ولقد قرأ والدي ما لا يقرأ/ الجزء الثاني
وإني لحد اليوم أتساءل عن السر العجيب وراء قدرة والدي الخارقة في فصل الرغوة عن الصريح , أو الغثاء عن الزبد, وفي تفتيت الظواهر إلى عناصرها الأولى وفي النفاذ إلى بواطن الأمور ومكامنها. أي بعبارة أخرى لازلت أتقصى ولأسباب العجب أتحرى . عجب قراءة والدي مالا يقرأ ورؤية ما لا يرى .
وما يفسر أسباب تلك القدرة العجيبة في ناظراي تملكه لثروة حكواتية قصصية مثالية لم يشاطره أياه في حيازتها وينازعه في سردها إمرء لا في الحضر ولا في البدو . وإنني لا أخال أن كائنا ما كان حفظ عن غيب وعن علم ولو طرفا من أطراف تلك الحكايات ولا جزيئا طفيفا من تلك القصص ولا قلامة أظفر من تلك الأمثال . وربما لم تكن الأقوام تعلم أن مثال أبي في مثال أكثم بن صيفي ينام على فرائد الأمثال ويتقلب على جمهرة الحكايات . وأن هذه الأمثال وتلك الحكايات تعضده في سبرصروف الأيام وفي تشخيص سير صناعته وتجارته . وكأن هذه وتلك كانت فراقد هداية .عرف من خلال تطبيقها إن كان له في أعماله ما يتوخاه من ربح وكسب أم إن كان له فيها هدهدة .إن كان عماله يبنون له ملكا أم يبثون دبيبا كاذبا قد لا يكون لشيء ممهد أو توطئة .
ليت شعري من أين أتته تلك الحكايات ومن سرد له تلك القصص وضرب له تلك الأمثال ليحفظها عن ظهر قلب حفظ دارك وعالم بظواهر وبواطن معاني تلك الحكايات والقصص والأمثال . ومن أستقصى خبر تلك الثروة القصصية والكم الهائل من الأمثال في المحيط الذي تربى وترعرع فيه لم يجد لهذا وذاك أثرا ولا جذرا ولا صلة . أي أن أبي كان الوحيد بين ظهراني قومه الذي يملك براءة اختراع وتملك تلك القصص وبراءة قراءة تلك القصص وحلب عصاراتها الحكمية وخثاراتها الوعظية. كيف حدث ذلك الإنفلاق والإنفصام بين مصدر الراوي المجهول والمحدث البارع الذي هو أبي . ليتني وقفت على حقيقة الأمر وليتني تحريت مصدر رواة قصص وحكايات والدي . أي أسانيد ورواة تلك القصص . لكن هيهات هيهات إن كان في الإمكان ارجاعها إلى مصادر رواتها .
ولم يكن والدي في حفظه وسرده لتلك الحكايات هاويا ومستظرفا وإن وجد في بعض تلك الحكايات طرافة وظرافة. فلم يكن والدي أبو دلامة المضحك للخلفاء . فلقد كان والدي يجالس طبقات لا حصر لها من أهل الوبر والمدر. وأكثر هذه الطبقات كانت من أهل الوجاهة والرئاسة. ولم يكن يرى في نفسه مهرجا أو راويا لقصص ناهيك عما فيها من حكمة وحمية ملحمة إلا إذا واتته الفرصة وتطلبته آداب المقام و استدعته ملاحة جميل المقال .
وكان والدي من خلال وبفعل ثروته الحكمية وفلسفته الأجتماعية أشبه ما يكون بنبي يفهم نطق ومنطق الأشياء سواء كان هذا الشيء حجرا أم طيرا زرعا أم ضرعا . ولم يكن النبي سليمان في حضور وكنف أبي وحده ممن علم منطق الطير. والعلم بمنطق الطير يضمن ضمنا ليس فقط الحديث بتلك اللغة وانما فهم ما يقع فوق عقيرة ودون عقيرة النطق بتلك اللغة . أي فهم ما يتجاوز حدود وبوتقة الكلام واللفظ الظاهر وفهم ما يقع دونه مثل ذاك الذي يصدر عن الحجر والحيوان من همس وفحيح ونقيق ونعيب وهدهدة ودبيب .
وإني لحد اليوم أتساءل عن السر العجيب وراء قدرة والدي الخارقة في فصل الرغوة عن الصريح , أو الغثاء عن الزبد, وفي تفتيت الظواهر إلى عناصرها الأولى وفي النفاذ إلى بواطن الأمور ومكامنها. أي بعبارة أخرى لازلت أتقصى ولأسباب العجب أتحرى . عجب قراءة والدي مالا يقرأ ورؤية ما لا يرى .
وما يفسر أسباب تلك القدرة العجيبة في ناظراي تملكه لثروة حكواتية قصصية مثالية لم يشاطره أياه في حيازتها وينازعه في سردها إمرء لا في الحضر ولا في البدو . وإنني لا أخال أن كائنا ما كان حفظ عن غيب وعن علم ولو طرفا من أطراف تلك الحكايات ولا جزيئا طفيفا من تلك القصص ولا قلامة أظفر من تلك الأمثال . وربما لم تكن الأقوام تعلم أن مثال أبي في مثال أكثم بن صيفي ينام على فرائد الأمثال ويتقلب على جمهرة الحكايات . وأن هذه الأمثال وتلك الحكايات تعضده في سبرصروف الأيام وفي تشخيص سير صناعته وتجارته . وكأن هذه وتلك كانت فراقد هداية .عرف من خلال تطبيقها إن كان له في أعماله ما يتوخاه من ربح وكسب أم إن كان له فيها هدهدة .إن كان عماله يبنون له ملكا أم يبثون دبيبا كاذبا قد لا يكون لشيء ممهد أو توطئة .
ليت شعري من أين أتته تلك الحكايات ومن سرد له تلك القصص وضرب له تلك الأمثال ليحفظها عن ظهر قلب حفظ دارك وعالم بظواهر وبواطن معاني تلك الحكايات والقصص والأمثال . ومن أستقصى خبر تلك الثروة القصصية والكم الهائل من الأمثال في المحيط الذي تربى وترعرع فيه لم يجد لهذا وذاك أثرا ولا جذرا ولا صلة . أي أن أبي كان الوحيد بين ظهراني قومه الذي يملك براءة اختراع وتملك تلك القصص وبراءة قراءة تلك القصص وحلب عصاراتها الحكمية وخثاراتها الوعظية. كيف حدث ذلك الإنفلاق والإنفصام بين مصدر الراوي المجهول والمحدث البارع الذي هو أبي . ليتني وقفت على حقيقة الأمر وليتني تحريت مصدر رواة قصص وحكايات والدي . أي أسانيد ورواة تلك القصص . لكن هيهات هيهات إن كان في الإمكان ارجاعها إلى مصادر رواتها .
ولم يكن والدي في حفظه وسرده لتلك الحكايات هاويا ومستظرفا وإن وجد في بعض تلك الحكايات طرافة وظرافة. فلم يكن والدي أبو دلامة المضحك للخلفاء . فلقد كان والدي يجالس طبقات لا حصر لها من أهل الوبر والمدر. وأكثر هذه الطبقات كانت من أهل الوجاهة والرئاسة. ولم يكن يرى في نفسه مهرجا أو راويا لقصص ناهيك عما فيها من حكمة وحمية ملحمة إلا إذا واتته الفرصة وتطلبته آداب المقام و استدعته ملاحة جميل المقال .
وكان والدي من خلال وبفعل ثروته الحكمية وفلسفته الأجتماعية أشبه ما يكون بنبي يفهم نطق ومنطق الأشياء سواء كان هذا الشيء حجرا أم طيرا زرعا أم ضرعا . ولم يكن النبي سليمان في حضور وكنف أبي وحده ممن علم منطق الطير. والعلم بمنطق الطير يضمن ضمنا ليس فقط الحديث بتلك اللغة وانما فهم ما يقع فوق عقيرة ودون عقيرة النطق بتلك اللغة . أي فهم ما يتجاوز حدود وبوتقة الكلام واللفظ الظاهر وفهم ما يقع دونه مثل ذاك الذي يصدر عن الحجر والحيوان من همس وفحيح ونقيق ونعيب وهدهدة ودبيب .