المعيار النقدي في اللقاءات الادبية
عدنان عبد النبي البلداوي
طبيعة اللقاءات وانواعها:
ان اللقاءات الادبية بمختلف انواعها ربيبة البيئة ورفيقة الاحداث ، يعمها التنظيم والتنسيق ويسودها الازدهار والرقي اذا سمحت لها طبيعة اجوائها واحوال العصر الذي تولد فيه . ونعني بالتنظيم والتنسيق ، ذلك الإعداد المقبول الملائم لمستوى اللقاء ، الذي يجب ان يكون من شأنه تهيئة الاجواء المناسبة للمناظرة والمذاكرة وصراحة الرأي في تقويم النتاج الأدبي المسموع ... وحين يكون المستوى الثقافي لعصر ما على جانب كبير من الازدهار والتقدم ، يسود بلا شك جو اللقاء نشاط وحيوية من شأنهما إعطاء صورة مقبولة للقدرة وللقابلية السليمة المستخدمة في نهج افضل السبل المناسبة لإنجاح الحوار او العملية النقدية ، ولكي تتضح صورة المعيار النقدي للنص في اجواء اللقاءات على حقيقتها لابد من تصنيف اللقاءات الى عامة وخاصة:
-اللقاءات العامة :
وهي التي تحدث في مكان معين لها ، يتسع لعدد كبير من عشاق اللغة والادب ، وكانت اسواق العرب الادبية في الجاهلية والاسلام من اشهر اماكنها ، وكانت تلك الاسواق بالاضافة الى مهمتها التجارية ، تضم في اجوائها بيئة نقد ونقاد وشعر وشعراء ومباريات شتى ، ولم تقتصر اللقاءات فيها على سماع مايلقى من نصوص شعرية كانت او نثرية ، فقد كان من اكثر ماتتعرض له هو نقد النصوص وابداء الاراء حول مضامينها ، ومن خلال مرورنا بمختلف هذه اللقاءات ومن عصور مختلفة وجدنا ان ليس لكل لقاء عام احكام نقدية وآراء ادبية يمكن الاطمئنان اليها كليا من حيث توافر عنصر الصدق والاخلاص ، والبعد عن المجاملة او التحامل السلبي وما شابه ذلك ، ولكي تؤدي هذه اللقاءات دورها الفاعل في خدمة النتاج الادبي وفي انجاح العملية النقدية المولودة في جوها ، لابد ان تكون على ما يأتي :
1- ان تكون لقاءات جدية وتضم مختلف المستويات.
2- وان تكون الدعوة لها عامة للجميع دون تخصيص او تفضيل.
3- وان تكون حرية اطلاق الحكم النقدي متوافرة داخل القاعة او المكان المعد ، شريطة ان يختص الحكم النقدي بمضمون النص الادبي المسموع ، وان لايكون حكما نقديا مقتضبا يكتفي فقط بكلمة جيد او ردئ.
4- وان لاتكون داخل القاعة او مكان الاجتماع حلقات او جماعات منفردة بعضها عن بعض اثناء قراءة النص ، حيث ان اهم مايمكن عمله اثناء قراءة النص هو تتبع الآراء النقدية التي تثار تباعا ، لكي لايخفى على البعض أي حكم نقدي قد يكون باطلا او قد يمر دون رد او مناقشة ... وحين يكون اللقاء العام على هذه الشاكلة يمكن ان نحصل من خلاله على احكام نقدية لاتخلو من الصفات الاتية:
1- وضوح الحقيقة دون عناء وبحث ، وذلك بفضل الاشراف المباشر الذي يتعرض له النص من قبل ذوي الملكات والقدرات الادبية ، الذين لايخلو منهم اللقاء.
2- يمكن اعتماد مضمونها من حيث توافر عامل الانصاف وعنصر الصدق في التعبير والدقة في استعمال الكلمات التي تكونت منها عبارات الحكم النقدي.
3- يمكن ان تكون مجردة كليا من اسلوب المجاملات ومراعاة العلاقات الشخصية.
4- في حالة حضور ناقد لغوي الى جانب الناقد الادبي يمكن بعد ملاحظاته ، اعتماد النص لغويا في مجاله.
موقف الناقد في جو اللقاء العام :
ان المسؤولية الكبيرة التي تخيم على جو اللقاء العام هي التي تخلق الصدق والانصاف للنص ولصاحب النص ، وهذا امر طبيعي ، لأن الناقد الذي يتهيأ لإصدار حكمه النقدي وهو بين حشد كبير من الجمهور لايخلو من شاعر مبدع وناقد منصف قد تحمل مسبقا عظم تلك المسؤولية التي خلقتها وتخلقها هذه اللقاءات ، فهو بلا شك في موقف دقيق وحساس يحتاج الى نظر ثاقب ودراية واسعة وصبر واناة ، حيث هو وسط هكذا اجواء ، لايستطيع ان يجامل او يستغل اللقاء لاغراض خاصة ، لأن الآذان التي تسمع النص والعيون التي تفرض على الزيف والمجاملة والتحامل الهروب من قاعة اللقاء ، كما ان الاحكام النقدية التي تستمد مضمونها من معين غير الانصاف ، سرعان ماتجابه الحقيقة تحت سماء هذا اللقاء المشحون بالمواهب والقابليات فتتحول بعد المجابهة الى ما يراه المنصفون الذين لايخلو منهم الاجتماع.
ان اللقاءات العامة بطبيعتها بحاجة ماسة الى ذلك الناقد المؤهل الذي يحدد موقفه ويقدر المسؤولية الملقاة عليه مدة مشاركته في اللقاء ، ذلك لأن في تسليطه الاضواء على نتاج الشاعر ، يطرح للجمهور المستمع نتيجة حقيقة وواقعية لقابلية ذلك الشاعر ، وان كانت تلك النتيجة المطروحة مستخلصة من نص او اكثر ، فإن ذلك قد يفي بالغرض ، لأن صاحب النص في مثل هكذا لقاءات يقدم اجود ما لديه من نتاج يمكن للناقد ان يتخذه عينة يعطي من خلالها رأيه وملاحظاته.
- اللقاءات الخاصة :
ان اصالة الحكم النقدي ونقائه ،لايمكن الكشف عنها والتحقق من توافرها في جو اللقاء الخاص ، مالم تكن هناك دراسة ممعنة لنوعية الدافع عند الناقد أولا ، والغوص في حقيقة العلاقة القائمة بينه وبين صاحب النص ثانيا ، ولعل الذي يحوجنا الى ذلك هو طبيعة اللقاءات الخاصة التي تتميز عن اللقاءات العامة بصفات معينة ابرزها ما يأتي:
- خلو أجوائها من المسؤولية التي تحدثنا عنها في اللقاءات العامة .
- تمتع الناقد بحرية مطلقة ، حيث يتاح له في الجو الخاص استخدام مايشاء من عبارات منصفة او غير منصفة .
ان الناقد بعد ان كان في اللقاءات العامة على حذر وحيطة فيما يقوله ويفعله ، نجده في اللقاء الخاص ناقدا آخر تغلب عليه صفات وسلوكيات اخرى تكون في مقدمتها مراعاته للعلاقات الشخصية القائمة بينه وبين المنقود في أغلب الأحيان ، ومتى ارتبطت تلك الاحكام النقدية بالعلاقات الشخصية وبقيت تحت تأثيرها ، تستمد مضمونها من طبيعة ونوعية تلك العلاقات ، فان ذلك يجعلنا نشك في حقيقة وصدق تلك الاحكام من جهة ، كما يجعلنا نفسر دوافع اطلاقها الى تفسيرات سلبية وايجابية من جهة اخرى ، فالناقد في اللقاء الخاص مثلا ، قد يكون متحاملا على صاحب النص لسبب وآخر مما يدفعه ذلك الى استغلال فرصة اللقاء الذي ربم يحدث مصادفة ، ليصب جام غضبه عليه بعبارات غير لائقة تعطي للاخرين دليلا على صعف ادراك ووعي وثقافة ذلك المتحامل ، وقد تكون العلاقة بين الطرفين على العكس ، لمصلحة او غاية ، فالناقد في هذه الحال قد يهيئ لنقده هذا عبارات المجاملة المشبعة بالتفخيم والتعظيم التي كثيرا ما تصدر دون تقويم صحيح للنص، وان هذا لاينفي عدم وجود او حدوث لقاءات خاصة ذات نقد خال من الشوائب ، فاللقاء الخاص الذي يتضمن احكاما نقدية واقعية ، قد استنبطت بطريقة العرض العادل لما يستقه النص مشفوعا بالتعليل والتحليل الشامل لجوانب الجودة والرداءة ، وسليمة في غاياتها واهدافها ، يمكن ان نعدها من اللقاءات ذات الاهداف السامية ، ولاشك في ان الدوافع التي تقف وراء اصدار مثل هذه الاحكام ، تنطلق من عنصر الصدق المجبول عليه الناقد الذي لايبخل به على صديقه من باب (صديقك من صدقك) .
وفي ضوء هذين النوعين من اللقاءت ، نخلص الى ان المعيار النقدي لأي نص لايمكن الإطمئنان الى صحته مالم تخرج المجاملة من اجواء اللقاء ، ليتحقق التعبير عن الكلمة الصادقة بصفاء ونقاء ،إجلالا لتراث امتنا الخالد وخدمة لمواهب اجيالنا .
عدنان عبد النبي البلداوي
طبيعة اللقاءات وانواعها:
ان اللقاءات الادبية بمختلف انواعها ربيبة البيئة ورفيقة الاحداث ، يعمها التنظيم والتنسيق ويسودها الازدهار والرقي اذا سمحت لها طبيعة اجوائها واحوال العصر الذي تولد فيه . ونعني بالتنظيم والتنسيق ، ذلك الإعداد المقبول الملائم لمستوى اللقاء ، الذي يجب ان يكون من شأنه تهيئة الاجواء المناسبة للمناظرة والمذاكرة وصراحة الرأي في تقويم النتاج الأدبي المسموع ... وحين يكون المستوى الثقافي لعصر ما على جانب كبير من الازدهار والتقدم ، يسود بلا شك جو اللقاء نشاط وحيوية من شأنهما إعطاء صورة مقبولة للقدرة وللقابلية السليمة المستخدمة في نهج افضل السبل المناسبة لإنجاح الحوار او العملية النقدية ، ولكي تتضح صورة المعيار النقدي للنص في اجواء اللقاءات على حقيقتها لابد من تصنيف اللقاءات الى عامة وخاصة:
-اللقاءات العامة :
وهي التي تحدث في مكان معين لها ، يتسع لعدد كبير من عشاق اللغة والادب ، وكانت اسواق العرب الادبية في الجاهلية والاسلام من اشهر اماكنها ، وكانت تلك الاسواق بالاضافة الى مهمتها التجارية ، تضم في اجوائها بيئة نقد ونقاد وشعر وشعراء ومباريات شتى ، ولم تقتصر اللقاءات فيها على سماع مايلقى من نصوص شعرية كانت او نثرية ، فقد كان من اكثر ماتتعرض له هو نقد النصوص وابداء الاراء حول مضامينها ، ومن خلال مرورنا بمختلف هذه اللقاءات ومن عصور مختلفة وجدنا ان ليس لكل لقاء عام احكام نقدية وآراء ادبية يمكن الاطمئنان اليها كليا من حيث توافر عنصر الصدق والاخلاص ، والبعد عن المجاملة او التحامل السلبي وما شابه ذلك ، ولكي تؤدي هذه اللقاءات دورها الفاعل في خدمة النتاج الادبي وفي انجاح العملية النقدية المولودة في جوها ، لابد ان تكون على ما يأتي :
1- ان تكون لقاءات جدية وتضم مختلف المستويات.
2- وان تكون الدعوة لها عامة للجميع دون تخصيص او تفضيل.
3- وان تكون حرية اطلاق الحكم النقدي متوافرة داخل القاعة او المكان المعد ، شريطة ان يختص الحكم النقدي بمضمون النص الادبي المسموع ، وان لايكون حكما نقديا مقتضبا يكتفي فقط بكلمة جيد او ردئ.
4- وان لاتكون داخل القاعة او مكان الاجتماع حلقات او جماعات منفردة بعضها عن بعض اثناء قراءة النص ، حيث ان اهم مايمكن عمله اثناء قراءة النص هو تتبع الآراء النقدية التي تثار تباعا ، لكي لايخفى على البعض أي حكم نقدي قد يكون باطلا او قد يمر دون رد او مناقشة ... وحين يكون اللقاء العام على هذه الشاكلة يمكن ان نحصل من خلاله على احكام نقدية لاتخلو من الصفات الاتية:
1- وضوح الحقيقة دون عناء وبحث ، وذلك بفضل الاشراف المباشر الذي يتعرض له النص من قبل ذوي الملكات والقدرات الادبية ، الذين لايخلو منهم اللقاء.
2- يمكن اعتماد مضمونها من حيث توافر عامل الانصاف وعنصر الصدق في التعبير والدقة في استعمال الكلمات التي تكونت منها عبارات الحكم النقدي.
3- يمكن ان تكون مجردة كليا من اسلوب المجاملات ومراعاة العلاقات الشخصية.
4- في حالة حضور ناقد لغوي الى جانب الناقد الادبي يمكن بعد ملاحظاته ، اعتماد النص لغويا في مجاله.
موقف الناقد في جو اللقاء العام :
ان المسؤولية الكبيرة التي تخيم على جو اللقاء العام هي التي تخلق الصدق والانصاف للنص ولصاحب النص ، وهذا امر طبيعي ، لأن الناقد الذي يتهيأ لإصدار حكمه النقدي وهو بين حشد كبير من الجمهور لايخلو من شاعر مبدع وناقد منصف قد تحمل مسبقا عظم تلك المسؤولية التي خلقتها وتخلقها هذه اللقاءات ، فهو بلا شك في موقف دقيق وحساس يحتاج الى نظر ثاقب ودراية واسعة وصبر واناة ، حيث هو وسط هكذا اجواء ، لايستطيع ان يجامل او يستغل اللقاء لاغراض خاصة ، لأن الآذان التي تسمع النص والعيون التي تفرض على الزيف والمجاملة والتحامل الهروب من قاعة اللقاء ، كما ان الاحكام النقدية التي تستمد مضمونها من معين غير الانصاف ، سرعان ماتجابه الحقيقة تحت سماء هذا اللقاء المشحون بالمواهب والقابليات فتتحول بعد المجابهة الى ما يراه المنصفون الذين لايخلو منهم الاجتماع.
ان اللقاءات العامة بطبيعتها بحاجة ماسة الى ذلك الناقد المؤهل الذي يحدد موقفه ويقدر المسؤولية الملقاة عليه مدة مشاركته في اللقاء ، ذلك لأن في تسليطه الاضواء على نتاج الشاعر ، يطرح للجمهور المستمع نتيجة حقيقة وواقعية لقابلية ذلك الشاعر ، وان كانت تلك النتيجة المطروحة مستخلصة من نص او اكثر ، فإن ذلك قد يفي بالغرض ، لأن صاحب النص في مثل هكذا لقاءات يقدم اجود ما لديه من نتاج يمكن للناقد ان يتخذه عينة يعطي من خلالها رأيه وملاحظاته.
- اللقاءات الخاصة :
ان اصالة الحكم النقدي ونقائه ،لايمكن الكشف عنها والتحقق من توافرها في جو اللقاء الخاص ، مالم تكن هناك دراسة ممعنة لنوعية الدافع عند الناقد أولا ، والغوص في حقيقة العلاقة القائمة بينه وبين صاحب النص ثانيا ، ولعل الذي يحوجنا الى ذلك هو طبيعة اللقاءات الخاصة التي تتميز عن اللقاءات العامة بصفات معينة ابرزها ما يأتي:
- خلو أجوائها من المسؤولية التي تحدثنا عنها في اللقاءات العامة .
- تمتع الناقد بحرية مطلقة ، حيث يتاح له في الجو الخاص استخدام مايشاء من عبارات منصفة او غير منصفة .
ان الناقد بعد ان كان في اللقاءات العامة على حذر وحيطة فيما يقوله ويفعله ، نجده في اللقاء الخاص ناقدا آخر تغلب عليه صفات وسلوكيات اخرى تكون في مقدمتها مراعاته للعلاقات الشخصية القائمة بينه وبين المنقود في أغلب الأحيان ، ومتى ارتبطت تلك الاحكام النقدية بالعلاقات الشخصية وبقيت تحت تأثيرها ، تستمد مضمونها من طبيعة ونوعية تلك العلاقات ، فان ذلك يجعلنا نشك في حقيقة وصدق تلك الاحكام من جهة ، كما يجعلنا نفسر دوافع اطلاقها الى تفسيرات سلبية وايجابية من جهة اخرى ، فالناقد في اللقاء الخاص مثلا ، قد يكون متحاملا على صاحب النص لسبب وآخر مما يدفعه ذلك الى استغلال فرصة اللقاء الذي ربم يحدث مصادفة ، ليصب جام غضبه عليه بعبارات غير لائقة تعطي للاخرين دليلا على صعف ادراك ووعي وثقافة ذلك المتحامل ، وقد تكون العلاقة بين الطرفين على العكس ، لمصلحة او غاية ، فالناقد في هذه الحال قد يهيئ لنقده هذا عبارات المجاملة المشبعة بالتفخيم والتعظيم التي كثيرا ما تصدر دون تقويم صحيح للنص، وان هذا لاينفي عدم وجود او حدوث لقاءات خاصة ذات نقد خال من الشوائب ، فاللقاء الخاص الذي يتضمن احكاما نقدية واقعية ، قد استنبطت بطريقة العرض العادل لما يستقه النص مشفوعا بالتعليل والتحليل الشامل لجوانب الجودة والرداءة ، وسليمة في غاياتها واهدافها ، يمكن ان نعدها من اللقاءات ذات الاهداف السامية ، ولاشك في ان الدوافع التي تقف وراء اصدار مثل هذه الاحكام ، تنطلق من عنصر الصدق المجبول عليه الناقد الذي لايبخل به على صديقه من باب (صديقك من صدقك) .
وفي ضوء هذين النوعين من اللقاءت ، نخلص الى ان المعيار النقدي لأي نص لايمكن الإطمئنان الى صحته مالم تخرج المجاملة من اجواء اللقاء ، ليتحقق التعبير عن الكلمة الصادقة بصفاء ونقاء ،إجلالا لتراث امتنا الخالد وخدمة لمواهب اجيالنا .