أطفالي والكرسي
كتبها : كامل النصيرات
لم أكن أعلم أن الكرسي الأزرق الدوّار : سيفعل في أطفالي ما فعل ..فعندما أعطاني إياه (شادي صلاح) قال لي : هذا الكرسي لمكتبك : أريح و أهيب ..بدل الكرسي إللي مش عارف تقعد عليه ..وما كنت (خيّاب ـ اً) :حملتُ الكرسي الأزرق الدوّار كالأهبل وعلى البيت أسرع من السرعة.
بغداد ابنتي ذات الست سنوات كانت نائمة ..فحملتُ آخر عنقودي (غاندي) والذي لم يتجاوز السنة و ثلاثة أشهر و لم يمشً بعد ولا يتكلّم : ووضعته على الكرسي و(لفّيته لفّتين) ضحك لي : فسرت قشعريرة السعادة في كل تفاصيلي ..فجأة : نعم فجأة ..ظهر ابني وطن ذو الثلاث سنوات و شوية و قال لي بصوت لا يقبل النقاش : يلاّ إعملّي زي غاندي ..فحملتُ وطن ووضعته على الكرسي بجنب غاندي و لفيتهما (لفتين) ..وإذا بابنتي جيفارا ذات الأربع سنوات وشوية أيضاً تقول بتحد : نزلهم و لعّبني ..فأنزلتهما وهما يبكيان و أركبتُ جيفارا و(لفيتها لفتين) ..هجم وطن على الكرسي و حاول إنزال جيفارا بالقوة وهو يبكي بغضب و هي تطلب النجدة مني ..غاندي الذي لا يتكلّم (يتشعبط) على الكرسي و يهمّر بكلام عصبي غير مفهوم.. ومعركة لا حد لها .. أوضح الكلام كان من جيفارا حين أعلنت بشكل واضح : الكرسي تاعي (لا أعلم من أين جاءت بالشرعية) ..فقاطعها وطن غاضباً : والله إلي : صح بابا ؟؟ هو ظلّ فيها بابا..؟.
أثناء ذلك كله صحت بغداد من النوم ..جاءت راكضة : نظرت بعيون طفلة وقالت : دوري ..يلا انزلوا ..هجم أطفالي على بعضهم ..ضربوا بعضهم أمامي ..كل محاولاتي للفض بينهم ذهبت أدراج الصراخ و البكاء ..لا أحد يسمعني ..أطفالي يشدّون بالكرسي ..وقعت بغداد : وقامت سريعاً ..وقع وطن : قام بلمح البرق ..وقع الكرسي ..ركض غاندي إليه حبواً سريعاً ..أبعدته جيفارا بقدميها ..جميعهم أمسك بالكرسي و حاولوا توقيفه ..ولكنهم يشدونه كل واحد باتجاهه ..ما هذا؟.
هؤلاء أطفال ..لا يدركون إلا أن الكرسي الأزرق الدوار لعبة : مجرد لعبة فقط ..ضربوا بعضهم بقسوة ..لم يأهبوا ببعضهم ..ولكن أطفالي وبكل هذه البراءة العنيفة جسّدوا أمامي حكايات متكررة حدثت و تحدث وستحدث في بقاع كثيرة من وطني العربي الكبير بأورامه.
أين الأخوة يا أطفالي ..هذا وأنتم أطفال.. ماذا تخبّئون لبعضكم عندما تكبرون ..والأمر الآن لا يتعدّى (كرسي أزرق دوّار).