[align=center]نحن مُختلفون..[/align]
بقلم:تهاني دربي (شاعرة وكاتبة من ليبيا)
وأنا بصدد إعداد هذا الفيلم كنت أرغب في الوصول بالمشاهد إلى حقيقة كنت أؤمن بها وهي أننا كبشر مختلفون..وعندما أنتهيت منه أكتشفت عكس ذلك "
هذه الجملة التي استقرت في ذهني لمخرج فيلم "بابل" "أليخاندرو غونزالس" زرعت لي حافزا قويا يرغب في رؤية هذا الفيلم الذي لم أتمكن من مشاهدته إلا مؤخرا.
بابل حصد24جائزة..أهمها الجائزة الكبرى لمهرجان"غولدن جلوب" لهذا العام.. قصته توزعت علي أربعة أماكن..ربط بينها خيط رفيع أهميته تكمن في توضيح أن ما يحدث في المغرب قادر علي أن يؤثر في حياة إنسان آخر يعيش في اليايان..وعلي خلفية هذا الخيط يحكي الفيلم أربع قصص مختلفة.. قصة زوجين أمريكيين يعانيان من شرخ في علاقتهما بسبب فقدهما لأحد أطفالهما..و للملمة ما انكسر بينهما يسافران إلى المغرب وحدهما في إجازة بعيدا عن طفليهما..إذ تتولي رعايتهما مربية مكسيكية يتصادف أن ابنها سيعقد قرانه في الأثناء نفسها بالمكسيك مما يضطرها لأخذ الطفلين الأمريكيين معها والسفر بهما لحضور حفل الزفاف هناك وأثناء هذه الرحلة تصاب أم الطفلين في المغرب برصاصة طائشة من بندقية أهداها سائح ياباني لمواطن يعيش في صحراء المغرب الذي باعها بدوره إلى مغربي آخر اضطر لشرائها منه ليحمي بها أولاده و قطيع أغنامه من الذئاب.
المشاهد يبذل جهدا في الإمساك بالخيط الذي يربط بين هذه القصص الأربع في البداية لتعمق المخرج في حياة كل قصة علي حدة.. من تداعيات إطلاق الرصاصة علي السائحة وتجيير الحكومة الأمريكية له علي أساس أنه حادث أرهابى إلى ما يحدث في المكسيك وتداعي رحلة العودة إلى أمريكا وما حدث فيها من تطورات وصل إلى حد ترحيل هذه المربية إلى بلدها وقسوة رجال شرطة الحدود في التعاطي معها..إلى ضراوة العيش في الصحراء المغربية التي تجعل أباً يعطي بندقية لطفل في العاشرة من عمره وتجعل هذه السائحة تنزف حتي أوشكت علي الموت لأن هذه المناطق الصحراوية تفتقد لأدني رعاية ، لأزمة ابنة السائح الياباني التي تشكل عاهتها عائقا أمام الآخرين في التعاطي معها والعكس في مجتمع يلهث باتجاه الأمام ولا يتمكن من رؤية ما يحدث بجانب
الإخراج الشبه وثائقي للفيلم حشد بكم هائل من الدلالات تجعل المشاهد يصفق وحده لروعة التقاط المخرج لها.. والتي بها يفتح آفاقا أوسع.وتجعلنا في نفس الوقت أمام أسئلة كثيرة يصعب أحيانا أن نجيب عليها..ومنها عدم وضوح النتيجة التي أكدها المخرج في الجملة التي بدأت بها مقالي هذا..فأين وجه الشبه بين طفل في العاشرة يعيش في صحراء قاحلة لا تعطيه مجالا لطفولته و يضطر فيها إلى حراسة أغنامه من الذئاب ببندقية..وبين طفل أمريكي تدلـله مربية تلعب معه وتحرسه طوال الوقت ويبكي عند مشاهدة أحد ما يقتل دجاجة..؟؟أين وجه الشبه بين تعامل الشرطي الياباني المهذب مع المتهمين من الشرطي المغربي الذي يضرب متهما دون رحمة ويقتل طفلا بسهولة وكأن الطفل حشرة؟؟أين وجه الشبه بين برودة السواح الأمريكان في تعاطيهم مع حادث إطلاق النار من نخوة الدليل المغربي؟؟..أين وجه الشبه بين روح المكسيكي في الاستمتاع بالحياة علي بساطتها من المغربي الذي لا يعرف إلا العمل المتواصل من أجل أجر زهيد لا يكفيه.... أعتقد أن الخوض في تفاصيل القصص الأربع وضح أن النسبية متفاوتة جدا مما يجعل الاستناد علي المطلق ضعيف جدا "الشرطة ظالمة في أى مكان..والأطفال لهم مشاكلهم في كل مكان. وأن الأمريكي والمغربي والياباني والمكسيكي يعانون علي السواء".
أداء الممثلين كان رائعا وكانت تكفي تعابير وجوههم التي أخذت حيزا كبيرا من كادرات التصوير في ترجمتهم دون حديث..وكان يكفي اختلاف اللون الطاغي علي الشاشة..طبعا بدلالاته.. الأزرق كان لليابان..الأصفر كان للمكسيك والمغرب..الوردي لأمريكا التقطيع المبعثر جعلنا نلاحق بمتعة أربع قصص تتصاعد فيها الأحداث بروح واحدة وان أختلفت الأماكن والموسيقى بعيدا عن اختلافي مع جملة مخرج الفيلم التي بدأت بها المقال والتي استقاها من كتاب العهد القديم والتي تقول ما معناه " أننا كبشر كنا أمة واحدة لا نختلف عن بعض. وأن الله سبحانه وتعالي بلبل لساننا وجعلنا نتكلم لغات مختلفة وفرقنا في هذه الأرض"..أي أننا مع مضي هذا الوقت الطويل مازلنا كما نحن متشابهين.. فقط نتكلم لغات مختلفة!!..مع أن تفاصيل كل قصة في هذا الفيلم توضح تأثير الزمن والمكان في نمو أفرادها الذي يترجمه سلوكهم المختلف في التعاطي مع اشكاليات الحياة....وتؤكد أن المخرج كان مخلصا لهدفه.. حتي وأن أقر بنتائج مغايرة..لم تكن واضحة للمشاهد.
من هذا المنطلق أعتبر هذا الفيلم يستحق عن جدارة كل هذه الجوائز.وأنه أستطاع بعيدا عن البهرجة الهوليودية المعتادة وبروح واقعية مختلفة و بموضوعيته الصادقة والزاخرة فنيا أن ينقل واقع معاش في الأماكن الأربعة موضوع الفيلم..كما أن سيل الدلالات التي يتناولها هذا الفيلم لاحقتني حتي بعد انتهائه..بابل مفعم..لذا يستحق أن نراه أكثر من مرة.
بقلم:تهاني دربي (شاعرة وكاتبة من ليبيا)
وأنا بصدد إعداد هذا الفيلم كنت أرغب في الوصول بالمشاهد إلى حقيقة كنت أؤمن بها وهي أننا كبشر مختلفون..وعندما أنتهيت منه أكتشفت عكس ذلك "
هذه الجملة التي استقرت في ذهني لمخرج فيلم "بابل" "أليخاندرو غونزالس" زرعت لي حافزا قويا يرغب في رؤية هذا الفيلم الذي لم أتمكن من مشاهدته إلا مؤخرا.
بابل حصد24جائزة..أهمها الجائزة الكبرى لمهرجان"غولدن جلوب" لهذا العام.. قصته توزعت علي أربعة أماكن..ربط بينها خيط رفيع أهميته تكمن في توضيح أن ما يحدث في المغرب قادر علي أن يؤثر في حياة إنسان آخر يعيش في اليايان..وعلي خلفية هذا الخيط يحكي الفيلم أربع قصص مختلفة.. قصة زوجين أمريكيين يعانيان من شرخ في علاقتهما بسبب فقدهما لأحد أطفالهما..و للملمة ما انكسر بينهما يسافران إلى المغرب وحدهما في إجازة بعيدا عن طفليهما..إذ تتولي رعايتهما مربية مكسيكية يتصادف أن ابنها سيعقد قرانه في الأثناء نفسها بالمكسيك مما يضطرها لأخذ الطفلين الأمريكيين معها والسفر بهما لحضور حفل الزفاف هناك وأثناء هذه الرحلة تصاب أم الطفلين في المغرب برصاصة طائشة من بندقية أهداها سائح ياباني لمواطن يعيش في صحراء المغرب الذي باعها بدوره إلى مغربي آخر اضطر لشرائها منه ليحمي بها أولاده و قطيع أغنامه من الذئاب.
المشاهد يبذل جهدا في الإمساك بالخيط الذي يربط بين هذه القصص الأربع في البداية لتعمق المخرج في حياة كل قصة علي حدة.. من تداعيات إطلاق الرصاصة علي السائحة وتجيير الحكومة الأمريكية له علي أساس أنه حادث أرهابى إلى ما يحدث في المكسيك وتداعي رحلة العودة إلى أمريكا وما حدث فيها من تطورات وصل إلى حد ترحيل هذه المربية إلى بلدها وقسوة رجال شرطة الحدود في التعاطي معها..إلى ضراوة العيش في الصحراء المغربية التي تجعل أباً يعطي بندقية لطفل في العاشرة من عمره وتجعل هذه السائحة تنزف حتي أوشكت علي الموت لأن هذه المناطق الصحراوية تفتقد لأدني رعاية ، لأزمة ابنة السائح الياباني التي تشكل عاهتها عائقا أمام الآخرين في التعاطي معها والعكس في مجتمع يلهث باتجاه الأمام ولا يتمكن من رؤية ما يحدث بجانب
الإخراج الشبه وثائقي للفيلم حشد بكم هائل من الدلالات تجعل المشاهد يصفق وحده لروعة التقاط المخرج لها.. والتي بها يفتح آفاقا أوسع.وتجعلنا في نفس الوقت أمام أسئلة كثيرة يصعب أحيانا أن نجيب عليها..ومنها عدم وضوح النتيجة التي أكدها المخرج في الجملة التي بدأت بها مقالي هذا..فأين وجه الشبه بين طفل في العاشرة يعيش في صحراء قاحلة لا تعطيه مجالا لطفولته و يضطر فيها إلى حراسة أغنامه من الذئاب ببندقية..وبين طفل أمريكي تدلـله مربية تلعب معه وتحرسه طوال الوقت ويبكي عند مشاهدة أحد ما يقتل دجاجة..؟؟أين وجه الشبه بين تعامل الشرطي الياباني المهذب مع المتهمين من الشرطي المغربي الذي يضرب متهما دون رحمة ويقتل طفلا بسهولة وكأن الطفل حشرة؟؟أين وجه الشبه بين برودة السواح الأمريكان في تعاطيهم مع حادث إطلاق النار من نخوة الدليل المغربي؟؟..أين وجه الشبه بين روح المكسيكي في الاستمتاع بالحياة علي بساطتها من المغربي الذي لا يعرف إلا العمل المتواصل من أجل أجر زهيد لا يكفيه.... أعتقد أن الخوض في تفاصيل القصص الأربع وضح أن النسبية متفاوتة جدا مما يجعل الاستناد علي المطلق ضعيف جدا "الشرطة ظالمة في أى مكان..والأطفال لهم مشاكلهم في كل مكان. وأن الأمريكي والمغربي والياباني والمكسيكي يعانون علي السواء".
أداء الممثلين كان رائعا وكانت تكفي تعابير وجوههم التي أخذت حيزا كبيرا من كادرات التصوير في ترجمتهم دون حديث..وكان يكفي اختلاف اللون الطاغي علي الشاشة..طبعا بدلالاته.. الأزرق كان لليابان..الأصفر كان للمكسيك والمغرب..الوردي لأمريكا التقطيع المبعثر جعلنا نلاحق بمتعة أربع قصص تتصاعد فيها الأحداث بروح واحدة وان أختلفت الأماكن والموسيقى بعيدا عن اختلافي مع جملة مخرج الفيلم التي بدأت بها المقال والتي استقاها من كتاب العهد القديم والتي تقول ما معناه " أننا كبشر كنا أمة واحدة لا نختلف عن بعض. وأن الله سبحانه وتعالي بلبل لساننا وجعلنا نتكلم لغات مختلفة وفرقنا في هذه الأرض"..أي أننا مع مضي هذا الوقت الطويل مازلنا كما نحن متشابهين.. فقط نتكلم لغات مختلفة!!..مع أن تفاصيل كل قصة في هذا الفيلم توضح تأثير الزمن والمكان في نمو أفرادها الذي يترجمه سلوكهم المختلف في التعاطي مع اشكاليات الحياة....وتؤكد أن المخرج كان مخلصا لهدفه.. حتي وأن أقر بنتائج مغايرة..لم تكن واضحة للمشاهد.
من هذا المنطلق أعتبر هذا الفيلم يستحق عن جدارة كل هذه الجوائز.وأنه أستطاع بعيدا عن البهرجة الهوليودية المعتادة وبروح واقعية مختلفة و بموضوعيته الصادقة والزاخرة فنيا أن ينقل واقع معاش في الأماكن الأربعة موضوع الفيلم..كما أن سيل الدلالات التي يتناولها هذا الفيلم لاحقتني حتي بعد انتهائه..بابل مفعم..لذا يستحق أن نراه أكثر من مرة.