تأليف/رضا الهجرسى
قصة طويلة
صراع أقدار
---------------------------
لا أعرفــك .... لا تعرفينني..
مجهـولة لي .... مجهـولا لـــــــكى..
تقطنين فى أول الأرض .... أعيش في آخــرها ..
لكـــــــن........؟؟
أقدارنــــــــا تتصـــارع ..
قدري يصارع قدرك ..... قدرك يصارع قدري..
قدري يغير حيـاتـك ....... قدرك يغير حيـاتي..
فما الحياة إذن ألا ..
صراع أقدار ...
________________
الفصل الأول
العطسة والدمعة..
رجلنا مهندس يعمل في الكويت ... طقوسه اليومية لا تتبدل ... لايغيرها شيء يدق جرس المنبة صباحا ... يعتدل في سريره ... وفى روتينية مبرمجة... يأخذ حمامه يتناول أفطاره ... يرتدى ملابسه..يسمع سرينه سيارته يتناول حقيبته فى تلقائية.. يلقى بالحقيبة داخل السيارة يجلس على كرسيه بجانب السائق يلقى عليه تحيه الصباح ..يلقى برأسه على المقعد..وينام دون انتظارا لرده..يوقظه السائق أمام مكتبه يتمطع فى تكاسل...يلتف عماله حوله .. يوزع عليهم الأعمال ...يدخل مكتبه يراجع أوراقه ... يكمل يومه فى نشاط..
جالسا على كرسيه عائدا ..نائما .. يوقظه السائق أمام مسكنه ..
يأخذ حمامه.. يرن جرس الباب..
تدخل الخادمة البنغالية يتركها تزاول أعمالها..
يدخل سريره مستغرقا فى نوم عميق....
يستيقظ .... يتابع قنوات التلفاز ..
تناسخ للأيام ... أربعة سنوات ... تعادل يوما واحدا ..
يدخل سريره ..
ويغيب عن الوعى؟؟
_____________________
جالسا كعادته على كرسيه بالسيارة ... نائما كعادته..
فجأة..
يسمع هدير عالى الصوت.. يصم الأذان.. يرى من زجاج السيارة بجانبه طائرة ضخمة تقترب بسرعة هائلة متجهة بمقدمتها لسيارته..مقدمتها تكبر وتقترب.. يسمع صرخة السائق فى أذنيه مدوية مذعورة..
- ما هذا ... ما هذا . سوف تصدمنا ... سوف تصدمنا..
تدوى صرخات السائق المتواصلة المذعورة فى أذنه وهو ما زال ينظر إلى الطائرة وهى تقترب بسرعة جنونية متجهه إلى السيارة ...
يعلو هديرها كلما اقتربت.. ويعلو معها صراخ السائق المبحوحة المتواصلة..
فجأة ! ....
تنعدم الجاذبية داخل فضاء السيارة ويسبح فى فضاءها بحرية ... تارة إلى الأعلى.. وتارة أخرى إلى الأسفل .... ومنها إلى سقف السيارة..
أرتطم بالزجاج الامامى.. ومنه إلى الجانب الأيمن..كل هذا فى ثوان معدودة
ثوان تعادل دهرا من الزمان.. لاتنتهى.. صرخاته المتواصلة لا يدرى..
هل كانت تدوى داخله ... أم كانت تدوى فى فضاء السيارة..؟؟
لم يجد وصفا لإحساسه وشعوره بهذه الثوان المتفردة فى حياته..
فجأة ! ......
تعود الجاذبية ... تشده إلى كرسيه ... مشلول الإحساس والحركة أمتدت أيادي كثيرة لتحريكه وإخراجه ..أصواتهم المتداخلة فى أذنيه..تردد ..
-لا تحرك قدميه.. ضع يدك تحت كتفيه و رأسه..
وجد نفسه ينظر إلى سماء زرقاء صافية ... خالية من السحب وهو محمول ... كالريشة خفيف.. كالطائر حر.. إحساس لذيذ و نشوة روحية غمرت كيانه..
يهبط برقة على رمال رطبة طرية مبلله بالندى ..
ظل شاخصا ببصره لسمائه الصافية.. روحه صافية كصفاء سماءه ترفرف سعادة غامرة تسرى فى كيانه.. وقلبه.. وروحه ..
فجأة ! ....
يظهر وجه أمام وجهه.. يخفى سماءه..
تنتابه لحظات غضب..
يحدق فى هذا الوجه ..من خلال غيبوبته اللذيذة ..
كان كمن شرب كأس الخلود.. أو أنقى أنواع الحشيش..
سمع صوت بلكنة مصرية يعتذر له لتركه ..ليبلغ الشرطة والأسعاف ..
نظر إليه فى تعجب؟؟ .عن ماذا يتأسف..ويعتذر..
تبدل الوجه بوجه أخر .. وتبدلت اللكنة إلى الكويتية ..
أطمئن يا أخى الإسعاف بالطريق .. رجاءا.. لا تتحرك..
فى استغراب وتعجب يحدث نفسه ؟؟
أتحرك؟.. ولماذا أتحرك؟ تلك السماء الصافية أتركها لمن؟؟ .
أختفت سماءه ... تدريجيا ...
ويغيب عن الوعى
_________________
غمرعينيه ضوء شديد .. تساءل فى تعجب ؟؟
-أين سماءه..
ما هذا الضوء الباهر..و البرد القارص ..
لمن هذه الأيدى التى تعبث بجسده العارى وأعضاءه الحساسة ..
شعر بحرج شديد عندما رأى امرآتين أسيويتين ينظران إلى جسده العارى.. أحداهما تمسك أبره بها خيط ..ردد فى نفسه ..
طيبة هذه المرأة.. سوف تخيط له سرواله الممزق والملقى على الأرض..
يا للعجب.. أنها تضع الإبرة على ركبته..تغرزها دون رحمة..
صارخا من الألم ..
ماذا تفعلين أيتها الملعونة.. سروالى هناك..
كانت صرخته عالية مدوية فى أركان كيانه ..
أين أنا ؟ أين سمائي؟ من هؤلاء؟.
ويغيب عن الوعى
___________________ فتح عينيه على سقف أبيض.. هادئ الضوء.. زملاءه فى العمل يحيطون بسريره ..علب الشيكولاتة يضعونها مع كلمات المجاملة المعتادة...
فى إبتسامات مصطنعة.. يغادرون..يتركونه وحيدا مع آلامه ..وغربته ..
على سريره.. نصفه الأيسر ملفوفا بالشاش الأبيض.. كمومياء فرعونية.. يتوسط سريره صف من الأسرة المتراصة يفصلهما ستار أبيض..
ينام عليها من يدفعون ثمن غربتهم..
هذا أصبع مقطوع ..
تلك قدم مكسورة ..
ذلك ظهر مقسوم ..
فجأة
تقفز إلى ذاكرته زوجته وأولاده .. أين هم الآن ..أين الأهل والخلان
هو فى أشد الحاجة إليهم الآن !
* الأولاد يلتفون حول سريره فى فرح وشقاوة ...
* زوجته تقابل زواره ..تذهب جيئة وذهابا لتلبى طلباته ..
نظرات الفزع فى عينيها تحاول إخفاءها وتضع مكانها أبتسامه مصطنعة لتطمئنه ..
يرى فى عينيها دمعه تترقرق.. تحاول جاهدة أن تحبسها ..آآآآآآآآها..
ما أشد حاجته إلى هذه الدمعة الآن.. صرخ من قلبه المكلوم ..
أن هذه الغربة غول بشع لا يملك قلب..يتغذى على أحلى لحظات حياتى.. يسرق الأيام و السنين ..
تارة بتناسخ الأيام .. وتارة أخرى بحرمانك من دمعة فى عين زوجتك..
يا له من ثمن غالى.. غالى ...
ويغيب عن الوعى
________________
العطسة
متوجها إلى دار الشرطة للإدلاء بأقواله وهو ملفوف بالشاش الأبيض
مذهولا .. فمنذ دخوله وجميع أفراد الشرطة ..يحدقون به ..
هذا يبتسم وذاك يحاول أن يخفى ضحكته وآخر يربت على كتفة مجاملا فى ابتسامة مكتومة
فجأة !
ينفجر الجميع فى ضحك هيستيرى ..
تظهر على وجهه علامات الغضب والشعور بالمهانة والذهول ..
ماذا يحدث ؟؟ لماذا يضحكون عليه ؟؟
يدخل غرفة المحقق .. ينفجر المحقق ومساعده فى ضحك هيستيرى
إزداد شعوره بالغضب والمهانة..
يهدأ الجميع ..يعتذر المحقق له ..
يسأله وما زالت الابتسامة العريضة على وجهه..
-هل تعلم ماذا حدث ؟ دون انتظار لأجابته .. أجاب ..
بالطبع..لا تعلم .. سأجيبك أنا !!
كل ما حدث لك كان سببه ..
عطسة هندية؟؟
يردد كلمات المحقق فى ذهول ..
-عطسة هندية؟؟
- نعم عطسة..ولكن ليست عطسة كأى عطسة ..هى عطسة هندية ..
امرأة هندية كانت ذاهبة بسيارتها إلى عملها وهى مصابة ببرد شديد.. عطست . دارت عجلة القيادة بيدها.. فصدمت مقدمة سيارتها سيارتك من الجانب فقلبتها كانت تلك العطسة الهندية من نصيبك وقدرك ..
مذهولا.. أخذ يردد ..
كل هذا سببتة عطسة؟ عطسة هندية؟؟
أبتسم .. ضحك.. أنطلق فى ضحك هيستيرى ..
وفجأة !
غاب عن الوعى
___________________
الدمعة
وحيدا .. ممددا على سريره فى أحضان غوله البشع ..
شاخصا ببصره لسقف غرفته ..
يرن جرس الباب .. يقوم متحاملا على نفسه وآلامه ..
كانت الخادمة البنغالية .. أعطاها ظهره ..
أنطلق صراخها وغضبها وتساؤلها..
أين كان؟؟ ولماذا لم يخبرها بأنه سيغيب عدة أيام كى لا تحضر ..
أستدار بصعوبة بالغة .. صمتت فى ذهول ..صرخت فى فزع
نظر فى عينيها ..
رأى دمعة تتكون فى عينيها .. تسقط..تتدحرج على خدها الاسمر ..
لأول مرة يدقق فى ملامحها الرقيقة.. والطيبة التى تظهر على وجهها الأسمر الشاحب ..
مد يده.. وضع الدمعة على أصبعه .. محدقا فيها ..
هذه الدمعة حُفرت فى إحساسه وكيانه كنقش فرعونى على حجر جرانيتي قتلت دمعتها الغول .. هزت جنباته كأنها زلزال مدمر ..
صرخ صوت داخله ...
لا... لا هذه ليست دمعتي ..
دمعتى فى عين زوجتى واولادى
هم أحق منها بهذه الدمعة ..
قرر العودة.. وأسترد كامل وعيه
الفصل الثانى
يوم الحساب..
كمن بعثه الله من الموت ليكمل مشوار حياته ..
جالسا على كرسيه بالطائرة ملقيا رأسه إلى الخلف مغمض العينين.. تتزاحم الذكريات فى رأسه ..
لقد أكتشف إن عمر الإنسان الحقيقى هى عدد السنوات التى حفرت ذكرياتها فى كيانه.. وما أقلها ..
هاجمته ذكرياته.. حلوها.. ومرها ..
- الزوجة ... آآه هذه المرأة العظيمة التى تحملت الكثير.. تفرغت لتربية أولاده تركت عملها.. برسائلها جعلته يعيش معهم مطمئنا على أولاده وتفوقهم فى دراستهم..
- الأبن.. آها أيها الوريث الحبيب..كم أشتاق إليك.. هل تخلصت من خجلك وانطوائك.. آها أيها الشاب الوسيم ..لقد أصبحت على أبواب الجامعة ..
و صرت رجلا يفتخر بك أبيك..
- الأبنة.. يا حبيبه قلب أباكى.. أيتها الشقية الدلوعة لقد تركها طفلة..هى الآن آنسة باهرة الجمال كما صورتها.. كم يشتاق إلى طلباتها التى لا تنقطع ينفذها من فوره.. نعم .. سنوات عمره التى أكلها غول الغربة البشع من حياته ... يستحقونها .. نعم يستحقونها..
أمنت لهم حياتهم.. شقة جديدة فى حى راقى ..رصيد بالبنك .. نعم وألف نعم يستحقونها ..
فتح عينيه على صوت المضيفة تعلن وصول الطائرة ...
وازداد وعيه ..
___________________
واقفا أمام باب شقته الجديدة.. ينظر فى ساعته التى تشير للسادسة صباحا ..
إنفجر بداخله بركان من المشاعر الفياضة .. سعادة غمرت كل كيانه لقرب اللقاء ..
تحيط به حقائب السفر المحملة بكل ما هو غالى وثمين ..
فى وسط مشاعره المتخبطة.. رفع أصابعه المرتعشة ليدق الجرس ليعلن عن وصوله المفاجئ وقبل أن يضع إصبعه على الجرس يُفتح باب الشقة ..
تظهر زوجته بكامل زينتها وهى تمسك حقيبة جلدية فى يدها .. ألجمتها المفاجأة مبهوتة تنظر إليه فى ذهول.. وكأن حالها يقول..
من هذا الرجل شاحب الوجه؟؟
نحيل الجسد هل هو حقا زوجها؟؟
أخذ ينظر إليها والابتسامة تملأ وجهه ويشير لصدره ليؤكد لها أنه زوجها ... نعم حبيبها المغترب عاد .. ألقت بالحقيبة..
أرتمت بين ذراعيه المفتوحتين ..وقد شعر أنه أصبح ..
فى كامل وعيه
______________________
ألقى بجسده المنهك على أقرب كرسى بالصالة .. تحيط به حقائبه فى نصف دائرة ..
تتحرك الزوجة حوله فى إرتباك وعصبية محاولة رسم الفرحة والبهجة على وجهها..
وفجأة ..
تتناول حقيبتها الجلدية وتقبله فى خده ... قائلة ..
- آسفة يا حبيبى .. سأغيب عنك ساعة وأعود .. سأسلمهم أوراق هامة معى وأحصل على إجازة من عملى .. ساعة واحدة وأعود..
لم تترك له فرصة للرد أو الإعتراض ..
شاخصا ببصره.. ناحية باب الشقة فى ذهول ..منذ متى وزوجته تعمل؟
ولماذا تعمل؟
هى لاتحتاج إلى العمل ..
هو وأولاده لا يحتاجون لعملها؟
ما كان يرسله من نقود أكثر من إحتياجاتهم ....
وحيدا .. ينظر إلى حقائبه .. هذه حقيبة الحبيبة.. وتلك للشاب الوسيم.. وهذه للدلوعة الشقية...
فجأة ..
يُفتح باب إحدى الغرف وتخرج منها إبنته ذات السادسة عشر من عمرها تضع فوطة على كتفيها تفرك عينيها فى تكاسل .. تتلاقى نظراتهما ..
تصرخ فزعة فيحاول طمأنتها مرددا ..
لاتخافى يا حبيبتى أنا أباكي .. أنا أباكي ..
تدقق النظر إليه وعلامات الفزع والرعب ما زالت مرتسمة على وجهها .. رويدا ...رويدا تتأكد منه وتجرى ناحية ذراعية وتحتضنه فى مرح ودلع وهى تسأله .. ما الذى غيرك هكذا .
لقد أصبحت نحيلا .. شاحبا .. فإبتسم وقلبه ينفطر فى صدره..
ثمن الغربة ياإبنتى العزيزة ثمن الغربة..
ما الذي جعلك تستيقظين مبكرا هكذا؟؟
علم منها أنها ذاهبة في رحله مع شلة النادي إلى الإسكندرية يقضون يوما ويعودون..
فتاة في مثل عمرها تذهب وحدها في رحلة مع فتيان وفتيات في سن المراهقة دون رقيب؟؟
لن ينسى أبدا أتهامها له بالرجعية وأنهم جيل العولمة والكمبيوتر والأنترنت..
تركته مصدوما ودخلت الحمام وهي تسأله هل أحضر لها هدايا روشة.. في حيرة من أمره..
هل يتركها تذهب أم يمنعها ويؤكد أتهامها له بالرجعية..
دعا إليه إحساسه بإقتراب ..
غيابه عن الوعى..
__________________
في محاولة للتسرية عن نفسه أخذ يردد مقولته التى رافقته في غربته
-لاتنظر للشمس في عينها.. فلن ترى الشمس.. ولن ترى غيرها..
محاولا أن يجد عذرا لزوجته وأبنته ببعده عنهم طوال هذه السنوات وأن من المؤكد أن كل شئ سيعود لسيرته الأولي بعودته إليهم ..
فى خضم أفكارة إلتقطت أذنه صوت مفتاح يوضع فى باب الشقة
أنتقل ببصره جهه باب الشقة ولكن الصوت يتكرر والباب لا يفتح سار متثاقلا ليرى من بالباب.. أقترب من الباب ليفتحه..
وفجأة..
فتح الباب ووجد نفسه وجها لوجه أمام أبنه..
تلاقت نظراتهما.. أخذ كل منهما يحدق في وجة الآخر بتمعن وإستغراب ؟
عاد الأبن إلى الوراء خارج باب الشقة وأخذ ينظر لباب الشقة ثم هز رأسه وكأن حاله يقول ..
- نعم هذه شقتنا؟؟ فمن هذا الرجل الغريب أذن؟
- ثم عاد وأخذ ينظر إليه في حركات إنسان مغيب.. مرتعش اليدين يترنح في خطواته فى ذهول.. حدق رجلنا في ولده وهو يتساءل هل هذا ولده الشاب الوسيم؟ هل هذا الشاب النحيل شاحب الوجة.. ذات العينين الحمراوتان الزائغتان هو ولده حقا ؟
- ما هذه الهالات السوداء المحيطة بعينيه تركه الولد وإتجه ناحية غرفته وهو يترنح يمينا وشمالا ..صرخ عليه مناديا ..إلتفت إليه الشاب ثم أنفجر فى ضحك هستيري وهو يشير ناحيته.. أمسكه من كتفيه غاضبا وهزه بعنف وشدة.. فى عصبية وعنف يرفع الولد يديه ويدفعه بقوة شديدة..
تدخل الزوجة من الباب وترى ما فعله الأبن بأبيه ..
تجرى ناحيته فى غضب شديد وتصفعه عدة صفعات بكلتا يديها فى هستيريا شديدة وهى تردد..
- ده أبوك يا حيوان .. أبوك يا كلب ..
الظاهر الشم والبانجو لحسوا عقلك ..
وضع رجلنا يديه على قلبه ..
كان كمن تلقى خنجرا مسموما حادا غرس فى قلبه..
أو يد إمتدت وقبضت علي قلبه وأخذت تعصره فى قسوة ووحشية ..
إنتابه شعور بأنه علي حلبة ملاكمة مع الحياة تكيل له اللكمات المتلاحقة
لكن تلك اللكمة .. كانت القاضية ..
نعم كانت الضربة القاضية..
أستجاب جسده وكيانه للضربة القاضية ... ووقع مغشيا عليه
وغاب تماما عن الوعى
_________________
لا يعلم عدد الساعات التي غاب عنه الوعي فيها.. غادر سريره ..
وجدهم جالسين بالصالة مطأطئ الرؤوس ..
لم يجرؤ أحدا منهم علي النظر في عينيه..
متثاقلا.. مجهدا.. أتجه إلي الحمام..
وضع رأسه تحت المياة الباردة محاولا إسترداد بعضا من وعيه ..
رفع رأسه المبللة ..نظر لوجهه في المرآة ...
مرت أمامه في المرآة أحداث اليوم بتفاصيلها المرعبة..
أخذت الأصوات تعلو بداخله وتصرخ و تعلو وتصرخ..
وضع يديه علي أذنيه محاولا إسكاتها..
مد يديه لزجاجة عطر .. ألقاها على وجهه في المرآة ..
صارخا من أعماق روحه المكلومة..
- هذا يوم القيامة.. يوم الحساب..لقد نُصب ميزاني فى الأرض ..
يااارب ساعدني.. اللهم خُذ بيدى..هبني القوة لإنقاذ أولادي..
طالبا رحمتك وغفرانك على غفلتى .. . غمره إحساس جارف بأن الله قد أستجاب لدعائه..
وغفر له ذلته وغفلته فى إهمال ونسيان أولاده طوال هذه السنوات ..
. ولدت بداخله قوة روحية سرت في جميع أوصاله..شعر برجفة شديدة في جسده ..عاد بعدها..
فى كامل وعيه
________________
أسند ظهره علي باب الشقة و ظهرت علي ملامح وجهه صرامة..
لمعت عيناه ببريق قوى..
زرعت هذه الصرامة.. وهذا البريق الخوف والرهبة بنفوسهم ...
مد كلتا يديه طالبا مفاتيح الشقة ..
أحكم إغلاق الباب..
إستدار لمواجهتهم..
تكلم في صوت قوى ملئ بالثقة ونبرة لا تقبل الأعتراض .,
- لن يغادر أحدا منا...هذا المكان ...ألابعد أن نتم جميعا...
يوم الحساب
(النهاية)
قصة طويلة
صراع أقدار
---------------------------
لا أعرفــك .... لا تعرفينني..
مجهـولة لي .... مجهـولا لـــــــكى..
تقطنين فى أول الأرض .... أعيش في آخــرها ..
لكـــــــن........؟؟
أقدارنــــــــا تتصـــارع ..
قدري يصارع قدرك ..... قدرك يصارع قدري..
قدري يغير حيـاتـك ....... قدرك يغير حيـاتي..
فما الحياة إذن ألا ..
صراع أقدار ...
________________
الفصل الأول
العطسة والدمعة..
رجلنا مهندس يعمل في الكويت ... طقوسه اليومية لا تتبدل ... لايغيرها شيء يدق جرس المنبة صباحا ... يعتدل في سريره ... وفى روتينية مبرمجة... يأخذ حمامه يتناول أفطاره ... يرتدى ملابسه..يسمع سرينه سيارته يتناول حقيبته فى تلقائية.. يلقى بالحقيبة داخل السيارة يجلس على كرسيه بجانب السائق يلقى عليه تحيه الصباح ..يلقى برأسه على المقعد..وينام دون انتظارا لرده..يوقظه السائق أمام مكتبه يتمطع فى تكاسل...يلتف عماله حوله .. يوزع عليهم الأعمال ...يدخل مكتبه يراجع أوراقه ... يكمل يومه فى نشاط..
جالسا على كرسيه عائدا ..نائما .. يوقظه السائق أمام مسكنه ..
يأخذ حمامه.. يرن جرس الباب..
تدخل الخادمة البنغالية يتركها تزاول أعمالها..
يدخل سريره مستغرقا فى نوم عميق....
يستيقظ .... يتابع قنوات التلفاز ..
تناسخ للأيام ... أربعة سنوات ... تعادل يوما واحدا ..
يدخل سريره ..
ويغيب عن الوعى؟؟
_____________________
جالسا كعادته على كرسيه بالسيارة ... نائما كعادته..
فجأة..
يسمع هدير عالى الصوت.. يصم الأذان.. يرى من زجاج السيارة بجانبه طائرة ضخمة تقترب بسرعة هائلة متجهة بمقدمتها لسيارته..مقدمتها تكبر وتقترب.. يسمع صرخة السائق فى أذنيه مدوية مذعورة..
- ما هذا ... ما هذا . سوف تصدمنا ... سوف تصدمنا..
تدوى صرخات السائق المتواصلة المذعورة فى أذنه وهو ما زال ينظر إلى الطائرة وهى تقترب بسرعة جنونية متجهه إلى السيارة ...
يعلو هديرها كلما اقتربت.. ويعلو معها صراخ السائق المبحوحة المتواصلة..
فجأة ! ....
تنعدم الجاذبية داخل فضاء السيارة ويسبح فى فضاءها بحرية ... تارة إلى الأعلى.. وتارة أخرى إلى الأسفل .... ومنها إلى سقف السيارة..
أرتطم بالزجاج الامامى.. ومنه إلى الجانب الأيمن..كل هذا فى ثوان معدودة
ثوان تعادل دهرا من الزمان.. لاتنتهى.. صرخاته المتواصلة لا يدرى..
هل كانت تدوى داخله ... أم كانت تدوى فى فضاء السيارة..؟؟
لم يجد وصفا لإحساسه وشعوره بهذه الثوان المتفردة فى حياته..
فجأة ! ......
تعود الجاذبية ... تشده إلى كرسيه ... مشلول الإحساس والحركة أمتدت أيادي كثيرة لتحريكه وإخراجه ..أصواتهم المتداخلة فى أذنيه..تردد ..
-لا تحرك قدميه.. ضع يدك تحت كتفيه و رأسه..
وجد نفسه ينظر إلى سماء زرقاء صافية ... خالية من السحب وهو محمول ... كالريشة خفيف.. كالطائر حر.. إحساس لذيذ و نشوة روحية غمرت كيانه..
يهبط برقة على رمال رطبة طرية مبلله بالندى ..
ظل شاخصا ببصره لسمائه الصافية.. روحه صافية كصفاء سماءه ترفرف سعادة غامرة تسرى فى كيانه.. وقلبه.. وروحه ..
فجأة ! ....
يظهر وجه أمام وجهه.. يخفى سماءه..
تنتابه لحظات غضب..
يحدق فى هذا الوجه ..من خلال غيبوبته اللذيذة ..
كان كمن شرب كأس الخلود.. أو أنقى أنواع الحشيش..
سمع صوت بلكنة مصرية يعتذر له لتركه ..ليبلغ الشرطة والأسعاف ..
نظر إليه فى تعجب؟؟ .عن ماذا يتأسف..ويعتذر..
تبدل الوجه بوجه أخر .. وتبدلت اللكنة إلى الكويتية ..
أطمئن يا أخى الإسعاف بالطريق .. رجاءا.. لا تتحرك..
فى استغراب وتعجب يحدث نفسه ؟؟
أتحرك؟.. ولماذا أتحرك؟ تلك السماء الصافية أتركها لمن؟؟ .
أختفت سماءه ... تدريجيا ...
ويغيب عن الوعى
_________________
غمرعينيه ضوء شديد .. تساءل فى تعجب ؟؟
-أين سماءه..
ما هذا الضوء الباهر..و البرد القارص ..
لمن هذه الأيدى التى تعبث بجسده العارى وأعضاءه الحساسة ..
شعر بحرج شديد عندما رأى امرآتين أسيويتين ينظران إلى جسده العارى.. أحداهما تمسك أبره بها خيط ..ردد فى نفسه ..
طيبة هذه المرأة.. سوف تخيط له سرواله الممزق والملقى على الأرض..
يا للعجب.. أنها تضع الإبرة على ركبته..تغرزها دون رحمة..
صارخا من الألم ..
ماذا تفعلين أيتها الملعونة.. سروالى هناك..
كانت صرخته عالية مدوية فى أركان كيانه ..
أين أنا ؟ أين سمائي؟ من هؤلاء؟.
ويغيب عن الوعى
___________________ فتح عينيه على سقف أبيض.. هادئ الضوء.. زملاءه فى العمل يحيطون بسريره ..علب الشيكولاتة يضعونها مع كلمات المجاملة المعتادة...
فى إبتسامات مصطنعة.. يغادرون..يتركونه وحيدا مع آلامه ..وغربته ..
على سريره.. نصفه الأيسر ملفوفا بالشاش الأبيض.. كمومياء فرعونية.. يتوسط سريره صف من الأسرة المتراصة يفصلهما ستار أبيض..
ينام عليها من يدفعون ثمن غربتهم..
هذا أصبع مقطوع ..
تلك قدم مكسورة ..
ذلك ظهر مقسوم ..
فجأة
تقفز إلى ذاكرته زوجته وأولاده .. أين هم الآن ..أين الأهل والخلان
هو فى أشد الحاجة إليهم الآن !
* الأولاد يلتفون حول سريره فى فرح وشقاوة ...
* زوجته تقابل زواره ..تذهب جيئة وذهابا لتلبى طلباته ..
نظرات الفزع فى عينيها تحاول إخفاءها وتضع مكانها أبتسامه مصطنعة لتطمئنه ..
يرى فى عينيها دمعه تترقرق.. تحاول جاهدة أن تحبسها ..آآآآآآآآها..
ما أشد حاجته إلى هذه الدمعة الآن.. صرخ من قلبه المكلوم ..
أن هذه الغربة غول بشع لا يملك قلب..يتغذى على أحلى لحظات حياتى.. يسرق الأيام و السنين ..
تارة بتناسخ الأيام .. وتارة أخرى بحرمانك من دمعة فى عين زوجتك..
يا له من ثمن غالى.. غالى ...
ويغيب عن الوعى
________________
العطسة
متوجها إلى دار الشرطة للإدلاء بأقواله وهو ملفوف بالشاش الأبيض
مذهولا .. فمنذ دخوله وجميع أفراد الشرطة ..يحدقون به ..
هذا يبتسم وذاك يحاول أن يخفى ضحكته وآخر يربت على كتفة مجاملا فى ابتسامة مكتومة
فجأة !
ينفجر الجميع فى ضحك هيستيرى ..
تظهر على وجهه علامات الغضب والشعور بالمهانة والذهول ..
ماذا يحدث ؟؟ لماذا يضحكون عليه ؟؟
يدخل غرفة المحقق .. ينفجر المحقق ومساعده فى ضحك هيستيرى
إزداد شعوره بالغضب والمهانة..
يهدأ الجميع ..يعتذر المحقق له ..
يسأله وما زالت الابتسامة العريضة على وجهه..
-هل تعلم ماذا حدث ؟ دون انتظار لأجابته .. أجاب ..
بالطبع..لا تعلم .. سأجيبك أنا !!
كل ما حدث لك كان سببه ..
عطسة هندية؟؟
يردد كلمات المحقق فى ذهول ..
-عطسة هندية؟؟
- نعم عطسة..ولكن ليست عطسة كأى عطسة ..هى عطسة هندية ..
امرأة هندية كانت ذاهبة بسيارتها إلى عملها وهى مصابة ببرد شديد.. عطست . دارت عجلة القيادة بيدها.. فصدمت مقدمة سيارتها سيارتك من الجانب فقلبتها كانت تلك العطسة الهندية من نصيبك وقدرك ..
مذهولا.. أخذ يردد ..
كل هذا سببتة عطسة؟ عطسة هندية؟؟
أبتسم .. ضحك.. أنطلق فى ضحك هيستيرى ..
وفجأة !
غاب عن الوعى
___________________
الدمعة
وحيدا .. ممددا على سريره فى أحضان غوله البشع ..
شاخصا ببصره لسقف غرفته ..
يرن جرس الباب .. يقوم متحاملا على نفسه وآلامه ..
كانت الخادمة البنغالية .. أعطاها ظهره ..
أنطلق صراخها وغضبها وتساؤلها..
أين كان؟؟ ولماذا لم يخبرها بأنه سيغيب عدة أيام كى لا تحضر ..
أستدار بصعوبة بالغة .. صمتت فى ذهول ..صرخت فى فزع
نظر فى عينيها ..
رأى دمعة تتكون فى عينيها .. تسقط..تتدحرج على خدها الاسمر ..
لأول مرة يدقق فى ملامحها الرقيقة.. والطيبة التى تظهر على وجهها الأسمر الشاحب ..
مد يده.. وضع الدمعة على أصبعه .. محدقا فيها ..
هذه الدمعة حُفرت فى إحساسه وكيانه كنقش فرعونى على حجر جرانيتي قتلت دمعتها الغول .. هزت جنباته كأنها زلزال مدمر ..
صرخ صوت داخله ...
لا... لا هذه ليست دمعتي ..
دمعتى فى عين زوجتى واولادى
هم أحق منها بهذه الدمعة ..
قرر العودة.. وأسترد كامل وعيه
الفصل الثانى
يوم الحساب..
كمن بعثه الله من الموت ليكمل مشوار حياته ..
جالسا على كرسيه بالطائرة ملقيا رأسه إلى الخلف مغمض العينين.. تتزاحم الذكريات فى رأسه ..
لقد أكتشف إن عمر الإنسان الحقيقى هى عدد السنوات التى حفرت ذكرياتها فى كيانه.. وما أقلها ..
هاجمته ذكرياته.. حلوها.. ومرها ..
- الزوجة ... آآه هذه المرأة العظيمة التى تحملت الكثير.. تفرغت لتربية أولاده تركت عملها.. برسائلها جعلته يعيش معهم مطمئنا على أولاده وتفوقهم فى دراستهم..
- الأبن.. آها أيها الوريث الحبيب..كم أشتاق إليك.. هل تخلصت من خجلك وانطوائك.. آها أيها الشاب الوسيم ..لقد أصبحت على أبواب الجامعة ..
و صرت رجلا يفتخر بك أبيك..
- الأبنة.. يا حبيبه قلب أباكى.. أيتها الشقية الدلوعة لقد تركها طفلة..هى الآن آنسة باهرة الجمال كما صورتها.. كم يشتاق إلى طلباتها التى لا تنقطع ينفذها من فوره.. نعم .. سنوات عمره التى أكلها غول الغربة البشع من حياته ... يستحقونها .. نعم يستحقونها..
أمنت لهم حياتهم.. شقة جديدة فى حى راقى ..رصيد بالبنك .. نعم وألف نعم يستحقونها ..
فتح عينيه على صوت المضيفة تعلن وصول الطائرة ...
وازداد وعيه ..
___________________
واقفا أمام باب شقته الجديدة.. ينظر فى ساعته التى تشير للسادسة صباحا ..
إنفجر بداخله بركان من المشاعر الفياضة .. سعادة غمرت كل كيانه لقرب اللقاء ..
تحيط به حقائب السفر المحملة بكل ما هو غالى وثمين ..
فى وسط مشاعره المتخبطة.. رفع أصابعه المرتعشة ليدق الجرس ليعلن عن وصوله المفاجئ وقبل أن يضع إصبعه على الجرس يُفتح باب الشقة ..
تظهر زوجته بكامل زينتها وهى تمسك حقيبة جلدية فى يدها .. ألجمتها المفاجأة مبهوتة تنظر إليه فى ذهول.. وكأن حالها يقول..
من هذا الرجل شاحب الوجه؟؟
نحيل الجسد هل هو حقا زوجها؟؟
أخذ ينظر إليها والابتسامة تملأ وجهه ويشير لصدره ليؤكد لها أنه زوجها ... نعم حبيبها المغترب عاد .. ألقت بالحقيبة..
أرتمت بين ذراعيه المفتوحتين ..وقد شعر أنه أصبح ..
فى كامل وعيه
______________________
ألقى بجسده المنهك على أقرب كرسى بالصالة .. تحيط به حقائبه فى نصف دائرة ..
تتحرك الزوجة حوله فى إرتباك وعصبية محاولة رسم الفرحة والبهجة على وجهها..
وفجأة ..
تتناول حقيبتها الجلدية وتقبله فى خده ... قائلة ..
- آسفة يا حبيبى .. سأغيب عنك ساعة وأعود .. سأسلمهم أوراق هامة معى وأحصل على إجازة من عملى .. ساعة واحدة وأعود..
لم تترك له فرصة للرد أو الإعتراض ..
شاخصا ببصره.. ناحية باب الشقة فى ذهول ..منذ متى وزوجته تعمل؟
ولماذا تعمل؟
هى لاتحتاج إلى العمل ..
هو وأولاده لا يحتاجون لعملها؟
ما كان يرسله من نقود أكثر من إحتياجاتهم ....
وحيدا .. ينظر إلى حقائبه .. هذه حقيبة الحبيبة.. وتلك للشاب الوسيم.. وهذه للدلوعة الشقية...
فجأة ..
يُفتح باب إحدى الغرف وتخرج منها إبنته ذات السادسة عشر من عمرها تضع فوطة على كتفيها تفرك عينيها فى تكاسل .. تتلاقى نظراتهما ..
تصرخ فزعة فيحاول طمأنتها مرددا ..
لاتخافى يا حبيبتى أنا أباكي .. أنا أباكي ..
تدقق النظر إليه وعلامات الفزع والرعب ما زالت مرتسمة على وجهها .. رويدا ...رويدا تتأكد منه وتجرى ناحية ذراعية وتحتضنه فى مرح ودلع وهى تسأله .. ما الذى غيرك هكذا .
لقد أصبحت نحيلا .. شاحبا .. فإبتسم وقلبه ينفطر فى صدره..
ثمن الغربة ياإبنتى العزيزة ثمن الغربة..
ما الذي جعلك تستيقظين مبكرا هكذا؟؟
علم منها أنها ذاهبة في رحله مع شلة النادي إلى الإسكندرية يقضون يوما ويعودون..
فتاة في مثل عمرها تذهب وحدها في رحلة مع فتيان وفتيات في سن المراهقة دون رقيب؟؟
لن ينسى أبدا أتهامها له بالرجعية وأنهم جيل العولمة والكمبيوتر والأنترنت..
تركته مصدوما ودخلت الحمام وهي تسأله هل أحضر لها هدايا روشة.. في حيرة من أمره..
هل يتركها تذهب أم يمنعها ويؤكد أتهامها له بالرجعية..
دعا إليه إحساسه بإقتراب ..
غيابه عن الوعى..
__________________
في محاولة للتسرية عن نفسه أخذ يردد مقولته التى رافقته في غربته
-لاتنظر للشمس في عينها.. فلن ترى الشمس.. ولن ترى غيرها..
محاولا أن يجد عذرا لزوجته وأبنته ببعده عنهم طوال هذه السنوات وأن من المؤكد أن كل شئ سيعود لسيرته الأولي بعودته إليهم ..
فى خضم أفكارة إلتقطت أذنه صوت مفتاح يوضع فى باب الشقة
أنتقل ببصره جهه باب الشقة ولكن الصوت يتكرر والباب لا يفتح سار متثاقلا ليرى من بالباب.. أقترب من الباب ليفتحه..
وفجأة..
فتح الباب ووجد نفسه وجها لوجه أمام أبنه..
تلاقت نظراتهما.. أخذ كل منهما يحدق في وجة الآخر بتمعن وإستغراب ؟
عاد الأبن إلى الوراء خارج باب الشقة وأخذ ينظر لباب الشقة ثم هز رأسه وكأن حاله يقول ..
- نعم هذه شقتنا؟؟ فمن هذا الرجل الغريب أذن؟
- ثم عاد وأخذ ينظر إليه في حركات إنسان مغيب.. مرتعش اليدين يترنح في خطواته فى ذهول.. حدق رجلنا في ولده وهو يتساءل هل هذا ولده الشاب الوسيم؟ هل هذا الشاب النحيل شاحب الوجة.. ذات العينين الحمراوتان الزائغتان هو ولده حقا ؟
- ما هذه الهالات السوداء المحيطة بعينيه تركه الولد وإتجه ناحية غرفته وهو يترنح يمينا وشمالا ..صرخ عليه مناديا ..إلتفت إليه الشاب ثم أنفجر فى ضحك هستيري وهو يشير ناحيته.. أمسكه من كتفيه غاضبا وهزه بعنف وشدة.. فى عصبية وعنف يرفع الولد يديه ويدفعه بقوة شديدة..
تدخل الزوجة من الباب وترى ما فعله الأبن بأبيه ..
تجرى ناحيته فى غضب شديد وتصفعه عدة صفعات بكلتا يديها فى هستيريا شديدة وهى تردد..
- ده أبوك يا حيوان .. أبوك يا كلب ..
الظاهر الشم والبانجو لحسوا عقلك ..
وضع رجلنا يديه على قلبه ..
كان كمن تلقى خنجرا مسموما حادا غرس فى قلبه..
أو يد إمتدت وقبضت علي قلبه وأخذت تعصره فى قسوة ووحشية ..
إنتابه شعور بأنه علي حلبة ملاكمة مع الحياة تكيل له اللكمات المتلاحقة
لكن تلك اللكمة .. كانت القاضية ..
نعم كانت الضربة القاضية..
أستجاب جسده وكيانه للضربة القاضية ... ووقع مغشيا عليه
وغاب تماما عن الوعى
_________________
لا يعلم عدد الساعات التي غاب عنه الوعي فيها.. غادر سريره ..
وجدهم جالسين بالصالة مطأطئ الرؤوس ..
لم يجرؤ أحدا منهم علي النظر في عينيه..
متثاقلا.. مجهدا.. أتجه إلي الحمام..
وضع رأسه تحت المياة الباردة محاولا إسترداد بعضا من وعيه ..
رفع رأسه المبللة ..نظر لوجهه في المرآة ...
مرت أمامه في المرآة أحداث اليوم بتفاصيلها المرعبة..
أخذت الأصوات تعلو بداخله وتصرخ و تعلو وتصرخ..
وضع يديه علي أذنيه محاولا إسكاتها..
مد يديه لزجاجة عطر .. ألقاها على وجهه في المرآة ..
صارخا من أعماق روحه المكلومة..
- هذا يوم القيامة.. يوم الحساب..لقد نُصب ميزاني فى الأرض ..
يااارب ساعدني.. اللهم خُذ بيدى..هبني القوة لإنقاذ أولادي..
طالبا رحمتك وغفرانك على غفلتى .. . غمره إحساس جارف بأن الله قد أستجاب لدعائه..
وغفر له ذلته وغفلته فى إهمال ونسيان أولاده طوال هذه السنوات ..
. ولدت بداخله قوة روحية سرت في جميع أوصاله..شعر برجفة شديدة في جسده ..عاد بعدها..
فى كامل وعيه
________________
أسند ظهره علي باب الشقة و ظهرت علي ملامح وجهه صرامة..
لمعت عيناه ببريق قوى..
زرعت هذه الصرامة.. وهذا البريق الخوف والرهبة بنفوسهم ...
مد كلتا يديه طالبا مفاتيح الشقة ..
أحكم إغلاق الباب..
إستدار لمواجهتهم..
تكلم في صوت قوى ملئ بالثقة ونبرة لا تقبل الأعتراض .,
- لن يغادر أحدا منا...هذا المكان ...ألابعد أن نتم جميعا...
يوم الحساب
(النهاية)