بسم الله الرحمن الرحيم تجليات المرأة والحزن في ديوان " قبلت وردتها " للشاعر محمود الأزهري بقلم : أحمد الليثي الشروني * القصائد ذات بنية فنية متشابكة ومعقدة . * ترتدي الوردة عدة أقنعة واهتمام الشاعر بها مبرر . * اللغة مجازية وفاعلة ومفعمة بالصور الجمالية . * ينسج عالمة الشعري من خلال مسالك وعرة . " هل جلست وحيدا / لكي تكتب الشعر عن صورة البنت هذه ؟ / أم جلست لتختلس الحزن من مقلتيها ؟ " صدر للشاعر محمود الأزهري ديوان بعنوان " قبلت وردتها " عن سلسلة " إبداعات " بالهيئة العامة لقصور الثقافة ويحوي بين دفتيه ست وأربعين قصيدة بالفصحى ويقع في حوالي 160 صفحة يتصدره إهداء لأمه ، هذا الأفق الممتد الذي يتسع لأحزانه ، ومن خلال الإهداء يشير الشاعر إلي حجم الحزن والقهر والإحساس بالألم الذي تختزله قصائد الديوان التي تجعلنا نستكشف المشروع الشعري لدي الشاعر وهو محاولة منه لاستدعاء تجارب متشابكة ومعقدة ويعمل على صياغتها في قالب شعري أكثر تعقيدا ومن خلف هذه التجارب تبدو لنا ثقافة الشاعر حول إلمامه بالموروث وتوظيفه بصورة جيدة " وتزعم أنك توجت رأس لبيد ، زهير بتاج الفخار / وأين ابن عبس ليزداد عجبا / فها نحن ذا نتحاور باللغة العربية / نسأل نفس السؤال القديم / متى غادر الشعراء الحزانى سرابيلهم / فوق درج الحروف ؟ " ( ص 87 ) , ومن كثرة تشابك وتعقيد البناء الفني للقصائد تشعر أن هذه القصائد تسلك أكثر من مسلك ومن خلال هذه المسالك الوعرة ينسج الشاعر عالمه الشعري والذي تصبح فيه المرأة / صفية مكونا أساسيا ، ورغم الشوق الذي يسكن القصائد لهذا النموذج الأنثوي إلا أن الغاية أرقي من الإحساس باللذة تجاه الأنثى فالشاعر يتوق إلي عالم أرقي وأسمي يشبه عالم الصوفية بمعناها الحقيقي ، محاولا فضح الزيف وكاشفا عن كل العورات في جرأة شديدة مستخدما لغة حاضرة وفاعلة نلاحظ أن المرأة / صفية تطل علينا في كثير من القصائد ومن خلالها نري صورا للعشق والجمال وفردوسها الأعلى ، جدائل شعرها وعيونها ونهداها ، وتفكيرها في القدس " وتنادي على كلبها لينام على صدرها .. لينام / المضلل أنت .. تغني / يطير الحمام / فكيف تفكر في القدس ؟ / فكيف تفكر في شجر يتراقص عند حدود الخيام ؟ " ( ص 88 ) وهناك نماذج أخري للأنثى تستمد الضوء من عيني صفية مثل شادية وهالة وهناء وصفاء وعلى النقيض لهذا النموذج الأنثوي " استير" والتي تمثل النموذج الآخر / الغربي ، ولكن تظل صفية هي صاحبة الوردة والفاعلة والملهمة وصانعة لهذا العالم الفسيح الذي يحياه الشاعر ويشكل من خلاله قصائده " يغني / قبلت وردتها في المساء / قبلت وردتها في الخفاء / وحين أتتني زمرة الأصدقاء / وضعتها في الإناء / قلت : أسقيها بروحي / برحيق الحب / بتنهد السماء / ولكنها اقتنعت بالبكاء ! " (ص 20 ) ونلاحظ حضورا قويا آخر للوردة داخل الديوان والتي ترتدي عدة أقنعة فتارة نراها مرتجفة من العذاب وأخري صابرة وأحيانا هي محظورة ، وعلى حين غرة تنبعث منها رائحة ذكية خلقتها دماء الشهيد " أن للوردة رائحة ذكية / خلقتها دماء الشهيد البهية " ( ص 65) ، وفي مفارقة غربية زكمت الوردة حينما اقتربت / من قلب الشاعر " .. الوردة حين اقتربت / من قلب الشاعر / زكمت " ( ص 13) ، وفي بعض الأحيان تهب لنا النار مع العطر في موقف غرائبي ، وإن وجود الوردة واهتمام الشاعر بها له مبرراته ودلالاته وخاصة أنها تمنح الإنسان الأمل بشكلها الجميل وإفرازاتها الطيبة . وهكذا ينتقل الشاعر بنا من مكان ألي آخر ويطرح رؤاه ، ولم تغب القضية الفلسطينية عن نظره ، وتظهر إلينا في ومضات من حين لآخر ، أما قضية الوطن الأم فمازالت تؤرقه وتزعجه " حتى يتم محبو السلام تدارسهم للقضايا / التي مزقت فكر هذا الوطن / ثم سوف نوفر ألف كفن . " (ص 127 ) ، وأن هذا الهجاء الذي نلاحظه يكشف لنا عن التوجه الفكري للشاعر حول رفضه للموقف العربي الذي يكاد يمزق الوطن . ولا ننكر أن القصيدة لها جذور في أعماق الشاعر فهي تعبر عن همومه وتطلعاته وصراعه مع الذات وأيضا مع الآخر وتلتقي مع معايشاته اليومية ورؤيته نحو العالم من حوله وهي مفعمة بالحزن والقلق " وتجسد حزنك من مبدأ اليتم ثم إلي سوءة الشعر / ثم إلي وجع العرب والمسلمين الأوائل " ( 125 ) ، هذا الحزن الذي يتمدد داخل أعماق الشاعر ويحاول طرحه من خلال قصائده الشجية ، وبالتالي تتضح لنا تجليات الحزن الكامنة والتي لمسناها من خلال الإهداء ، وأثناء هذا الطرح بدت لنا الذات وهي مقهورة متوجعة توجه خطابها إلي أحياء يصرعهم الواقع ويجلدهم ، وهذه الأنا التي نرصد صراعها مع الآخر المتمثل في أشياء كثيرة تحيط بها تكشف لنا رؤية الشاعر " أنا قلب ... بكاء / دمعة ... شجن ورقة / فموتوا يل أحبائي / وكيف سأشهد الموت الذي أدعوه ؟ / أحبائي / أنا قلب / وألفاظ مجهزة " (117 ) . ومن المكونات الأساسية للديوان أيضا البناء اللغوي حيث استخدامه للغة مجازية فاعلة ومفعمة بالصور الشعرية الجمالية والتي تمنحه بساطا سحريا يتحرك من خلاله ، كما أن لغته تحتوي على إيحاءات ودوال رمزية ، وبعض القصائد تعتمد على بنية سردية ونلاحظ ذلك في قوله : " نصف مصابيح الغرفة مطفأة / خازوق يجلس فوق القصيدة / دم وشفاه وكلام عن خيانة زوجية / المشتاقة تقلق / الغربة تنام فوق سريري " ( ص61 ) ، وفي قصيدته الرائعة " خطيئة تخطيط " والتي أهداها إلي الفنان جورج البهجورى يفجر قضية ذوبان الأمة العربية في النظام العالمي الجديد أو ما يسمي بالعولمة ، ويحاول من جانبه أن يضع خطوطا وحدودا لذلك ، والقصيدة ذات بناء فني محكم ، ويستخدم الشاعر فيها ضمير المتكلم وكأن المتحدث هو الفنان جورج البهجوري الذي يطرح معاناته مع الغربة ومع الآخر وحلمه العربي بعودة صلاح الدين فيقول في بداية القصيدة : " الخارطة تضيق على / أنا مغترب في / من يعيدني إلي ؟ " ويمضي قائلا : " من يعيدني إلي بهجورة ؟ / من يزرعني في فوهة الرحم الأولي ؟ " ويختم قصيدته " نسجد في مصر .. والقبلة ـ يا ناس ـ فلسطين / لن نرقص إلا في حطين / فلنرسم أغنية واحدة / تخلق فينا صلاح الدين . " ( ص47 ) . وفي قصيدته " قمر كامن " والتي أيضا أهداها إلي رفيقة القطار وهي قصيدة ذات إيقاع سريع وجمل رشيقة مغلفة بجور رومانسي جميل وهي تحتمل أكثر من تأويل رغم أن التيمة الأساسية فيها الغزل ومناجاة القمر والجمال ، استخدم الشاعر قالب قصيدة التفعيلة في نظم قصائده وبدا الإيقاع الموسيقي واضحا ومسموعا بشدة إلا أنه في بعض الأحيان كانت تتجه بعض القصائد إلي القصيدة النثرية ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر قصائد " وردة مرتدة عند التقاطع ـ القصيدة ليست لها ـ جسد طاغ ـ هذه قصيدة إستير " . في الجزء الأخير من الديوان اتجه الشاعر إلي شكل جديد في كتابة القصيدة حيث التكثيف والاختزال والجمل الموجزة مع المحافظة على الإيقاع الموسيقي والإيغال في الغموض مما يؤدي إلي احتمال تعدد التأويلات وحدث ذلك بداية من صفحة ( 137) حتى نهاية الديوان فيقول مثلا في قصيدة فداء " يا شاعر / القرية تفديك / بكل ما قد أنجبت / طرقاتها من طين / من سجيل ! " حتى عناوين القصائد جاءت مكثفة للغاية مثل " ارتباط ـ روحان ـ وشاية ـ شعر ـ بلوغ " . ولم تغب بعض الرموز القومية عند ذهن الشاعر أمثال صلاح الدين وجمال عبد الناصر . ترتدي بعض القصائد رداء الصوفية ، فتحلق في عالم روحاني ومن خلال هذا العالم تطل علينا صفية مثلما حدث في قصيدة ( هدي ) : " أو شيئا يعلمه الرب ولا تعلمه / نم ـ يا مولانا ـ في الليل إذا طلعت شمس صفية / فإذا غربت عز الظهر فقف / تفقد ـ يا مولانا ـ البحر وعاتبه " ( ص24) ، وفي قصيدة ( حجاب ) يقول : " في المرسي أبي العباس / امرأة من قريتنا اصطدمت بي / وأري محجوبا موسي بالنار / موسي محجوبا بالنور / وقميص أبيض " ( ص92) ، ونلاحظ التقديم والتأخير والحذف في هذه الجمل مما يمنحنا ثراء لغويا هائلا ، يدل على أن الشاعر يمتلك اللغة امتلاكا قويا ، الأنا الشاعرة سطعت بقوة داخل الديوان وتحدثت عن نفسها كشاعرة في مواطن كثيرة وعلاقتها الجدلية بالشعر والقصيدة " وأرسم من مداد الشعر .. شعرا وفي قصيدة أخري " القصيدة ليست هي الموت / فلماذا تبكي قبيل ابتداء القصيدة " (143) . ويبقي أن نتحدث عن عنوان الديوان والذي يتكون من جملة فعلية حاضرة فيه الذات والأنثى ، حيث أن الفاعل هو الذات ( قبلت ) والمفعول به مضاف إلي ها المؤنث ( وردتها ) ويعتبر هذا العنوان دالا على ما يطرحه الشاعر من خلال العلاقة / الصراع ما بين الذات المذكر والهاء المؤنثة وهناك أدلة كثيرة يزخر بها الديوان شاهدة على هذه العلاقة . أما صورة الفتاة ذات العينين البراقتين التي تصدرت صفحة الغلاف الأمامي هي صورة مباشرة وغير ملائمة حتى لو أن المرأة كانت حاضرة بقوة داخل الديوان . أحمد الليثي الشروني
تجليات المرأة والحزن في ديوان " قبلت وردتها " للشاعر محمود الأزهري بقلم : أ
تقليص
X
ما الذي يحدث
تقليص
الأعضاء المتواجدون الآن 66966. الأعضاء 5 والزوار 66961.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 409,257, 10-12-2024 الساعة 06:12.