بسم الله الرحمن الرحيم
الانتخابات الداخلية
عبد الناصر رابي
لقد تجاوزت الحركة الإسلامية مرحلة النقاش حول أهمية الانتخابات الداخلية منذ وقت طويل بحيث أصبحت الانتخابات أمرا واقعا ويدعو لها النظام الداخلي للحركة وحتى تحقق الانتخابات النتائج المطلوبة منها فتوصل الرجل المناسب إلى المكان المناسب فلا بد من نشر ثقافة الانتخاب بين أبناء الحركة في كافة المواقع ولهذا فأنني سأتعرض لمجموعة مهمة من المحاور المتعلقة بالانتخابات في هذا الباب :
المحور الأول :
أهمية نتائج الانتخابات:
إن معرفة الناخب لأهمية النتائج الانتخابية تثير فيه دافعا قويا للاهتمام بها والجدية والدقة في التعامل معها ولعل من أهم النتائج:
1- إن من سيتم إفرازهم سيقودون الحركة في الموقع الذي تم اختيارهم لها فبمقدار أهليتهم يكون نجاح العمل واستقرار الوضع وتحقيق الاهداف0
2- أن عملية اختيار أي أخ لموقع معين تكون بمثابة إقرار بالأهلية والقدرة وهذا سيكون له انعكاسه في مواقع أخرى بنسب متفاوتة 0
3- المسئول قدوة فإذا لم يكن كذلك الحق أضرارا بالحركة على المستوى الداخلي والخارجي0
نوعية الأشخاص المنتخبين تلعب دورا محوريا في تحقيق الأمن الدعوي والتنظيمي بشموليته0
المحور الثاني:
الصفات الأساسية العامة للمكلف:
1- الالتزام الديني وقوة الارتباط بالله وشدة الحرص على تنفيذ أوامره واجتناب نواهيه وهذه قضايا من الممكن قياسها وملاحظتها من الأقوال والأفعال بما فيها الصغائر مع ضرورة التأكيد أن اللمم لا يُخرج الأخ من دائرة الثقة 0
2- مقدار الحرص لدى الأخ على دعوته ومقدار تقديمها على ذاته ومصالحه مع ضرورة أن يتم التأكد من عدم استغلال الأخ لمواقعه من اجل تحقيق مصالح خاصة0
3- رغبة الأخ للقيام بالعمل واستعداده للبذل عند اختياره لان عدم وجود الدافع والرغبة بالعمل قد يقود إلى إخفاقات ومشاكل ويُصَعِّب التقييم والمحاسبة0
4- امتلاك الأخ لقدرات ابتكاريه وإبداعية وتطويرية وهذا يمكن قياسه من خلال المشاهدة والمناقشة وقياس الانجازات العملية للأخ المستهدف أو المقصود إضافة لمهارات التواصل وفنون الإدارة حسب الحاجة والموقع0
5- مقدار ايجابية الأخ وتفاعله ومشاركته لإخوانه في أنشطتهم ومدى التزامه بأداء واجباته وعدم تواكله واعتماده على غيره ويشمل ذلك الأمور الصغيرة والكبيرة على حد سواء فنحن نريد قوما عاملين وليس منظّرين 0
6- الشجاعة ورجاحة العقل والتحلي بالأخلاق الإسلامية العالية0
المحور الثالث:
الصفات الخاصة بالموقع:
هناك ضرورة قصوى للاختيار الرجل المناسب للموقع المناسب من خلال توفر ما يسمى بالصفات الوظيفية أي امتلاك المهارات اللازمة للموقع فالموقع الأمني له صفاته التي تختلف عن صفات الموقع الإعلامي والإداري له ما يميزه كذلك الاقتصادي وغيره,ويزداد التشدد في الصفات العامة والخاصة كلما كبر المنصب وازدادت أهميته واتسع تاثيره0
المحور الرابع:
الاعتراف في التحقيق وأثره في الاختيار:
إن عملية الاعتراف في التحقيق مشكلة كبيرة تواجه الحركات الإسلامية في مواقع الصراع مثل فلسطين والعراق وتُلحق بها الأضرار ولذلك ينبغي أن يكون لها دور في الاختيار مع ضرورة التركيز على أن حجم الاعتراف وموقع الشخص المعتَرف ومدى تأهيله المسبق وعدد مرات الاعتراف وأساليب التحقيق المستخدمة ضده ومقدار التزامه بالبرنامج العلاجي كل تلك محاور تلعب دورا في التقييم وهذا يدعونا لدراسة كل حالة على حدة واتخاذ القرار المناسب بحق الأخ المعترف ,وقبل أن أغادر الموضوع أحب أن أقول انه لا بد من القيام بالتربية الأمنية طويلة الأمد للأفراد والقيادات واتخاذ إجراءات عقابية علاجية بحق المعترف بعد تقييم حالته كتجميده عن العمل لفترة وإلزامه ببرنامج تقوية وتهذيب النفس وإنعاش للعقل والبناء للجسد0
المحور الخامس:
ترشيح النفس للموقع:
لقد بات واضحا أن الترشيح أصبح سلوكا لازما ومرتبطا بعملية الانتخاب في شتى المواقع الجغرافية عند عموم الناس ولكن أبناء الحركة الإسلامية يتساءلون : هل يحق لنا أن نرشح أنفسنا لمواقع محددة؟
إن هذا السؤال على أهميته لابد أن نفصل فيه بين طبيعة المواقع والأشخاص المرشحين ولذلك سأذكر الحالات التي يسمح فيها للأخ آن يرشح نفسه للانتخابات وهي:
1- عندما يكون الشخص المقابل والمرشح للموقع سيئا وغير ملتزم بالنظام والحكم والفكر الإسلامي ومن الممكن أن يلحق ضررا بالوطن أو بالدعوة أو المؤسسة وهنا لابد من أن يتقدم الثقة ويرشح نفسه ومثال ذلك النقابات العامة والجمعيات واللجان الحكومية والخاصة والبرلمانات0
2- إذا طلب منه إخوانه في الدعوة فعل ذلك ومثال ذلك انتخابات البرلمانات والبلديات وما شابه ذلك0
3- إذا كان تقديمه لنفسه ينهي فتنة داخل التنظيم لوجود اتفاق على شخصه ولا يوجد شخص آخر يمكنه القيام بمثل هذا الدور في تلك المرحلة لأي سبب كان,(وقال بعض الفقهاء انه على الكفء تقديم نفسه إذا لم يكن هناك غيره)0
إن هناك خلاف حول جواز أو تحريم ترشيح النفس بين الفقهاء للمواقع والحالات التي لا ينطبق عليها ما سبق ذكره ولقد احتج دعاة التحريم بقول الله عز وجل ( ولا تزكو أنفسكم ) صدق الله العظيم وبقوله صلى الله عليه وسلم (( إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه ))البخاري,وهناك من العلماء من لم يترك الأمر على إطلاقه واستدلوا بقوله عز وجل على لسان ابرأهيم عليه السلام ((واجعلنا للمتقين إماما)) الفرقان، ومنهم الأستاذ الراشد في كتابه أصول الإفتاء الجزء الثالث صفحة 228 وآخرون مثل صاحب كتاب التنازع والتوازن في حياة المسلم حيث أشاروا إلى أن الطلب غير المقرون بالحرص أو استجلاب المصلحة الذاتية لا يضر صاحبه , فقال الراشد ( علينا أن لا نجعل التطبيق حرفيا ظاهريا بحيث يكون التوقف عن إسناد الولاية بسبب الترشيح),وكلما عظمت الولاية عظم التشدد في الأمر,وموقف الحركة الإسلامية الظاهر هو منع الترشح ولكن ذلك لا يحول دون تكليف العديد من الإخوة الاكفياء لمناصب استعدوا لتوليها والقيام بواجبها حسب ما هو معمول به على ارض الواقع0
وكحل لإشكالية ترشيح النفس الذي قد يثير إشكالات داخل الصف بسبب اقترانه بالدعاية الانتخابية والمدح والطعن والتكتلات وتصرفات آخري تضر بوحدة الصف فإنني أرى انه بالإمكان إيصال الشخص المناسب للموقع المناسب دون أن يرشح نفسه إذا تم:
1- وضع الشروط الدقيقة الواجب توفرها فيمن يترشح للموقع0
2- تحديد مدة الاستمرار في المنصب التنظيمي الواحد0
3- منع الأخ من تولي أكثر من منصب في آن واحد مما سيفتح المجال أمام الاخرين0
4- وضع نظام رقابة ومحاسبة للعاملين مما سيساعد على إنجاح العمل ويجعل غير الاكفياء يبتعدون عن الموقع0
5- من خلال تقديم احد الأخوة لأخ أخر وطرح اسمه لتولي الموقع المراد وهذا ما فعله أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عندما رشح ستة من المبشرين بالجنة ليختاروا من بينهم خليفة له0
إن التربية الإسلامية والتنظيمية السليمة ومعرفة الأخ لتبعات الإمارة عند الله وعند الناس تحول غالبا دون طلبها من اجل مصلحة ذاتية لأنها من الناحية العملية تضحية مستمرة ودائمة وخاصة في ظل الاحتلال والأنظمة الفاسدة , ومن المهم عدم التعامل بتشدد في تحريم ترشيح النفس والنظر إلى القضية من باب المصالح التنظيمية العامة والمهنية الخالصة لوجود الخلاف الفقهي حول الموضوع0
المحور السادس:
الدعاية الانتخابية:
إن وجود مرشحين يزيد من الأنشطة الدعائية التي تزكي أو تطعن أو تظهر مفاسد أو ايجابيات, ومن المعلوم أن الدعاية الانتخابية الإسلامية لا تقوم بممارسة الوسائل المحرمة حتى ضد الخصوم مثل الكذب والتحريف والتشويه والقذف والتشهير وغير ذلك من السلوكيات المنبوذة ,وداخل الصف الإسلامي فالتشدد في ذلك اكبر .وبنظرة واقعية نرى أن الدعاية الانتخابية تمارس حتى في الانتخابات الداخلية للحركة الإسلامية بشكل مباشر أو غير مباشر ويكثر ذلك إذا كان المنتخِبين والمرشحين من بيئات مختلفة ومواقع جغرافية متعددة ومتباعدة ولا يعرف احدهم عن الآخر إلا القليل, ويتم ذلك رغم منع النظام الداخلي للحركة الإسلامية لممارسة الدعاية الانتخابية المباشرة وغير المباشرة الشخصية أو من اجل الغير وعادة ما يكون ذلك بصورة عفوية قبل الانتخابات, وهناك من يطالب بإقرار موضوع الدعاية بضوابط كون الانتخاب هو شهادة ومن سيشهد لا بد له من الاطلاع على إمكانات وأوضاع ومسلكيات وأفكار من سينتخبهم ,لكن الأمر من الناحية الإدارية صعب التحقق على إطلاقه ويمكن تقنينه من خلال معرفة أمور لا تضر معرفتها ومتاحة مثل العمر والمهنة والمستوى العلمي والدورات التي تلقاها والمواقع القيادية والإدارية التي شغلها وطبيعة أداءه لها أو أي قدرات ومواهب أخرى إذا لم يكن لذلك محاذير أمنية ,ووجود ثقافة الانتخاب والاختيار تساعد على إيصال الرجل المناسب للمكان المناسب فهي تساعد على حسن الاختيار والتقييم للاشخاص0
المحور السابع
ممارسات انتخابية خاطئة
من يعمل يخطئ ومن يخطئ عليه أن يصوّب إذا علم بخطئه وتوجه بصدق نحو الأفضل و الانتخابات كغيرها من الأعمال قد تشوبها بعض الأخطاء غير المقبولة من أبناء الحركة الإسلامية وبالذات من الدعاة العاملين ومن أبرزها :
1- التصرف السلبي من خلال عدم الانتخاب أكان ذلك بوضع الورقة بيضاء أو المقاطعة رغم أن البعض يعتبر أن مثل هذا التصرف من الممكن أن يعتبر مظهرا من مظاهر الاحتجاج على الوضع القائم, إلا أنني أرى أن تغيير الواقع لا يكون بالمقاطعة وإنما من خلال المشاركة الفاعلة وانتخاب من يراه مناسبا كون أساليب الاعتراض والاحتجاج مفتوحة ومتاحة سواء بالكلام المباشر لأولي الأمر أو إرسال الرسائل المكتوبة ولا يعني عدم رضا أخ عن الوضع أن الوضع سيء فمن الممكن أن تكون وجهة نظر الأخ غير دقيقة0
2- عدم إعطاء الموضوع الأهمية اللازمة من خلال عدم إجهاد النفس في الاختيار والتقييم وإراحة النفس بانتخاب الوجوه السابقة والجماهيرية الشعبية دون النظر إلى خصوصية المواقع التي سيشغلونها ومدى ملائمة قدراتهم الإدارية والتنظيمية على ملئها أو من خلال انتخاب مكلفين سابقين ليس بسبب كفاءتهم الظاهرة وإنما لإراحة النفس من التقييم والاختيار0
3- الكولسة ((وهي الاتفاق بين مجموعة من الأشخاص على انتخاب شخص محدد دون غيره لأسباب عائلية أو مناطقية أو نكاية بآخرين)) وهذا ما منعه النظام الداخلي للحركة لخطره وأضراره, ولهذه المعايير المرفوضة في الاختيار أشكالا منها انتخاب شخص واحد من القائمة المحددة أو وضع الاسم المراد مع مجموعة ممن لا يتوقع فوزهم وهذا وجه آخر لانتخاب اسم واحد, ولا يحول دون هذا الفعل إلا الوعي والإخلاص أو الانتخاب علي أكثر من مرحلة0
المحور الثامن
متفرقات:
ومن الإجراءات التي قد تساعد على إنجاح العملية الانتخابية وتحقيق أهدافها:
1- إجراء الانتخابات لنفس الموقع على مرحلتين فمثلا إذا كان المطلوب انتخاب خمسة يتم فرز أعلى عشرة أسماء بعد إجراء المرحلة الأولى ويتم اختيار خمسة من بينهم في انتخابات المرحلة الثانية وذلك لحصر عدد من يحق انتخابهم وعدم تشتت الأصوات والحد من الكولسة0
2- موضوع الاستنكاف لأخ أو أكثر والامتناع عن دخول العملية الانتخابية لمن يرى انه لا يستطيع تقديم الأفضل أو من اجل السماح لوجوه جديدة للتقدم للعمل أمر مفيد إذا ضبط بمقادير دقيقة0
3- المنع الداخلي لبعض الإخوة الذين يضر فوزهم بالحركة من الترشح من خلال الحديث معهم وإقناعهم حتى لا يلحق بهم ضرر معنوي جراء المنع العلني أو من خلال شطب نتائجهم أو كشف بعض ما يضرهم للمنتخبين وهذا الأسلوب من أساليب تفادي أضرار منع الدعاية الانتخابية0
4- أرى أن أسلوب المزج بين القدماء والجدد في مراكز العمل له أهمية وخاصة في انتخابات مجالس الشورى والمكاتب الإدارية لان ذلك يضمن بقاء جذوة الهمة متقدة ويلاقح الخبرات ويحافظ على خط سير العمل بوتيرة متصاعدة ولا يُحدِث فجوة بين الجديد والقديم0