فقط للصراصير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مهند العاقوص
    أديب وكاتب
    • 07-08-2011
    • 196

    فقط للصراصير

    أنت صرصار أيضا
    تحسرتُ على ما آل إليه حال نهر بردى فعارضت ذلك الشاعر الذي قال:
    بردى بردى عذب أبدا بردى بردى نغم وصدى
    فقلت : بردى بردى يبكي أبدا بردى بردى عفن وصدا
    جلست على قارعة الطريق , بالقرب من محل لبيع التحف الأثرية الذي قام فوق النهر , استرخيت على وقع صوت أم كلثوم القادم من مرسم صغير امتلأ باللوحات الدمشقية , لم ألحظ أية تغييرات على الشارع الأثري باستثناء شجرة الياسمين التي أطلت برأسها من خلف جدار وصرصار من الجيل الثالث يطير تارة ويعربد على الأرض المرصوفة بأحجار قديمة وبذكريات من مروا تارة أخرى , أعادني الصرصار إلى ذكريات الزمن الجميل , إلى قريتي حيث حناجر الديكة مآذن ونواقيس وحيث الحب والندى توأما فجر واحد , هناك في إحدى الليالي تكورت في حضن أمي كدودة لا تصنع الحرير إلا في الدفء , كدنا ننام قبل أن يمزق صوت قدم من صميم العتمة سكون الليل (وززز.... وززز ...... )
    أيقظ الصوت الفضول على لسان طفل لم تعتد أذنيه على موسيقا الريف تعزفها الحشرات, فدار حوار بيننا ما زال يتردد صداه في أذني .
    - ما هذا الصوت يا أمي؟
    - انه صوت صفير صرصار الليل يا بني !
    - ما الفرق بين صراصير الليل وصراصير النهار ؟
    - لا أعرف ..... ربما صراصير النهار لا يسمع صفيرها .
    تكرر الصوت فحدقت من النافذة , لم أر سوى خفين غطياهما الطين وصينية مصنوعة من القش معلقة على جدار متصدع وشجرة ليمون تغنجت إذ همست الريح بأذنيها كلمات لا تذاع في العلن .
    - ولماذا يصفر يا أمي؟
    - انه يبكي يا بني.
    وجدتني متورطا بدموع صرصار أكثر ما يجمعني به أننا ابنا قرية واحدة.
    - ولماذا يبكي؟
    أمي الساذجة قالت أنه يبكي على أمه ! لا أدري لماذا تجهل الأمهات أن إجابة خاطئة قد تحرض أحاسيس أبنائهم فيصيرون مجانين أو قصاصين .
    - وأين أمه ؟ أليست معه في الفراش مثلنا؟
    ضحكت أمي وتقبلت فكرة أننا صراصير أيضا فأجابت :
    - لا تقلق يا صرصاري الصغير , ذهبت لإحضار الطعام وستعود حالا .
    نامت أمي وتركتني أنتظر أما لصرصار كل ذنبه أنه جائع وكل ذنبي أنني أسمع أصوات الجياع إلى أن لاحت خيوط الفجر وكف العالم من حولي عن البكاء ,غرست وجهي في جلد أمي مدركا أن جلد الأمهات لا يسافر إلى الهند لكنه يصير عطارا .
    هذا الصرصار الطائر أيقظ ذاكرتي ثم رحل , جلت بعيني أستمتع بسحر المكان , رجل بقدم واحدة يبيع العصير , ماسح أحذية يستجدي أقدام رجل أنيق , سائحات شقراوات استجبن لضغوط الحر الشديد , طفلة بترت إحدى يديها فوهبت الأخرى للسؤال, بائع يصيح بلسانه الألثغ تماري تعت ( كعك ) , شاب كفيف يقف خلف طاولة وضع عليها بعض الحلويات وراح ينادي يا كريم .....
    توقفت سيارة الشرطة عند باب قلعة صلاح الدين , أسرع ثلة من رجال الشرطة الذين خافوا على وجه المدينة فراحوا ينظفونها من فقرائها, اختلف المشهد كليا , لم أهتم بقدم بائع العصير المبتورة بقدر ما اهتممت بقدمه الثانية التي تقفز هربا ......
    تحلقوا حول رجل تمترس خلف شيخوخته واحتمى بالتكية التي تقف وراءه فلم يهرب , اقتربت منه لفرط ما ذكرني بأبي , كان يرتدي حذاء باليا وتجلس أمامه أحذية أنيقة معروضة للبيع , لقد صادروا بضاعته , لم تحمه لا دمعته التي تلألأت في مقلتيه ولا توسلاته , اقتربت منه وقلت مواسيا : لنا الله يا عم , مما أغضب الضابط الذي صرخ : تفترشون الأرض كالصراصير !!!!!!!
    صمت الكون للحظة قبل أن أسمع صوتا يشبه ذاك الصفير ( وززز وزز..... )
    عذرا سيدي الضابط ! ما الفرق بين صراصير النهار وصراصير الليل؟؟؟؟؟
يعمل...
X