قضايــا ثقافيـة - التبــاس الوعــي القصصي
في قصصي الأخيرة ،التي تجاوزت السبعين او الثمانين قصة معظمها نشر وبعضها القليل ما زال تحت العمليات التجميلية والتقويم ... تعرضت بسببها للكثير من الملاحظات النقدية ، معظمها تثلج الصدر، ولكن بعضها لا استطع العبور عنه دون ملاحظات وانطباعات ثقافية عامة.
اعتمدت في قصصي الجديدة، عدا الأسلوب الجديد لغويا وفنيا في كتاباتي القصصية، مفاهيم فلسفية متعددة، كانت بالنسبة لي سابقا نبراسا سياسيا بالأساس، ربما أثرت فكريا على كتاباتي الثقافية والسياسية العامة ، ولكني رأيت فجأة اني قادر على تحويل أصعب المقولات الفلسفية الى موضوع قصصي شيق وسهل الفهم، وان القيمة الثقافية الابداعية في الفكر الفلسفي الذي أسرني منذ بداية وعيي،لا يقل أهمية عن الفهم السياسي او الاجتماعي او الأخلاقي، وهكذا وجدت نفسي غارقا في سلسلة كتابات قصصية امسكتني عن أي كتابة أخرى لفترة أشهر امتدت منذ اواسط العام 2010 وحتى شهرين قبل ان نطوي 2010 وتوقفت بسبب استلامي رئاسة تحرير يومية سياسية.
ما ساءني ان مثقفين وراء صفات طويلة تسبق أسمائهم وثقيلة القيمة، سماعيا على الأقل، لم يفهموا المقروء الفلسفي أو حتى الأدبي البسيط ... وراحوا نحو تفسيرات هرطقية ومواعظ دينية لا علاقة لها بالنص القصصي، مما يعني ان بينهم وبين الثقافة والرؤية القصصية، كشكل من أشكال الوعي الثقافي والاجتماعي، المحيط الأطلسي بكل اتساعه.
حتى في القصص البسيطة ، والساخرة،مثلا قصة :"حتى يهديهما الله" يمكن ايجادها عبر غوغل او الرابط التالي: (http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=5789) هناك فكرة فلسفية بسيطة عن "فشل التفكير المنطقي" لدى بعض الناس ( استمرار بطل القصة في شرب الخمر بحجة انه يشرب عن صديقيه)... وليس مجرد لسعة فكاهية. أو غمز ضد الدين، كما تفلسف بعض الجهلة !!
مثلا في قصة لي تحمل اسم "ارملة على الشاطئ" يمكن ايجادها عبر "غوغل" او الرابط التالي: (http://www.akherkhabar.net/content/view/9415/82/ ) انتقدتني احدى "المثقفات" لأن الأرملة، بطلة القصة، تخرج للبحث عن علاقة جديدة قبل مضي اربعين على وفاة زوجها وان الدين يقول "كيت وكيت". رغم ان القصة تعالج ما يسمى "المنفعية" ، أي فيها نقد للفكرة القائلة ان "الهدف يعطي للوسائل المتبعة مصداقيتها". وان "المصداقية الأخلاقية لتصرف ما تتقرر بناء على النتائج". بالطبع انا لا اطرح رأيي انما اقدم حالة قصصية ساخرة، ولو كنت "المثقفة"، أمدها الله ببعض العقل ، تفهم المقروء لما التجأت الى نصوص دينية لتصويبي ، حتى "أُصوب" الأرملة في تصرفاتها. أي ان القصة حسب هذا الفهم الضيق ، هي دين وعبادة وشريعة ومواعظ وقيود متزمتة وانغلاق فكري وانساني..
اعتمدت في هذه القصة، المنشورة أعلاه، كنموذج، على فكاهة سمعتها وظلت عالقة بالذاكرة حتى جاء وقتها، لكشف مضمون فلسفي عميق في معناها!!
ليس من المتبع ان يفسر الكاتب أفكاره .. أي ان يقدم اللقمة كاملة الهضم للقارئ، او لنقاد لا يفهمون فلسفة المقروء.. انا لا أكتب للتسلية كما اتهمني ناقد حصيف. ويبدو ان الكثيرين من حملة ألقاب كبار المفكرين وكبار النقاد وكبار الكتاب، لا يختلفون في "فشل تفكيرهم المنطقي" عن القارئ البسيط . على الأقل القارئ العادي يجد ما يضحكة (وهذا بحد ذاته ضمن شروط اللعبة القصصية وفن القص).. اما بعض "الكبار" فيدعون ان قلمهم "شرفني" حين كتبوا عن قصة لي وانهم عادة لا يكتبون الا عن "كبار الأعمال" والبعض لم أقرأ ما كتبه لأنه حولها الى خطبة دينية مكررة مملة مستعرضا عضلاته في حفظ النصوص الدينية وسرد الممنوعات حسب تفكيره القروسطي.. وجميعهم بالتلخيص الأخير يثبتون جهلهم الثقافي واللوجي ( العقلي المنطقي ) لمفهوم الأدب وفلسفة الثقافة والقدرة على التفكير بمنطق ثقافي ، وليس بآلية مبرمجة بعقلية قتل الميكي ماوس.
عندما لا أعرف شيئا عن الكاتب وآفاقه المترامية الأطراف ، وتجربته الحياتية والثقافية، لا أستطيع ان أضعه في خانة وأبدأ باطلاق الأحكام (الرصاص) عليه!!
فقط في ثقافتنا العربية هذا الأمر جائز لأننا بصراحة نعاني من أمية مثقفين وانتشار طبقة متثاقفين "يعرضون محاسنهم" مثل بعض نجمات الفضائيات .
ان مفهومنا للقصة يعاني من قصور فكري. القصة قادرة ان تحل مكان مقال سياسي او فكري، مكان تحليل اجتماعي او اخلاقي. مكان رؤية مستقبلية . مكان كتابة نقدية في مجالات متعددة، وليس في مجال الابداع الروحي فقط.
المشكلة تتعلق كما اراها بتطوير قدراتنا القرائية، وتطوير وعينا ومعارفنا حول عالمنا وحضاراته وخروجنا من حالة الشلل الحضاري والابداعي بمفهومه الانتاجي – انتاج الخيرات المادية ، وليس الابداع الروحي فقط.
القصة كما ارى ، تجاوزت مرحلة التسلية الى مرحلة الوعي والفكر، وهذا لا ينفي متعة القراءة، بل يضاعفها بمفهوم أن مخاطبة الوعي في القصة، تضاعف متعة القراءة بسبب الاضافة الكبيرة لمضامين النص، ومخاطبة الوعي الى جانب الحس الانساني للقارئ.
الرسائل التي تصلني تحمل الكثير من الملاحظات الممتعة والجادة وبعضها افادني الى ابعد الحدود ، وبالطبع هناك كبار المفكرين " الذين شرفوني بالكتابة عني" أثبتوا ان فكرهم وفهمهم يعاني من التباس وعقد تحتاج الى عيادة طبيب نفسي وليس الى عيادة كاتب مثلي لا يملك الا تعميق ضياعهم الفكري وشططهم العقلي !!
نبيل عودة- كاتب، ناقد واعلامي ورئيس تحرير جريدة المساء اعتمدت في قصصي الجديدة، عدا الأسلوب الجديد لغويا وفنيا في كتاباتي القصصية، مفاهيم فلسفية متعددة، كانت بالنسبة لي سابقا نبراسا سياسيا بالأساس، ربما أثرت فكريا على كتاباتي الثقافية والسياسية العامة ، ولكني رأيت فجأة اني قادر على تحويل أصعب المقولات الفلسفية الى موضوع قصصي شيق وسهل الفهم، وان القيمة الثقافية الابداعية في الفكر الفلسفي الذي أسرني منذ بداية وعيي،لا يقل أهمية عن الفهم السياسي او الاجتماعي او الأخلاقي، وهكذا وجدت نفسي غارقا في سلسلة كتابات قصصية امسكتني عن أي كتابة أخرى لفترة أشهر امتدت منذ اواسط العام 2010 وحتى شهرين قبل ان نطوي 2010 وتوقفت بسبب استلامي رئاسة تحرير يومية سياسية.
ما ساءني ان مثقفين وراء صفات طويلة تسبق أسمائهم وثقيلة القيمة، سماعيا على الأقل، لم يفهموا المقروء الفلسفي أو حتى الأدبي البسيط ... وراحوا نحو تفسيرات هرطقية ومواعظ دينية لا علاقة لها بالنص القصصي، مما يعني ان بينهم وبين الثقافة والرؤية القصصية، كشكل من أشكال الوعي الثقافي والاجتماعي، المحيط الأطلسي بكل اتساعه.
حتى في القصص البسيطة ، والساخرة،مثلا قصة :"حتى يهديهما الله" يمكن ايجادها عبر غوغل او الرابط التالي: (http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=5789) هناك فكرة فلسفية بسيطة عن "فشل التفكير المنطقي" لدى بعض الناس ( استمرار بطل القصة في شرب الخمر بحجة انه يشرب عن صديقيه)... وليس مجرد لسعة فكاهية. أو غمز ضد الدين، كما تفلسف بعض الجهلة !!
مثلا في قصة لي تحمل اسم "ارملة على الشاطئ" يمكن ايجادها عبر "غوغل" او الرابط التالي: (http://www.akherkhabar.net/content/view/9415/82/ ) انتقدتني احدى "المثقفات" لأن الأرملة، بطلة القصة، تخرج للبحث عن علاقة جديدة قبل مضي اربعين على وفاة زوجها وان الدين يقول "كيت وكيت". رغم ان القصة تعالج ما يسمى "المنفعية" ، أي فيها نقد للفكرة القائلة ان "الهدف يعطي للوسائل المتبعة مصداقيتها". وان "المصداقية الأخلاقية لتصرف ما تتقرر بناء على النتائج". بالطبع انا لا اطرح رأيي انما اقدم حالة قصصية ساخرة، ولو كنت "المثقفة"، أمدها الله ببعض العقل ، تفهم المقروء لما التجأت الى نصوص دينية لتصويبي ، حتى "أُصوب" الأرملة في تصرفاتها. أي ان القصة حسب هذا الفهم الضيق ، هي دين وعبادة وشريعة ومواعظ وقيود متزمتة وانغلاق فكري وانساني..
اعتمدت في هذه القصة، المنشورة أعلاه، كنموذج، على فكاهة سمعتها وظلت عالقة بالذاكرة حتى جاء وقتها، لكشف مضمون فلسفي عميق في معناها!!
ليس من المتبع ان يفسر الكاتب أفكاره .. أي ان يقدم اللقمة كاملة الهضم للقارئ، او لنقاد لا يفهمون فلسفة المقروء.. انا لا أكتب للتسلية كما اتهمني ناقد حصيف. ويبدو ان الكثيرين من حملة ألقاب كبار المفكرين وكبار النقاد وكبار الكتاب، لا يختلفون في "فشل تفكيرهم المنطقي" عن القارئ البسيط . على الأقل القارئ العادي يجد ما يضحكة (وهذا بحد ذاته ضمن شروط اللعبة القصصية وفن القص).. اما بعض "الكبار" فيدعون ان قلمهم "شرفني" حين كتبوا عن قصة لي وانهم عادة لا يكتبون الا عن "كبار الأعمال" والبعض لم أقرأ ما كتبه لأنه حولها الى خطبة دينية مكررة مملة مستعرضا عضلاته في حفظ النصوص الدينية وسرد الممنوعات حسب تفكيره القروسطي.. وجميعهم بالتلخيص الأخير يثبتون جهلهم الثقافي واللوجي ( العقلي المنطقي ) لمفهوم الأدب وفلسفة الثقافة والقدرة على التفكير بمنطق ثقافي ، وليس بآلية مبرمجة بعقلية قتل الميكي ماوس.
عندما لا أعرف شيئا عن الكاتب وآفاقه المترامية الأطراف ، وتجربته الحياتية والثقافية، لا أستطيع ان أضعه في خانة وأبدأ باطلاق الأحكام (الرصاص) عليه!!
فقط في ثقافتنا العربية هذا الأمر جائز لأننا بصراحة نعاني من أمية مثقفين وانتشار طبقة متثاقفين "يعرضون محاسنهم" مثل بعض نجمات الفضائيات .
ان مفهومنا للقصة يعاني من قصور فكري. القصة قادرة ان تحل مكان مقال سياسي او فكري، مكان تحليل اجتماعي او اخلاقي. مكان رؤية مستقبلية . مكان كتابة نقدية في مجالات متعددة، وليس في مجال الابداع الروحي فقط.
المشكلة تتعلق كما اراها بتطوير قدراتنا القرائية، وتطوير وعينا ومعارفنا حول عالمنا وحضاراته وخروجنا من حالة الشلل الحضاري والابداعي بمفهومه الانتاجي – انتاج الخيرات المادية ، وليس الابداع الروحي فقط.
القصة كما ارى ، تجاوزت مرحلة التسلية الى مرحلة الوعي والفكر، وهذا لا ينفي متعة القراءة، بل يضاعفها بمفهوم أن مخاطبة الوعي في القصة، تضاعف متعة القراءة بسبب الاضافة الكبيرة لمضامين النص، ومخاطبة الوعي الى جانب الحس الانساني للقارئ.
الرسائل التي تصلني تحمل الكثير من الملاحظات الممتعة والجادة وبعضها افادني الى ابعد الحدود ، وبالطبع هناك كبار المفكرين " الذين شرفوني بالكتابة عني" أثبتوا ان فكرهم وفهمهم يعاني من التباس وعقد تحتاج الى عيادة طبيب نفسي وليس الى عيادة كاتب مثلي لا يملك الا تعميق ضياعهم الفكري وشططهم العقلي !!
nabiloudeh@gmail.com
www.almsaa.net