وطنٌ منفى !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فات الميعاد
    • 23-07-2012
    • 8

    وطنٌ منفى !



    لن أُبالي برؤوسٍ لا تحمِلُ في جوفِها سوى ببِغاء لا تمنعهُ بشاعةُ صوتِه من الصّياح بالكلام, أتجاهلُ أحاديثَهنّ وهي تتجهُ ببوصلتِها إلى المظاهراتِ التي تجري في القطيفِ, أحاولُ أن أتشاغلَ عن بلاهةِ تحليلاتهنّ المطرّزة بالغباوةِ بنقلِ باقي المحاضرةِ على دفتري الصّغيرِ قبل أن ينقضي وقتُ الاستراحة. يؤذِي سمعي صوتُ إحداهنّ وهي تقولُ: كلّهم خونة, عملاء لإيران. في محاولةٍ منها لإغلاقِ الموضوعِ بعبقريّةٍ فذّة ! ألتفِتُ باحثةً عنِ الفمِ الذي تقيأَ هذي البذاءة فإذا بها أشقاهنّ تفاهةً لم تقرأ في حياتِها سوى المذكرات الجامعية, ولم تمسك بيدها_ أبدًا_ كتابًا غيرَ الكتب المدرسيّة. قضيّتُكِ لونُ الفستانِ وماركة الحقيبة, حياتُكِ تدورُ بينَ مسلسلٍ وأغنيةٍ فمن أينَ أتيتِ بمعلومتكِ التي تعلنينها بكلّ جزمٍ وثقة؟ يستعرُ صدري غيظًا فأهمّ أن أشتبك معها بالكلامِ لأجرّها من شعرِ حُمقِها وألقي بها في هاويةِ جهلِها لكنّني أضغطُ على خصرِ قلمي, يكاد ينثلِم بين أصابعي ويسفحُ حبره على يدي و أوراقي, أحبسُ ثورةَ الغضبِ وأكملُ الكتابة و قلمِي يوشِكُ أن يخرقَ بريشتهِ أديمَ الصّفحة. أغمضُ عيونِي عن اشتعالاتِ دمي, و أصمّ سمعِي عن أحيحِ نفسِي بالانغماسِ الكاذبِ في الكتابة, حتى تصرخ فيّ الأسئلة: ما الذي جاءَ بي إلى هنا؟ كيفَ ساقَتْني سذاجتِي إلى عالمٍ بأبوابِ الرّفضِ والعداءِ قدْ أغلقَ على نفسهِ ؟ جئتُ أظنّها رياضًا فإذا بها الجَحيم. قصدتُ للدّراسَةِ العاصِمةَ مُحمّلةً بأحلامي تسبِقني ضِحكاتِي فسقطتِ الأحلام, و ماتتِ الضّحكاتُ وخزًا بالنّظرات. تهجُم عليّ رغبةٌ جامحةٌ بالبُكاء, فأشتاقُ إلى حضنِ أمّي, لأخبئ فيهِ وجهَ أحزاني, و أسكُبَ عليهِ دموعا تُشيّع تصوّراتٍ لي عن الحياة ملوّنة ببراءةِ الطّفولة, خلال هذي السّنة طفلتُكِ كبرت يا أمّي, وعلا مفرقَ عمرِها الشّيبُ, أخرستْها يدُ الكآبةِ ودخلت في قوقعةِ الصّمتِ, صارتْ تحسِبُ جملَها وتفكّر قبلَ أن تفوهَ بها حتى لا تفلِتَ من بينِها كلِمةٌ يعبقُ منها شذا لهجةِ القطيفِ التي تواري انتماءها لها عندَ السّؤالِ بقولها: أنا من الشّرقية, حيثُ يعتبرُ البوحُ باسمِ القطيفِ شُبهةً والانتسابُ إليها وصمة ! لا تسأليني يا أمّي حين أعودُ في الصّيفِ عن نتائجِ امتحاناتِي, ولا عن علاماتِي بل اسأليني عن عذابٍ عانيتُه حينَ لم أجدْ في صدرِ الوطن متسعا, اسأليني عن رأسِ العزّةِ الذي طأطأ أمام تحديقِه فيّ بعيونٍ ملؤها الريبةِ والشكّ. !

    سُميّة كَريم.
    التعديل الأخير تم بواسطة فات الميعاد; الساعة 26-07-2012, 18:49.
يعمل...
X