السيِّئُ والأسوأ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد مزكتلي
    عضو الملتقى
    • 04-11-2010
    • 1618

    السيِّئُ والأسوأ

    السيِّئُ والأسوأ

    غُرفَةٌ مُنعْزِلَةٌ في مُعتقَل.
    سقفُها مُنخفضٌ، يَتدلَّى منهُ مصباحٌ خافِتَ الضوء.
    الجدرانُ مُتَّسِخةٌ، لاَ فَتحَاتٌ فيها سوى باباً صغيراً للدخولِ والخروج.
    في إحدى الزوايا، دَلْوٌ مَعدَنيٌّ صَدِئ.
    جانِبَهُ عصا طويلة، تنتَهي بِخِرْقَةٍ مهترئةٍ لِمَسْحِ الأرض.
    في الزاويةِ المقابلة، حمّالَةٌ خشبيةٌ لحَمْلِ الجثَث، تستَنِدُ على الحائط.
    الجِدارُ العريضُ في قاعِ المسرح، مُشوَهٌ بالثُقوبِ التي يُخلفُها الرصاص.
    في الجهةِ المقابلة، طاولةٌ خشبيةٌ متهالكة، خلفها كرسي.
    جَلَسَ عليهِ العادِمُ، مُرتدِياً بَزَّةً عَسكريَّةً، ويُمسكُ بِسِكِّين.
    المعدومُُ يقفُ في وسَطِ الغرفة، تحتَ المصباح.
    وقد ألبسُوهُ جلباباً فضفاضاً، وقيَّدوا يديه.
    يبدأُ المعدومُ بالحوار.

    برعبْ... لِمَ سَتقتلُني؟.
    بتهكُّمْ... لِأعيش.
    بقلقْ... وَهَل حياتُكَ مرهونَةٌ بموتي!؟.
    بإهمالْ... لستَ أنتَ بالتحديد.
    بتذمُّرْ... لماذا أنا!؟.
    ببُرودْ... إنهُ دورُكْ.
    بتوَسُلْ... لديَ أطفال.
    بلُؤمْ... أنا وُلِدْتُ يَتيماً.
    برَجاءْ... سأتْرُكُ ثَكْلَى وأرمَلة.
    بشَهوةْ... سَأجدُ لهما الرجلَ المُناسب.
    بأمَلْ... ألستُ أنا هو المُناسب؟.
    بحدَّةْ... لاَ.
    بيَأسْ... كيفَ لاَ وقَد كُنت!؟.
    بِثِقَةْ... أنا هُنا مَن يُقرِّرُ ما هوَ المُناسب.
    بتحَدٍّ... هَذا لأنَّكَ تحملُ بيدِكَ السِكِّين.
    ملَوِحاً بالسِكِّينْ... مَن يمتلكُ السِكِّينْ، يمتلكُ القرار.
    بِوعيد... ألاَ تخافُ اللَّه.
    بسُخرِية... إنَّهُ هوَ، مَن دبَّرَ لنا هَذا اللِقاء.
    بِتَرْهيب... اللَّهُ لاَ يأمُرُ بالظلمِ، وقَتْل البشَر.
    بِلَباقة... يُمكنُكَ القول، أنَّهُ قَدَّرَ لَكَ أن تموْتَ بِيَدِي.
    بحِنْقْ... اللَّهُ لاَ يُقدِّرُ سوى الخير.
    بازدراء... الخيرُ في أن تموت.
    بأسى... هَذهِ وُجْهةُ نظرِك.
    بزَهُو... طبعاً، هيَ وُجْهةُ نظَري.
    بتمني... تستطيعُ أن لاَ تفعل.
    بخُبْث... مَن يستطيعُ أن يُبدِّلَ ما أرادَهُ اللَّه!؟
    بألَم... لماذا تعتقدُ بأنَّكَ دائماً على حَق.
    بعَجرَفَة... لأنَّني أمتَلِكُ السِكِّين.
    بمَكر... لو تَبادلنا الأماكِن، هل ستُغيِّرُ من وجهةِ نظرِك؟.
    بِدَهاءْ... هل ستفعلُ أنت؟.
    بِلهفة... طبعاً لاَ... وأُقسِمُ على ذَلك.
    بجَد... وأنا أيضاً، أُقسِمُ على ذَلك.
    بِلاَ اكتراثْ... تقولُ هَذا لأنَّكَ تستحوِذُ على السِكِّين.
    مادّاً يدَه... ها هيَ السِكِّين، خُذها.
    بِدَهْشَة... هل أنتَ جاد!؟.
    يدنو العادمُ مِنَ المعدوم، يَفُكُّ قيْدَه، ويُعطيهِ السِكِّين.
    يقفِزُ المعدومُ نحوَ الجدار، يسندُ ظهرَهُ إليه، قابضاً على السِكِّينِ بقوة.
    بفَرَح... السِكِّينُ صارَت في يدي.
    بتبلُّد... وماذا بعد؟.
    بانتقام... أصبحْتُ أنا صاحبُ القرار.
    ببَلاهَة... هل ستقتُلُني؟.
    بِاشمئزاز... هل ترى غيرَ ذَلك؟.
    بتوبيخْ... حَنَثتَ بيمينِكَ بمجرَدِ أنْ أمسَكْتَ السِكِّين.
    بتهَرُّب... كنتُ مُجبراً.
    بامتعاض... لم أُجبِرُك على أن تُقْسِم!.
    بتزلُّف... أنتَ أقسَمْتَ أيضاً.
    بعزِم... أنا سأبُرُّ بقَسَمي.
    يلوِّحُ بالسِكِّينِ بانتصار... ذَلك لأنَّكَ تخَلَّيتَ عنِ السِكِّين.
    باستدراج... ستقتلُني إذاً؟.
    بتبرير... سأفعلُ ما كُنتَ ستفعَل.
    بصرامة... هَذا عَمَلي، أقبَضُ عليهِ أجراً.
    بقرَف... عملٌ بَشع، تقتلُ لأجلِ المال.
    بِفَخر... بَل أقتِل لأجلِ الوطن، وحريَّتهِ وأمنهِ وسلامته.
    بتشَفّيْ... وأنا سأقتلُكَ لأجلِ المظلومين واليتامى والثَكالَى في هَذا الوطن.
    بتبْطين... ألا تَخافُ اللَّه؟.
    بتَرَدُّد... وَهَل تَخافُهُ أنت؟.
    بوقار... كُنتْ سأقْتلُكَ فقَط.
    بتجَرُّد... وأنا سأقُْتلُكَ فقَط.
    بتأنيب... أنتَ حَنَثْتَ بيمينك.
    بتملُّص... سَأصومُ ثلاثةَ أيام.
    بازدِراء... أنتَ كذّاب.
    بفوقية... وأنتَ غَبي.
    بتودُّد... تقولُ هذا لأنِّي أعطَيْتُكَ السِكِّين, لِمَا لاَ تُعيدُها لي؟.
    بحذَر... هل تحْسَبُنِي جُنِنت؟.
    بعبَث... هيَ لن تُفيدُكَ في شيء، وَلَن تَنجو بِها.
    بتصميم... سأقتلُكَ وأهربُ مِنَ النافِذَة.
    بتأَنّي... ألا ترى الجُدران، ليسَ فيها نوافِذ!.
    بإصرار... سَأَهرُب مِنْ الباب.
    بابتسام... إنَّهُ يُفضي بكَ إلى حيثُ كُنت.
    باسْتسْلام... سَأقتلُكَ وأنتظر.
    باستفزاز... سيأتي زميلي ويقتُلُك.
    برَجاء... عَساهُ يكونُ غَبياً مثلك.
    بتوتُّر... أتدري، إنَّكَ فعلاً تستحقُ المَوت.
    بِقَهر... لأنَّ سيادتُكُم يرَونَ ذَلك.
    بانفعال... بَل لأنَّكَ تعتقدُ بأنَّكَ تستطيعُ أن تُغيِّرَ قَدَرَك.
    بِصَبْرٍ نافذْ... قدَري أن لاَ أموتَ بِيَدِك، ولاَ بالسِكِّين.
    بِثقَةٍ بَالغة... إذاً، لماذا ترفضُ أنت تُعيدَ لِيَ السِكِّين.
    بِارتِباك... سؤالٌ سخيف!.
    بمراوغَه... هل تظُنُّ أنَّ قدَري أن أموتَ بهَذهِ السِكِّين.
    بشَك... هَذا ما يبدو.
    بِضِحكَةٍ مجنونةٍ عَالية... قدَرٌ مُعلَّقٌ بسِكِّين!.
    بمرار... بَل هو عَبَثُ الإنسان.
    بتململ... أِسمع يا هَذا، لقد تجاوزْتَ وقتَك، أعِد لي السِكِّين لأنتهي من هَذا الأمر.
    باستهجان... هل تريدُ أن أُعيْنُكَ على قتْلي.
    بِنَرفَزَة... أنتَ محكومٌ عليكَ بالإعدام.
    باستنكار... حُكمٌ جائر.
    بسُخرِية... بَل قدَرٌ جائر.
    بغضَبْ... سأقتُلُكَ لأجعلَ القدَرَ مُنصفاً.
    أَخرَجَ العادمُ مسدساً ضخماً من دُرْجِ الطاولة، وصرَخَ هادراً.
    أنا مَن يرسُمُ القَدَرَ هنا، هاتِ السِكِّين؟.
    بِإحباط... أنتَ لَمْ تعُد بحاجةٍ إليها.
    بغضبٍ شديد... بهَذا المسدس أعدمْتُ العشراتَ قَبلَك.
    أما أنتَ أيها الوغد، فلَن أقتلُكَ إلا بالسِكِّين، هاتِ السِكِّين؟.
    برعب... لتُمعِنَ في إذلالي وإيلامي.
    بوحشية... بَل لأجعَلَ قَدَرَكَ أن تمُوتَ بِيَدِي، وبهَذهِ السِكِّين.
    بثبات... هيهات أن تنالَ ما تُريد.
    بإغلاق... هات السِكِّين، وإلا أفرغْتُ رصاصَ المُسدَّسِ في رأسِك.
    بإرادةٍ صُلْبَة... ماذا تنتظر، الرصاصُ أقلُّ إيلاماً من السِكِّين.
    بهَذيانْ... سأقْتلُكَ بالمُسدَّس، ثُمَّ أذبَحُكَ بالسِكِّين.
    بانتصار... أنا على يَقين بأنِّي في لحظاتِي الأخيرة.
    وأرى الموتَ أمامي يبتسمُ لي.
    غَيرَ أنَّ إحساساً طاغياً يُنْبِئُني بأنَّكَ لسْتَ قاتلي.
    بجُنون... اللعنةُ عليكَ وعلى إحساسِكَ، أيُّها الحَقير.
    هات السِكِّين، وإلا مَزَّقْتُكَ إرباً.
    بِطُمأنينةٍ وسلام... لاَ، لَنْ أتخلَّى عَنِ السِكِّين، سأموتُ سعيداً هانئاً راضياً بقَدَري.
    أمَّا أنت، فَستعيشُ لتتَذكَّر بأنِّي جعلْتُ منكَ أرجوزاً وأضحوكةً للقدَر.
    هَجَمَ العادمُ على المعدوم، لينتزِعُ منهُ السِكِّين.
    فَسلَّمهُ إياها في صَدرِهِ، ووََقعاَ معاً على الأرض.
    حينَ سمِعَ الحُرّاسُ الجلبَة، دخلوا مُسرعين، ورموا المَعدومَ برَصاصِ بَنادِقهم وأردُوهُ قتيلاً.
    صَرَخَ فيهُم العادم، اللعنةُ عليكُم أيها الأوغاد، لِمَا قتلْتُموْهْ، لِمَا قتلْتُموْه.
    لقد سَخِرَ منِّي, وأنا مَن يجبُ أن يقتُلُه، أنا أُريدُ أن أقتلُه.
    خَرَّ صريعاً وسَطَ دهْشةِ واستغرابِ الحُرّاس.

    تُنْزَلُ السِتارة.
    أنا لا أقولُ كلَّ الحقيقة
    لكن كل ما أقولهُُ هو حقيقة.
يعمل...
X