مجيد حسيسي
الولي الصـّـالح
قصـّـه قصيره
أحبـّـه الناس وائتمنوه على أسرارهم ، وفد إليه العشرات من أهل القرية ، دخلوا إليه الواحد تلو الآخر ، دخلوا " مغارة الاعتراف " ، واعترفوا أمامه بأخطائهم..بمشاكلهم..بالمصائب التي كانوا السـّـبب في وقوعها..
ظنـّـه الناس نبيـّـا أو وليـّـا من أولياء الله الصالحين ، ما من سارق إلاّ وتوجـّـه إليه ليعترف أمامه بالسـّـرقة التي جنتها يداه ، وما من قاتل إلاّ واعترف أمامه بجريمته ، ما من خائنة لزوجها إلاّ وتوجـّـهت إليه ، وما من مظلوم إلاّ وألقى حمل ظلامته على مسامعه..وهو صامت..لا يتكلـّـم..
تنام عيون الناس ويبقى يقظا..إنسان ، أو على شكل إنسان ، نحيل الجسد ، مسترسل الشـّـعر ، محدق بمن أمامه بعينين سوداوين حادتي النظر ، يهزّ رأسه لسماع المشكله ، ثمّ يبارك من أمامه بيديه ، وإلى جانبه علبة حديديـّـة صغيره ، يضع فيها من يقصده بعض النقود..لمعونة هذا الإنسان على العيش ، أو مساهمة من الناس لإبقائه حيــّـا ً.
ما من مخلوق رآه واقفا..أو ماشيا ، وما من إنسان التقاه في الشارع أو في أيّ مكان ، فقد اعتاد صاحب دكـّـان القرية المجاورة تزويده بما يحتاج إليه من غذاء وماء ، مرّة في الشـّـهر ، فلقـّـبه الناس " الولي الصـّـالح "ووفدوا إليه من كلّ القرى.
وكان يوم..لم يرّ فيه زائرا واحدا أمام المغاره..قلق الولي الصالح من أمر يجهله ، كان يتململ في جلسته المعتادة مادّا ً عنقه لكلّ اتـّـجاه ، باحثا عن إنسان..عن زائر واحد ..دون جدوى..وعندما تأكـّـد أن لا أحد في الجوار ، وقف وأخذ يمشي في المغارة ، ثمّ يقف في بابها مراقبا الطـّـريق المؤدّيـة إليها ، فمن يدري ، لعلّ أحدا من الناس يمرّ من هناك..فيسأله عمـّـا حدث..
انتظر..وانتظر ، ومرّت السـّـاعات دون أن يحدث أيّ تغيير في حالة القلق التي يعيشها.. هل تراهم وقفوا على حقيقته؟؟ هل تعرّفوا عليه؟؟هل كشفوا سـرّه كما استطاع بدوره كشف أسرار الناس وخفايا صدورهم؟؟ هل..هل..أسئلة لا نهاية لها ولا أجوبة عليها..بعثرها في كلّ ركن من أركان مغارته..
عاد إلى مجلسه المعتاد..وإلى جلسته المعهودة واضعا يده تحت رأسه المنحني ، مطرقا في لمعان النار المتأجـّـجة من مجمرة حديديـّـة قديمه أمامه..هل تكون قد أساءت إلى سمعته؟؟ هل تراها فضحت أمره؟؟هل كشفت مكنون سرّه لجميع الناس..فقاطعوه وابتعدوا عنه ؟ أم أنّ في الأمر سرّا ً يجهله؟؟
تمدّد بجانب المجمرة مردّدا على مسامعه: " إنّ غدا لناظره قريب"
ومرّت الساعات ، وانطوت الأيـّـام ، وقطيعة الناس بقيت على ما هي عليه..لا يزوره أحد ولا يقترب من مغارته..إنسان..فخطرت بباله فكرة ، قد ينجح بها معرفة السـّـبب ، زانها في عقله المرّة تلو الأخرى ، ثمّ حرّك رأسه دلالة الاقتناع بها والتـّـصميم على تنفيذها.
غابت الشـّـمس ، لملمت خيوطها الذهبيـّـةالصـّـفراء عن المنطقه ، تاركة وراءها الولي الصـّـالح بزيّ إنسان عادي ، إنسان..كبقيـّـة الناس ، بثيابه ، بنوع حذائه ، بكوفيته ، إنسان..لا يمتّ بصلة للذي شكا الناس أمامه ظلاماتهم وبكوا ألمهم وبثـّـوا مشاكلهم..إنسان كغيره من بني البشر ، يسير بحذر متوجـّـها إلى القرية القريبة ، مصمـّـما على معرفة السـّـبب..
في مدخل القرية ترى أنوار المصابيح من النوافذ العليا للبيوت ولا ترى بابا مفتوحا ، أو نافذة مفتوحة ، ولا تسمع صوتا لرجل أو لإنسان يمشي في شوارع القرية التي خلت إلاّ من الكلاب الضـّـالة النابحه ..وكأنّ الناس في سبات عميق..
اقترب من أحد البيوت ، وقف أمام الباب ، رفع يده ودق الباب دقـّـتين..وانتظر..لم يسمع جوابا ولم يتحرّك أحد من الداخل لفتح الباب..وانتظر قليلا من الوقت ، ثمّ طرق الباب ثانية ، مناديا بأعلى صوته : " يا أهل الدّار..!" وانتظر..دون فائده..لا أحد في المنزل ، علما أنّ نور المصابيح يشعّ من خلال النافذة العليا..بقي واقفا أمام الباب ، وحانت منه التفاتة حوله ، نحو البيوت المجاوره ، فرأى الناس من وراء نوافذ بيوتهم ينظرون إليه ، عيون تطلق سهامها نحوه من كلّ حدب وصوب ، لا يعلم سرّ هؤلاء الناس الذين انقطعوا عن زيارته فجأة والذين يتحصـّـنون في منازلهم بعد غروب الشـّـمس..الأمر الذي جعله أكثر تصميما لمعرفة الحقيقه..ثمّ أنّ الناس على شاكلته هذه لا يعرفونه ، فهو الآن بالنسبة إليهم غريب يبحث عن مأوى لقضاء ليلته.
عاد وطرق الباب للمرّة الثالة ، عندها ، وبعد أن عرف وتأكـّـد صاحب المنزل أنـّـه لن يتركه وشأنه ، فتح فتحة صغيرة من باب منزله ، نظر إليه من خلالها ، ثمّ سأله عن حاجته ، فأخبره أنـّـه غريب يبحث عن مأوى لليلة ، لأنـّـه مسافر لقرية بعيدة ، وأنـّـه أنهكه التعب والجوع ، وهو مستعدّ لدفع أيّ مبلغ لقاء لقمة طعام وفراش دافىء في ليلة شديدة البروده..
ومرّت لحظات..خالها ساعات طوال ، ثمّ فـُـتح الباب ، ودخل..
صاحب المنزل..زوجته وأولاده الخمسة يقفون في زاوية من المنزل والدّهشة في عيونهم ، من تراه يكون؟؟ وما عساه يريد منهم ؟ ولما اختار منزلهم دونا عن المنازل الأخرى؟؟ عيون مستغربة خائفة ومستفسرة تبحث عن أجوبه..
حيـّاهم تحيـّـة المساء ودخل متوجـّـها نحو كانون النار المتـّـقدة في إحدى زوايا المنزل ، خلع حذاءه ، وجلس أمام الكانون يفرك يديه ثمّ يمسح وجهه..
قدّم له صاحب المنزل فنجانا من الشاي السـّـاخن ، وطلب إليه عدم المؤاخذة عن تركه منتظرا أمام الباب ، لأنّ الناس في مثل هذه الأيـّـام تعيش حالة رعب شديد..وأخذ يشرب الشاي ، بعد أن شكره ، وبعد أن أمسك بطرف الخيط الرّفيع الذي حتما سيؤدي لمعرفة السـّـبب الذي من أجله أتى..
وراح بلباقة يستدرج صاحب المنزل لمعرفة الأمر..فسأله عن سبب حالة الرّعب التي يعيشونها..
وهكذا..وجد صاحب المنزل نفسه يحدّث الغريب القصـّـة التي يعيشها الناس ، قصـّـة رجل من أولياء الله الصـّـالحين ، على شكل إنسان ، يعيش في مغارة مهجورة في جبل قريب ، كان يخفـّـف عن الناس مشاكلهم فيعترفون له بكل ما جنت أيديهم ، واقترفت أنفسهم بحق غيرهم أو بحق أنفسهم هم..ولي صال تنبـّـأ أنّ غريبا سيزور البلدة قريبا وسيجرّ وراءه ويلات لأصحاب المنزل الذي سينزل فيه ، الأمر الذي حدا بصاحب البيت عدم فتح الباب حين طرقه أوّل مرّه..
واسترسل صاحب المنزل في حديثه شارحا لضيفه أنّ امرأة من أجمل نساء القرية عادت من المغارة قبل بضعة أيـّـام مولولة باكيه مذعوره..مقطـّ،عة الثياب ، اجتمع الناس حولها مستفسرين سائلين محاولين معرفة السـّـبب..هدّأوا من روعها ، غطـّـوا جسدها ، عادت إلى نفسها وأخبرتهم أنّ الولي الصالح أخبرها سرّا..أنّ غريبا سيزور القرية وستقع مصيبة عظيمة على صاحب المنزل الذي سينزل فيه ، وعلى أهله وأقربائه ، وأنّ وباء سينتشر بين الناس ، وأنـّـه إن لم يحدث ما تنبـّـأ به ، يكون هو ، أي الرجل الصالح ، مصدر الوباء ، يجب التـّـخلـّـص منه بأيّ ثمن..فأسرعت إليهم تسقط تارة على الأرض وتعدو أخرى حتى وصلت القرية على تلك الحاله..
اتـّـسعت عيناه لسماع هذه القصـّـه الغريبه ، فهو الرّجل الصـّـالح لم يقل شيئا من هذا القبيل..لم يحادث زائريه أبدا..لم..وتذكـّـر..تذكّرها..بجسها الجميل ..بعينيها الواسعتين ، جاءته شاكية معاملة زوجها لها ، فلم يصمد أمام مفاتنها ، هندما كشفت له عنها لتريه آثار اللكمات والضرب والقسوة التي تعانيها من زوجها..فمدّ يده ، ثمّ وجد نفسه يعاركها لينال منها..وقد نجح..
لم تستطع أن تكشف حقيقته ، لأنـّـها بذلك تسيء لسمعتها وثرفها بالدّرجة الأولى ، وقد لا يصدّقها الذين آمنوا بهذا الرّجل..فاختلقت القصـّـة..وقد نجحت..
الناس ينظرون وينتظرون ، وصاحب المنزل في انتظار ما قد يحلّ به وأسرته..والولي الصالح ينتظر ردّ فعل الناس ، فأدرك تماما أنّ عيشه قد انقطع في هذه المغارة..فأخذ يفكـّـربمكان آخر..وبمغارة أخرى ، ليبدأ حياته فيها من جديد..
الولي الصـّـالح
قصـّـه قصيره
أحبـّـه الناس وائتمنوه على أسرارهم ، وفد إليه العشرات من أهل القرية ، دخلوا إليه الواحد تلو الآخر ، دخلوا " مغارة الاعتراف " ، واعترفوا أمامه بأخطائهم..بمشاكلهم..بالمصائب التي كانوا السـّـبب في وقوعها..
ظنـّـه الناس نبيـّـا أو وليـّـا من أولياء الله الصالحين ، ما من سارق إلاّ وتوجـّـه إليه ليعترف أمامه بالسـّـرقة التي جنتها يداه ، وما من قاتل إلاّ واعترف أمامه بجريمته ، ما من خائنة لزوجها إلاّ وتوجـّـهت إليه ، وما من مظلوم إلاّ وألقى حمل ظلامته على مسامعه..وهو صامت..لا يتكلـّـم..
تنام عيون الناس ويبقى يقظا..إنسان ، أو على شكل إنسان ، نحيل الجسد ، مسترسل الشـّـعر ، محدق بمن أمامه بعينين سوداوين حادتي النظر ، يهزّ رأسه لسماع المشكله ، ثمّ يبارك من أمامه بيديه ، وإلى جانبه علبة حديديـّـة صغيره ، يضع فيها من يقصده بعض النقود..لمعونة هذا الإنسان على العيش ، أو مساهمة من الناس لإبقائه حيــّـا ً.
ما من مخلوق رآه واقفا..أو ماشيا ، وما من إنسان التقاه في الشارع أو في أيّ مكان ، فقد اعتاد صاحب دكـّـان القرية المجاورة تزويده بما يحتاج إليه من غذاء وماء ، مرّة في الشـّـهر ، فلقـّـبه الناس " الولي الصـّـالح "ووفدوا إليه من كلّ القرى.
وكان يوم..لم يرّ فيه زائرا واحدا أمام المغاره..قلق الولي الصالح من أمر يجهله ، كان يتململ في جلسته المعتادة مادّا ً عنقه لكلّ اتـّـجاه ، باحثا عن إنسان..عن زائر واحد ..دون جدوى..وعندما تأكـّـد أن لا أحد في الجوار ، وقف وأخذ يمشي في المغارة ، ثمّ يقف في بابها مراقبا الطـّـريق المؤدّيـة إليها ، فمن يدري ، لعلّ أحدا من الناس يمرّ من هناك..فيسأله عمـّـا حدث..
انتظر..وانتظر ، ومرّت السـّـاعات دون أن يحدث أيّ تغيير في حالة القلق التي يعيشها.. هل تراهم وقفوا على حقيقته؟؟ هل تعرّفوا عليه؟؟هل كشفوا سـرّه كما استطاع بدوره كشف أسرار الناس وخفايا صدورهم؟؟ هل..هل..أسئلة لا نهاية لها ولا أجوبة عليها..بعثرها في كلّ ركن من أركان مغارته..
عاد إلى مجلسه المعتاد..وإلى جلسته المعهودة واضعا يده تحت رأسه المنحني ، مطرقا في لمعان النار المتأجـّـجة من مجمرة حديديـّـة قديمه أمامه..هل تكون قد أساءت إلى سمعته؟؟ هل تراها فضحت أمره؟؟هل كشفت مكنون سرّه لجميع الناس..فقاطعوه وابتعدوا عنه ؟ أم أنّ في الأمر سرّا ً يجهله؟؟
تمدّد بجانب المجمرة مردّدا على مسامعه: " إنّ غدا لناظره قريب"
ومرّت الساعات ، وانطوت الأيـّـام ، وقطيعة الناس بقيت على ما هي عليه..لا يزوره أحد ولا يقترب من مغارته..إنسان..فخطرت بباله فكرة ، قد ينجح بها معرفة السـّـبب ، زانها في عقله المرّة تلو الأخرى ، ثمّ حرّك رأسه دلالة الاقتناع بها والتـّـصميم على تنفيذها.
غابت الشـّـمس ، لملمت خيوطها الذهبيـّـةالصـّـفراء عن المنطقه ، تاركة وراءها الولي الصـّـالح بزيّ إنسان عادي ، إنسان..كبقيـّـة الناس ، بثيابه ، بنوع حذائه ، بكوفيته ، إنسان..لا يمتّ بصلة للذي شكا الناس أمامه ظلاماتهم وبكوا ألمهم وبثـّـوا مشاكلهم..إنسان كغيره من بني البشر ، يسير بحذر متوجـّـها إلى القرية القريبة ، مصمـّـما على معرفة السـّـبب..
في مدخل القرية ترى أنوار المصابيح من النوافذ العليا للبيوت ولا ترى بابا مفتوحا ، أو نافذة مفتوحة ، ولا تسمع صوتا لرجل أو لإنسان يمشي في شوارع القرية التي خلت إلاّ من الكلاب الضـّـالة النابحه ..وكأنّ الناس في سبات عميق..
اقترب من أحد البيوت ، وقف أمام الباب ، رفع يده ودق الباب دقـّـتين..وانتظر..لم يسمع جوابا ولم يتحرّك أحد من الداخل لفتح الباب..وانتظر قليلا من الوقت ، ثمّ طرق الباب ثانية ، مناديا بأعلى صوته : " يا أهل الدّار..!" وانتظر..دون فائده..لا أحد في المنزل ، علما أنّ نور المصابيح يشعّ من خلال النافذة العليا..بقي واقفا أمام الباب ، وحانت منه التفاتة حوله ، نحو البيوت المجاوره ، فرأى الناس من وراء نوافذ بيوتهم ينظرون إليه ، عيون تطلق سهامها نحوه من كلّ حدب وصوب ، لا يعلم سرّ هؤلاء الناس الذين انقطعوا عن زيارته فجأة والذين يتحصـّـنون في منازلهم بعد غروب الشـّـمس..الأمر الذي جعله أكثر تصميما لمعرفة الحقيقه..ثمّ أنّ الناس على شاكلته هذه لا يعرفونه ، فهو الآن بالنسبة إليهم غريب يبحث عن مأوى لقضاء ليلته.
عاد وطرق الباب للمرّة الثالة ، عندها ، وبعد أن عرف وتأكـّـد صاحب المنزل أنـّـه لن يتركه وشأنه ، فتح فتحة صغيرة من باب منزله ، نظر إليه من خلالها ، ثمّ سأله عن حاجته ، فأخبره أنـّـه غريب يبحث عن مأوى لليلة ، لأنـّـه مسافر لقرية بعيدة ، وأنـّـه أنهكه التعب والجوع ، وهو مستعدّ لدفع أيّ مبلغ لقاء لقمة طعام وفراش دافىء في ليلة شديدة البروده..
ومرّت لحظات..خالها ساعات طوال ، ثمّ فـُـتح الباب ، ودخل..
صاحب المنزل..زوجته وأولاده الخمسة يقفون في زاوية من المنزل والدّهشة في عيونهم ، من تراه يكون؟؟ وما عساه يريد منهم ؟ ولما اختار منزلهم دونا عن المنازل الأخرى؟؟ عيون مستغربة خائفة ومستفسرة تبحث عن أجوبه..
حيـّاهم تحيـّـة المساء ودخل متوجـّـها نحو كانون النار المتـّـقدة في إحدى زوايا المنزل ، خلع حذاءه ، وجلس أمام الكانون يفرك يديه ثمّ يمسح وجهه..
قدّم له صاحب المنزل فنجانا من الشاي السـّـاخن ، وطلب إليه عدم المؤاخذة عن تركه منتظرا أمام الباب ، لأنّ الناس في مثل هذه الأيـّـام تعيش حالة رعب شديد..وأخذ يشرب الشاي ، بعد أن شكره ، وبعد أن أمسك بطرف الخيط الرّفيع الذي حتما سيؤدي لمعرفة السـّـبب الذي من أجله أتى..
وراح بلباقة يستدرج صاحب المنزل لمعرفة الأمر..فسأله عن سبب حالة الرّعب التي يعيشونها..
وهكذا..وجد صاحب المنزل نفسه يحدّث الغريب القصـّـة التي يعيشها الناس ، قصـّـة رجل من أولياء الله الصـّـالحين ، على شكل إنسان ، يعيش في مغارة مهجورة في جبل قريب ، كان يخفـّـف عن الناس مشاكلهم فيعترفون له بكل ما جنت أيديهم ، واقترفت أنفسهم بحق غيرهم أو بحق أنفسهم هم..ولي صال تنبـّـأ أنّ غريبا سيزور البلدة قريبا وسيجرّ وراءه ويلات لأصحاب المنزل الذي سينزل فيه ، الأمر الذي حدا بصاحب البيت عدم فتح الباب حين طرقه أوّل مرّه..
واسترسل صاحب المنزل في حديثه شارحا لضيفه أنّ امرأة من أجمل نساء القرية عادت من المغارة قبل بضعة أيـّـام مولولة باكيه مذعوره..مقطـّ،عة الثياب ، اجتمع الناس حولها مستفسرين سائلين محاولين معرفة السـّـبب..هدّأوا من روعها ، غطـّـوا جسدها ، عادت إلى نفسها وأخبرتهم أنّ الولي الصالح أخبرها سرّا..أنّ غريبا سيزور القرية وستقع مصيبة عظيمة على صاحب المنزل الذي سينزل فيه ، وعلى أهله وأقربائه ، وأنّ وباء سينتشر بين الناس ، وأنـّـه إن لم يحدث ما تنبـّـأ به ، يكون هو ، أي الرجل الصالح ، مصدر الوباء ، يجب التـّـخلـّـص منه بأيّ ثمن..فأسرعت إليهم تسقط تارة على الأرض وتعدو أخرى حتى وصلت القرية على تلك الحاله..
اتـّـسعت عيناه لسماع هذه القصـّـه الغريبه ، فهو الرّجل الصـّـالح لم يقل شيئا من هذا القبيل..لم يحادث زائريه أبدا..لم..وتذكـّـر..تذكّرها..بجسها الجميل ..بعينيها الواسعتين ، جاءته شاكية معاملة زوجها لها ، فلم يصمد أمام مفاتنها ، هندما كشفت له عنها لتريه آثار اللكمات والضرب والقسوة التي تعانيها من زوجها..فمدّ يده ، ثمّ وجد نفسه يعاركها لينال منها..وقد نجح..
لم تستطع أن تكشف حقيقته ، لأنـّـها بذلك تسيء لسمعتها وثرفها بالدّرجة الأولى ، وقد لا يصدّقها الذين آمنوا بهذا الرّجل..فاختلقت القصـّـة..وقد نجحت..
الناس ينظرون وينتظرون ، وصاحب المنزل في انتظار ما قد يحلّ به وأسرته..والولي الصالح ينتظر ردّ فعل الناس ، فأدرك تماما أنّ عيشه قد انقطع في هذه المغارة..فأخذ يفكـّـربمكان آخر..وبمغارة أخرى ، ليبدأ حياته فيها من جديد..