إنّ الطّموح إلى محاكاة الواقع وتمثيله تمثيلا "أمينا "يستدعياستخدام جملة من الأساليب المخصوصة وهي أساليب مشتركة بين الكتّاب الواقعيّين رغمأنّ أشكال حضورها في نصوصهم ونسبتها تختلف باختلاف الكتّاب والنّصوص
والمجموعة الّتي بين أيدينا تزخر بهذا الاحتفاء بالواقع ورصد الأخيلةالّتي أفرزها وداعبت حسّ منشئها
تمرح بنا في آفاق رحبة متلوّنة الهموم والرّؤى لكنّها لا تنأى بنا عنمستوى هذا المعيش الّذي إليه نخلد وبه نكون
إنّه الواقع المسيّج للذّات تقطعه منكسرة /منتصرة ،يائسة /آملة،متعبة /مطمئنّة في سبيل إعادة إخراجه على شاكلة تزخر بإخراجات لا نستطيع فهمهامالم نتقصّ قلم الكاتب وما يحبّره من إشراقات تكسب هذا البعد الإنسانيّ جملة منالرّموز الّتي تحيل بالتّالي على إنشائيّة معيّنة وواقع مفترض وضرب من التّخييللهذه الذّات المبدعة وكيفيّة تمثّلها لموجودها فنشودها "عرس الشّيطان " أقصوصة تزخر بواقع عينيّ قريب المأخذ من حياتنا تمسحستّ صفحات وتتوسّط المجموعة التي تحمل نفس العنوان وهي للقاصّ الجزائري سعديصباح وهي متوّجة على المستوى الوطني هذا هامش النّص أمّا المتنفبمجرّد تصفّحنا للكمّ الملفوظ الذي نروم معالجته نجد أنّ ملخّصأحداث الأقصوصة تكمن في تقضية البطل لليلة رأس السّنة بإحدى المدن المغربيّةومامرّت عليه من تجربة أسالت حبره ولطّخت صفحة ذاكرته بهذه المسحة
1- مستوى التّخييل الذّاتي: يظهر الحديث عن الأنا منذ مفممح هذا النصحيث يقول :"دخلت وجدة دون انتظار كسّرت قسطا من الحياء : .."
هذا المتلفّظ يجعل البطل قريب من السّارد عن طريق توحّدهما في ضميرالأنا لتستحيل الأقصوصة ضربا من الإخبار أو الاسترجاع لتجربة حياتيّة عاشها البطلالسّارد وبالتّالي ينشئ الكاتب حول هذه الذّات أفقا تنويريّا من الدّاخل يلتزمالإفصاح عمّا رأى وشاهد وعايش من مستويات هذا الوجود بقي علينا أن نفتّت طلاسم هذاالمشوار من قصّة البطل وتقلّبه على وجوهه الممكنة فيحدودما يسمح به أفق الشّخصيّة التّخييليّ فنلحق بالسّارد الذي يكتع صوبشخصيّة مها بعد أن شقى في طلبها متجاوزا ما تعانيه البلاد من مآس أدمعت عينيه لكنذلك لم يحل بينه وبين هدفه المتمثّل في حضور عرس الشّيطان والبحث على حدّ قوله"عن لحظة نوم على النوّار لأنّني كرهت الزّحف على أشواك القندول " فيرقى مستوى التّخييل الذّاتي هنا ليضحي مشروع السّارد متمثّلا في قضيّة التّعويضوهي مطمح أثير لدى العرب إذ ينهض المشروع السّرديّ برمّته من أجل أشياء آمنتالشّخصيّة بها وسعت في تحقيقها لأجل تغيير واقعها انطلاقا من حاجة وسدّ لتلك الحاجةبغية تحقيق توازن من نوع خاصّ وحاجة ساردنا هنا نفسيّة بالأساس تتمثّل في تحقيقتوازن عاطفيّ حرم منه لتحلّ الراحة مكان التعب والاستجمام مكان الشّقاء وجنّة (الحور ) مكان جحيم (الزوجة ) الّتي خلّفها وراءهوالصورة هنا انعكاس لموروث دينيّ ودنيويّ :مقدّس /مدنّس فالمقدّسالمؤمن وما ينتظره من ثواب نتيجة الشّقاء والتعب والمدنّس هو الدّنيويّ وما تلبّسبه في أذهان النّاس من قصّة المعرّي و قارحه إلى "دانتي" وكوميدياه الإلهيّة ...بالإضافة إلى الموروث الشّعبيّ وما حاكه المخيال الشّعبيّ في قصص هؤلاء الفقراءالّذين ضربوا في مناكب الأرض سعيا وراء المنشود فتنفتح لهم أبواب السّماء والعيشالرّغيد في آخر الطريق من مسعاهمهذا التخييل الذي حبكته الشخصيّة الساردة حول مشروعها السّرديّ يعكسقضيّة التعويض كأبهى ما يكون فالسّارد يقول "تمنّيت حالمة تشاطرني غبطتي ...تملؤنيبأنفاسها ...أنسى متسلّطة تغرق في بحر التّوابل تغضب كلّما آتيتها محمّلا بالورودوالعطور " وبمجرّد مرور هذا الخاطر بذهن الشّخصيّة نجد الأمنية قد تحقّقت فيقول "وقبل أن ترميني أمواجها العاتية انتشلتني مها ...سافر المطر وحطّت أسراب الجميلات ...كلّ ساحرة تسطّر ليلتها "
و يغوص بنا السّارد في تفاصيل مخياله الّذي مهّد لرغبته يقصّ عليناأطوارها متقشّفا مقتصرا على ماكان وظيفيّا من توصيف فيصوّر وضعيّة الشّخصيّات التيلادور لها سوى إذكاء المشهد وبثّ الإثارة في المتلقّي ليبرز لنا شساعة أفق هذاالتخييل فتغرق عين السّارد في أسراب الحسان ويغذّي سمعه بقصصهنّ من الشّهوة والحياة
لنقف على تفاصيل هذه الجنّة الدّنيويّة الموعودة الّتي "ناضل " السّارد من اجل الفوز بها وتكبّد معاناة السّفر في سبيل الظّفر بحلوله فيها فيفصّلمكوّناتها ويوصّف شخصيّاتها في مشهديّة تحيين تثير فينا الشغف لعيشها وتمثّلمغرياتها حتّى نصادق على مشروعه بالوافقة :فعلا يستحقّ كلّ تلك المعاناة التي خاضهافي سبيل البلوغ ليمارس علينا سلطة تأثيريّة تتمثّل في إقناعه لنا بأنّ اللّحظةالّتي يحياها تستحقّ أن تعاش لنقف على القول الغير مصرّح به في النّص والّذي ظهر فيشكل فلتات قلم منذ بداية الرّحلة التي تجشّمتها الشّخصيّة الرّئيسيّة يقول فيالبداية ص 60 "أجتاز المنعرجات في حذر وقد لاح لي الثّلاثي المقدّس :
الله ،الوطن ،الملك فبكيت بحسرة على المآسي التي تمرّ بها البلا"دتكشف لنا الأقصوصة إذا أنّ هذه الذّات المقبلة على الملذّات لم يكن ذلك من فراغوإنّما هي سئمت الانكسار والجراح لذلك تعيش ضربا من التعويض والتخدير لهذه الأسقامالّتي تنخر وعيها وتنخر الذّوات من حولها من شخصيّة مها واهبة اللّذة إلى كلّالحوريات المسخّرات لأجل نفس الوظيفة ليفرش السّارد جنّته بضرب من التّخييل المنمّقبمقاسه ليحمّل حوريات جنّته ما حمّلت حوريات قصور ألف ليلة وليلة من ميل إلى الشّعروالملح والحبور لكنّه يسلّط مرآة عصره على المشهد ليشحنه ببعض المقوّمات التي تشيرإلى هذا الزّمن عصر الكاتب دون غيره من ذلك إنهاء السهرة في سيّارة مع المرأة منارلتتكرّر بأذهاننا بعض مشاهد الأفلام الرّومانسيّة المعاصرة وهكذا حقّق البطل مشروعهالتّخييليّ المتمثّل في الفوز بالّلذة كما جرت عادة رأس السّنة وما يحفّ بها منتقاليد تخرجها من نسق الأيّام العاديّة فكانت بالنسبة لبطلنا حجّا لأقصى اللّذة
2 - نمطيّة الخطاب الواقعي :الواقع في الأدب يستحيل نصّا وتصبح مظاهرهمن أشخاص ومدن و...علامات وإشارات تظلّ مع ذلك مخبرة عن نفسها وعن الواقع الّذيتشير إليه claude duchet
بالرجوع إلى عرس الشّيطان نلمح طغيان الخطاب الواقعي الذي ضبطتمقوّماته الدّراسات النّظريّة والتّطبيقيّة الّتي أمكننا الاطّلاع عليها،
-من ذلك المكان : الّذي يكتسب بعدا مرجعيّا مضبوطا يوهم بواقعيّةالأحداث و تجذرها في المخيال الجمعي والفردي على حدّ سواء فيسمّي المدن بمسمّياتهاص 60"دخلت وجدة " هذه المدينة المغربيّة فيميط اللثام عن علاقة الأشخاص بالمكانليبيّن هذه اللحمة المتينة بينها وبين الأماكن الذّاكرة :"...ناولتني شايا مغربيّا " هذه الطّقوس والعادات الّتي ما كانت لتتسنّى لنا لولا أن وطئها البطل أو أخبرتعنها الشّخصيّات من ذلك قول البطل عن "منار " وروت لي عن حياتها في فاس وعن حبّهاللشّعر هذا الفضاء المترع بالبهجة أناخ فيه السّارد أتعابه وأوهامه ومني بلذة العيشوقد وضّح تفاصيل هذا المكان العامّ ومكوّناته بدء بمنزل مها والغرفة التي أعدّتهاله حيث يتهيّأ لقضاء ليلته المنشودة
فالسّيارة أين عاش طقوس عرس الشّيطان ,أمّا المقاهي وساحة الحدود فقدكان ذكرها عارضا بمثابة التّأطير للحدث بينما التوصيف للمكان كان مقتصدا لأبعد حدّواقتصر السّارد عما يخدم السّرد والإسراع نحو غايته وما تجزله مركزيّة الحدثلذلك خلى عنصر المكان من الجدّة والتنوّع وجاء باهتا شأن القصّالتّقليديّ أي أنّه لم يوظف لغاية إيحائيّة أو جماليّة تضفي عليه أكثر من معنىماعدا ما سخّر في صلب الحدث
- الشّخوص :إلى جانب مركزيّة الأنا بوصفها محور الرغبة والقص على حدّسواء وما تنشئه من ردود أفعال ومحاولة إكسابها أكثر من بعد تأويليّ يفرضه النّمطالسّرديّ الواقعيّ هذه الشّخصيّة وكما قدّمها السّرد أو كما قدّمت نفسها كانتبمثابة زجاج نافذة السّيارة الغير متعهّد بالتّنظيف من طرف صاحبها فعلقت به مختلفخيوط العمليّة السّرديّة دون امتزاج أو تفاعل إشكاليّ يسم البطل بفنيّة التشويق أوالإثارة وأمّا بقيّة الشّخصيّات وهي جمع في مقابل فرديّة البطل فقد تقابلت معه جنسالتتماهى معه دورا حيث كانت مسخّرة لاستتمام مشروعه الّذي من أجله قدم عليها فتتحدبه لأنّ مشروعها هو تحقيق رغبة البطل ليخفت عنصر التقابل كما فسرته الدراساتالنّقديّة
- وذلك يدفعنا للإقرار بانّ الخطاب الواقعيّ في الأقصوصة مسكون بهاجسالنّمطيّة من حيث نسقيّة الأحداث وافتقارها لجانب التعقيد في مستوى الحبكة وإن أرادالسّارد إيهامنا بانصدامه أمام حقيقة المرأة الّتي خالط طبيعتها المزيّفة ليكتشفبعد ذلك سخريتها منه والشّيء من مأتاه لا يستغرب ومراوغتها له بإخفاء حقيقتها تلكالليلة من مستلزمات المقام لا المقاللذلك و على سبيل الخاتمة الواقع ومقتضياته في هذه الأصوصة لم يخرج عننسق القول التّسجيلي وإن حاول السّارد في كل مرّة إنكار هذه التّهمة عليه ليعطيلعمله بعدا فنيّا تأويليا مضمّنا لكنّه في النّهاية خدم أدبيّتة الفكرة على حسابالفنيّة
- بعض الإلماعات مأخوذة عن دراسة نقدية للدّكتور محمد نجيب لعماميكلية الآداب بسوسة -الخطاب الواقعي في "خفايا الزمان" لبراوي عجينة.
بقلم : خيرة أولاد خلف الله/ تونس