إمام الساقية.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد مزكتلي
    عضو الملتقى
    • 04-11-2010
    • 1618

    إمام الساقية.

    كان ياماكان في قديم الزمان,وفي سالف العصر والأوان.
    كان هناك نبع ماءه غزير,عذب فرات سلسبيل.
    يرده الداني والقاصي والمؤمن والعاصي وكل عابر سبيل.
    ظل النبع دهراً يروي بحب وسخاء كل كبير و صغير.
    لا يعصم مائه عن أحد صعلوك كان أم أمير.
    يطفئ ظمأ قلوبهم ويروي عطش عقولهم ويشفي صدورهم ويحيي ضمائرهم.
    غير أن كل حال لا يدوم ففي يوم مشؤوم صرخ فيه البوم وتلبدت السماء بالغيوم.
    صادف أن مر الملك أمام النبع برفقة حراسه وعلية القوم.
    فنزل عنده وشرب منه ثم تأمله في وجوم.
    قال في نفسه:حرام هذا النبع يرده كل من هب ودب.
    وماؤه الطاهر يجب أن يقدس ويرب
    فأمر أن يحاط النبع بسور عالي خوفاً عليه من عبث السوقة والدواني.
    وجعل عليه حراساً ومحتسباً ووالي.,ومابين يوم وليلة تم الأمر السلطاني.
    وبعد أن كان المكان جنة قطوفها دانية أنقلبت بأمر الملك أسواراً وأبراجاً وحاميه.
    وأصبح على من يأتي ليشرب أن ينحني إلى الأرض ويعب من الساقية.
    وله أن يشرب مايريد لكن لا يجوز أن يملأ منها أوانيه.
    ويحمد الله ويشكره ومن بعده السلطان والوالي والزبانية.
    كان هذا الملك مهداراً ظلاماً طاغية.
    جانح أخرق لا يعرف أن الرعية سواسية.
    فثار عليه الناس وطالبوا بخلعه ثم قتله جزاءً وفاقاً لسياسته الفاسدة فأعمل فيهم السياط والسيوف وملأ بهم السجون ولكن من دون فائدة.
    وفي غمرة إحباطه وفكره المشلول أشار عليه وزيره بأم الحلول.
    ذكره أن الناس جميعهم يشربون من الساقية.
    وهي وحدها القادرة على صد ثورتهم العاتية.
    والأمر لا يحتاج لسياط وسيوف ومعتقلات بل لبضعة قناطير من الحشيش والقات.
    تنقع في ماء النبع خلف الأسوار وبعدها لن يكون هناك ثورة ولا ثوار.
    وهذا ما كان .
    وسرى المخدر إلى عقول الناس عبر ماء الساقية.
    عندها فقط,آمن الجميع أن ملكهم نصبته الإرادة الإلهية.
    فرح الملك فرحاً شديداً بوزيره الداهية فزوجه أبنته راقية.
    وخلع عليه لقب(إمام الساقية).
    أستمرأ الملك هذه اللعبة وصار كلما أقضت مضجعه نزوة أو نجوى.
    يستدعي إمام الساقية ليستنبط عقاراً مناسباً وفتوى.
    يدير من جديد عقول الناس ويسلموا أن ملكهم لا ينطق عن الهوى.
    وكان كلما أذعن الناس لرغبات ملكهم الخناس.
    يحظى إمام الساقية بألف دينار وجارية.
    وهكذا دام حال البلاد على الظلم والمجاعة إلى أن باغت السلطان مفرق الجماعة.
    قبل الدفن أختلف أبناء الملك حول ملكية الساقية ولم يصلوا أبداً إلى قسمة راضية.
    حتى أشتد القتال بينهم وبدا أن الفيصل سيهرق دمهم.
    إلى أن لحق بهم وزير أبيهم وحقن الدماء بحل يرضيهم.
    وهو أن يحفروا من تحت أسوار الحامية ويكون لكل واحد منهم ساقية.
    يقيم عليها والياً لحسابه وإمام,وليدفنوا أباهم ليهترئ في ستر وأمان.
    وهذا ماصار.
    وأصبحت السواقي أربعاً يؤمها الناس في رهبة وخشوع.
    وينحنوا إلى الأرض ويعبوا مائها في خضوع.
    ويحمدوا الله ويشكروه ومن بعده الملك والوالي والزبانية.
    وبدورهم عاش الأبناء كأبيهم حتى يومهم الموعود.
    فالموت لا ينسى من كان مولود.
    خلفهم الأحفاد وقد أقسموا على السير على نهج الجدود.
    جيلاً بعد جيل كان عدد السواقي يربو ويزيد.
    ملأت الأرض وأنبتت بريها تُبّع وعبيد.
    ذهل الناس عن ذاك النبع ومياهه الطاهرة العطرة.
    وراحوا يشربون مياه السواقي الملوثة الكدرة.
    فتلوثت عقولهم وتكدرت نفوسهم وانحلت عقيدتهم وذابت كرامتهم.
    وصار ديدنهم كلما أرادوا أن يرتوا...أن ينحنوا.
    ويحمدوا الله ويشكره ومن بعده الملك والوالي وإمام الساقية.
    أنا لا أقولُ كلَّ الحقيقة
    لكن كل ما أقولهُُ هو حقيقة.
يعمل...
X