ضاءة :”…لكن عبير الأماسي والليالي المكتظة بالتوجس واندفـاع المغامرة يتسلل على داخلتي ليعيد رماد الجمرات غلالة شفافة آسرة..”
محمد شكري : “الخبز الحافي”
===================
طفلة سمراء تنوي اختلاس القمر..راعية غنم رأيتها في عز الظهيرة تسافر في الأغاني ..إلى صدى الكلمات ..إلى الأماسي ،المآسي… تتموج بين السواقي.. يهتز جذعها ..فرعها..غصنها..يتساقط ثمارها .. شجرة سمراء تعانق جنون الريح ..تحبو..تغدو،تروح..في لحائـها تنكشف التفاصيل :
عشب بري…
ثمر الفستق الإسباني .
هاتف “نوكيا” الهزاز.
خصر يفيض في البساط ويهيم بين الرسوم ..نسور تحط ..نسور تطير. وشمس تلهث ،تسخر من تجاعيد الوجه… تهفو، وتجثو طائعة تقبل الأفول ! رأسـي تعج بالأسماء ،بالروائح ، بالبطـائق ،بالهواتـف والبرقيات.!رأس راعية الغنم تعج هي الأخرى بالأسماء ..بالإنخطاف ، المآسي ،الأماسي والزيارات.!
قالت :
- عمت مساء سيد الطرب..
قلت مبتهجا بحلاوة الليلة :
- عمت مساء سيدة الرعي والنغم…
قاطعتني باسمة في استحياء :
- بل راعية غنم.!
كانت تحدق في شاربي باندهاش أو إعجاب ..(لست أدري).. بأنامل مرتعشة تعبث بوثني الجميل المعلق في سبحة مفاتيح الشقة ..ومن حين لحين تنخرط في شرود ..تسافر عبر ستار النافذة إلى أجنحة الحلم .. تتشرب صوت البراري ،نسائم الأحواض والشعاب..وبأنفاس حزينة تترنم مطلع أغنية ريفية :
“”…أيور..أيور…أيور للابويا..”" (1)
تركض ..أركض..
تنخطف ..أنخطف..
تهفو ..أهفو..
تحبو ..أحبو..
انجذب وتنجذب ..غير أنها تتردد خائفة:
- أخاف ..اخاف ،هذا الوثن الجميل ..طلاء الجدران ..رسـوم البساط ونسوره التي كانت تخاصرني .!أخاف أجنحة الرياح الكئيبة.. أخاف على شويهاتي .. شويهاتي هناك بين السواقي ..خلف الأشجار. آه على شويهاتي ..!
عيناها تشعان إذ يغرق في بريقها وثني الجميل.يدي في يديها اليسرى.
يدها اليمنى تتولى إحكام عقد ضفيرتها الطويلة.
تأملت ضفيرتها....استعطفتها :
- نونجـا..نونجـا.. مدي ضفيرتك أتسلقها نحو أقاصي الفتنة..!
لم تكن لتفهم هلوساتي ..غير أن أنفاسي تعبقها ..وأنفاسها تتقطـع تعلقا بستائر النافذة ..تنتفض كطائر بلله الرذاذ الخفيف ..استعطفتني هي الأخرى :
- شويهاتي هناك ..أخاف على شويهاتي ..تأخرت عن اللحاق بشويهاتي ..!
أركض.. تركض …
أنخطف ..تنخطف…
أهفو ..تهفو..نترنم معا مقطعا ساخرا على إيقاعات أغنية وردة الجزائرية :
- “..شويهاتي ..يا شويهاتي ..أنا بحبك يا شويهاتي..”
أترنح ..تترنح…
أحبو ..تنحني …
تهم بي ،أهم بها …
قد قميصي وقميصها من دبر ..ومن قبل !
آه ،كم كان جسدها مثقلا باللغات المسافرة في البعد والفتنة .! والفتنة أشد من القتل .!الغمد طيع ،السيف راشق ،الماء يشتعل غليانا، القاتل والمقتول في النار .!فجرنا ينوح وأنا أغمغم وأرتشف ما علق بشاربي من لعاب :
- نونجـا..نونجـا ،مدي ضفيرتك…أنسام الأحواض ..فراش الخريف أنت .!
شهقت ..تململت وغمغمت ترشق وجهي بأنفاسها المتقطعة :
- أغشاك ..أغشى آهاتك.. أغشاك إذ ترعشني صبواتك..وانتشر طائعة تحت أشرعة نزواتك .!غير أني تأخرت عن اللحاق بشويهاتي.. شويهاتي خلف الأشجار ،بين السواقي ..!
تنخطف ،انخطف ،ينتشر خصرها مائعا تحتي.!يتداخل نقـري مـع نقرات نسور البساط ..شموس الصبح تتسلل عبر ستائر النافذة ..رائحة الأعشاب البرية الآتية من الشعاب والسواقي تعبق زوايا الغرفة ..غير أن أنفي غاص في جسد راعية الغنم !
من بعيد تهادى إلينا صوت ديك الجيران ..قفزت مرعوبة ،انتفضت تتأوه ..بدت عارية بيضاء أشبه بقالب سكر .!هرولت ناحية باب المرحاض ،لحقها خصرها العامر بالأسرار..بينما استعذب جسدي المنهك سخونة اللحاف الإسباني ..قبل أن أخفي رأسي في الفراش لمحتها تتسلل نحو الباب ..ومنه إلى السلم ..خرجت نونجا (لا حس ولا خبر!) ،فقط نقرات شربيلها المرصع بحبات ألماس واهم توقع نغما حزينا في أذني ..تناست عمدا مشد صدرها الممتلئ ..تحسسته ،رخو حريري ممزق قليلا ناحية النهد الأيسر ..ربما أنا من مزقه في لحظة تهيج أو توهج .!حاولت أن أخلد للنوم ، لم أقدر .!رأسي تعج بالأسماء ، بالأطياف ،الأشباح وبروائح الأرياف ..أتعمد الشخير وأداعب نوبات نوم خفيف .. أشخر.. يتداخل شخيري مع عواء ذئب يشق البراري ويتسرب إلى فضاء الغرفة عبر شقوق الباب وستائر النافذة .
ــــــــــــــــــــــ
إحالات مرجعية:
أغنية ريفية تتحدث عن أميرة أمازيغية تدعى"بويا"1
أيور : لفظ بالأمازيغية الريفية المغربية يفيد “البدر” 2
محمد شكري : “الخبز الحافي”
===================
طفلة سمراء تنوي اختلاس القمر..راعية غنم رأيتها في عز الظهيرة تسافر في الأغاني ..إلى صدى الكلمات ..إلى الأماسي ،المآسي… تتموج بين السواقي.. يهتز جذعها ..فرعها..غصنها..يتساقط ثمارها .. شجرة سمراء تعانق جنون الريح ..تحبو..تغدو،تروح..في لحائـها تنكشف التفاصيل :
عشب بري…
ثمر الفستق الإسباني .
هاتف “نوكيا” الهزاز.
خصر يفيض في البساط ويهيم بين الرسوم ..نسور تحط ..نسور تطير. وشمس تلهث ،تسخر من تجاعيد الوجه… تهفو، وتجثو طائعة تقبل الأفول ! رأسـي تعج بالأسماء ،بالروائح ، بالبطـائق ،بالهواتـف والبرقيات.!رأس راعية الغنم تعج هي الأخرى بالأسماء ..بالإنخطاف ، المآسي ،الأماسي والزيارات.!
قالت :
- عمت مساء سيد الطرب..
قلت مبتهجا بحلاوة الليلة :
- عمت مساء سيدة الرعي والنغم…
قاطعتني باسمة في استحياء :
- بل راعية غنم.!
كانت تحدق في شاربي باندهاش أو إعجاب ..(لست أدري).. بأنامل مرتعشة تعبث بوثني الجميل المعلق في سبحة مفاتيح الشقة ..ومن حين لحين تنخرط في شرود ..تسافر عبر ستار النافذة إلى أجنحة الحلم .. تتشرب صوت البراري ،نسائم الأحواض والشعاب..وبأنفاس حزينة تترنم مطلع أغنية ريفية :
“”…أيور..أيور…أيور للابويا..”" (1)
تركض ..أركض..
تنخطف ..أنخطف..
تهفو ..أهفو..
تحبو ..أحبو..
انجذب وتنجذب ..غير أنها تتردد خائفة:
- أخاف ..اخاف ،هذا الوثن الجميل ..طلاء الجدران ..رسـوم البساط ونسوره التي كانت تخاصرني .!أخاف أجنحة الرياح الكئيبة.. أخاف على شويهاتي .. شويهاتي هناك بين السواقي ..خلف الأشجار. آه على شويهاتي ..!
عيناها تشعان إذ يغرق في بريقها وثني الجميل.يدي في يديها اليسرى.
يدها اليمنى تتولى إحكام عقد ضفيرتها الطويلة.
تأملت ضفيرتها....استعطفتها :
- نونجـا..نونجـا.. مدي ضفيرتك أتسلقها نحو أقاصي الفتنة..!
لم تكن لتفهم هلوساتي ..غير أن أنفاسي تعبقها ..وأنفاسها تتقطـع تعلقا بستائر النافذة ..تنتفض كطائر بلله الرذاذ الخفيف ..استعطفتني هي الأخرى :
- شويهاتي هناك ..أخاف على شويهاتي ..تأخرت عن اللحاق بشويهاتي ..!
أركض.. تركض …
أنخطف ..تنخطف…
أهفو ..تهفو..نترنم معا مقطعا ساخرا على إيقاعات أغنية وردة الجزائرية :
- “..شويهاتي ..يا شويهاتي ..أنا بحبك يا شويهاتي..”
أترنح ..تترنح…
أحبو ..تنحني …
تهم بي ،أهم بها …
قد قميصي وقميصها من دبر ..ومن قبل !
آه ،كم كان جسدها مثقلا باللغات المسافرة في البعد والفتنة .! والفتنة أشد من القتل .!الغمد طيع ،السيف راشق ،الماء يشتعل غليانا، القاتل والمقتول في النار .!فجرنا ينوح وأنا أغمغم وأرتشف ما علق بشاربي من لعاب :
- نونجـا..نونجـا ،مدي ضفيرتك…أنسام الأحواض ..فراش الخريف أنت .!
شهقت ..تململت وغمغمت ترشق وجهي بأنفاسها المتقطعة :
- أغشاك ..أغشى آهاتك.. أغشاك إذ ترعشني صبواتك..وانتشر طائعة تحت أشرعة نزواتك .!غير أني تأخرت عن اللحاق بشويهاتي.. شويهاتي خلف الأشجار ،بين السواقي ..!
تنخطف ،انخطف ،ينتشر خصرها مائعا تحتي.!يتداخل نقـري مـع نقرات نسور البساط ..شموس الصبح تتسلل عبر ستائر النافذة ..رائحة الأعشاب البرية الآتية من الشعاب والسواقي تعبق زوايا الغرفة ..غير أن أنفي غاص في جسد راعية الغنم !
من بعيد تهادى إلينا صوت ديك الجيران ..قفزت مرعوبة ،انتفضت تتأوه ..بدت عارية بيضاء أشبه بقالب سكر .!هرولت ناحية باب المرحاض ،لحقها خصرها العامر بالأسرار..بينما استعذب جسدي المنهك سخونة اللحاف الإسباني ..قبل أن أخفي رأسي في الفراش لمحتها تتسلل نحو الباب ..ومنه إلى السلم ..خرجت نونجا (لا حس ولا خبر!) ،فقط نقرات شربيلها المرصع بحبات ألماس واهم توقع نغما حزينا في أذني ..تناست عمدا مشد صدرها الممتلئ ..تحسسته ،رخو حريري ممزق قليلا ناحية النهد الأيسر ..ربما أنا من مزقه في لحظة تهيج أو توهج .!حاولت أن أخلد للنوم ، لم أقدر .!رأسي تعج بالأسماء ، بالأطياف ،الأشباح وبروائح الأرياف ..أتعمد الشخير وأداعب نوبات نوم خفيف .. أشخر.. يتداخل شخيري مع عواء ذئب يشق البراري ويتسرب إلى فضاء الغرفة عبر شقوق الباب وستائر النافذة .
ــــــــــــــــــــــ
إحالات مرجعية:
أغنية ريفية تتحدث عن أميرة أمازيغية تدعى"بويا"1
أيور : لفظ بالأمازيغية الريفية المغربية يفيد “البدر” 2