رشفة جمالية مقارنة للشاعرية من بحرين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد جابري
    أديب وكاتب
    • 30-10-2008
    • 1915

    رشفة جمالية مقارنة للشاعرية من بحرين

    رشفة جمالية مقارنة للشاعرية من بحرين

    فواعجبا لفيلسوف يستلهم أنفاس الأدباء ويغوص في أعماقها ليلمس إحساسها من نشوة وفرح، أو ما تطربه الذات، وما تستلذه من أصوات، وما تستعذبه من إيقاع ونبرات، وما يهز أوتارها من أحاسيس، أو ما تكشفه القراءة بين السطور من دسائس، وما يلمسه من أحزان، وما تشده من أشجان، وما تنغمس فيه من ويل وثبور، وما تعيشه من كدور، فضلا عن عذاب ظاهر أو مضمور، بينما هو لا يدرك للكون الفسيح قانونا ولا غاية وجود ؟ أنبعد السؤال إلى يوم الوفاة، حيث ننضاف لجملة الرفات ؟ أم نسرع بالدفن ليلا في جنح الظلام ؛ كي ننشغل عن الكلام ، ونمضي في سلام، بعيدا عن الأسئلة المتسلسلة : من أين ؟وإلى أين؟ ولماذا؟

    وحرية تحررك من ربقة التقليد ؛ لتفجر المكبوت، والمطمور من فنون نقشك إلهابا لمشاعرك وإحساسك لتجود بما به برعت عبقريتها، وما صاغته ريشة أناملها، لتحلق في أجواء النجوم وتلتحق بالثريا.

    والشاعر رجل الذوق والنباهة ورجل المواقف والكلمة الحرة التي لا تخشى في الله لوم لائم أو لئيم، فليست الرجولة شجاعة متهور يلقي بنفسه في معمعة الصراع من غير سلاح، إنما الشجاعة وقفات لعبد حصّل الأمان من رب العزة، فخرج على قومه من المحراب، في عزة وتحد لا مثيل لهما؛ إذ الأمر كله لله وقد آمنه ربه، فحقت له جرأة القول، وإسماع الظالمين ما يصلح واقعهم، باعتماد فطرة الله التي فطر الناس عليها. {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}الزمر36.

    إقبال على الله بوجهك ووجهتك يفتح له باب السماء، لا لتضحي نجما يجاور الثريا، بل لترقى لمجالسة رب العزة سبحانه وأي المقامين أعلى وأغلى أمقام الربانية حيث تنسب إلى الله فتذكر بذكره، ويذكر بذكرك أم مجاورة الثريا فلا هي منك ولا أنت منها؟

    ما يرمي إليه الدين من العيش الكريم في سكون وطمأنينة بال حتى ولو خاض المرء الصراعات المريرة مع قومه وأبناء جلدته، وحتى لو انخرط المرء في فتن كقطع الليل المظلم، فإن للحروب النفسية دواء يجلب السكينة للمرء، ومعها التروي في الأمور كلها، إظهارا لما في هذه البحبوحة اليقينية من مزايا- إن حملتك السكينة والطمأنينة على جناح الإقبال على الله – وبين غيرها من المذاهب
    وفاقد السكينة مضطرب الحال مجزأ الأوصال مشغول البال، فأي فكر يستقيم أو مع حاله ينسجم ؟

    ولما كان عهدنا بالسماء في اتساع ازداد النجم علوا في سمائه، بينما بعد قعر مهواة السبيل الآخر في بعد سحيق، ويشترك البعدان في النظرة الجمالية لكن إذا كان النجم جمال السماء فإن قعر جهنم يسلب اللب بشهواته المتدحرجة من الأعلى إلى أسفل السافلين، وقد لا تتضح الرؤية إلا بعرض لصورة الوجه الكريه المدثر بلوحات جمال لم يكتمل.

    فمن ينظر إلى ماجنة هزتها الموسيقى فنثرت كل دلالات زينتها من رشاقة وجمال، وخفة حركة متساوقة مع أنغام ثائرة صاخبة، فضلا عما تتجمل به من براقع الثياب وضعتها على هيئة تثير تشويق وفضول الحاضرين لما وراءها، وهي بفعلها ترمي بشرر يثير السخط في وسطها، وتجنح في مجون إلى حركات جنونية تثير الغرائز الشيطانية لتقود إلى درب الفجور، وتثوِّر الغضب الدفين بكلماتها !!!

    وكلما دب فيها إعياء شحذت غيرها لتقوم مقامها؛ إذ لا ترى فتورا ولا تقصيرا ولا توانيا ولا مجال فيه لتفكير يصد عن السرب. شغل شاغل، وعمل دؤوب، فكلما هدأت موسيقى انتضت ألوانا غيرها، وكلما كل سلاح شحذت سلاحا غيره، فكيف بها وسط صياح وحراك كأنما الأذرع في عراك اشتدت وطأته وحمي وطيسه، والجسد بتموجاته يتلوى لي الثعبان، ناهيك عن طيش السيقان في هز كمس الشيطان في جهد لا يفتر، إلا حينما تهب ريح الفجر باردة تلفح الوجوه كأنما تستفيقها من نوم عميق، وخمر لم تذق نشوتها، كأن زقزقة الطيور الصباحية برشاقتها ولطف ألحانها أيقظتها من سبات الصخب والمجون ودق الطبول لتهدأ بعد ليل صاخب. إنها الفنانة ذات الألقاب...

    تلك إذا، إشارات وإيماءات وإيحاءات لدرب المجون، فهل صدتك الصورة أم يستهويك المجال؟

    فالجمال فن حين تستوي أريحيته مع كرم القرائح. وتختلف المعاني وتتباعد حين يكون الفن مصدر شقاء وعذاب أو حين تساومه الأموال عندئذ تموت القرائح ويموت جو الابتكار وإظهار الجميل:

    ومن ذا يكرم زهرة فواحة أو يثير البلبل إذا ترنم؟

    وتستدعيك اللغة وتجتذبك البلاغة والسحر الحلال، وتنقض عليك أسرارها حين تتفتح زينة صدرها وتتشعشع أنوار بحبوحة الدرر والصدف الغاليات: من للآلئ وجواهر وألماس منحوتة منعوتة تكاد تجتذبك أنوارها قبل أن تلمس إشعاعاتها وكريم معدنها، أيستهويك الإقبال بل والهيام في مجالاتها؟ ألغير الأديب تتزين؟ أم لغيره تتبرج زينتها وتعرض بناتها وقد رصعن بأعلى التيجان وأغلى حلي الزمان؟! وحق لهن فوق ذلك، لكون كلمات الله هي العليا، وكلمات غيره السفلى.

    أمة بذكر ربها تطمئن أفئدتها، وتلمس صفاء الكون ونقاء الروح وسلامة المذهب، وتتوق إلى الجمال الأخاذ، وتمعن في ارتقاء جو السماء، حيث تطير شاعريتها نحو القمر، وتنعم النظر في ضوئه، فترشف منه ما يؤهلها لبلوغ نور الشمس، والقفز إلى مصاف الأقران، وتعلوا، وتعلو ا فوق هذا الكم من زخم الفكر إلى هناك حيث الإشراق النوراني يلف القلب ويعرج معراج الروح ، والتي لن تستكن إلا تحت عرش ربها. وبهذا تتقلب بين الأنوار والمحجة اللاحبة من نور إلى نور : من نور القمر، إلى نور الشمس، إلى الله: نور السماوات والأرض عبر نور الكتاب، لتنسجم بين آيات الله القرآنية وآياته الكونية في سكون ضمير وراحة بال وطمأنينة تغمر الفؤاد

    إن لم يكن الشعر شاعرية لتحلق الأجواء في سماء الكون المنير فتشرق جواهر فنه وتتبرج للعيان، معربة للخاص والعام بأنها مجرد جرم سماوي وإن أنارت الأرض بإشعاعاتها، فما عساها أن تكون وهي تحاول التحليق في سماء البوم والخفاش والشبح المخيف؟

    لكن الثعابين ألفت المشي على بطنها يردها صيد يومها، لتقبع في جحرها وقد أطلقت لصفيرها العنان، ظنا منها بأن الفن لا وجود له إلا في ركنها الركين، وشتان بينها وبين من لا يحسن المشي على الأرض وإنما يعرج معراجه ويتألق نوره ممسكا بتلابيب نور ربه والذي يمتد في خط أفقي من السماء إلى الأرض مخضرة ألوانه، متلألئة جواهره، لا تنعم بلذة نظره إلا البصائر المستنيرة بنور ربها...

    --------

    وقفات بين رشفات جمالية:

    1- أوقفة إصلاحية نهضوية علوية؟ أم سقطة في نشوة خمرة سفلية؟

    2- أي الأنفاس أرقى، وأي جمال أبقى أدرب البوم والخفاش؟ أم درب البلبل الصداح النقاش؟

    3- أمتعة زائلة تستهويك للرذيلة؟ أم فن منحوت في سماء الملكوت؟

    أفن يستكين ولراحة ضمير يطمئن؟ أم فوران يغلي وفي معمة الجحيم يصلي؟
    http://www.mhammed-jabri.net/
يعمل...
X