المقاومة لا أنهم يسيئون الى سمعة المقاومة بأعمالهم الدنيئة.. لم تحتمل خرجت بين الناس تصرخ:
- المحتلون هناك في ثكناتهم اذهبوا إليهم هم العدو لا نحن ولا انتم أفيقوا يا عرب أفيقوا يا أبناء الجلدة الواحدة..
والمخطط يظل مستمرا.. تلمح من بعيد عيون القطة الزرقاء وهي تبتسم قائلة:
- قلت لك لا تعودي.
ولكن كيف لا أعود ومن يبقى ان أنا أيضا رحلت..؟
لكن الرحيل كان معي على موعد آخر.. نظر الى عيني احمد وهما تبكيان بصمت, تصمت عن الكلام غير المباح فلا طائل من الحديث.. الألم يمزق الضلوع وينتهك الروح بنيران مستعرة ولكن..!
-10-
يظل الشك قابضا بيديه على قلب احمد, فقد أحب أحلام كما لم يحب امرأة من قبل.. لا يطيق اهتمام احد بها. لا يطيق سماع كلمة مديح مبطنة بالغزل ولا يطيق شيئا على الإطلاق..
تبدأ المعاناة ويبدأ استنزاف الروح لما فيها من قلق وغيرة واشتياق وجنون.. تقع أحلام فريسة الاتهام والتبرير, فكل ما يريده احمد هو المنطق, حتى لو كان كاذبا’ المهم سلسلة احداث ممنطقة.. لا تملك أحلام إلا البكاء وتكرار الحديث دون زلل, فهي تقول الحقيقة وقد لا تكون الحقيقة ممنطقة كما يجب, لكنها تظل الحقيقة الوحيدة التي تعرفها..
تصل حدا من الألم فتتوسل يكفي.. يكفي.. يكفي.. يشعر احمد لحظتها انه أساء إليها فيحنو عليها لكن عقله يصر على منطقة الأحداث وتسلسلها وهكذا وفي كل مرة.. ما يجعله مستغربا حقا هو أنها لك تمله.. لم تضجر منه, بل وتقدم له المبررات ببساطة هي مجنونة به.. فينتابها قلق شديد عليه فيعودان الى حوار مجنون آخر لا ينتهي الى صيغة معروفة..قالت:
- تغيرت لم تعد أنت..ترى ما الذي حصل؟
- لم أتغير أنا.. أنتِ فقط من لا تدرك كم تسبب لي الالم بقلقها..
- أنت تعرف أني امرأة قلقة حد الجنون وكنت تسعد حين تشعر باهتمامي بك..
- قلقك الدائم يسبب لي الألم يُشعرني بالتقصير معك
- أحبك..
- وأنا أيضا أحبك لكني لا أفعل مثلك..
- وماذا فعلت..؟
-تسببي لي الألم.. تحبينني حد التملك
- أنا.. اتملكك؟ وكيف..؟ لم أفكر هكذا أبدا..!
- قلقك المستمر.. ضرورة أن أكون معك دائما.. لا أستطيع الغياب لأية ظروف تخصني يسبب لك القلق ويسبب لي الألم..
- أنا أحبك.. هو شوقي الذي يدفعني للبحث عنك دائما.. فلماذا يزعجك..؟
- إنه لا يزعجني لكنه يسبب لي الالم عليك.. أرجوك امنحيني بعض حرية أتنفس خلالها..
- أمنحك؟ ومن أنا كي أمنحك.. هل تعرف أني لم أفكر مثلك.. ولم يخطر ببالي أن استحوذ عليك.. أنا.. اشتاقك فقط.. وانتظر لقاءاتنا على أحر من الجمر.. وغيابك عن اللقاء أمر يقلقني وهو شيء طبيعي..
- أيضا لا تقلقي.. ولا تجعليني أشعر بالتقصير..!
- نعم.. لك ذاك..!
- لي ماذا..؟
- سأقسو على قلبي كي لا يظل مجنونا قلقا بك.. سأمنع روحي من البحث عنك حتى تأتي أنت.. هل يرضيك هذا..؟
- لم أقصد القسوة على نفسك ولكن امنحيني حرية لبعض الوقت كي أشتاق إليك فأنا احبك أيضا ولكن لا تشدي الطوق حول عنقي..
- نعم معك حق.. أخطأت لعل حبي الذي لا أقاومه وشوقي الذي لا يعرف مدى إليك هما السبب..فسامحني
- تعتذري
- وماذا افعل إذاً؟
- لا شيء انتهى الامر..
-11-
وحدها تبكي الزمن الذي يسيء إليها كل حين، ووحدها تدفع أثمان مصائب لا يد لها فيها.. يصبح أحمد كتلة من مرار وجنون مطلق, يتهمها بأبشع التهم, وكم من مرة كان سببا في إيصالها إلى المستشفى، كم من مرة أوجعها حتى أدمى قلبها.. لحظات يعبث شيطان الغيرة والشك برأسه, تقسم بكل الأيمان انه واهم ولكن دون جدوى, لا يتوقف حتى يشعر أن عليه التوقف وحينها تكون قد وصلت إلى في أسوء حالاتها ما بين بكاء وانهيار وخوف من القادم..
لكن حبه في قلبها يطغى على كل شيء, وكل مرة تنسى إساءاته إليها وتعود إليه قطة تتمسح في أذياله.. ولم تفكر يوما أن تلعن هذا الحب الذي سيقتلها ذات يوم.. لا تملك وهي في غمرة ألامها سوى اللجوء إلى دفتر مذكراتها, فهي لا تستطيع أن تسمح لأحد أن يعرف حكاية حبها, وأحمد أيضا لا يتكلم بالأمر, ولا يرغب في تدخل الآخرين فيه, فيروحان يحكيان إلى دفاتر يغلقانها متى شاءا ويفتحانها متى أحسا بوجع البوح فيهما, وقول ما لا يستطيعان قوله أحيانا..!
تلك الليلة لم يحضر احمد, جلست في الظلام فكثيرا ما تطفأ الكهرباء عندها حيث تحتفظ بشحن الجهاز للقائهما لو تم, وظلت تحلم بمجيئه.. بصوته يغافلها كما كل مرة وافيني الى عريشتنا وضعت يدها على خدها واستسلمت لأحلام اليقظة.. ماذا ستفعل حين يأتي.. وجاءت الكهرباء لكنه لم يأتِ.. فتحت دفتر مذكراتها وراحت تكتب :
"وجدتني ها هنا بلا حروف تكتبني.. سوى مشاعر محتدمة تريد الانفلات ولا تدري كيف..! الحروف تعاندني والشوق يبعثرني ورغبة ملحة في فيضان يغمرني تلوح في أفق أيامي الماضيات بتسارع غريب.. هل حقا كلما ازداد القرب صار البعد أقرب..؟ تخيفني هذه المفردات.. أتذكر.. كيف دفنت وجهي في عمق أحضانك وكيف ملأني شغفي بك إحساس بالانتماء والأمان..! ترى! أين أنت الآن..؟ هل مازلت على بالك أم تراني في درفة من درفات قلبك أغلقت عليها كي لا تحسني..! أشتاقك حدا لا يحتمل فلماذا تعاندني المواقيت..؟
تعرف:
أتساءل كثيرا : هل عليّ الانغماس في جنون الآخرين كي أنسى بعض قهري الذي لا يحسه الآخرون..؟ لماذا أنا مطالبة بأن أكون قلبا مستمعا لشجونهم..؟ الكل يطالبني أن أكون حضنا يحتمل مواجعهم.. الكل يطالبني بالعقل حين ينتابهم الجنون..!!!! وأنا..! من يسمعني من يحتضن ألمي.. من يلّم جنوني وبعثرتي..؟؟ لا أحد حتى أنت يا حب عمري لا تحتمل بعثرتي وجنوني.. لا تطيق لحظات الوجع التي تنتابني فتبكي بصمت ولكن أبقى تقتلني هواجسي وحدي..!!
اعترف لك: أني سأظل مجنونة بك وبحبك وشوقي إليك.واحبك أبداً..!!"
-12-
في أحدى الليالي كان قريبين جدا من بعضهما وراحا يتخيلان عشهما المستقبلي, ولقائهما على ارض الواقع, وكأنه حاصل قريبا فتخيلا البيت على شاطئ البحر فهما يعشقان البحر وكم هو حكيم وبئر عميقة من الأسرار, وفجأة تحول حديثهما إلى سنوات طويلة مضت وراح أحمد يحكي لها عن أول حب شعر به قبلها وكان شبيها بحبهما لكنه قال فجأة:
- أميرتي ليس هناك مثلك أبدا فأنت كل النساء في واحدة
ابتسمت حينها ولم ترد.. لكنه كان مستعجلا ولا يستطيع السهر والبقاء معها, وكم أحزنها؟ وأنه أحيانا يتصرف بغرابة شديدة.. فهو يتابع لها كل حرف، وكلمة، ورد، وتعقيب وأحيانا يفسر على هواه فيوقعها في مطب التبرير, وهي تنسى أحيانا فترتبك وترتعب خوفا على حبهما, وبين حين وحين تشتعل تلك النيران التي تهلكها فلا تجد ردودا مقنعة أو منطقية كما يريد هو, وفي كل مرة تسقط في دوامة التبرير وكأنها المخطئة.. تلك الليلة لم يكن كان يتنقل من حديث إلى آخر بغرابة شديدة, وتركها منهكة العقل والقلب فلجأت إلى دفترها وراحت تكتب وتكتب:
" يحدثني عن حبه وشغفه الذي لا ينضب بي.. يحدثني عن عشقه لكل النساء بي أنا.. لكنه يغيب ويتركني فريسة لظنوني وجنوني فأحتار بيني وبيني.. يحبني بجنون.. يحبني ولكن!
تراودني الحروف على البوح فتنثال دموعي نازفة هنا ببكاء مر.. لا أعرف إلى أي مدى سأصل, ومتى سأفرغ كل هذه الشحنات المذبوحة من الوريد إلى الوريد..؟؟؟
لا أدري كيف وأين أجدني..؟ ضياع مبهم وصورة قهر لا يتورع عن قتلي..! ويظل يحدثني بمرارة ووجع..!
وكان ما توقعته انه يخبئ مفاجأة لها..
جملة قرأها في مكان ما, كتبتها هي ذات مرة ونسيت, فقد اعتادت أن تكتب بعضا من كتاباتها أو أي شيء يخطر ببالها, ويبدو انه اختار إحدى الفقرات ليسألها عنها بأسلوبه الإتهامي, في ذلك اليوم كانت تعاني توترا وألما شديدا فقلق عليها وألح على طلب الطبيب .. وجاء الطبيب وأكد إنها بداية هبوط للقلب، وقد تتعرض إلى جلطة .. أرسلت إليه تخبره لكنه لم يكن يسمع, فقد تغلغلت تلك الكلمات في عقله ويريد لها ردا منطقيا, وهي لا تملك الرد لأنها نسيت ماذا كتبت, وشعرت إنها لن تستطيع إجابته على السؤال لتعبها المفاجئ وقضت تلك الليلة وما بعدها في المستشفى, أصيبت بجلطة عابرة في الدماغ, لتترك لها أثرا أخر قد يذهب مع الزمن والعلاج, حيث انحرف فمها وثقلت يدها كما كل مرة ولكن هذه المرة أصيبت بالشلل, ولم يكن أحمد لم يكن معها, كان عقله مازال يبحث عن تلك الكلمات وماذا تعني ومن تعني..!!!
وفي المستشفى شعرت بمدى قسوته.. كان يتحدث ببرود حين يرسلون له بأخبارها:
- اطمئنوا ستعود وترد على رسائلي إنها قوية ستعود..!!
كان رده غريبا أفزعها, وجعلها تبكي طوال الوقت رغم أن الانفعال يزيد ألمها ومرضها توترا وسقوطا..
فهل كان أحمد واعيا لتصرفاته؟
ربما لم يكن! لكنها كانت تشعر بالقهر والحزن, وانه بعيد عنها, بعيد عن قلبه لا هيا في سموم الغيرة والشك.. وحين وجدت القدرة على الكتابة فتحت دفتر مذكراتها وكتبت تقول:
"تتراشق حروفي مع بعضها إيذانا ببدء مرحلة من الانطواء ربما.. الانعزال ربما..!! أجدني في متاهة أغرقتني حد الاختناق..!! فمتى أتوقف البوح..؟ لابد من نهاية ما ستأتي حتما لكن أمدها طال ووجعي ما عاد يحتملني..! أينا يحتمل الأخر ليس مهما.. حقا في هذه الدنيا ليس هناك شيء مهم..!! "
أعترف:
متعبة حد الإعياء لكني لا أملك التوقف, فقد وعدت على مواصلة المسير.. ولابد من إيفاء الوعد..!!! مازال الحزن يرتع في أعماقي.. يتقاذفني ككرة من المطاط.. تلاعبني الأيام وتلهو بي.. تخدعني الأحلام.. فأسهر ليلي لا أنام.. لا اعرف عن ماذا أتحدث ويبدو أني صرت لا افقه كثيرا مما حولي.. هل تراها حلت النهاية أم هي رغبة في الروح في المغادرة..؟؟
ما عدت ادري..!!
يظل شوق الانتظار حارقا.. وهي على سرير المرض, تنتظر النهاية في أية لجلطة قادمة فيما هو غارق في دوامة الشك والغيرة وكأنما انهار كل شيء بينهما دفعة واحدة.. ماذا جدث! وما المكتوب من اسطر جعله يقرر إنهاء قصة عظيمة, ولدت في زمن عقيم لا يلد غير المسوخ..؟؟
وبعد انقطاع رهيب موجع أرسل لها كلمات غير مفهومة, وإصرار على عدم التصديق وتأنيبها لسذاجتها!! هي لا تعرف عن ماذا يتحدث وهو يرفض تصديق أنها تعاني سوء المرض حقا..
وتعود للبكاء بمرارة ووجع لم تعد تشعر سوى بألم فقده, وضياع الحب الذي طالما حلمت به، وجاءها بعد طول انتظار.. ولكن ها هو الآن يتسرب من بين يديها راحلا, وها هي تقرر الرحيل أيضا, فلا حياة لها بدونه, فقد ظلت تقاوم طوال الوقت من أجله, وهاهو يتركها ودموع الألم تتساقط منهمرة تغسل وجهها, وقلبها وروحها بنزف الحزن والقهر, لا تملك غير الكتابة والبوح لوريقاتها المتكسرة فتقول:
"بي توق لا يهدأ إليك.. هل تسمعني..؟؟ بي لهفة تجعل خفقان قلبي مضطربا.. تجعل روحي هائمة..! يشدني حنين غريب.. موجع تارة ولذيذ أخرى وبين هذا وذاك تلتبس الصور مع بعضها فأبتسم إليك مرة.. وأخرى أبكي عليك.. "
أعترف:
أن البعد وجع كبير, والقرب في البعد ألم لا يحتمل.. لأظل منتظرة لحظات اللقاء المرتقب.. ترى هل ستجيء..؟؟؟؟
تغلق غلاف الذكريات على بوح انتظار وشوق ووداع.. وتقرر أخيرا إرسال خطاب إليه لعله يعود:
"أحمد حبيبي..
لن أقول أنك ظلمتني.. ولن أقول انك لم ترحمني.. بل أعترف لك أني ما أحببت غيرك, وما عشت إلا بانتظارك.. يحز في قلبي شي واحد أني كنت احلم بلقاء معك على الأرض.. في عمق روحي تسحقني ثرثرة غبية.. لم أعد بحاجة الى من يطلق صمتي.. لمن يوقف طوفان وجعي.. كنت احتاج أن ابدأ من جديد بروح نقية صافية.. وقلب بريء..
كنت احتاج إليك والى..حضن أمي كي يمسح عني جراحات الألم.. ليوقف مد طغيان الأسى الذي يحتلني.. احتاج أليك أمي حتى بعد أن دنا الموت مني.. احتاجك لعل عسى.. تنام الطفلة على هدهدة صوتك ودفء روحك.. لعلي حينها التزم السكون وارتدي معطف الهدوء..
ها نحن يا قلبي نعود فندور معا في تلك الدائرة المغلقة, بعد أن مررنا بتجربة مضنية موجعة.. نعود يا قلبي حيث لا حلول, ولا معالجات على أرض الواقع.. ولا في الخيال لعلنا ننتهي من دوامة الانتظار المقيت..!!
أيام كانت كالعذاب وربما أشد تناوشني مبضع الجراح قطع أجزاء مني ولفظها خارجا..! حين أفقت تساءلت أين اختفت أجزائي..؟هل تراك أحسست بي وبوجعي..؟
أدخلوا في جوفي معدات غريبة كاميرات تصور أحشائي باحثة عن الخبث الذي تسلل إليها ذات مرة, وخلد ساكنا ينتشر بصمت..
كانت آلامي لا توصف, ومع هذا عدت ثانية لانتظر أملا ما قد يمر صوبي ذات مرة..عدت إليك, أقسم لك أني ما خنتك يوما وما كتبت لسواك أبدا..!!
أعترف:
إليك يا من وهبت حياتي معنى يستحق أن تناضل روحي من أجله, وأنت من خنقت الأمل بيديك إشتقتك بشدة..
أعترف:
أني سأحمل حبك والأمل المزروع في حنايا الروح, لعله ينير ظلمة قبري.. أعترف أني أحبك!!.. كن بخير كي أكون.. وداعاً"
يجن جنون أحمد لا يصدق حرفا مما تقول, أو لعله لا يريد التصديق.. يجري إليها يرسل رسالة هاتفية يطلبها عبر الأثير.. يلتقيان وتذوب القلوب العاشقة شوقا ولهفة وحنانا, وتنثال دموع احمد وجعا على حبه الكبير, وتوقا لاحتضان حلمه وأمنيته تارة يعتذر لها وأخرى يبكي وجعها, فتلتصق روحيهما مع مداد الحروف والأحاسيس الثائرة المنتفضة في القلب, فما أجمل أن يعود العاشقين إلى ركنهما, ودفئهما ويبنيان حلمهما والأمنيات باللقاء الذي لابد له أن يأتي يوما..
يتبع..