
كنت أستعد للسفر إلى الأراضي السعودية لكي أؤدي العمرة والحج..، انتابتني مشاعر كثيرة
بين وقفات عابرة مع النفس وبين الخوف من مشقة الرحلة وقد سمعت تفاصيلها
من الجميع ..
جمعت حاجياتي الشخصية ووضعتها في حقيبة السفر وقد وضعت ذاتي الحائرة بينها،
ترى إلى أين ستمضي بي الأيام ؟!
هل سأستطيع أن أكون على قدر عطاء الله سبحانه وتعالى وهذا الكرم الذي حباني به
وهذه الهبة من هباته الكثيرة وإن كانت الأكبر بين عطاياه ومننه عليَّ ..؟!
هل ...؟ وهل ... ؟ تساؤلات كثيرة شاغبت فكري وحفرت أخاديدها فوق خيالي
وأنا مستسلمة صامتة أنتظر بتوق شديد أن أخوض غمارها وأن أتبين بنفسي معالم
طريقي ورحلتي إلى الله سبحانه وتعالى ..!
وحان موعد السفر .. استقليت الطائرة وإحساس كبير يسيطر على خلجات نفسي
لحظة إقلاعها ، شعرت كأني ألقي بكل أحزاني بين السحاب وأتجرد من هذه الأنا
التي تُهت بين تحدياتها عراكها المتصل والأيام ، كنت كطفلة صغيرة تلهو وسط
هذه الكتل البيضاء التي تتشكل في أشكال ربانية شفافة أمام ناظري ،
وكأني وحدي التي لديها قدرة ترجمة هذه الرسومات والتكوينات في فضاء
الله سبحانه وتعالى ..
أمعن النظر وأستنطق الكلمات وأركز فيها لأرى مدلولاتها التي تهب الروح هذا الصفاء
وهذا النقاء الشفاف الذي أحبه دائما ..
فهذه يد كبيرة ضخمة تبسط كفها وكأنها تناديني لأضع كل روحي فيها ..، وهذا وجه
عابس ينظر لي نظرات حازمة وكأنه يقول لي : تحرري من كل دنياك وتعالي إلى
هذا العالم الرباني الذي لا يعترف بمادياتكم العقيمة ، وحذاري حذاري ...!
وهذا ..، وذاك ...، ...!!
أصبحت لحظتها كريشة خفيفة تتطاير بفرحة هنا وهناك وكأني أقترب من ربي
أكثر وأكثر وأقطع مسافات حيرتني كثيرا وأنا أحاول أن اتخطاها في ليال طوال ..
وجلست أتمتم بالاستغفار وكأني أعاني لحظة المخاض وأنتظر خروجي من رحم
هذه الدنيا أنتظر بفرحة أن تلفظني أن ترمي بي في هذا الخضم الهائل من الشفافية
والنقاء ، لقد ضقت بها وكأني كنت أعدو وأعدو دون توقف وقد حانت لحظة الراحة
والتخفف من أعباء دنيا أرقتني وأرهقتني كثيرا خاصة بعد رحيل والدتي رحمها الله ..
نعم أشعر أن لحظة الخروج الحقيقية أصبحت وشيكة وأن تمتماتي بهذا الاستغفار
هي كلمة السر لهذا الخروج نحو اللاشعور المتوحد مع الشعور الإنساني..!
استغرقت رحلتي قرابة الثلاث ساعات وشعور يتلبسني ، يقذف بي بين طيات
هذا السحاب وهذه الغيمات التي تحملني إلى رحلتي التي طاقت نفسي إليها ،
أبتسم حينا وأستغرق في شرود يتملكني ومشاعر شتى تتقاذفني كريشة صغيرة
وجدت نفسها بين أياد الله تعالى ..!
واستقرت الطائرة على أرض المطار .. و ..!!
وإلى لقاء آخر سيجمعنا وطريقي ورحلتي إلى الله تعالى ..
شكرا لكم
/
/
/
ماجي